شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
ببساطة... أحب

ببساطة... أحب "الجلي"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والنساء

الجمعة 26 أبريل 202411:46 ص

أعرّف نفسي بأني لست تلك الشابة المولعة بالأعمال المنزلية، ولا أخجل من ذلك حين تتفاخر الفتيات من حولي بإنجازاتهن في المطبخ خاصة، وأجد تلك الأحاديث في الغالب بائسة ومملّة ولا تشبهني: ماذا يعني أن أجيد نوع طعام ولا أجيد آخر؟ هل ذلك يحدّد أنوثي إن كنت ماهرة أكثر من غيري، أو يضعني في مرتبة أعلى أو أدنى اجتماعياً مقارنة برفيقاتي؟ هل يجعلني ذلك أكثر أو أقل "هناء"؟

لكن فعلاً ما يثير انتباهي حين أجد من تستمتع بغسل "المواعين" نهاية اليوم مثلي، لنبدأ معاً في سرد قدسية هذه الساعة التي تمتصّ سلبية اليوم بأكمله، وقد تبني شيئاً من الوصال مع النفس والسكينة، على الأقل بالنسبة لي وما أشعر به حقاً.

ذات مرة عبّرت عن هذا الأمر في منشور على فيسبوك، ليتلقى المنشور كثيراً من "أضحكني"، ثم موافقتي بالرأي من عدّة فتيات يجدن راحتهن في غسل المواعين نهاية اليوم، ولأني قلت "تأتي الأفكار العظيمة حينها وتترتب مشاعري"، كتب لي أحدهم في تعليق أن كاتبة الروايات البوليسية أجاثا كريستي، أشارت لنفس الشيء.

ماذا يعني أن أجيد نوع طعام ولا أجيد آخر؟ هل ذلك يحدّد أنوثي إن كنت ماهرة أكثر من غيري، أو يضعني في مرتبة أعلى أو أدنى اجتماعياً مقارنة برفيقاتي؟ هل يجعلني ذلك أكثر أو أقل "هناء"؟

طبعاً لا أضع نفسي مكان أجاثا لأكتب روايات بوليسية، لكني بالفعل كلما وقفت على المغسلة تأتيني فكرة شيء ما للقيام به، حتى وإن كان ذلك الشيء تخطيطاً لجلسة تنظيف بشرة، أقوم بها بنفسي في البيت، وأرتّب ذلك في عقلي، كيف سيكون وماذا سأفعل، بتفنّن تام، أو قد تقفز في رأسي فكرة قصة قصيرة لمشروع مجموعة قصصية أفكر في العمل عليها مستقبلاً، وأدوّن تلك الأفكار والتصورات على "نوت" صغير حالما أنتهي، لكن تلك المتعة لا تستمر كل أيام السنة بطبيعة الحال، هي مثل كل شيء يأتي ويذهب، تبعاً لظروف نفسية أو جسدية، وقد أقع تحت فخّ تقلباتي المزاجية، مرّات تستجيب نفسيتي لهذا العمل اليومي وأفلت منها بفضله، لذا لكم أن تتخيلّوا كمية الأفكار التي أحصل عليها في وقت كشهر رمضان.

أعلم أن ما أقوله الآن يثير استغراب البعض، حيث إن الكثيرات يعتبرن العمل المنزلي عنفاً قائماً على النوع الاجتماعي، وهو كذلك، ولا سيما أن مجتمعاتنا تحمّل النساء وحدهن عبء هذه الأعمال الثقيلة والمتعبة، بينما هناك على الطرف الآخر، أخ أو زوج أو ابن لا يفعل شيئاً، في الوقت الذي تقضي فيه النساء الأعمال بصعوبة، حتى وإن كُنّ نساء لديهن وظائف خارج المنزل أو متعبات من السعي كل النهار، هناك من يطالبهن بالأعمال التي "خلقهن الله لأجلها".

كانت ردود بعض ممن حولي وصديقاتي على فيسبوك مقاربة لرأيي، "وكأنه آخر امتحان قبل إجازة نحتاجها، لكن الفرق أن هذه الإجازة قد تكون لساعات قليلة"، كما قالت لي أختي، حيث نتشارك نفس الرأي في هذا الموضوع مع فروقات معينة في كيفية قضاء الوقت أثناء هذه العملية، فهي تحب سماع القصص والبودكاستس، وأم لطفل يعيش ظروف صحية مختلفة ويشغل معظم وقتها، وأنا على الزاوية الأخرى، أسمع لوردة الجزائرية والبرامج السياسية، في تبادل يخفّف وطأة الأيام، ويعكس اختلاف أمزجتنا وتفضيلاتنا.

تجربتي الخاصة في الأعمال المنزلية بشكل عام، تمتلك بعض الرفاهية مقارنة بالأغلبية، فأنا لا أحصر نفسي بكثير من "اللازم" حتى أقوم بكل ما يجب –حسب نظرة المجتمع اليمني- على المرأة القيام به، لتكون بحسب اللفظة اليمنية "مَرَة"، أي امرأة بحق وحقيق، كاملة المواصفات، وهو القياس الذي وضع بصرامة سيف على أعناق النساء، ويتجرّعن بسببه المتاعب في البيوت دون أن ينبسن بكلمة، حتى لا يقال عنهن "بايرات" أي غير صالحات للزواج، حتى لو كانت هذه الأعمال اليومية المتكرّرة ستضعهن في حالة صحية مزمنة، ولا يوجد في قاموس حياتنا، كيمنيين ويمنيات، أن يقوم الرجال بمساعدة النساء داخل المنزل، حتى في أشد أيام النساء صعوبة وازدحاماً، هذا خارج التفكير أصلاً، وينتمي لجنس الخيال غير العلمي.

صحيح أن هذه عادة شعوب المنطقة عامة، ونحن كبلدان عربية نتشابه في متاعبنا، نساء ورجالاً، لذلك نتشارك في بثّ همومنا على فيسبوك ونسخر من كل شيء، كأن نسخر من هجوم إيران على إسرائيل أو من هجوم إسرائيل على إيران، أو كيمنيين، نسخر من الحالة التي وصلنا لها بسبب الحرب المستمرّة من تسعة أعوام، وما أفرزته من عينات سياسية واجتماعية "مضحكة مبكية"، وبلا شك من تراكم المواعين علينا كشابات من مختلف البقاع، حيث نجتمع في التعليقات على أي منشور حول هذا الأمر، ونشارك شعورنا تجاهه أو همومنا، خاصة في المناسبات الاجتماعية والدينية، مثل رمضان والأعياد وحتى نهاية الأسبوع.

فغالبيتنا لم تصل لمرحلة "الترف" ليكون في منازلنا غسّالة أطباق، وإن كنّ مثلاً من عائلات بالفعل مترفة وغنية، إلا أن وجود آلة مثل هذه في بيت توجد فيه امرأة أمر مشين بحقها، ولا تستحق إن طالبت به تلك الصفة الخالدة: "كحيلة"

نحكي الهم والسخرية والشعور كأنه هم واحد، فغالبيتنا لم تصل لمرحلة "الترف" ليكون في منازلنا غسّالة أطباق، وإن كنّ مثلاً من عائلات بالفعل مترفة وغنية، إلا أن وجود آلة مثل هذه في بيت توجد فيه امرأة، أمر مشين بحقها،  ولا تستحق إن طالبت به تلك الصفة الخالدة، وقد تخرج من تصنيف "امرأة كحيلة"، أي امرأة نشمية و"شاطرة"، كما يتم الإشارة لها في محافظة شبوة التي أنتمي لها، وهذه التصنيفات هي ما تجعلنا نهزأ من متاعبنا علناً، وكأن لسان حالنا يقول: "هذا ما وجدنا عليه أمهاتنا"، وما أخشاه أن نترك هذا الإرث لبناتنا في المستقبل، وأن نطبعه في وعيهن وكأنه شيء جُبلن عليه منذ لحظة التكوين.

ليس الأمر بهذه الصرامة، فالصحون قد تبادلك الحديث والضحك أحياناً، وقد تجذبك لمراقبة أثر الاستخدام الدائم عليها، فلها تجاعيدها الخاصة، وتصبّغات البشرة أيضاً، في إحدى المرات وجدت نفسي أجري مقارنة مع قدر طبخ محدّد، يوحي من تموجات شكله الخارجي بالأنوثة، وأنا أسأله/ا عن طريقته في التعامل مع تساقط الشعر، وفكّرت حينها في استخدام نفس صابون الجلي الذي استخدمه مع الصحون لمنع تساقط شعري، وفي هذه اللحظة تحديداً أفلت القدر من يدي، وأحدث ضجة على أرضية المطبخ، فقد رفعت يدي عنه لا شعورياً لتحسّس خصلات شعري، ثم أطلقت ضحكة مدوية، كانت سبباً في إحداث تغيرات مفاهيمية لمعنى الصمت في المطبخ.

مع ذلك لا أغالط نفسي حين أشعر بأن غسل المواعين يخرجني غالباً من "المود" السيء، ولا أعدّه استسلاماً لواقعي ومحاولة ترقيع، فهذا شعوري الشخصي أولاً وأخيراً، فأنا لا اعتبر نفسي "كحيلة" ولكن مستمتعة، وقد يشاركني الشعور بعض الشابات والشباب، ولعل من يجرب ما أرويه الآن يشعر بما أقصده، أي أن يستمتع في ساعة صفاء مع رأسه، وحيداً أمام حشد من الأفكار والصحون.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image