شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
2023 عام التسليح الأكبر في التاريخ... كيف توزعت الـ2443 مليار؟

2023 عام التسليح الأكبر في التاريخ... كيف توزعت الـ2443 مليار؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقيقة

الخميس 25 أبريل 202401:35 م

من المثير للغرابة -وربما الحنق- أن أربعاً من أصل الدول الخمس الأعضاء في مجلس الأمن هي الأكثر إنتاجاً للأسلحة في العالم. ويأتي على رأس مهامها، بحسب ميثاق الأمم المتحدة، "المحافظة على السلام والأمن الدوليين".

فباستثناء بريطانيا، سنجد أن الولايات المتحدة الأمريكية، ثم روسيا، ثم ألمانيا، ثم فرنسا، ثم الصين هي بالترتيب الأكثر تصنيعاً وتصديراً للأسلحة الثقيلة والخفيفة، وحتى التكنولوجيا وبرامج التدريب العسكري، الأمر الذي يفسر بشكل كبير انتعاش هذه الاقتصادات في الوقت الذي تشتعل فيه الحروب في مناطق أخرى وقارات بعيدة.

2023 العام الأكثر تسليحاً في التاريخ الحديث

في تقرير صدر أخيراً عن "معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام" نكتشف أن العام الماضي 2023 صُنّف بأنه الأكثر إنفاقاً على التسليح والموازنات العسكرية في التاريخ الحديث، بنسبة زيادة تبلغ 7% -وهي الأكبر- منذ العام 2009، وبرقم إجمالي وصل إلى 2443 مليار دولار أمريكي. 

من المثير للغرابة -وربما الحنق- أن أربعاً من أصل الدول الخمس الأعضاء في مجلس الأمن هي الأكثر إنتاجاً للأسلحة في العالم، وهي التي يأتي على رأس مهامها "المحافظة على السلام والأمن الدوليين" بحسب ميثاق الأمم المتحدة

هذا الرقم لا يعني أن العام 2023 هو الأسوأ، بل أن التخوف يجب أن ينسحب على الأعوام المقبلة من كيفية استخدام هذا السلاح، فمتى وأين سيتم تصريفه؟ ولصالح أية جهة؟ وفي حال لم يتنقل هذا السلاح في صفقات معلنة، فهل سيصل ليد ميليشيا أو مجموعة متمردة في السوق السوداء لتجارة السلاح في العالم؟.

بحسب الخبر الذي نشرته وكالة رويترز يرى خبراء معهد ستوكهولم بأن "الارتفاع المطرد في التسليح أتى نتيجة مباشرة لتدهور السلام والأمن العالميين، وأن الدول تضع القوة العسكرية كأولوية لكنها في الوقت نفسه تخاطر بالانزلاق لدوامة الفعل ورد الفعل في مشهد تتزايد فيه الاضطرابات الجيوسياسية والأمنية في العالم".

حصة الشرق الأوسط من التسليح

في الوقت الذي بلغت فيه نسبة زيادة التسليح عالمياً 7%، بلغت في الشرق الأوسط 9%، وهو أعلى معدل نمو تسليح سنوي تشهده المنطقة في سنواتها العشر الأخيرة بمبلغ مقداره 200 مليار دولار. 

2023 هو العام الأكثر تسلحاً في التاريخ، وهذا لا يعني أنه الأسوأ، فالأسوأ هو أن التخوف من نتائج امتلاك هذا السلاح تنسحب على السنوات القادمة.

وقد تربعت السعودية على قائمة الدول الأكثر إنفاقاً على التسليح، تلتها إسرائيل فالجزائر ومن ثم إيران في القائمة، وهو ما يعزيه البعض إلى الحرب على غزة وما تسببت به في زيادة الاضطرابات في المنطقة ككل، يضاف إلى هذا السبب الجو السياسي المشحون مع إيران.

السعودية

جاءت السعودية برقم قارب 76 مليار دولار كموازنة عسكرية ضمن الدول الخمس الكبرى في الإنفاق على التسليح في العالم والأولى في المنطقة، إذ سبقتها الولايات المتحدة، والصين، وروسيا، و"بلغت نسبة الموازنة العسكرية نسبة إلى موازنة المملكة 25% وهو أعلى رقم على مستوى العالم بعد أوكرانيا" بحسب تقرير معهد ستوكهولم.

من ضمن هذا الرقم اشترت السعودية أسلحة أمريكية بقيمة نصف مليار دولار في صفقة أعلنت عنها وكالة الأمن القومي والتعاون الدفاعي الأمريكية، وكذلك برنامج تدريب عسكري بقيمة مليار دولار بحسب ما أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، كذلك صفقة ضخمة لبناء السفن الحربية من مجموعة "نافال" الفرنسية.

استيراد الأسلحة لا يأتي منفصلاً عن تصنيعها داخل المملكة، فقد أشار التقرير إلى أن السعودية وضعت خطة طويلة الأمد تهدف إلى تطوير التصنيع العسكري في السنوات الخمس الأخيرة، لذا تبدو النسبة التي أعلنها معهد ستوكهولم عن السعودية تنفق ما قيمته 24% من الإنفاق الحكومي على التسليح منطقية، لأنها تضم هذه الموازنات أيضاً إلى جانب الاستيراد.

إسرائيل

زادت الموازنة العسكرية الإسرائيلية إلى 27 مليار دولار في العام 2023، أي ربع الموازنة العامة للدولة، وأشار معهد ستوكهولم إلى أن "الزيادة في الإنفاق كانت مدفوعة بشكل أساسي بالهجوم الإسرائيلي واسع النطاق على غزة رداً على الهجوم الذي شنته حماس على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر الماضي"، فمن الذي يبيع الأسلحة لإسرائيل اليوم ويؤمن وقود الحرب؟

مع تزايد الاتهامات بالإبادة الجماعية والعقاب الجماعي نتيجة المذابح التي تسببت ولا زالت تتسبب بها إسرائيل في حربها على قطاع غزة، تتعالى كل يوم دعوات وقف بيع الأسلحة لها، وهي دعوات قانونية بقدر ما هي إنسانية، فبحسب معظم القوانين المحلية للدول الأعضاء في مجلس الأمن بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية، وبحسب القانون الدولي الإنساني الذي وقعت عليه معظم الدول، يُمنع على الدولة المصنعة للسلاح أن تبيعه لأي جهة تستخدمه في انتهاكات حقوق الإنسان، أو في جرائم ضد الإنسانية كالتي تمارسها إسرائيل في القطاع.  

هناك 165 مليون فقير في العالم، كلفة مساعدتهم  هي 14 مليار دولار سنوياً، أي أن العالم إذا أنفق على محاربة الفقر ما نسبته 0.57% مما ينفقه على التسليح سنوياً، سيصبح مكاناً يحصل فيه الجميع على خدمات صحة وتعليم وغذاء ومياه نظيفة أفضل

يضاف إلى ما سبق القرار الصادر عن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في بداية هذا الشهر نيسان/ أبريل 2024، والذي دعا  الدول الأعضاء إلى "وقف بيع ونقل وتحويل الأسلحة والذخائر وغيرها من المعدات العسكرية إلى إسرائيل بسبب انتهاكها للقانون الدولي الإنساني".

للإجابة عن سؤال من يبيع الأسلحة لإسرائيل وينتهك القرار السابق والتزامات الدول القانونية، فالجواب البديهي هو أن حوالى 68% من الأسلحة المورّدة لها تأتي من الولايات المتحدة، ثم تليها ألمانيا بما نسبته 24% بحسب قاعدة بيانات معهد ستوكهولم للسلام، ويُذكر أن ألمانيا وفي مقابل تسليحها لإسرائيل أعلنت استئناف دعمها للأونروا في 24 أبريل/ نيسان 2024.

الجزائر

بموازنة عسكرية تجاوزت 18 مليار دولار، ارتفع الإنفاق العسكري في الجزائر إلى أعلى معدل تسجله البلاد في تاريخها على الإطلاق، وبنسبة 76%، ويأتي هذا الرقم في ظل ارتفاع عائدات الغاز.

يقابل الارتفاع في الموازنة العسكرية الجزائرية تراجع إنفاق الجارة المغرب على التسليح بنسبة 2.5، والتي بالكاد تجاوزت موازنتها العسكرية 5 مليارات دولار بقليل.

عن سباق التسلح بين المغرب والجزائر والمدفوع بالمشاحنات السياسية، نشر تقرير لموقع هسبريس  اقتباساً عن الخبير العسكري محمد شقير، ويقول فيه إن "المغرب سبق الجزائر في بناء ترسانته العسكرية منذ أكثر من عقدين". وبحسب تقرير "الإنفاق العسكري العالمي" فالجارتان هما أكثر من ينفق على التسليح في القارة الأفريقية.

إيران

بموازنة تتجاوز 10 مليارات دولار أمريكي، جاءت إيران من حيث الإنفاق في المرتبة الرابعة في الشرق الأوسط، إلا أن تقرير معهد ستوكهولم للسلام لفت إلى أن هذا الرقم تم استخلاصه "بحسب البيانات المتاحة". وأشار إلى ارتفاع حصة الإنفاق العسكري المخصص للحرس الثوري الإسلامي إلى 37%، بينما كان سقفه 27% في العام 2019 من إجمالي نفقات الدولة الإيرانية.

إلا أن هناك توقعات بانخفاض موازنة الاستيراد لصالح موازنة التصنيع بسبب العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا مؤخراً على برنامج إيران العسكري، وأُعلن عنها في 18 أبريل/ نيسان 2024، وشملت هذه العقوبات الطائرات المسيرة وغيرها من الأسلحة، وذلك بسبب الهجوم الذي شنته على إسرائيل.

هذا مع العلم أن تقريراً نُشر في الـ"واشنطن بوست" في إبريل/ نيسان 2024 نبّه إلى أن موسكو تزوّد طهران بأنظمة متطوّرة للرصد الجوي تزيد من قدرتها على مواجهة إسرائيل وحماية أراضيها، وكان مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي قد نبّه العالم في حديثه مؤخراً مع قناة "DW" إلى أن "إيران أمامها أسابيع وليس أشهراً للحصول على ما يكفي من اليورانيوم المخصب لتطوير قنبلة نووية".

أرقام مخيفة... الإنفاق على التسليح مقابل الإنفاق الفقر

لفهم الأولويات الدولية في عالم اليوم يمكن مقارنة هذا الرقم بعدد الفقراء في العالم بحسب إحصائيات 2023، إذ تشير تقارير  برنامج الأمم المتحدة الإنمائي "UNDP" أن عدد الفقراء في العالم بلغ 165 مليون نسمة، وأن موازنة انتشالهم من الفقر تبلغ 14 مليار دولار سنوياً.

14 ملياراً مقابل 2443 ملياراً تعني: أن العالم إذا أنفق على محاربة الفقر ما نسبته 0.57% مما ينفقه على التسليح سنوياً، سيصبح العالم مكاناً يحصل فيه الجميع بغض النظر عن دخولهم على خدمات صحة وتعليم وغذاء ومياه نظيفة أفضل. 

لم يشمل هذا التقرير أرقام البيع والشراء للأسلحة في السوق السوداء، والتي تشير الدراسات إلى ازدهارها في المنطقة العربية بشكل كبير. 

بالمقارنة أيضاً بين أرقام التسليح وحاجات سد الفقر في المنقطة العربية، يأتي الإنفاق العربي في ظل كون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي المنطقة الوحيدة في العالم التي ارتفع فيها معدل الفقر خلال العقد الماضي، من نحو 12.3% في عام 2010 إلى 18.1% في عام 2023، وذلك بحسب تقرير البنك الدولي. 

أرقام منظمة الإسكوا 2022 لا تتعارض أيضاً، فقد ارتفع بحسبها عدد الفقراء في البلاد العربية إلى 130 مليون شخص، أي ما يمثل ثلث سكان المنطقة، باستثناء دول مجلس التعاون الخليجي وليبيا، وذلك وفقاً لخطوط الفقر الوطنية. مع توقعات في فترة صدور التقرير بأن تزيد هذه النسبة لتصل إلى 36% بحلول العام الحالي 2024.

ازدهار السوق السوداء للأسلحة في البلاد العربية

يذكر أن الأرقام الواردة في هذا التقرير لا تشمل ما يسمى بـ"السلاح المنفلت" أو السوق السوداء" للأسلحة الخفيفة والثقيلة، والتي يتزود منها الأفراد والميليشيات والدول أحياناً، تحديداً تلك الواقعة تحت العقوبات الدولية. وقد أشار تقرير نشر في صحيفة "الإندبندت" إلى ازدهار هذا السوق في البلاد العربية، وتحديداً تلك التي تعاني من عدم سيطرة الدولة الكاملة على السلاح فيها والأمن، مثل العراق ولبنان وليبيا، وكذلك الحال في سوريا وفلسطين والسودان.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ألم يحن الوقت لتأديب الخدائع الكبرى؟

لا مكان للكلل أو الملل في رصيف22، إذ لا نتوانى البتّة في إسقاط القناع عن الأقاويل التّي يروّج لها أهل السّلطة وأنصارهم. معاً، يمكننا دحض الأكاذيب من دون خشية وخلق مجتمعٍ يتطلّع إلى الشفافيّة والوضوح كركيزةٍ لمبادئه وأفكاره. 

Website by WhiteBeard
Popup Image