شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"حكومة أربيل تخلّت عن حمايتنا وجثثنا ستملأ الشوارع"... أيّام قاتمة تنتظر مجتمع الميم-عين العراقي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والميم-عين

السبت 1 أكتوبر 202210:50 ص

نوشة الدلوع، لقب نسيم (37 عاماً)، من بغداد من مدينة الصدر وينتمي إلى مجتمع الميم-عين، ويسكن في أربيل حالياً ويعمل عازفاً في فرقة موسيقية، وكان قد هرب إلى مدينته الجديدة بحثاً عن أمان أفراد مجتمع الميم-عين، المفقود تماماً في بغداد.

يروي نوشة لرصيف22 عن هروبه، ويقول: "في عام 2012، وكنت حينها في العشرينات من عمري، تمّ قتل رفيقي في مشهد صعب جداً لا أحد يُمكن أن يتحمّله (بالبلوكة)، وهي طريقة تبنتها إحدى الميليشيات في بغداد وفي المحافظات من خلال احتفاظ الأشخاص المنتمين إلى هذا التجمع الميلشياوي ببلوكة (طابوقة)، في حقيبة سيارتهم يتجولون بها في شوارع بغداد ومن يشتبهون بانتمائه إلى مجتمع الميم-عين يوقفونه، ويضعون الصمغ الأميري (نوع من الصمغ القوي super Glue) في دبر المشتبه به، أو من تم الإخبار عنه، فيوضع رأس الضحية على رصيف الشارع، ومن ثم يضربونه بالبلوكة على رأسه، ويتركونه مع إنذار بعدم إسعافه، ومن يجرؤ على مساعدته له من البلوكة نصيب".

يشير الدلوع إلى أن هذا السيناريو يدركه كل شباب بغداد، ومعروف جداً، وحين كان صديقي المقرب أحد ضحايا البلوكة، هرعت مسرعاً إلى أربيل، ولم أعد إلى هناك منذ عشر سنوات بالرغم من أني تلقيت الكثير من الدعوات من أجل أن أحيي حفلات موسيقيةً".

قبل أسبوع، قرأ نوشة خبراً في إحدى الصحف حول اعتزام السلطات في أربيل تجريم مجتمع الميم-عين، فانتابه القلق والخوف. يقول: "لا أدرك المصير الذي ينتظرني، خصوصاً أن أفراد الشرطة والقوات الأمنية في بغداد وأربيل هم أكثر من يتعرضون لنا سواء من خلال التحرش أو المضايقات. البلوكة تتبعني، وقدري أن أهرب منها، ولكن لا أعرف إلى متى أستطيع الهروب".

يتجه البرلمان الكردي إلى "تشريع قانون يمنع المثلية الجنسية في العراق، ويحظر أي نوع من النشاط، ويُجرّم حتى المتعاطفين معها

ويضيف: غالبية من يحاربوننا في الإعلام وفي مواقع التواصل الاجتماعي يحاولون الارتباط بنا، بل يسعون إلى ذلك، وهناك سياسيون لهم ارتباطات بنا لكن سرّاً، أما في العلن فهم يبيحون قتلنا"، خاتماً بلهجته العراقية: "شلون العراق من وره سياساته الإسلامية كلنا راح نصير بين قوارب الموت في البحر ومحافظات تركيا".

هرب وفشل

بعد هروب مجتمع الميم-عين من بغداد ومحافظات عراقية كثيرة، إلى ما اعتقدوه الملاذ الآمن، أربيل، من أجل التأمين على حيواتهم من القتل والاعتقال والتعذيب بصورة وحشية، خاصةً مع احتضان مؤسسات حقوقية لهم، يتجه البرلمان الكردي إلى "تشريع قانون يمنع المثلية الجنسية في العراق، ويحظر أي نوع من النشاط، ويُجرّم حتى المتعاطفين معها من مؤسسات حقوقية وإعلامية"، وقد تم تقديم مسودة قانون "مكافحة المثلية" وجمع أكثر من 50 توقيعاً لذلك، بحسب ما ورد في وكالة روداو للأنباء 4 أيلول/ سبتمبر 2022.

والقرار، المتوقع أن يتحوّل إلى قانون قريباً، هو رسالة حادة وجهها البرلمان الكردي لسحب بساط الحماية من مجتمع الميم-عين في كردستان، وهو ما استدعى من منظمة "عراق كوير" المعنية بحماية مجتمع الميم-عين، نشر الخبر على صفحتها الرسمية في مواقع التواصل الاجتماعي، وبدأت بنشر قصص ضحايا هذا المجتمع. من خلال منشورتها تتساءل عما سيصيب هذه الشريحة بعد تنفيذ القرار؟

ماذا يجنون من قتلنا؟

مريسة تاتو (32 عاماً، اسم مستعار)، والتي تسكن في أربيل حالياً وتعمل في رسم التاتو، رفضت ذكر اسم المحافظة التي تعيش فيها سابقاً، واكتفت بالقول إنها من محافظة تتوسط العراق. تروي لرصيف22 أنه "بعد اكتشاف أمي علاقتي مع جارتي إذ ضُبطنا ونحن نمارس الحب على سطح المنزل، حملت قطعةً حديديةً وراحت تضربني بها، ثم ذهبت وأخبرت والدة صديقتي".

تضيف: "جلست والدتي مع والدة حبيبتي واتفقتا على تزويجنا في أسرع وقت، مع تعنيف شبه مستمر، فتزوجت من ابن خالتي بعد أسبوعين من الحادثة وكان عمري 17 عاماً. لم تسألني أمي لماذا أنا كذلك؟ أو بماذا أشعر؟ فانتقلت من تعنيف أمي إلى تعنيف زوجي الذي رفضت أن أخضع له وأن أسلّمه جسدي".

لا أدرك المصير الذي ينتظرني، خصوصاً أن أفراد الشرطة والقوات الأمنية في بغداد وأربيل هم أكثر من يتعرضون لنا سواء من خلال التحرش أو المضايقات. البلوكة تتبعني، وقدري أن أهرب منها، ولكن لا أعرف إلى متى أستطيع الهروب

غضبُ زوجها دفعه إلى التوجه إلى والدتها، فأخبرها بأنها لن تسمح له بأن يلمسها أو أن يمارس معها الجنس وهو لا يستطيع السيطرة عليها بسبب حجمها الهزيل. تروي مريسة، كيف تعاملت أمها مع شكوى زوجها، وتقول: "قامت أمي بمساعدة خالتي بتكتيف ذراعيّ ورجليّ ونظرت إلى ابن اختها وقالت له: افعل ما عليك فعله. لقد طلبت منه اغتصابي حرفياً. أمي لم تهتم لصراخي، بل كُل ما اهتمت له أنها في نهاية المطاف ستأخذ دم عذريتي".

عاشت مريسة على هذه الحال من العنف والاغتصاب طوال الوقت، فما كان منها إلا أن استخدمت مانع الحمل كي لا تُرزق منه بطفل، إلى أن زارتهم صديقة لحماتها وكانت ميولها كميول مريسة، فوعدتها بأنها ستهيّئ لها سبيل السفر إلى أربيل وأن هناك منظمةً ستساعدها على التأقلم. لكن المفاجأة كانت بأن توفي زوجها في حادث سير، فعادت إلى بيت أهلها والتقت برفيقتها من جديد وتجددت علاقتهما.

تروي: "حبيبتي روت لي ما حصل معها. هي رفضت أن تنام مع زوجها فأخذوها إلى شيخٍ (رجل دين) أخبرهم بأن الجن عاشق تلبّس بها. كان يطلب منهم الخروج من الغرفة كي يُخرج الجن فيقوم بالاعتداء عليها". تضيف: "لسوء حظنا، علمت والدتي بأن علاقتنا أنا وحبيبتي قد تجددت، لكن من حسن حظي أن أخي وأبي كانا مسافرين، فاتصلتُ بالصديقة التي وعدتني بأن تُهرّبني، وهذا ما حصل، إذ أقيم منذ خريف عام 2018 في أربيل وأعمل في الوشم ومرتبطة".

تقول مريسة والخوف واضح في نبرة صوتها: "لم أؤذِ أحداً على الإطلاق، فلماذا يقتلوننا؟ لقد قرأت خبر تجريمنا. حكومة أربيل تخلّت عن حمايتنا وجثثنا ستملأ الشوارع، نحن بالمئات هنا".

ضحايا الشك

يقول جورج آرثر (40 عاماً)، وهو اسم اكتسبه في الجواز الألماني بعد هروبه من مدينة الصدر في بغداد إلى ألمانيا عام 2009، إثر مقتل رفيقه بسبب تسريحة شعره: "كان عمي صاحب علاقات، وقد أخبرني بهذه العبارة التي لن أنساها ‘ضل اصبغ شعرك راح يجيك سره البلوكة وبدال مصابغ شعرك أشقر أحمر من تنطك بيها الجماعة اسمك يمهم’".

ضحايا الشك زُهقت دماؤهم لمجرد قصّات أشعارهم أو وضعهم كريمات لتفتيح البشرة، أو لموضة يتبعونها

بحسب جورج، ضحايا الشك زُهقت دماؤهم لمجرد قصّات أشعارهم أو وضعهم كريمات لتفتيح البشرة، أو لموضة يتبعونها. كان هذا المشهد في بغداد مرعباً جداً، وقد قص جورج قصصاً رصدها وكتبها إلى منظمات حقوقية في ألمانيا، منها قصة الشاب كرار نوشي، المسرحي الذي قُتل بسب أزيائه وقصات شعره، فقد كان عارض أزياء وطالب فنون جميلة في قسم المسرح وأزياؤه مهمة في عروضه المسرحية، فكان أحد ضحايا الشك فقط، ولم ينتمِ إلى مجتمع الميم-عين.

كذلك، والروايات على لسان آرثر، في محافظة البصرة، تم نشر فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي لرجل طاعن في السن وشيخ عشيرة ينتمي إلى مجتمع الميم-عين وهو يمارس الجنس الفموي مع شخص يُدعى (سويلم)، ولم يظهر في الفيديو سوى عضوه الذكري وكانت أجواؤهم خاصةً. انتشر الفيديو وشاركه معظم الأشخاص في العراق مع التحريض على قتله، ليظهر الرجل في فيديو آخر يوضح أنه تم وضع مخدر له في الشراب، وأخبروه بأن الشراب عبارة عن دارسين (القرفة)، وهو لا يدرك ماذا فعل، ليتفاعل الجميع مع الفيديو الجديد ويضعوه محل سخرية وتحريض إلى أن تم قتله ورميه في شوارع البصرة من قبل ابنه الكبير وعلى جسده آثار تعذيب، وتم تلقيبه بحجي دارسين.

"العبور" إلى الموت

يُكمل آرثر رواية بعض ما في حوزته من أخبار الموت التي جمعها ووثقها على مدى سنوات. يقول البلوغر تارة فارس، هي أيضاً من ضحايا الشك. كُثر كانوا يروّجون لقتلها بسبب أزيائها التي عدّها البعض فاضحةً والبعض عدّها من مجتمع الميم-عين، وقُتلت بكل بساطة، هكذا هو الموت في بلادنا.

آرثر الذي تحوّل إلى ناشط يحاول على طريقته التوعية ومساعدة مجتمعه على النجاة من المصير المظلم، يعتقد أن "المجتمع له دور كبير في ما يجري، ومن يُحرّض من خلال هاتفه أو كومبيوتره، لا يُدرك أن ما يقوم به يؤدي إلى أصابيع ملطخة بدماء أبرياء وأناس مثلهم مثله"، معبّراً عن قلقه من قرار برلمان أربيل المرتقب، لأنها "تضم شريحةً كبيرةً من المختلفين جنسياً والمنظمات الداعمة لهم ستتخلى عنهم في ظل هذا القرار الذي هو ورقة تصريح بقتل مئات الشباب والشابات".

الحماية الغائبة

بعد كل حادثة تستهدف أحد أفراد مجتمع الميم-عين، تدّعي الشرطة أنها لا تتلقى شكاوى واضحةً، وهو ما لمّح إليه في وقت سابق اللواء عبد الكريم خلف، المتحدث باسم وزارة الداخلية، الذي قال إن الوزارة لا تتلقى شكاوى واضحةً في هذا الشأن وأقارب الضحايا يعدّون أن الحديث عن الموضوع أسوأ من الجريمة نفسها.

وأطلق مرصد أوركاجينا لحقوق الإنسان، في 11 نيسان/ أبريل 2021، تقريره الأول، كاشفاً فيه عن محافظتين عراقيتين تتصدران قائمة المحافظات التي تحوي مجتمع الميم-عين، مشيراً إلى أن منظمات أممية في أربيل تحميهم من العنف.

قامت أمي بمساعدة خالتي بتكتيف ذراعيّ ورجليّ ونظرت إلى ابن اختها وقالت له: افعل ما عليك فعله. لقد طلبت منه اغتصابي حرفياً. لم تهتم لصراخي. كُل ما اهتمت له أنها في نهاية المطاف ستأخذ دم عذريتي

وفي التقرير، "عمل المرصد على توثيق أعداد مجتمع الميم-عين في العاصمة بغداد وبقية المحافظات، إذ تبلغ أعدادهم نحو 4،500 إلى 5،000 شخص، ما عدا القاطنين في إقليم كردستان وتركيا، وفي تينك المنطقتين هناك ضعف هذه الأعداد ومن الصعوبة جداً، معرفة الأعداد، لأن كثيرين منهم يخفون ميولهم الجنسية وتصرفاتهم عن ذويهم، خشية ردات فعلهم تجاههم أو ردات فعل المجتمع المحيط به والذي يعيشون فيه".

ومن خلال الأعداد التي تمكّن المرصد من جمعها، يمكن القول إن "بغداد ثم البصرة وذي قار تتصدر المراكز الأولى، تليها بابل والنجف وكربلاء والأنبار وكركوك بالأعداد نفسها تقريباً كنسبة مئوية، في حين جاءت ديالى والديوانية وصلاح الدين والمثنى في المراكز الأخيرة".

ويقول سالار (35 عاماً، اسم مستعار)، الناشط والمدافع عن مجتمع الميم-عين والذي يسكن في أربيل: "إن تم إقرار حظرنا فسوف نتعرض لقتل جماعي، ناهيك عن استعداد جيش المهدي لنا، وهو جيش تابع لزعيم التيار الصدري مقتدى الذي يستهدفنا في تغريداته وكانت آخرها في زمن كورونا".

وفي سلسلة تغريدات في بداية الوباء، لام الصدر مجتمع المثليين العراقيين وحمّلهم مسؤولية "التسبب" بفيروس "كورونا"، وصرّح عبر صفحته الشخصية على تويتر بالتالي: "أحد أكثر الأشياء المروعة التي تسببت في هذا الوباء هو تقنين زواج المثليين ودعا جميع الحكومات إلى إلغاء هذا القانون على الفور".

يكمل سالار: "ناهيك عن رجال الدين الذين ينشرون التفنن والطرق في قتلنا، نحن لا نؤذي أحداً ولا نمس أحداً. نحن أشخاص مسالمون يرغبون في العيش بهدوء ونمارس حريتنا بسلام".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image