بين أزقة بيروت وشوارعها، تتنقل ليا زريقة (27 عاماً)، عبر دراجتها النارية. تتلقى كلمات لطيفةً من المارة: "نفتخر بك"، و"العرض كان جميلاً"، في إشارة إلى عملها الأخير: Ethereal: Illighting Time's Embrace، القائم على التصوير الفوتوغرافي بالضوء، والذي أرادت من خلاله إحياء معلم تراثي مهدد بالخطر في طرابلس، صممه المهندس العالمي البرازيلي الأصل، أوسكار نيماير، في ستينيات القرن الماضي.
تحدٍّ في طرابلس
عاشت ليا زريقة، تحديات وصراعات متعلقةً بالهوية الجندرية، لكنها تصالحت مع الفكرة بعد أن أعلنت أنها امرأة عابرة جنسياً في مدينتها طرابلس حيث كانت تعيش.
خلال حديثها إلى رصيف22، تروي ليا كيف كانت ردة فعل مجتمعها حول هذه المسألة: "قبل ذلك كله، أظهرت للناس أنني إنسانة مثلهم، كما فرضت احترامي على الجميع من خلال عملي في بداية الأمر كمدرّسة للّغة الإنكليزية. بدورها، تأقلمت الناس مع هذه الشخصية وتقبّلتها".
عاشت ليا زريقة، تحديات وصراعات متعلقةً بالهوية الجندرية، لكنها تصالحت مع الفكرة بعد أن أعلنت أنها امرأة عابرة جنسياً في مدينتها طرابلس حيث كانت تعيش
وتضيف: "في المقابل، كانت هناك صعوبات، منها التنمر اللفظي، وصولاً إلى التعرض للاعتداء في مناطق أخرى. أما في المنطقة التي كنت أعيش فيها، فالناس تقبلت الأمر".
مشروع أثير
أرادت ليا أن تغيّر نمط حياتها كمدرّسة، لتتفرغ تفرّغاً شبه كامل لحلمها في التصوير والتصميم، فاتجهت إلى بيروت حيث درست التصميم الغرافيكي، لكن بالرغم من ذلك، لا تزال مدينتها طرابلس ترافقها إلى اليوم، وقد تعبّر عنها بمعرض تصوير ضوئي كان الهدف منه إعادة رونق الحياة إلى مدينتها: "إنه معرض أوسكار نيماير في طرابلس، وأرفض تسميته معرض رشيد كرامي. هو معرض أوسكار نيماير، لأنه هو من بناه".
"كوني امرأةً عابرةً، أرى أننا حالياً نواجه الكثير من الصعوبات ودولنا تهاجمنا لأن وجودنا أصبح أكبر من ذي قبل، لذا من الطبيعي أن نرى هذه الهجمة العكسية، وأقول لمجتمع الميم-عين إنه عبر التعاون والتكاتف نستطيع أن نُحدث تغييراً في المنطقة العربية"
وتضيف: "الهدف من المشروع هو أولاً تسليط الضوء على هذا المكان الذي لا يزال على قيد الحياة، عبر تقنية استكشاف الصور بالضوء. وقد رافقني فريق من داخل المبنى كل واحد فيه يحمل ضوءاً له وظيفة حركية خلال التصوير تعبّر عن فكرة إعادة الحياة إلى هذا المعرض، وكيف يمكن أن يتواجد الناس داخله بطريقة تفاعلية، تنعكس من خلال تحريك أي ضوء يملكونه على الصورة".
وتتابع: "أما الهدف الثاني، فإعادة الحياة إلى هذا المعرض المهمَل منذ أكثر من 50 سنةً، وفي حال تم الاهتمام به وإعادة إعماره، يمكن أن تنشط المدينة اقتصادياً، ما يتيح نحو 50 ألف وظيفة في مدينة طرابلس المعروفة بالبطالة. هناك محاولات للضغط على المدينة... وببساطة هذه هي طريقتي في المقاومة عبر الفن".
وعن اسم المشروع "Ethereal"، أي الأثير بالعربية، توضح زريقة أن الاسم مستلهم من المادة الموجودة في الكون التي لا نستطيع لمسها، ولكننا نشعر بوجودها: "المعرض يعبّر عن هذه الفكرة، لأن الناس غير قادرة على لمس هذا المكان بالمطلق والإحساس به. هو شيء جميل ولكنه غير ملموس، كما أن المكان متروك لاعتبارات سياسية وغيرها، وهو ينهار حالياً، وهذه طريقتي، عبر هذا الفن، كي يرى العالم أنه يوجد مكان جميل يستطيعون الذهاب إليه في مدينتي طرابلس".
دعم مجتمع الميم-عين
لم يحظَ العرض بالاهتمام الكافي على الصعيدَين الفني والثقافي في لبنان، وذلك يعود لرغبة ليا في عدم الكشف رسمياً عن المكان الذي عرضت فيه مشروعها، لأسباب عدة، وفق ما تشرح: "عرضت العمل في مكان تحت الأرض، دون الإفصاح عنه بشكل رسمي، كي لا يتعرض في المستقبل لمشكلات ويصبح نقطة استهداف في حال علمت مجموعات أخرى بأن هذا المكان يتردد إليه أفراد مجتمع الميم-عين، مع أنه متاح للجميع والكل يقصده بغض النظر عن الهوية والجنس والجندر، فهو بالنسبة لي مكان آمن ولا أستطيع التفريط فيه. وبعد هذه التجربة أحاول العرض مرةً ثانيةً في مكان معروف في النهار".
"الأثير" ليس العمل الفني الوحيد الخاص بليا الذي تعبّر من خلاله عن نفسها كونها فنانةً وامرأةً عابرةً، بل هناك فن آخر هو الرسم، وقد وظّفته لدعم مجتمع الميم-عين بطرق عدة: "أستخدم الفن مع مجتمع الميم-عين ليس من خلال جلسات التصوير، بل أجعلهم يرسمون/ ن بأنفسهم/ نّ ويعبّرون/ ن عمّا في داخلهم/ ن من مشكلات، من غضب وحزن وفرح، بطريقة إبداعية على الورق. كثرٌ من الناس استفادوا من هذه الطريقة".
تضييق مساحة التعبير
خلال السنوات السابقة، ازداد التضييق على أفراد مجتمع الميم-عين من قبل السلطات اللبنانية. ترى زريقة أن "التضييق ازداد أكثر من قبل وزارة الداخلية ومن جهات غير حكومية أسمتها 'الطابور الخامس'": "هؤلاء الأفراد يعدّون وجود الميم-عين ضد توجهاتهم ويريدون إلغاء أي وجود للتعددية".
"كفنانة أعتقد أن أي شخص من مجتمع الميم-عين يجب أن يعمل على موهبته/ ا وينمّيها، لأنها أفضل طريقة لملامسة قلوب الناس والوصول إليهم، وعن طريق الفن يمكن مخاطبة الجميع بشكل مختلف كلياً عن الخطاب الطبيعي الذي نريده أن يصل إلى الناس"
وتتابع: "أعتقد أن هؤلاء الناس محدودون ولديهم خوف على الهوية، فهم لا يتقبلون غير هويتهم، وليس لديهم الفهم الكافي بأن هؤلاء الناس لا يشكلون 1% من التهديد على وجودهم، لسبب أننا مسالمون ونحاول أن ننجز في المجتمع".
في مقابل هذا الظلم المجتمعي، ترى ليا أنه عن طريق الفن، يمكن مخاطبة الجميع وإيصال ما تريد، وتتوجه برسالة إلى جميع أفراد الميم-عين في لبنان والعالم العربي: "كفنانة أعتقد أن أي شخص من مجتمع الميم-عين يجب أن يعمل على موهبته/ ا وينمّيها، لأنها أفضل طريقة لملامسة قلوب الناس والوصول إليهم، وعن طريق الفن يمكن مخاطبة الجميع بشكل مختلف كلياً عن الخطاب الطبيعي الذي نريده أن يصل إلى الناس".
وتختم: "كوني امرأةً عابرةً، أرى أننا حالياً نواجه الكثير من الصعوبات ودولنا تهاجمنا لأن وجودنا أصبح أكبر من ذي قبل، لذا من الطبيعي أن نرى هذه الهجمة العكسية، وأقول لمجتمع الميم-عين إنه عبر التعاون والتكاتف نستطيع أن نُحدث تغييراً في المنطقة العربية".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...