بأسلوبٍ ذكي وساخر، حاول لاري تفكيك يوميات أفراد مجتمع الميم-عين، محوّلاً التراجيديا التي يعيشها البعض إلى نكتة تهكمية مُصوّرة هدفها نشر الوعي وتسليط الضوء على قضيته.
قدّم لاري قبل سنوات "مغامرات لاري ولبيبة"، مع فريق "سين نون"، وقبلها قدّم مقاطع كوميديةً أخرى تسلّط الضوء على قضايا المهمشين/ ات من العاملات المنزليات والنساء المعنّفات وغيرها من القضايا الحقوقية.
لاري ابن مدينة بيروت، كما يحب أن يعرّف عن نفسه، وابن ليلها، يتنقل في عالم الفن بين مجالات عدة من صناعة الأفلام والتمثيل والكوميديا وعالم الأزياء وتنظيم المهرجانات، إلى التنسيق الموسيقي في حفلات بيروت الليلية. إنه عالم واسع أتقن لاري إثبات وجوده فيه.
كان لرصيف22، لقاء خاص مع لاري، تحدثنا فيه بعمق عن رحلته ومشواره الفني بين التمثيل والكوميديا، وشاركنا تجربته كونه ينتمي إلى مجتمع الميم-عين في بلاد تحارب الاختلاف، وتحاول إلغاءه وقد تحرّض عليه إلى حدّ قتله.
-بجانب عملك في مجال الأزياء والكوميديا والأفلام، هل يمكنك مشاركتنا رحلتك في عالم التنسيق الموسيقي DJ؟
أفضّل حالياً أن تُطلَق عليَّ صفة "Music selector"، ولكن أطمح في المستقبل القريب إلى أن أصبح DJ" محترفاً. بدأت رحلتي مع الموسيقى من "باردو" حيث كنت أنسق الموسيقى وأختارها وأعمل هناك مرةً في الأسبوع. أحببت المكان وشعرت بالانتماء إليه. كان بمثابة عائلتي الثانية وبيتي. من "باردو" انطلقت إلى أماكن عدة في بيروت منها "زقاق" ونادي "هشك بشك".
-ما هو الجانب الذي تستمتع به أكثر في العمل في صناعة السينما؟
بالنسبة إلى السينما، فإن عملي الأساسي يتمحور حول التنسيق وتصميم الأزياء، حيث شاركت في العديد من الأفلام الطويلة والقصيرة، بالإضافة إلى المسرحيات والإعلانات.
بدأت مسيرتي في عالم السينما كمساعد لـ"بيتريس حرب"، وهي مصممة أزياء تعمل في السينما والمسرح والمشاريع التصويريّة، وما زلتُ حتى اليوم مستمراً في المجال. علّمتني "بيتريس" الكثير، وكل ما أعرفه في عالم الأزياء اكتسبته منها.
"المنزل يجب أن يشكل مساحة الأمان لأي فرد كان. هو المكان الذي نلجأ إليه في نهاية اليوم. وفي الحديث عن العائلة، من المهم جداً أن يمتلك المثليون/ ات عائلةً داعمةً، فهذا الشخص بالأساس يواجه عالماً خارجياً يرفضه ويهاجمه، ومن الأفضل ألا تزيد العائلة من معاركنا"
كما أعمل على التنسيق والتنظيم في بعض المهرجانات المستقلة. وكنت أيضاً "Impact Producer" أو منتج تأثير في فيلم 'كوستا برافا، ليبانون' للمخرجة منية عقل. مشاركتي في الفيلم كانت من أكثر اللحظات أهميةً في حياتي، لأنني كنت مسؤول التنسيق مع فريق العمل في أول فيلم روائي طويل يعتمد فكرة التصوير الصديق للبيئة، ويُعرض حالياً على "نتفليكس"، والحملة موجودة في الدليل الأخضر على daleel.film التّابع لمنظّمة aflamuna.org.
-بين الأفلام والكوميديا والأزياء وعالم الموسيقى، أيّ مجال تفضّل أكثر؟
بالنسبة لي، كل هذه المجالات تتجلى في عالم الفن، وأنا أجد متعةً في التنوع والتعددية. أحب أن أكون متعدد الاهتمامات، وأستمتع بالقيام بأشياء مختلفة عدة وتجربة حيوات متعددة ضمن حياتي الحالية. ينطبق هذا على حبي للسينما والمسرح والفن بشكل عام، حيث أنني أستمتع بالنقاشات وتبادل الآراء في هذا المجال، وأتطلع دائماً إلى المساهمة في عملي الفني بتنوعه، وتحقيق التغييرات التي أرغب فيها من خلال شغفي وعملي المستمر في هذا المجال.
-أخبرنا عن رحلتك في اكتشاف ميولك الجنسية وتجربتك في الكشف عن هويتك الجنسية.
بدأت رحلة اكتشاف الذات منذ الصغر، حيث بدأت الشكوك تتسلل إليّ ولكن بفضل تنقلي المستمر بين بلد وآخر، ووجودي في عالم الليل والسهر في الـ"alternative scene"، أي المشهد البديل، اكتشفت ذاتي وهويتي الجنسية. وبالفعل تمكّنت من خلق دائرة مريحة تسمح لي بأن أكون على طبيعتي. انتقلت في رحلتي الدراسية بين نيويورك وفرنسا، وكانت هذه بداية الطريق.
لم أقم بالإعلان عن هويتي الجنسية أي "coming out". في عالمنا العربي، فكرة الإعلان عن الميول الجنسية ليست شائعةً كما هو الحال في العالم الغربي، وهي غير ضرورية، ونحن لسنا مضطرين إلى الإعلان عنها. عائلتي كانت منفتحةً، ولم تشكل عائقاً بالنسبة لي، ولكن لم أشعر بأنني بحاجة إلى الإعلان عن ميولي لهم إلا عندما بدأت الهجمات على مجتمع الميم-عين في لبنان.
كان عمري 31 عاماً، حين أخبرت أمي بأنني مثلي، أي قبل 6 سنوات، وهي بدورها لم تتفاجأ وأخبرتني بأنها لطالما كانت تعرف ذلك. أخبرت أمي عن ميولي بعد عودتي من السهرة في الصباح الباكر. كنا نشرب القهوة معاً، وكان التحريض في تلك الفترة على مجتمع الميم-عين في أوجه، لذلك قررت أن أخبرها كي تعرف كيف تتصرف في حال تم اعتقالي.
-هل تعرضت لمضايقات ومواقف مسيئة بسبب ميولك الجنسية؟
في الواقع لا أسمح بذلك، بسبب شخصيتي الكوميدية. أعلم جيداً كيف أفتعل "نقاشاً"، وأعرف كيف أتعامل مع الناس. أما الأشخاص الهجوميون و"البشعون"، فأبتعد عنهم فوراً، وبذلك أحمي نفسي من أي إساءة. لا أنكر تعرضي للمضايقات. بالطبع حصل ذلك، لكن الأكيد أنني لم أسمح بتكراره لأنني أبتعد فوراً وإن كان هناك مجال للنقاش، فأنا له؛ أناقش وبأسلوب لطيف.
-برأيك، ما هو الدور الذي تلعبه العائلة الداعمة في قضية المثليين/ ات؟ وكيف تسهّل حياتهم/ نّ؟
المنزل يجب أن يشكل مساحة الأمان لأي فرد كان. هو المكان الذي نلجأ إليه في نهاية اليوم. وفي الحديث عن العائلة، من المهم جداً أن يمتلك المثليون/ ات عائلةً داعمةً، فهذا الشخص بالأساس يواجه عالماً خارجياً يرفضه ويهاجمه، ومن الأفضل ألا تزيد العائلة من معاركنا، وأن يكون لنا مكان نستريح فيه بعد العودة من الخارج دون أن نجبَر على أن نحارب فيه أيضاً أو أن نغير من أنفسنا على الأقل.
علاقتي بأهلي وانفتاحهم شجعاني لأكون جريئاً وحرّاً، وأن أعبّر أكثر على مواقع التواصل الاجتماعي. لا يهمني أن أخسر أشخاصاً لكوني كويرياً، فإذا كان الشخص لا يتقبلني فقط بسبب ميولي الجنسية بالطبع الأفضل ألا تربطني أي علاقة به، أما بالنسبة إلى أهلي، فهم كل ما يهمني، وبسبب دعمهم لي لم أشعر يوماً بأنه يجب عليّ أن أكون حذراً في تعبيري عن ذاتي.
وبالطبع هذه رفاهية حصلت عليها، لذلك لا أحبذ أن تطلَق عليّ صفة ناشط، فأنا أتحدث بصوت عالٍ عن قضيتي لأنني أملك الرفاهية لأفعل ذلك.
-في العام 2023، ازدادت وتيرة التحريض على أفراد مجتمع الميم-عين، كيف أثر ذلك على حياتك؟
بالمبدأ نحن كناشطين/ ات في مجتمع الميم-عين، نعتمد مبدأ أولوية حماية الأفراد حين ترتفع حدّة التحريض علينا، ما قد يعرضنا للخطر لذلك نحاول ألا نجعل وجودنا صاخباً، فأمان الأفراد في هذه المرحلة أهم من أن يكونوا مرئيين/ ات.
هذا لا يعني أننا خضعنا للأمر الواقع، بالطبع نستمر في حملاتنا لكن عن طريق الداعمين/ ات من المغايرين/ ات، وهنا يبدأ دورهم/ نّ في تسليط الضوء على القضية، وبذلك نضمن حماية الأفراد واستمرارية نضالنا.
في تلك الفترة كان القلق سيّد المشهد، بالطبع شعرنا جميعاً بالخوف، وكنا نساند بعضنا باستمرار، بالنسبة لي أظنني تعلمت كيف أتعامل مع المعترضين وأعرف جيداً كيف أناقشهم في حال كان هناك مجال لذلك.
-برأيك لماذا يعود في كل مرة التصعيد ضد المثليين/ ات في لبنان؟ وما هو الدور الذي تلعبه في فترات التصعيد؟
لطالما عددت أن أي تصعيد أو تمييز وعنصرية ضد أي فئة يتصاعد حين تريد الدولة إلهاء المواطنين/ ات عن قضايا مختلفة. دائماً في أي معركة تكون الفئات المهمشة أولى الضحايا.
تلقيت بالطبع العديد من الشكاوى من أفراد من مجتمع الميم-عين في تلك الفترة.
في فترة التصعيد كان القلق سيد الموقف، وصلتني عبر صفحاتي على مواقع التواصل الاجتماعي العديد من الرسائل التي يمكن اختصارها بكلمة واحدة: "القلق"، كنت أحاول طمأنتهم وكان هذا دورنا جميعاً في تلك الفترة، وكنت أنصحهم/ نّ بأن يتحركوا/ ن ضمن مجموعات لا فرادى، لضمان سلامتهم/ نّ.
وبالطبع بجانبنا، لعب الإعلام البديل هنا في لبنان دوراً كبيراً في مساندة مجتمع الميم-عين، عبر خلق مساحات آمنة لنا للتعبير أكثر عن أنفسنا ولكسر الخوف.
- هل شعرت بأن عروضك الكوميدية ونشاطك الفني في أي لحظة قد تعرّضك للخطر؟
لم أخف يوماً من أن يشكل المحتوى الذي أقدمه خطراً على حياتي، لأنني أثق بأني أعدّه بشكل غير مستفز للشخص الآخر. أعتمد السخرية اللاذعة صحيح، ولكني أنتقد الجميع، والدليل في "لاري ولبيبة" الذي تناولنا فيه مجتمع الميم-عين الذي أنتمي إليه وفي المقابل انتقدت أيضاً المغايرين/ ات وانتقدت رهاب المثلية وسخرت منه.
أدعم الراديكاليين ولكني شخص غير راديكالي. بالنسبة لي استطعت عبر الكوميديا ومن دون ابتذال التعبير عن رأيي، ولكن بالطبع لكلٍ منا أسلوبه، ولا أعارض من يستخدمون الراديكالية ولكن أفضّل الحوار والكوميديا.
تُستخدم الكوميديا للتقرب من الناس شرط أن تحكي لغتهم، هي ملكة كل شيء، لأنها مفتوحة ويجب تقبّلها، وهنا بالتأكيد أتحدث عن الكوميديا غير الهجومية.
أحياناً نشاهد عروضاً لكوميديين يطلقون بعض النكات على المثلية ونضحك لأننا نعلم أنها ليست بهدف الهجوم، كل شيء قابل لأن يتحول إلى نكتة شرط ألا يؤذي أحداً.
-كيف اكتشفت موهبتك؟ وكيف ساعدتك على الصعيد الشخصي؟
اكتشفتها عشوائياً حين كنت أتحدث بطريقة عفوية وكان الناس يتفاعلون مع ما أقول ويضحكون. ولطالما عددت أن الكوميديا تجمع الناس لأن الجميع يحب الضحك.
وأذكر أنه ومنذ الصغر، كنت إذا حاول أحدهم السخرية مني وإطلاق النكات عليّ، أبادر للانضمام إليه عبر استخدام حس الفكاهة، ليتحول الجو إلى مزاح ونكات بدلاً من السخرية التي يحاولون افتعالها. لطالما لعبت الكوميديا دوراً كبيراً في توطيد العلاقات ولعبت أيضاً دوراً في بناء شخصيتي التي تعتمد الحوار أو الكوميديا لإيصال رأيها.
الكوميدي المحترف يجد دائماً الطريقة الصحيحة لتقديم نكاته من دون أن تستفز أحداً أو تؤذيه، والكوميديا دائماً مع المهمشين/ ات وجمهورهم/ نّ.
- هل هناك عودة قريبة لـ"لاري ولبيبة"؟
بالطبع "لاري ولبيبة" لن يتوقف، وسيعود حين نستطيع أنا وكامل فريق عمل "سين نون" بصفتنا المسؤولين/ ات عن محتوى "لاري لبيبة"، التفرّغ لإنتاجه.
"أي تصعيد أو تمييز وعنصرية ضد أي فئة يتصاعد حين تريد الدولة إلهاء المواطنين/ ات عن قضايا مختلفة. دائماً في أي معركة تكون الفئات المهمشة أولى الضحايا"
الهدف من فقرات "لاري ولبيبة"، كان دائماً طرح المسائل والمشكلات التي نواجهها ونشاهدها بطريقة فكاهيّة، وأن نضع أنفسنا مكان الطرف الآخر، ولو بشكل طفيف حتّى نعرف قليلاً أيّ مسائل نريد طرحها ومعالجتها لتحقيق نقد بنّاء لهذه المسائل.
يُظهر شغف لاري بالتنوع والتعددية أن الفن ليس فقط مصدراً للتسلية بل أداةً للتغيير والتأثير الإيجابي في المجتمع، ويثبت أن الإبداع لا يعرف حدوداً.
وعليه، مهما حاولت الأنظمة تقييد الأصوات المهمشة، فإنها ستجد طريقها للتعبير، سواء من خلال حوار في الشوارع، أو على الشاشة، في نكتة، أو حتى من خلال تصاميم الأزياء التي يبتكرها هؤلاء الأشخاص.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...