شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
أبعاد أزمة المياه في مصر وتداعيات سد النهضة (10)... قوانين المياه

أبعاد أزمة المياه في مصر وتداعيات سد النهضة (10)... قوانين المياه

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ نحن والبيئة

الأربعاء 24 أبريل 202412:19 م

أبعاد أزمة المياه في مصر وتداعيات سد النهضة (10)... قوانين المياه

استمع-ـي إلى المقال هنا

شرحنا في بعض المقالات السابقة البعد التاريخي للأزمة والنزاع حول مياه نهر النيل في الحقبة الاستعمارية وما بعد الاستعمار، وسنبدأ في هذا المقال والمقالات التالية تحليل البُعد القانوني للنزاع. سيركز هذه المقال على مناقشة أهم قوانين وقواعد المياه الدولية والتي تعتبر منظوراً هاماً للغاية في رؤية النزاع.

يمكن تعريف كلمة "نزاع" بأنه جدل حول الحقائق، لا يتفق فيه طرفا النزاع على ما حدث بالضبط، ومن قال أو فعل ماذا، أو ما هي القوانين المُطبقة وتفسيراتها وطريقة تطبيقها. ويمكن رفع النزاع القانوني لحله من خلال أي من طرق حل النزاعات القانونية مثل التفاوض والوساطة والتحكيم.

يُنظم أمن واستخدامات المسطحات المائية العابرة للحدود من خلال قواعد تحددها الاتفاقيات الحكومية الدولية.

عندما يكون النزاع حول مجارٍ مائية مشتركة، فإن قوانين ومبادئ المياه الدولية توفر مجموعة من القواعد واللوائح التي يمكن أن توضح مشروعية تصرفات الدول فيما يتعلق بتلك الموارد المائية التي تمر عبر حدودها. تتناول هذه القوانين جوانب متعلقة باستخدامات المجاري المائية العابرة للحدود، كالجوانب القانونية والعلمية والسياسات المتبعة في التعامل مع المياه، وتقترح أدوات وآليات مختلفة لتحديد حقوق وواجبات كل دولة، مما يساعد في إدارة المجاري المائية، وحل النزاعات عند حدوثها.

كما يُنظم أمن واستخدامات المسطحات المائية العابرة للحدود من خلال قواعد تحددها الاتفاقيات الحكومية الدولية، وهي مستمدة من مبادئ القانون الدولي. هناك مجموعة مختلفة من القواعد الدولية المتعلقة بالاستخدامات الملاحية وغير الملاحية للمجاري المائية الدولية، وأهمها: قواعد هلسنكي لسنة (1966)، اتفاقية قانون الاستخدامات غير الملاحية للمجاري المائية الدولية (1997)، وقواعد برلين للموارد المائية (2004).

قواعد هلسنكي لسنة (1966)

في آب/ أغسطس 1966، أصدرت رابطة القانون الدولي قواعد هلسنكي بشأن حماية واستخدام اﻟﻤﺠاري المائية العابرة للحدود والبحيرات الدولية. سميت القواعد نسبة إلى العاصمة الفنلندية التي عقد فيها اجتماع الرابطة، وتعتبر المحاولة الأولى لوضع قواعد دولية للمياه، وتتكون من 37 مادة مقسمة إلى 6 فصول.

من أهم ما ورد فيها المادة الرابعة التي تؤكد على مبدأ "الاستخدام العادل والمُنصِف" للمياه التي يتقاسمها أعضاء حوض نهر دولي واحد. كما أُدرجت العوامل التي تحدد الاستخدام المنصف والمعقول للمجرى المائي في المادة الخامسة وهي كتالي:

· جغرافية الحوض مع الأخذ في الاعتبار مساحة الصرف لكل دولة مشتركة في الحوض.

· هيدرولوجية الحوض مع الأخذ في الاعتبار المساهمة المائية لكل دولة.

· المناخ المؤثر على الحوض.

· اختلاف اعتماد كل دولة على المياه حسب عدد سكانها.

· الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية لكل دولة من دول الحوض.

· الاستخدامات التاريخية والماضية للمياه في الحوض، بما في ذلك الوضع الحالي لهذه الاستخدامات.

· مدى توفر البدائل الأخرى للموارد المائية لكل دولة.

· التكاليف المقارنة لإيجاد بدائل مائية تلبي الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية لهذه الدول.

· تجنب الهدر في استخدامات المياه لكل دولة في الحوض.

· الاستخدام المعقول لدول الحوض، والذي لن يتسبب في "ضرر كبير" لأي من دول الحوض الأخرى.

· إمكانية تعويض دولة أو أكثر من دول الحوض لتسوية النزاعات بسبب استخدام المياه.

من أهم مواد قواعد هلسنكي المادة الرابعة التي تؤكد على مبدأ "الاستخدام العادل والمُنصِف" للمياه التي يتقاسمها أعضاء حوض نهر دولي واحد، كما أُدرجت العوامل التي تحدد الاستخدام المنصف والمعقول للمجرى المائي ومنها الاستخدامات التاريخية للمياه، ومدى توفر البدائل

اتفاقية الأمم المتحدة للاستخدامات غير الملاحية للمجاري المائية الدولية (1997)

أصدرت لجنة القانون الدولي أول مشروع معتمد الأمم المتحدة للاستخدامات غير الملاحية للمجاري المائية الدولية عام 1991، وقد اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في شكله النهائي عام 1997. تتكون الاتفاقية النهائية من 7 أجزاء و37 مادة، تغطي المبادئ العامة لبعض الحقوق والالتزامات للدول التي تشترك في حوض واحد. وفيما يلي أهم هذه المواد:

* المادة (4) توضح أنه يجوز لجميع الدول المشتركة في حوض واحد أن تنضم إلى أي مفاوضات أو مشاورات أو اتفاقيات يمكن أن تؤثر على الدولة عند تطبيقها، فيما يتعلق بالمجرى المائي بأكمله.

* تم التأكيد على تطبيق مبدأ "الانتفاع والاستخدام العادل والمُنصِف" بين كافة دول الحوض بموجب المادة (5). ويجب أن يكون هذا متسقاً مع الحماية المناسبة للمجرى المائي نفسه ومصالح الدول.

* تناقش المادة (6) العوامل والظروف التي تجب مراعاتها عند تطبيق مبدأ "الاستخدام العادل والمُنصِف".

* تناقش المادة (7) مبدأ "الالتزام بعدم التسبب في ضرر جسيم"، وتشير إلى أنه لا يجوز لأي دولة أن تتسبب في "ضرر جسيم" لدول الحوض الأخرى. كذلك تناقش المادة التصرفات أو التعويض المناسب في حالة وقوع الضرر.

* تناقش المادة (8) مفاهيم "المساواة في السيادة والسلامة الإقليمية والمنفعة المتبادلة وحسن النية" كقواعد أساسية لأي تعاون ناجح بين دول الحوض.

* تؤكد المادتان (9 و11) على أنه ينبغي لدول الحوض تبادل المعلومات والبيانات بانتظام.

* تتناول المواد (20، 21، 23) النظم البيئية بما في ذلك نوعية المياه، وحماية البيئة البحرية.

ظلت كلمة "الضرر" غامضة ويصعب تفسيرها في القواعد والقوانين، وكذلك الإجراءات أو التعويضات المناسبة بمجرد حدوث "الضرر".

* تحدد الاتفاقية الطرق والإجراءات المختلفة لتسوية المنازعات بموجب المادة (33). وتحدد المفاوضات أو الوساطة أو التوفيق أو التحكيم أو الاستئناف أمام محكمة العدل الدولية، باعتبارها أساليب يمكن استخدامها للمساعدة في حل النزاعات بأكثر الطرق سلمية.

في الواقع، تبني اتفاقية الأمم المتحدة على ما ورد في قواعد هلسنكي وتزيد عليها بإضافة عوامل أخرى ناشئة مثل كيفية استخدامات الدول المختلفة للمجرى المائي، وكيفية حماية وتحسين وتطوير الإدارة الاقتصادية لموارد المجرى المائي.

قواعد برلين للموارد المائية (2004)

قامت رابطة القانون الدولي بجمع ومراجعة قوانين المياه الدولية، متضمنة قواعد هلسنكي واتفاقية الأمم المتحدة، بما في ذلك ما ورد من تطوير في القانون البيئي الدولي، والقانون الدولي لحقوق الإنسان فيما يختص بالمياه، والقانون الإنساني المتعلق بالحروب والنزاعات المسلحة على المياه. وأُقرّت قواعد برلين للموارد المائية في مؤتمر رابطة القانون الدولي الذي عقد في برلين عام 2004. وهي تتضمن 14 فصلاً مقسمة إلى 73 مادة، أهمها:

* يتناول الفصل الثاني المبادئ العامة للقانون الدولي التي تناقش إدارة الموارد المائية، والإجراءات الممكنة لمنع أو تقليل الضرر البيئي.

* في الفصل الثالث، تؤكد المادة (10) على أن جميع دول الحوض لها الحق في إدارة مياه الحوض بشكل عادل ومعقول ومستدام.

* تؤكد المادة (11) على مبدأ التعاون لتحقيق المنافع المتبادلة لدول الحوض على أساس حسن النية.

* تجمع المادة (12) بين مبدأ "الاستخدام العادل والمُنصِف" و"الالتزام بعدم التسبب في ضرر جسيم"، فتؤكد على أن مبدأ "الاستخدام العادل والمُنصِف" يظل مشروطاً بتطبيق مبدأ "الالتزام بعدم التسبب في ضرر جسيم"، ويجب على كل دولة أن تتصرف بمسؤولية، وتؤدي واجبات معينة لتحقيق "الاستخدام المنصف والمعقول"، حتى لا تتسبب في ضرر للدول الأخرى.

* تم التأكيد مرة أخرى على مبدأ "عدم التسبب في ضرر جسيم" عن طريق أي من دول الحوض بموجب المادة (16)، بجانب الحاجة إلى "المراعاة الواجبة لحق كل دولة من دول الحوض في الاستخدام العادل والمُنصِف لمياه المجري المشترك".

تناقش اتفاقية الأمم المتحدة للاستخدامات غير الملاحية للمجاري المائية الدولية مبدأ "الالتزام بعدم التسبب في ضرر جسيم"، وتشير إلى أنه لا يجوز لأي دولة أن تتسبب في "ضرر جسيم" لدول الحوض الأخرى. كذلك تناقش التصرفات أو التعويض المناسب في حالة وقوع الضرر

عند المقارنة بين القواعد الدولية الثلاث المتعلقة بالاستخدامات غير الملاحية للمجاري المائية الدولية، يمكن ملاحظة أنها تعاملت مع المبدأين، "الاستخدام العادل والمُنصِف" و"الالتزام بعدم التسبب في ضرر جسيم"، الأكثر أهمية وجدلاً في قواعد التعامل مع المجاري المائية المشتركة، بشكل مختلف.

تتعامل قواعد هلسنكي مع مبدأ "الالتزام بعدم التسبب في ضرر" كعامل مطلوب لتقييم "الاستخدام العادل والمُنصِف". أما اتفاقية الأمم المتحدة فقد تناولت مبدأ "الالتزام بعدم التسبب في ضرر جسيم" كمادة منفصلة. ومع ذلك، تستخدم الاتفاقية نفس نهج قواعد هلسنكي المتمثل في جعل "الاستخدام العادل والمُنصِف" بمثابة المبدأ الرئيسي، في حين تتعامل مع مبدأ "الالتزام بعدم التسبب في ضرر جسيم" كمبدأ ثانوي. بينما تتعامل قواعد برلين مع هذين المبدأين بإعتبارهما متساويين في الأهمية.

كذلك ظلت كلمة "الضرر" غامضة ويصعب تفسيرها، وكذلك المواد التي ناقشت الإجراءات أو التعويضات المناسبة بمجرد حدوث "الضرر"، لم توضح أو تشرح ما يمكن أن تكون عليه هذه الإجراءات، أو نوع التعويض الذي يمكن أن يكون مقبولاً، أو من الذي يحكم إذا كان الوضع يتطلب تعويضاً. وبالتالي، بدلاً من أن توفر القواعد الدولية الوضوح المطلوب لحل النزاعات، خلقت المزيد من أسباب الصراع المحتملة.

وفي المقال القادم، سنناقش ثلاث نزاعات دولية مماثلة للنزاع حول سد النهضة، لاستكشاف كيفية تطبيق مبادئ هذه القواعد الدولية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما أحوجنا اليوم إلى الثقافة البيئية

نفخر بكوننا من المؤسّسات العربية القليلة الرائدة في ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺇﺫﻛﺎﺀ ﺍﻟﻮﻋﻲ البيئيّ. وبالرغم من البلادة التي قد تُشعرنا فيها القضايا المناخيّة، لكنّنا في رصيف22 مصرّون على التحدث عنها. فنحن ببساطةٍ نطمح إلى غدٍ أفضل. فلا مستقبل لنا ولمنطقتنا العربية إذا اجتاحها كابوس الأرض اليباب، وصارت جدباء لا ماء فيها ولا خضرة.

Website by WhiteBeard
Popup Image