شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"بهديك ولا شي"… من السودان إلى القاهرة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

"بِهدِيك الفوضى

شِجار طفلين، في ساحة روضة

بِهديك الغُربة

هتاف الموتى، وصمت التُربة

بِهدِيك حُزنك

وسِتات الفول أثناء الخمشة... بعد إذنك

بِهديك إحباطي

حديث عابر في مركبة عامة، بصوت واطي

بِهديك الليل البين جبلين

فَقدك لقى دين

بهديك طَلّة لبيوت الخيش

وخِيام تفتيش

وأسواق أرخص ما فيها حليفة الله

بهديك مُتمرّد

والنيل في الجركانات باعوهو برّد

بِهديك ولا شيِ

وقطع وديان السَهو، مَشيِ...".

صورة من كتاب "بهديك ولا شي" من الحرب في السودان

هذه القصيدة الحزينة ألهَمَ عنوانها صُنَّاع الكتاب المصوَّر "بهديك ولا شي"، ليتّحد عنوانها به، ويُهْدَى إلى روح الشاعر السوداني الراحل محمد حسين بهنس، وإلى كل التائهين.

من المؤثر والموحي(الملهِم) معاً، أن الشاعر والروائي والفنان التشكيلي بهنس، عاش غريباً في شوارع القاهرة إلى أن عُثِر عليه ميتاً في كانون الأول/ديسمبر عام 2013، على أحد أرصفة العاصمة المصرية، وقد قتله البرد.

غربة متعجّلة

المصوِّران ولاء ياسين ومحمد بابكر، بطلا كتاب "بِهديك ولا شي"، شاركا بهنس حمْل الجنسية السودانية والاغتراب في القاهرة، والشغف بالفن.

المصوِّران ولاء ياسين ومحمد بابكر، بطلا كتاب "بِهديك ولا شي"، شاركا بهنس حمْل الجنسية السودانية والاغتراب في القاهرة، والشغف بالفن. وصل كل منهما إلى الحدود المصرية في رحلة قسرية شاقّة، بعد أن دمَّرت الحرب أحلامهما في البقاء 

وصل كل منهما إلى الحدود المصرية في رحلة قسرية شاقّة، بعد أن دمَّرت الحرب أحلامهما في البقاء والاستقرار في الخرطوم. حصلا على منحة الإقامة الفنية في إستوديو "سفينة 7" في القاهرة، وتعارف بابكر وياسين خلال تلك الإقامة.

غلاف كتاب "بهديك ولا شي"

وأعادا اكتشاف منتجهما المُصوَّر بشكل أعمق، وتقاطعت قصَّتُهما مراتٍ عديدةً حتى انتهى الأمر بإنتاج كتاب مصوَّر يحكي بالسَّرد البصري تجربتهما مع الهجرة الطوعية، بحكم اغتراب عائلتيهما في الماضي في المملكة العربية السعودية، ثم إعادة تجربة الهجرة خلال السنة الماضية من الخرطوم إلى القاهرة، ولكنها هجرة إجبارية هذه المرة بسبب ظروف الحرب في السودان.

حزن مستتر

خلال تأمّلي ألبومات الكتاب والتعليقات القصيرة التي صاحبت القصة المصوَّرة لولاء وبابكر، شعرت معهما بالغربة وآلام التهجير، وإنْ كانت اختياريّةً، ولمست لحظات الحزن وأكوامه المستترة، والتعب، والانتماء، وصراعات الهوية، والحب، والإحباط، والغضب والأمل. قوة التعبير في هذا النوع من السرد البصري تتجسَّد في تكثيف حكي يحمل في طياته قصصاً وأعماراً طويلةً.

محمد بابكر

يتميّز "بِهديك ولا شي" بشجاعة الطرح دون تجريح. يوصل إليكم بسلاسة كيف كانت الرحلة صادمةً وطويلةً ومؤلمةً عن طريق صور لا تنقل مشاهد مباشرةً من الحرب، لكن تجدونها مثلاً في صورة لحقيبة ظهر صغيرة تصاحب بطلَي رحلة التهجير المفاجئ، إذ لا وقت لتجميع أغراض أو ذكريات في هذا الخروج الذي كُتب عليهما بغتةً.


مشهد آخر لسيارة أجرة متواضعة ومكدسة بنازحين منقولين إلى الحدود المصرية، يخبرك دون شرح طويل كم الرحلة مدمِّرة!

دمية ممزقة على الأرض خلال الحرب في السودان

صورة ثالثة لدُمية ممزَّقة تَمزَّعت معها أحلام طفل كان يملكها ويلهو بها، وها هي تتركه في منتصف طريق مظلم.

في ضيافة "سفينة 7"

"مُمتنَّة لتجربة إنتاج هذا الكتاب"؛ هكذا تقول المصوّرة السودانية ولاء ياسين، لرصيف22، لافتةً إلى تقديرها منحة الإقامة الفنية في إستوديو "سفينة 7" في القاهرة: "لم أكن أخطط لإنتاج كتاب. قدّمت مشروعاً مصوّراً عن الحرب في السودان لأحصل على الإقامة الفنية، وبعد لقائي الزميل المصوّر محمد بابكر، وجلسات العمل التي نظّمها لنا مؤسسا الإستوديو، علي زرعي وفرح حلابة، بمشاركة مصوّرين محترفين، ونقاشات عديدة حول موضوعنا عن الحرب والتهجير، تغيَّرت الخطة ليكون منتجنا كتاباً يوثق التجربة وينشرها على نطاق أوسع".

ولاء ياسين

"البيئة التفاعلية التي وفرتها لنا الإقامة الفنية في إستوديو 'سفينة 7'، واطّلاعنا على ما حوته مكتبة الإستوديو من كتب مصوَّرة وأخرى عن التصوير الفوتوغرافي، واحتكاكنا بأفكار وخبرات مصوِّرين آخرين، جعلت التجربة أغنى وأعمق ووضعت مشروعنا في إطاره الفني"، تضيف ياسين.

صورة من كتاب "بهديك ولا شي"

أول ظهور للكتاب كان في معرض الكتب الفنية في القاهرة، في شهر كانون الأول/ديسمبر 2023، واستُقبل بحماسةً كبيرةً من جمهور المعرض، خصوصاً من السودانيين المقيمين في مصر، ثم سافر الكتاب إلى دولة الإمارات، وهو موجود حاليّاً في مكتبتين هناك، ولدى الإستوديو خطة لتوسيع دائرة التوزيع أكثر في الفترة القادمة، سواء داخل القاهرة أو في بلاد عربية أخرى.

مُهجّرون ومشاريع عالقة

"'كتاب بِهديك ولا شي' وغيره من الكتب الفنية، إنتاج ذاتي ونشر ذاتي بتنسيق مع شريكي المصوّر علي زرعي"؛ تحكي فرح حلابة، مؤسِسة إستوديو "سفينة 7" لرصيف 22، وتضيف: "الإستوديو مهتم بكل ما يخص الفوتوغرافيا، سواء أكان ممارسةً، أو خطوات مشاريع عالقة، أو معارض وتنسيقها، أو ورشاً ونقاشات مستمرةً وصولاً إلى الكتب الفوتوغرافية".

يتميّز "بِهديك ولا شي" بشجاعة الطرح دون تجريح. يوصل إليكم بسلاسة كيف كانت الرحلة صادمةً وطويلةً ومؤلمةً عن طريق صور لا تنقل مشاهد مباشرةً من الحرب، لكن تجدونها مثلاً في صورة لحقيبة ظهر صغيرة تصاحب بطلَي رحلة التهجير المفاجئ

تضيف حلابة: "فلسفة إستوديو 'سفينة 7'، مستوحاة من فن "الواو"، وهو فن شعبي يعتمد على تقنية 'الفرش والغطا'، عن طريق الارتجال، وهذا ما حدث مع ولاء وبابكر خلال إقامتهما الفنية وتجهيزهما الكتاب".

هنا الخرطوم... هنا غزّة

الإستوديو حاليّاً جاهز لاستقبال فنانة فلسطينية انتقلت إلى القاهرة بعد الحرب على غزة، حسب فرح، ويُرجى أن تقدّم لها الإقامة في الإستوديو مساحةً لإعادة ترتيب أفكارها، وتوفير الدعم بأشكال مختلفة عن طريق تنظيم لقاءات تفاعلية وتشاركية مع فنانين آخرين، مثلما حدث مع "بهديك ولا شي"، الذي شارك على هامش الحوار في إنضاج فكرته فنانون سودانيون آخرون هم: ضحى محمد، ميتشي جعفر، وريم الجعيلي.

بعيداً عن شريط الأخبار

قِطَع مبتورة من روح التجربة الإنسانية الثرية يهديها إليك كتاب "بهديك ولا شي". يرسم لك ملامح رحلة لا تخص بطليها، ولاء وبابكر وحدهما، بل قد ترى فيها كلَّ جارٍ سوداني تحوَّل من جار حدودي لبلدك إلى جارٍ حدودي لمنزلك داخل مصر. ملامح كل عربي مغترب، وكل ناجٍ من الحروب والصراعات، تُهديك مساحة تفاعل في وجدانك مع قصص من لحمٍ ودمٍ، لا من سطور جامدة على شريط الأخبار الحزين.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard
Popup Image