شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!

"خسارة جديدة"… الحرب في السودان تحجب جائزة الطيب صالح

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأربعاء 9 أغسطس 202302:53 م

لم تفاجئ الحرب المندلعة في السودان، منذ منتصف نيسان/ أبريل الماضي، صاحب "أحوال المحارب القديم"، الروائي السوداني الحسن بكري، أول من فاز بجائزة الطيب صالح للإبداع الروائي، بتعطيل الجائزة في دورتها لهذا العام، والتي يقدّمها مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي، الواقع في نطاق القتال الأعنف في أحياء "أم درمان القديمة". وفي خسارة جديدة للكتابة والأدب، قالت سكرتارية الجائزة إنها لم تدّخر جهداً لإقامة المسابقة في موعدها، ولكن باءت كل المحاولات بالفشل، نسبةً إلى ظروف الحرب وتداعياتها الكارثية على مجمل مناحي الحياة في السودان، "ولم يتبقَّ أمامنا بُدٌّ سوى أن نعلن إلغاء الدورة، والمؤتمر العلمي للرواية السودانية في نسخته الـ19 المصاحب لها".

عضد السرد

منذ انطلاقها في العام 2002، خدمت الجائزة الأهم في السودان، بإخلاص، السرد السوداني عقب انفجاره المدوي وأسئلته الحارقة، في تسعينيات القرن الماضي، بحثاً عن مزاجه الخاص وحواراته الوجودية القلقة، وتطلّعه إلى أخذ مكانه وقصّ حكاية السودان الشائكة والمعقدة، والتنبؤ بما سيحصل، بما في ذلك الحرب الدائرة الآن، والتي تصورتها روايات عدة، ولم تنجُ منها مباني المركز راعي المسابقة. يقول الحسن بكري لرصيف22: "تم اجتياحه منذ الأيام الأولى للاقتتال"، واصفاً الحرب بـ"الغبية"، وبأنها لم تترك مجالاً للاحتفاء بأي تظاهرات تخص الثقافة أو المعرفة على وجه العموم، فالبلاد انخرطت في صراع دموي ألقى بها في غياهب تخلّف ظلامي ليس له مثيل.

منذ انطلاقها في العام 2002، خدمت الجائزة الأهم في السودان، بإخلاص، السرد السوداني عقب انفجاره المدوي في تسعينيات القرن الماضي

وتأسست المسابقة في العام 1998، تخليداً للكاتب الكبير الطيب صالح، واحتفاءً بمرور سبعين عاماً على مولده، وتقدّم جوائزها في ذكرى ثورة 21 تشرين الأول/ أكتوبر، وقد باتت سنداً للكتّاب الشباب ولعشرات الأسماء السودانية التي شكلت، ولا تزال، راهن الكتابة الروائية محلياً وعالمياً، فضلاً عن خدمتها الجليلة للنقد الأدبي بتقديمها سنوياً مؤتمراً علمياً للرواية السودانية والانتظام في طباعة بحوثه في واقع نقدي متصحر.

لا للحرب... لا للاحتجاب

يرفض الروائي عمر الصايم، مبدأ احتجاب الجائزة بسبب الحرب، لأنه مهما فعلت الحرب بـ"مركز عبد الكريم ميرغني"، مؤسسةً وروّاداً، إلا أن استمرار الجائزة وفعالياتها هو أقوى عبارة من قبيل "لا للحرب"، يمكن تسجيلها على صفحة التاريخ. يقول لرصيف22: "الكتابة الأدبية لا تتوقف بسبب الحرب، بل تزداد الحاجة إليها لاختراق حالة العنف والموت والدمار، ورمزياً تعبّر الكتابة الأدبية عن تطلع الإنسان إلى حياة السلام". ويضيف أنه ما دامت الكتابة مهمةً، وتكتسب استمراريةً برغم أنف الحرب والمتحاربين، فلا بد من استمرار فعاليات الكتابة كافة بما فيها الجوائز، خاصة أنها جوائز تشجيعية للكاتب وتحفيزية للحقل الإبداعي. ويرى أن استمرار الجائزة، في ظل الحرب، يفتح أمامها إمكانية ابتداع أشكال أخرى لتتمظهر بها في الواقع الثقافي، وهو أمر مقدور عليه في عصرنا الراهن. ويضيف: "توقف الجائزة رسالة سلبية في بريد الحياة الإبداعية، واستمرارها غرسة سلام في قلوب القادمين". ويتابع: "مركز عبد الكريم ميرغني منارة يرتُجى منها أن تضيء درب المحبة وتعيد تأسيس المقولات التي تدعم التعايش السلمي، وعلى النحو كانت ستمضي الجائزة برغم دخان الحرب المندلعة، أما وقد أعفى المركز نفسه من مهمته تلك، فكأنما يقول انتظروني في وقت السلم فقط، وهذا طبعاً دور غير طليعي وغير مأمول"، بحسب ما يرى.

وفي السياق نفسه، يقول الروائي الحسن بكري: "روايتي 'أحوال المحارب القديم' التي فازت بالمركز الأول حينما تم تدشين الجائزة في دورتها الأولى، تعلي من شأن ثيمات الحب والنضال من أجل التحرير". ويرى أن ما يجري في البلاد اليوم هو عنف أعمى لا يمكن تصنيفه سوى أنه شرّ محض، فلا أبطال ولا محبة.

منذ تأسيسه عام 1998، بمبادرات فردية وإمكانات ذاتية محدودة وجهود وأفكار تطوعية، انخرط مركز عبد الكريم في دور تنويري مقاوم ورائد في خدمة الثقافة السودانية، وقام بالعديد من المبادرات في مجالات النشر والترجمة وتعزيز آفاق المعرفة والأدب وإطلاق الجوائز وتنظيم الفعاليات، متحدّياً قبضة الديكتاتوريات وغياب الإستراتيجيات الثقافية وانحسار دور المؤسسات السودانية الرسمية، وتحول إلى وسيط معرفي وثقافي مهم وسط العاصمة الوطنية، أم درمان التي تعاني من تهجير سكانها وترويعهم واحتلال بيوتها ونهب أعيانها.

ويرى الروائي منصور الصويم، صاحب جائزة المركز عام 2005، عن روايته "ذاكرة شرير"، أن المركز هو أحد إشعاعات المعرفة والثقافة في السودان، وأن احتجاب الجائزة، بتاريخها الطويل والحافل، هذا العام، خسارة فادحة للمشهد الأدبي والثقافي في السودان عامةً، وفي الخرطوم بشكل خاص.

"الكتابة الأدبية لا تتوقف بسبب الحرب، بل تزداد الحاجة إليها

الحريق مقابل الرحيق

وأدان الصويم تعرّض المراكز الثقافية والجامعات للاجتياح والنهب والتدمير بسبب الحرب التي وصفها بالعبثية والكريهة وبأنها بلا هدف وطالب بإيقافها فوراً ليذهب السودانيون لبناء بلدهم والتمتع بالأمن والاستقرار والتساوي في الحقوق والمواطنة. ويقول لرصيف22: "تكمن أهمية جائزة عبد الكريم ميرغني للإبداع الروائي في تحريك المشهد الإبداعي الراكد ورفده بالكثير من الأصوات المهمة محلياً وعربياً وحتى عالمياً". ويذكر الصويم أسماء عبد العزيز بركة ساكن والحسن بكري وحامد بدوي وغيرهم من الأصوات الروائية الجدية التي مرّت عبر الجائزة نحو منصات أخرى.

ويقرّ الكاتب والروائي ممدوح أبّارو، بأثر الجائزة العميق على مسيرته الكتابية والإبداعية، واصفاً إياها بالرصانة. يقول بحسرة: "لكم أحزنني احتجابها هذا العام، والكتّاب والقرّاء على السواء في أمسّ الحاجة إلى كل صبّ يلطف صرصر الحرب اللعينة هذه". ويضيف لرصيف22: "يأتي قرار إلغاء إعلان الجائزة هذا العام، وبلادنا تتناتشها رياح التجهيل والفرقة والشتات قبل قذائف البارود؛ ونحن أحوج ما نكون إلى الأدب، ذلك الغذاء الروحي الذي لا يتطلب الخروج تحت القصف ومجابهة المدججين الذين لا يفرقون بين الرحيق والحريق". ويلفت أبّارو إلى أنه قد تكون للجنة الجائزة تقديراتها المقدرة". ويتابع: "غير أنني كقارئ، كنت أمنّي النفس بمؤونة عام من أدب الثورة والسلم، لا تصاوير دهور من الكرب والحرب".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard