وجّه مالكو ساحة "أتني" الشهيرة في قلب العاصمة السودانية، ضربة قوية إلى الفنون، بإعلانهم إغلاق المنطقة أمام الفعاليات والرواد، ما يعني إغلاق مكتبة، وإسدال الستار على مسرح، وتجميد العمل بأحد أهم البرلمانات الشعبية.
وتقع ساحة "أتني" الشهيرة، على مقربة من القصر الرئاسي في السودان، ضمن جغرافية مميزة تربط بين مدن العاصمة الثلاثة: الخرطوم، وبحري، وأم درمان. وتعود ملكيتها إلى أسرة "أبو العلا"، إحدى أعرق الأسر المحلية، بينما ترجع التسمية إلى مقهى قديم لسيدة يونانية، كان يطل على الساحة، ثم ما لبث أن طغى الاسم على المنطقة بكاملها.
وظلّت أبواب الساحة مشرعة أمام النشاطات، والفعاليات، والتجمعات، منذ خمسينيات القرن المنصرم، ولم توصد أبوابها حتى في حقبة نظام الرئيس المخلوع البشير، على الرغم من محاولات الأجهزة الأمنية الكثيرة.
صورة من قرب
يؤم الساحة المئات يومياً، من أدباء، وفنانين، ومسرحيين، وتشكيليين، إلى جانب الصحافيين، والناشطين، والسياسيين الشباب، علاوةً على الطلاب، ومن يقصدون الساحة لحضور الفعاليات، أو حتى لالتقاط الصور في المكان التاريخي المميز.
ويتوزع رواد الساحة على مجموعات تتنوع نشاطاتها بين السياسي، والأدبي، والاجتماعي، وصولاً إلى قصص الحب التي تُنسج بين شباب يافعين.
مالكو ساحة "أتني" الشهيرة في قلب العاصمة السودانية، يوجهون ضربة قوية إلى الفنون، بإعلانهم إغلاق المنطقة أمام الفعاليات والرواد، ما يعني إغلاق مكتبة، وإسدال الستار على مسرح، وتجميد العمل بأحد أهم البرلمانات الشعبية
وتحتضن ساحة "أتني" كبريات محال الفولكلور السوداني، بالإضافة إلى عدد من المكتبات، والمراكز الإعلامية، ما يجعلها قِبلة للسواح.
وفي وسط الساحة المقامة بين مجموعة من العمارات التجارية، نُصبت مقاعد إسمنتية ضخمة، يتجول الحمام بين جُلّاسها بكل ألفة، وثقة.
وتعد فعالية "مفروش" لبيع الكتاب الورقي، واستبداله، إحدى أهم النشاطات في الساحة، وتتخللها فعاليات موسيقية ومسرحية.
ومؤخراً، أطلقت مبادرة "الخرطوم بالليل"، أنشطة كبيرة لإحياء الساحة، بدأتها بعمليات الإنارة والنظافة، قبل أن تضطر إلى إلغاء عدد من الفعاليات المعلنة خشية انتشار فيروس كورونا المستجد.
وتُعدّ أطراف الساحة منطقة عمل نشطة لعددٍ من بائعات الشاي، اللواتي يكسبن رزقهن من رواد المحال.
لماذا الإغلاق؟
بصورة مفاجئة، نصبت الأسرة المالكة للساحة لافتة حذرت فيها من التجمع، وإقامة الفعاليات في المنطقة، لكون ذلك انتهاكاً لملكية خاصة.
ولم تنجح محاولاتنا الكثيرة للتواصل مع المالكين لاستنطاقهم في شأن القرار المفاجئ، وتوقيته.
في المقابل، انحصرت سيناريوهات القرار في أربعة احتمالات، تحدث عنها مقربون من الأسرة، ورواد للساحة، إلى رصيف22.
يقول الصحافي عمرو شعبان، وهو من رواد الساحة التي تقع على مقربة من مقارّ معظم الصحف المحلية، إن أسرة "أبو العلا" تعرضت لضغوط من جهات نافذة، وأخرى أمنية، لإصدار قرار الإغلاق.
وعزا ذلك في حديثه مع رصيف22 إلى مخاوف تنتاب هذه الجهات من إمكانية أن تكون الساحة مركزاً للتحركات الاحتجاجية المناهضة للحكومة، لا سيما في تأخر تنفيذ القصاص لشهداء الثورة، أو جراء تبنّي سياسات اقتصادية وفق تعليمات البنك الدولي تُفقر المواطنين.
ورأى شعبان أن الأسرة التي قاومت السلطات الأمنية في حقبة البشير، سيئة الصيت، وأرادت بقرارها إخلاء مسؤوليتها أمام هذه الجهات النافذة، من دون أن تستبطن أي نوايا ضد روّاد الساحة.
لا يُعرف بعد ما إذا كانت الأسرة المالكة للساحة ستتراجع عن قرارها، ولكن حالة من الوجوم تخيّم على رواد "أتني"، وإن كان هناك من ينظر إلى الأمر كونه فرصة سانحة لنقل النشاطات إلى مساحات أرحب، بين الأحياء السكنية، وفي ولايات السودان البعيدة
أما حاتم الكناني، أحد أهم الشعراء الشباب في المشهد السوداني، فقال في معرض رده على بعض الأحاديث المثارة عن تبرّم الأسرة من وجود ممارسات غير أخلاقية تحدث في الساحة، إن مثل هذه السلوكيات، إن حدثت، يكون حسمها باللجوء إلى القانون، وإن كان في تقديره، طبقاً لحديثه مع رصيف22، أن على الأسرة معالجة الأمر بصورة تتناسب مع عراقتها، وارتباطها الوثيق بالمشهد الثقافي والأدبي.
بدوره، نفى صاحب محلٍ مطلٍ على الساحة، وله صلة قوية بالمالكين، مشاهدته، طوال فترة عمله التي تمتد لمعظم ساعات اليوم، مظاهر تفلت أخلاقي بين رواد الساحة.
وقال لرصيف22 إن سبب قرار المالكين يعود بشكلٍ رئيس إلى بروز اتجاهات لدى عدد من الكيانات، لإقامة مقارّ لعدد من المبادرات في قلب الساحة، من دون موافقة الأسرة، وهو ما احتاج تحركات سريعة للحيلولة دون تطور الأمر بصورة عملية، ما قد يحوّل المشكلة إلى نزاع قانوني.
آثار وتداعيات
بغضّ النظر عن الدواعي التي دفعت مالكي الساحة لإصدار أمر إغلاقها، فإن الآداب، والفنون، هي التي ستدفع فاتورة القرار.
يقول الكناني إن المشهد الثقافي سيفتقد إحدى أهم منصات الوعي التي كان لها دور بارز في الثورة، من خلال تجذير الوعي وصولاً إلى أحد أهم تجلياته، وهو الإطاحة بنظام المخلوع البشير المعادي للآداب والفنون.
أما عمرو شعبان، فلا يخفي حسرته من إغلاق "أتني"، ويقول إن ذلك بمثابة إغلاق مكتبة، وإسكات جوقة موسيقية، وإسدال الستار على مسرح حي.
حسرة وفرصة
لا يُعرف بعد ما إذا كانت الأسرة المالكة للساحة ستتراجع عن قرارها، ولكن حالة من الوجوم تخيّم على رواد "أتني"، وإن كان هناك من ينظر إلى الأمر كونه فرصة سانحة لنقل النشاطات إلى مساحات أرحب، بين الأحياء السكنية، وفي ولايات السودان البعيدة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...