شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
ليست مسرحية إيرانية... إنه

ليست مسرحية إيرانية... إنه "فيلم أميركي طويل"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والحقيقة

الأربعاء 17 أبريل 202410:00 ص

لنتخيّل شخصاً أوى إلى فراشه مبكراً، مساء السبت الماضي، ثم استيقظ صباح الأحد، جهّز قهوته، شغّل التلفاز وجلس ليسمع الأخبار، وإذا بمقدمة النشرة تقول: "نقلاً عن مصادر في هيئة الأركان المشتركة للجيش الأمريكي، فإن 99% من الصواريخ والمسيرات تم إسقاطها قبل أن تصل إلى الأجواء والأراضي الإسرائيلية"... فما الذي سيصيبه؟

بالتأكيد سيحاول هذا المواطن أن يفهم الخبر من قنوات أخرى، وسوف يقرأ على شريط الأخبار أن ما يقارب الـ 400 طائرة مسيّرة وصاروخ تم إطلاقها من إيران نحو إسرائيل، وأن مجلس الحرب الإسرائيلي في حالة انعقاد دائم. وسوف يشاهد الفيديوهات التي تصوّر سماء عمّان وسماء القدس وهي مضاءة بشظايا الصواريخ التي يتم اعتراضها. سيطلّ من نافذته ليرى ويستطلع ولن يفهم شيئاً، فالأجواء صافية والناس في الشوارع، وصراخ التلاميذ هو هو في ساحة المدرسة القريبة. سيتصل هذا المواطن المصدوم بأحد أصدقائه ويسأله بخجل، وسيكتشف بعد قليل من الوقت، وقليل من الحيرة، أن حرباً بدأت وانتهت وهو نائم.
هذا ليس مزاحاً ولا هو فصل من مسرحية هزلية، بل حقيقة حدثت في الزمن الذي تتم فيه التضحية بالشعب الفلسطيني في غزة وأجزاء من الضفة، على مدار ستة شهور من حرب حقيقية وطاحنة بحق البشر والشجر والحجر.
إن كانت إسرائيل عدواً لنا كفلسطينيين، وهي كذلك دون أدنى شك، وإن كانت تسعى لاقتلاعنا وتقويض وجودنا على أرض آبائنا وأجدادنا، وهي فعلاً كذلك، فليس بالضرورة أن تكون إيران صديقة لنا
ليس مزاحاً، بل حقيقة حدثت على مرأى من الجميع؛ مَن تم إبلاغهم بها من دول الإقليم، قبل حدوثها بثلاثة أيام كما صرّح وزير خارجية إيران، ومَن تم التنسيق معهم من الأمريكيين في واشنطن وفي المنطقة من خلال الخارجية التركية وسويسرا، كما صرّح دبلوماسي تركي لوكالة رويترز، ومَن تم تحذيرهم وبالتالي انتظروا وجهّزوا دفاعاتهم الجوية وجبهتهم الداخلية وكانوا على أهبة الاستعداد.
لكن لماذا تبدأ الحرب وتنتهي في ليلة واحدة، ودون أن يسمع بها من كان نائماً لسوء أو لحسن حظه؟ وما الذي يمكن ملاحظته حول هذا الحدث الذي لا ينسجم مع مفهومنا عن الحروب التي تعودنا عليها أو قرأنا عنها؟ ولكي تكون ملاحظاتنا مفهومة للقارئ علينا أن نؤكد على ملاحظة تأسيسية لكل ما سيتبعها، والذي لا يمكن إدراكه دونها، وهي كالتالي:

إن كانت إسرائيل عدواً لنا كفلسطينيين، وهي كذلك دون أدنى شك، وإن كانت تسعى لاقتلاعنا وتقويض وجودنا على أرض آبائنا وأجدادنا، وهي فعلاً كذلك ولا يختلف عاقلان على هذا التشخيص، فليس بالضرورة أن تكون إيران صديقة لنا.

قد نتساهل قليلاً ونخرجها من دائرة الأعداء الصريحين، لكن بكل ثقة يمكن القول إنها ليست حليفاً ولا صديقاً، ولا يعنيها وجودنا من قريب أو بعيد. أقصد أن مقولة "عدوّ عدوّي هو صديقي" لا تصلح مقياساً للتحليل ولا للفهم، لا في هذه الحالة ولا في كثير غيرها. من هذا المنطلق يمكننا أن نفهم حرباً تبدأ وتنتهي ونحن نيام، ويمكننا فهم كل ما يدور حولها.
إسرائيل التوسعية الكولونيالية تقضم أرضنا يوماً تلو يوم، باستيطانها وبتضييقها سبل العيش على شعبنا الفلسطيني، وهي تفعل ذلك لتحقيق مصالح استراتيجية تخصها. وإيران الكولونيالية تقضم في العراق وسوريا ولبنان، وتقوم بتضييق سبل العيش على الشعوب العربية في هذه البلدان، وهي تفعل ذلك لتحقيق مصالحها الاستراتيجية.
إسرائيل تحتل فلسطين وأجزاء من سوريا ولبنان. وإيران، كذلك، تحتل العراق وأجزاء من سوريا ولبنان. إسرائيل تستخدم إيران كفزاعة لتحقيق مشروعها في المنطقة، وإيران تستخدم إسرائيل كفزاعة من أجل ذات الغاية وذات الأهداف. هذه لديها حلفاء وعملاء سرّيون وعلنيون من بيننا، أقصد نحن العرب، وتلك لديها أدوات وتشكيلات علنية من بيننا أيضاً. لا هذه ولا تلك يعنيها كم يموت من الفلسطينيين أو السوريين أو اللبنانيين، في سبيل تحقيق مشروعها في المنطقة.

من هذه الملاحظة، ومن افتراض صحّتها، نستطيع مناقشة الملاحظات المتفرّعة عنها والملتصقة بما جرى ليلة السبت الأحد الماضية:

أولاً: يحاول نتنياهو توريط الأمريكيين في هذه الحرب لأسباب لم تعد خافية على أحد، ولتوريطهم لا بد من جرّ إيران، لكن الأمريكيين أذكى من ذلك بكثير، وهم يعرفون هذه النوايا منذ إرسال حاملات طائراتهم إلى المنطقة مع بداية العدوان على غزة، لذلك فقد سمحوا له بأن يتمادى مع الوجود الإيراني في سوريا، ولم يعارضوه إلى أن وقع في خطأ ضرب القنصلية الإيرانية.
ثانياً: على الجانب الآخر، يعتقد الإيرانيون أن أمريكا بايدن مكبّلة لاعتبارات انتخابية، وغير راغبة في إلحاق الأذى بسمعتها أكثر بسبب دموية وهمجية نتنياهو في غزة، لذلك فهي لن تشترك في عدوان إسرائيلي مباشر على إيران، خاصة إن تم استئذانها ووضعها في صورة الردّ الإيراني، لكن الأمريكيين أذكى من الإيرانيين أيضاً، لذلك فقد وافقوا ضمنياً على هذا الرد، وأوصلوا ذلك إلى الإيرانيين عبر سكوتهم طوال أسبوعين من تهديدات إيران وتوعدها.
النظام العربي، بغالبية مكوناته، لا يفعل إلا ما يفعل جمهور كرة القدم؛ يشجّع هذا ويشتم ذاك، ويعتقد أن صوته له قيمة في مسار اللعبة، وسوف تظل الحروب تبدأ وتنتهي وهو نائم
ثالثاً: لقد قامت إيران بالرد، فقامت أمريكا وحلفاؤها باعتراض 99% من الصواريخ والطائرات المسيّرة قبل وصولها الأجواء الإسرائيلية، وهذه النسبة حسب تصريحات الإدارة الأمريكية نفسها. أي أن 1% فقط هو ما قامت إسرائيل بالتعامل معه، ومع ذلك فقد سقطت بعض الصواريخ على قواعد عسكرية في النقب. لكن المفاجأة كانت في تصريح البيت الأبيض، الذي قال بالحرف: "إسرائيل أظهرت قدرة مذهلة في الدفاع عن نفسها". فهل يمكن أخذ هذا التصريح على محمل الجد حين يتعلق الأمر بالتعامل مع 1% من الصواريخ؟ ألا يشبه هذا أن تقوم أمّ بحلّ الواجب المدرسي لابنها ثم تقول له: ما أشطرك. أي امتنان ممزوج بالخزي هذا.
رابعاً: قدّرت إيران أن أمريكا لن تشارك في رد مقابل من طرف إسرائيل، أو حتى يمكنها أن تحاول منع إسرائيل من الرد باعتبار أن الطرفين متعادلان الآن ولا أحد خاسر، لكنها لم تتوقع أن تقود أمريكا حلفاً دولياً معادياً لها من أجل فرض عقوبات عليها، وصولاً إلى تطويعها في المستقبل.
كل هذا الذي جرى ويجري منذ بداية الحرب على غزة، يتم بدهاء أمريكي، مع لاعبَين أساسيَين في المنطقة، هما إسرائيل وإيران، وهذان اللاعبان يحاول كل منهما تحصيل أكبر قدر من المكاسب الاستراتيجية في مستقبل المنطقة، ليس فقط على حساب العرب، بل وبدمهم أيضاً.

أما النظام العربي، بغالبية مكوناته، فلا يفعل إلا ما يفعل جمهور كرة القدم؛ يشجّع هذا ويشتم ذاك، ويعتقد أن صوته له قيمة في مسار اللعبة، وسوف تظل الحروب تبدأ وتنتهي وهو نائم. وإلى أن يصبح لاعباً أساسياً، وهذا مستبعد في المدى المنظور، سيظل الشعب الفلسطيني أضحية على مذبح المخططات الأمريكية للمنطقة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image