شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
من صلاح الدين إلى ابن تيمية وأحمد شوقي... الوجه الكُردي للحضارة الإسلامية

من صلاح الدين إلى ابن تيمية وأحمد شوقي... الوجه الكُردي للحضارة الإسلامية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن والتنوّع نحن والتاريخ

الاثنين 15 أبريل 202412:01 م

يعيش الأكراد في أجزاء متفرقة من العراق وسوريا وإيران وتركيا، ويشكلون جزءاً مهماً من التركيبة السكانية في تلك الدول. تمكّن الأكراد من التأثير في تاريخ المنطقة العربية عبر القرون، وذلك برغم وقوع الكثير من المشكلات السياسية بينهم وبين الأنظمة السياسية الحاكمة في الدول التي يعيشون فيها. نلقي الضوء في هذا المقال على مجموعة من الشخصيات كردية الأصل، لعبت أدواراً مهمةً في تشكيل الحضارة العربية الإسلامية عبر التاريخ.

صلاح الدين الأيوبي

هو يوسف بن أيوب بن شاذي بن مروان بن يعقوب. وُلد في تكريت في العراق سنة 532هـ. يوجد خلاف واسع بين المؤرخين القدامى حول أصله. يذهب الكثير من المؤرخين إلى القول بالأصل الكردي لأسرة شاذي بن مروان.

على سبيل المثال، يقول المؤرخ ابن الأثير الجزري، في كتابه "الكامل في التاريخ"، في سياق حديثه عن أسد الدين شيركوه، عم صلاح الدين: "...كان هو وأخوه نجم الدين أيوب ابنا شاذي من بلد دوين، وأصلهما من الأكراد الروادية، وهذا النسل هم أشراف الأكراد...". يذهب المؤرخ أبو شامة المقدسي، إلى القول نفسه في كتابه "الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية"، فيقول: "...كان أسد الدين وأخوه نجم الدين أيوب (وهو الأكبر) ابنا شاذي من بلد دوين وهي بلدة من آخر بلاد أذربيجان مما يلي الروم وأصلهما من الأكراد الروادية وهذا القبيل من أشرف الأكراد...".

  يوجد خلاف واسع بين المؤرخين القدامى حول أصل صلاح الدين الأيوبي، ويذهب الكثير من المؤرخين إلى القول بالأصل الكردي لأسرة شاذي بن مروان التي ينتمي إليها. على الجانب الآخر، شكك بعض المؤرخين في الأصل الكردي للأسرة الأيوبية، وقالوا إن هذه الأسرة ترجع إلى جذور عربية

على الجانب الآخر، شكك بعض المؤرخين في الأصل الكردي للأسرة الأيوبية، وقالوا إن هذه الأسرة ترجع إلى جذور عربية. من هؤلاء الأمير داود بن عيسى الأيوبي الذي ناقش تلك المسألة في كتابه "الفوائد الجلية في الفرائد الناصرية"، وقال: "ولم أرَ أحداً ممن أدركتُه من مشايخ بيتنا يعترف بهذا النسب، يقصد النسب الكردي". وتابع بعدها أن أحد أجداده القدامى نزل إلى بلدة دوين، وعاش بين الأكراد، وتزوج منهم، ولذلك حسبهم الناس من الأكراد. في السياق نفسه نقل ابن واصل الحموي في كتابه "مفرج الكروب في أخبار بني أيوب" عن بعض الملوك الأيوبيين قولهم: "إنما نحن عرب، نزلنا عند الأكراد وتزوجنا منهم". ويذكر ابن واصل في كتابه أن هناك بعض الآراء التي نسبت الأسرة الأيوبية إلى البيت الأموي، فجعلتهم أحفاداً من نسل عبد الرحمن الداخل أمير الأندلس.

بغض النظر عن الاختلاف الدائر حول أصل البيت الأيوبي، لعب هذا البيت دوراً فارقاً في تشكيل التاريخ الإسلامي. انتقل صلاح الدين بصحبة عائلته للعمل في خدمة الدولة الزنكية في الموصل وبلاد الشام، وفي شبابه سافر مع عمه أسد الدين شيركوه إلى مصر. ولم يلبث أن تقلّد وزارتها بعد وفاة عمه. في سنة 567هـ، أسقط صلاح الدين الدولة الفاطمية الإسماعيلية بعدما أزال اسم الخليفة العاضد لدين الله من خطبة يوم الجمعة، ومهّد بذلك للدولة الأيوبية التي ستحكم مساحات واسعةً من مصر وبلاد الشام والعراق والحجاز لسنوات طويلة.

تمكّن صلاح الدين من الانتصار على الزنكيين الذين نافسوه على حكم بلاد الشام، وبعدها وجه جهوده نحو مقارعة الصليبيين، وتوّج تلك الجهود بالانتصار في معركة حطّين في سنة 583هـ، وما وقع بعدها من فتحه لبيت المقدس. تصدّى صلاح الدين كذلك للحملة الصليبية الثالثة التي قادها كلّ من ريتشارد قلب الأسد ملك إنكلترا، وفيليب أغسطس ملك فرنسا، وعقد صلح الرملة معهما في سنة 588هـ. بعد أقلّ من سنة، توفي صلاح الدين، وترك دولةً عظيمةً لأبنائه وإخوته من أسرة بني أيوب. تمكنت تلك الدولة من الصمود حتى قُتل آخر سلاطينها، توران شاه، في سنة 648هـ.

ابن خلكان

هو أبو العباس أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن خلكان. وُلد في مدينة أربيل في سنة 608هـ، وتعود أصوله إلى العرق الكردي. يشهد على ذلك ما جاء في مقدمة كتابه الأشهر "وفيات الأعيان"، على لسان ابنه موسى: "وأخبرني -يقصد ابن خلكان- أيضاً أن قبيلته التي ينتسب إليها من الأكراد القبيلة المعروفة بالزرزارية...". وكانت الزرزارية تسكن في المناطق الواقعة شمال غرب إيران.

حفظ ابن خلكان القرآن ودرس علوم الدين في صغره. سافر في شبابه إلى مصر والشام، ثم استقر في دمشق، وتولى فيها منصب القاضي، كما تولى التدريس في مدارسها. مدحه كبار المؤرخين المسلمين؛ على سبيل المثال وصفه ابن كثير في كتابه "البداية والنهاية" بأنه "أحد الأئمة الفضلاء بدمشق والسادة العلماء والصدور الرؤساء...". كما وصفه شمس الدين الذهبي بأنه كان "إماماً، فاضلاً، متقناً، عارفاً بالمذهب، حسن الفتاوى، جيد القريحة، بصيراً بالعربية، علامةً في الأدب والشعر وأيام الناس، كثير الاطلاع، حلو المذاكرة، وافر الحرمة، من سروات الناس، كريماً، جواداً، ممتدحاً...". اشتهر ابن خلكان بكتابه المعروف "وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان"، الذي جمع فيه تراجم ما يزيد عن 850 شخصيةً من الخلفاء والأمراء والوزراء والأدباء والشعراء وغيرهم من الأعلام. ويُعدّ هذا الكتاب واحداً من أهم الكتب المتخصصة في التراجم في تاريخ الحضارة العربية الإسلامية.

ابن تيمية

ولد أبو العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن تيمية في مدينة حرّان الواقعة في الجزيرة الفراتية في عام 661 للهجرة. في السابعة من عمره سافر مع أسرته إلى دمشق، بعد أن أغار المغول على حرّان. يوجد خلاف كبير حول تحديد أصول ابن تيمية، إذ يرى البعض أنه كردي الأصل، بينما يذهب البعض الآخر إلى أن أصوله عربية.

يعتمد الفريق الأول على أن الاسم الذي اشتهر به ابن تيمية، في المصادر التاريخية القديمة، كان ابن تيمية الحرّاني، ثم الدمشقي، وأن أغلب تلك المصادر لم تنسبه إلى أي قبيلة عربية كما جرت العادة في ذلك العصر. على سبيل المثال، يقول محمد أبو زهرة في كتاب "ابن تيمية": "إن هذا يشير إلى أنه لم يكن عربياً، أو لم يعرف أنه عربي منسوب إلى قبيلة من القبائل العربية، ولذلك نستطيع أن نفهم أو أن نعلم علماً ظنياً أنه لم يكن عربياً، ولعله كان كردياً...". وذلك على أساس أن الأكراد كانوا يشكلون الأغلبية الغالبة من سكان منطقة حرّان في القرن السابع الهجري.

يوجد خلاف كبير حول تحديد أصول ابن تيمية، إذ يرى البعض أنه كردي الأصل، بينما يذهب البعض الآخر إلى أن أصوله عربية.

على الجهة المقابلة، يرى البعض أن هناك مجموعةً من الأدلة على الأصل العربي لشيخ الإسلام. يذكر ابن ناصر الدين الدمشقي -وهو من تلاميذ تلاميذ ابن تيمية- في كتابه "التبيان بديعة البيان"، أن أصول ابن تيمية تعود إلى قبيلة بني نمير العربية. ويذكر أحمد بن علي القلقشندي، في كتابه "صبح الأعشى في صناعه الإنشا"، أن قبيلة نمير بن عامر بن صعصعة كانت منتشرةً في أنحاء الجزيرة الفراتية، فيقول: "...وكانت منازلهم الجزيرة الفراتية والشام بعدوتي الفرات. وهم إحدى جمرات العرب، وكان لهم كثرة وعدّة في الجاهلية والإسلام، ودخلوا الجزيرة الفراتية وملكوا حرّان وغيرها...".

درس ابن تيمية الفقه الحنبلي على يد أبيه، وفي سن مبكرة تصدى للتدريس والفتوى، واشتهر بين الناس، حتى صار واحداً من أشهر علماء الشام في زمانه، وعُرف بلقب "شيخ الإسلام". صنّف كذلك العديد من الكتب المهمة، منها على سبيل المثال، "العقيدة الواسطية"، و"منهاج السنة النبوية في الرد على الشيعة القدرية"، و"درء تعارض العقل والنقل"، و"الرسالة التدمرية"، و"الفتوى الحموية"، و"الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح". كذلك لعب ابن تيمية أدواراً مهمةً في ميادين العمل السياسي والعسكري في عصره، ويُقال إنه شارك في سنة 690هـ، في فتح مدينة عكا الحصينة، والتي كانت آخر المعاقل الصليبية في بلاد الشام. كما أنه شارك المماليك القتال ضد المغول الإيليخانيين في معركة شقحب في سنة 702هـ.

تعرّض ابن تيمية للحبس مرات عدة في حياته، في كل من دمشق والقاهرة والإسكندرية، وفي 728 للهجرة، توفي في محبسه في قلعة دمشق عن عمر بلغ سبعةً وستين عاماً، ودُفن بجوار أخيه شرف الدين عبد الله في مقابر الصوفية.

سعيد النورسي

وُلد بديع الزمان سعيد النورسي، لأبوين كرديين في قرية نُوْرْس الواقعة شرق الأناضول في سنة 1877. بدأ حياته العلمية بحفظ القرآن ودراسة العلوم الدينية، ثم انخرط في الجيش التركي لمقاومة الغزو الروسي، ووقع في الأسر.

بعد تحريره، شارك النورسي في الحرب العالمية الأولى، وشهد سقوط إسطنبول في يد القوات الإنكليزية والفرنسية. في سنة 1923، غادر النورسي مدينة أنقرة إلى مدينة "وان"، حيث انقطع للعبادة، وبدأ بتأليف "رسائل النور"، وهي مجموعة من الرسائل والكتب التي تضمنت خواطر النورسي في القرآن ومضامينه ومعانيه. حققت تلك الرسائل شهرةً منقطعة النظير، وتُرجمت إلى اللغات العربية، والفارسية، والألمانية، والإنكليزية، والأردية، والكردية، والفرنسية، والروسية وغيرها. توفي النورسي في آذار/ مارس سنة 1960، ويعدّه كثيرون واحداً من أبرز علماء الإصلاح الديني والاجتماعي المسلمين في القرن العشرين.

محمد علي باشا

وُلد محمد علي باشا، مؤسس الأسرة العلوية في مصر، سنة 1769 في مدينة قولة الواقعة في شرق مقدونيا. يعتقد كثيرون أنه يرجع إلى أصول ألبانية، فيما تذهب بعض الآراء إلى أنه ينحدر من أصل كردي.

في تشرين الثاني/نوفمبر سنة 1949، نُشر حوار صحافي في مجلة "المصور" المصرية، أجراه المفكر المصري عباس محمود العقاد، مع ولي عهد مصر آنذاك الأمير محمد علي. جاء في هذا الحوار على لسان ولي العهد: "...أحدّثكم بشيء قد يستغربه الكثيرون عن نشأة الأسرة العلوية، فإن الشائع أنها نشأت على مقربة من قولة في بلاد الأرناؤوط (ألبانيا)، ولكن الذي اطلعت عليه في كتاب ألّفه قاضي مصر على عهد محمد علي، أن أصل الأسرة من ديار بكر في بلاد الكرد، ومنها انتقل والد محمد علي وإخوانه إلى قولة، ثم انتقل أحد عميه إلى الأستانة، ورحل عمه الثاني في طلب التجارة، وبقي والد محمد علي في قولة. وقد عزز هذه الرواية ما سمعناه منقولاً عن الأمير حليم (أحد أحفاد محمد علي)، أنه كان يرجع بنشأة الأسرة إلى ديار بكر في بلاد الكرد...".

وُلد محمد علي باشا، مؤسس الأسرة العلوية في مصر، سنة 1769 في مدينة قولة الواقعة في شرق مقدونيا. يعتقد كثيرون أنه يرجع إلى أصول ألبانية، فيما تذهب بعض الآراء إلى أنه ينحدر من أصل كردي

لعب محمد علي باشا دوراً مهماً في تأسيس مصر الحديثة. تولى حكم مصر في سنة 1805، بصفته والياً من قِبل السلطان العثماني. وسرعان ما نجح في الاستقلال، ليضم مناطق أخرى إلى سلطته. وصار بعدها واحداً من أقوى حكام الشرق الإسلامي. حكم أبناؤه وأحفاده مصر لمدة قرن ونصف قرن تقريباً.

أحمد تيمور باشا

وُلد الأديب أحمد تيمور باشا، في القاهرة، سنة 1871. ويرجع إلى أصول كردية تحدث عنها بنفسه في كتابه "تاريخ الأسرة التيمورية" عندما تعرّض لسيرة جدّه محمد تيمور كاشف، فقال عنه: "هو من أسرةٍ كردية كانت تسكن 'بقره جولان'، وهي بلدةٌ بكردستان من ولاية الموصل، اتصل بها الخراب في القرن الماضي بعد بناء السليمانية...". التحق محمد تيمور كاشف بالجيش العثماني، وتعرف إلى محمد علي باشا، وصحبه إلى مصر، وصار بعدها واحداً من موظفيه ومعاونيه في الحكم. ويُعدّ أحمد تيمور باشا واحداً من أهم الأدباء الذين أثروا الحياة الثقافية والأدبية في البلاد العربية في النصف الأول من القرن العشرين. كان تيمور واحداً من أعضاء المجمع العلمي العربي في دمشق، كما ألّف عدداً كبيراً من المؤلفات المهمة، ومنها "أعلام الفكر الإسلامي في العصر الحديث"، و"الآثار النبوية"، و"الأمثال العامية"، و"أبو العلاء المعري وعقيدته"، و"الألقاب والرتب".

أحمد شوقي

وُلد الشاعر أحمد شوقي بك في القاهرة في سنة 1868. يوجد خلاف حول تحديد أصوله العرقية. تذهب بعض الآراء إلى أن أباه شركسي الأصل. ولكن توجد آراء أخرى تقول بأصوله الكردية. تحتج تلك الآراء بما ورد في مقدمة الطبعة الأولى من ديوانه "الشوقيات". كتب أحمد شوقي في تلك المقدمة: "...سمعت أبي يرد أصلنا إلى الأكراد فالعرب، ويقول إن والده قدم هذه الديار يافعاً يحمل وصاةً من أحمد باشا الجزار إلى والي مصر محمد علي باشا...". أصدر شوقي الكثير من المسرحيات والدواوين الشعرية، ومن أشهر أعماله مسرحية "مجنون ليلى"، ومسرحية "مصرع كليوباترا"، ومسرحية "قمبيز"، فضلاً عن العديد من المدائح النبوية. اشتهر شوقي بلقب "أمير الشعراء"، ويُعدّ أعظم شعراء العربية في العصور الحديثة. توفي في تشرين الأول/ أكتوبر سنة 1932.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ماضينا كما يُقدَّم لنا ليس أحداثاً وَقَعَت في زمنٍ انقضى، بل هو مجموعة عناصر تجمّعت من أزمنة فائتة ولا تزال حيّةًً وتتحكم بحاضرنا وتعيقنا أحياناً عن التطلّع إلى مستقبل مختلف. نسعى باستمرار، كأكبر مؤسسة إعلامية مستقلة في المنطقة، إلى كسر حلقة هيمنة الأسلاف وتقديم تاريخنا وتراثنا بعين لا تخاف من نقد ما اختُلِق من روايات و"وقائع". لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا مسيرتنا/ رحلتنا في إحداث الفرق. ساعدونا. اكتبوا قصصكم. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard
Popup Image