شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
صُدفة ونعمة وسُترة والأخريات… رحلة البحث عن نساء

صُدفة ونعمة وسُترة والأخريات… رحلة البحث عن نساء "يشبهننا" في دراما رمضان المصرية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الثلاثاء 9 أبريل 202406:07 م

في مشهد لافت من مسلسل "مسار إجباري"، تستنجد الشابة فرح بشقيقيها عمر وحسين، بعد أن تتعرض لمحاولة تحرش من أحد زملائها في الجامعة، فيأتي شقيقاها ويطمئنانها، وحين تقول إنها "خائفة"، يردّ عليها شقيقها، أحمد داش، حاسماً: "هو اللي يخاف مش أنتي".

على النقيض تماماً، يتوعّد "خضر" في مسلسل "العتاولة" -يجسّد دوره طارق لطفي- شقيقته شادية بأنها "لازم تموت وتتدبح أدام (أمام) الكل"، عقاباً لها على قيام أحد الأشخاص بفضح علاقة بينهما.

هذا المثال كافٍ لتوضيح كيف تأرجحت دراما رمضان المصرية 2024، في تناول القضايا الخاصة بالنساء، وخدمتها، بين التفهّم والتعاطي الإيجابي الداعم، وترسيخ العادات النمطية المسيئة.

مهمّشة أو بطلة… صور غير واقعية

عموماً، يبدو أن تقديم صورة واقعية للمرأة المصرية وقضاياها الملحّة وما تعيشه في الحياة اليومية في دراما رمضان، لا يزال بعيد المنال، حيث ينقضي موسم آخر دون تحقيق حد أدنى من المرجو في هذا الصدد.

أكثر من أي عام مضى، لا تمتّ شخصية "صُدفة" الساذجة والبلهاء تحت ستار "الطيبة والبراءة"، وشخصية "البطلة" في "نعمة الأفوكاتو"، بصلة إلى واقع المرأة المصرية، لا من حيث اهتماماتهما أو طريقة تفكيرهما ولا من حيث تعاملهما. تماماً مثل شخصيتَي "عيشة" و"سُترة" "في "العتاولة". كم عدد السيدات المصريات اللواتي يشبهنهما؟ بالتأكيد ليس كبيراً

امتداداً للسنوات الماضية، بُثت عشرات الأعمال التلفزيونية، بعضها من 15 حلقةً والبعض الآخر من 30 حلقةً، دون أن نشاهد سوى نماذج قليلة للغاية ممن يمكن أن نعتبرهن حقاً شخصيات "من دم ولحم"، لسيدات مصريات يشبهننا أو يعشن وسطنا ونصادفهن في المواصلات العامة وأماكن العمل وحتى الترفيه.

في دراما رمضان 2024، كانت هناك ثلاثة أنماط من المسلسلات: مسلسلات البطولة "الرجالية"، ومسلسلات البطولة النسائية، ومسلسلات البطولة المشتركة.

بالنسبة للنمط الأول، وكالعادة، أُحيط "البطل" بالكثير من الشخصيات النسائية، سواء كنّ حبيبات أو شقيقات أو عشيقات أو أمّهات وقريبات. لم تكن هذه الشخصيات إلا لتُعين "البطل" على إبراز قوته و"شهامته"، أو استعادة حقه المهضوم، أو معرفة حقيقة يلهث وراءها، أو على النقيض تماماً شكّلن عراقيل في طريقه وعنصر ضعف يدخل إليه منه أعداؤه.

في الأحوال كلها، كانت أحداث حياة هذه الشخصيات الأخرى -خارج سياق التعامل المباشر مع البطل- هامشيةً ولم يتم التركيز عليها بما في ذلك مسائل العنف الأسري والمرض والطلاق وغيرها، وكأنها أمور لا قيمة لها. شاهدنا ذلك في "العتاولة"، لأحمد السقا وباسم سمرة وطارق لطفي، و"حق عرب" لأحمد العوضي، و"المداح" لحمادة هلال على سبيل المثال.

في النمط الثاني، وعلى الرغم من العدد المقبول لمسلسلات البطولة النسائية، لم يحدث تقدّم ملحوظ على صعيد التناول الواقعي لقضايا المرأة المصرية وهموم حياتها اليومية. بل لم تطور أيّ من "نجمات" البطولة المطلقة، أدواتها لتقنع الجمهور بقدراتها بحيث تتغير الفكرة النمطية السائدة: "دي بتمثّل عشان حلوة/ عشان جوزها المخرج/ عشان فلوسها/ عشان فلوس جوزها". كان الحال هكذا في مسلسلات "رحيل" لياسمين صبري، و"نعمة الأفوكاتو" لمي عمر، و"صيد العقارب" لغادة عبد الرازق، و"صُدفة" لريهام حجاج.

أكثر من أي عام مضى، لا تمتّ شخصية "صُدفة" الساذجة والبلهاء تحت ستار "الطيبة والبراءة"، وشخصية "البطلة" في "نعمة الأفوكاتو"، بصلة إلى واقع المرأة المصرية، لا من حيث اهتماماتهما أو طريقة تفكيرهما، ولا من حيث تعاملهما. تماماً كما لم تقترب شخصية "عيشة" في "العتاولة"، والتي أدّتها الفنانة مي كساب، في أي حال، من واقع أمّ مصرية مكلومة بسبب خسارتها طفلها الوحيد. شخصية المعلّمة "سُترة" -التي أدّتها فريدة سيف النصر- في العمل نفسه، كم عدد السيدات المصريات اللواتي يشبهنها؟ الأكيد أنه ليس كبيراً.

لم يغب تنميط المرأة المصرية عن الكثير من المسلسلات، فأُعيد إحياء نموذج "روقة"، الزوجة السرّية أو العشيقة في فيلم "العار"، وذلك في شخصية "ديحة" في مسلسل "العتاولة"، والتي لا هم لها سوى إرضاء البطل. تكرر هذا النموذج في المسلسل الخليجي "زوجة واحدة لا تكفي"، حيث الزوجة المصرية السرّية للبطل، "كاميليا"، لا تفكر سوى في العلاقة الحميمة وإمتاعه

المبالغة التي اعتُمِدت دائماً لـ"تلميع" البطل/ ة، لا تخدم أي قضية تخصّ المرأة بل زادتها تهميشاً وانفصالاً عن الواقع. في حالة "نعمة الأفوكاتو"، لم يكن الانفصال عن واقع المرأة المصرية فحسب، وإنما أيضاً عن شخصية أي محامية حتى أن المحامية المخضرمة نهاد أبو القمصان قالت في مقطع مصور عبر يوتيوب، إن الشخصية لا تشبه الواقع سوى في "ارتداء التربون".

لم يغِب تنميط صورة المرأة المصرية عن الكثير من المسلسلات، فأُعيد إحياء نموذج "روقة" -الزوجة السرّية أو العشيقة- في فيلم "العار"، وذلك في مسلسل "العتاولة"، في شخصية "ديحة" التي لا همّ لها سوى إرضاء البطل، "خضر"، وإسعاده أملاً في أن يتزوجها، علماً بأنها تقبل منه في سبيل ذلك التعنيف والإذلال، والإجهاض القسري على يد والدته.

تكرر هذا النموذج في المسلسل الخليجي "زوجة واحدة لا تكفي"، حيث الزوجة المصرية السرّية للبطل، "كاميليا"، لعبت دورها آيتن عامر، لا تفكر سوى في العلاقة الحميمة والرقص للبطل.

التعاطف المشروط لا يُجدي

حتى العمل الذي بدا مبشّراً من ناحية التضامن مع "فتيات التيك توك"، والدفاع عنهنّ، أي مسلسل "أعلى نسبة مشاهدة"، فقد اتضح أنه ليس سوى سلاح إدانة مجتمعية جديد بحقهن إذ لم يبنِ حبكته على حق كل فتاة في جسدها وحريتها في الظهور على المنصات الاجتماعية بالشكل الذي يحلو لها، وإنما بناها على التعاطف "الأخلاقي" بذريعة الفقر وحده.

الدليل على ذلك، أنه صوّر إحدى بطلتيه "شيماء" -تؤديها سلمى أبو ضيف- بدور شخصية طيّبة وعطوفة وكل ما يهمها انتشال أهلها من الفقر كمبرر للتعاطف معها طوال الحلقات عسى يمنع ذلك معاقبتها في النهاية بالسجن كوسيلة "تطهير" من "الذنب" الذي اقترفته.

في المقابل، كانت شخصية البطلة الأخرى، شقيقتها "نسمة" -تؤديها ليلى زاهر- شخصيةً أنانيةً غيورةً تحقد على شقيقتها وتوقعها في المشكلات. على الرغم من ذلك، لا تتعرض "نسمة" لأي عقاب في النهاية، بل تستمر في تقديم المحتوى على مواقع التواصل الاجتماعي وإن بشكل مختلف. لم يكن المسلسل إلا محاولة أخرى لترسيخ ثقافة إخضاع المرأة لشروط المجتمع وقيوده في نهاية المطاف.

نماذج يمكن البناء عليها

وسط هذا الانفصال عن واقع النساء المصريات، كانت هناك نماذج وشخصيات نسائية لافتة وحقيقة، أبرزها شخصية "الأمّ" التي قدّمتها الفنانة انتصار في مسلسل "أعلى نسبة مشاهدة". في كل مشهد، يمكن أن نشعر بأن هذه الأم تكاد تكون أمّاً لكثيرين/ ات منّا في قلقها وخوفها وتفكيرها، سواء السلبي أو الإيجابي.

وفي مسلسل "أشغال شقة"، نجحت الفنانة أسماء جلال، في دور "ياسمين"، في تجسيد معاناة عشرات "الزوجات المصريات" الشابات من فئات اجتماعية مختلفة، في مسائل حيوية عدة على غرار التعامل مع إنجاب توأمين، واستعادة رشاقة الجسم عقب الولادة، والبحث عن معينة منزلية مناسبة، وتحقيق التوازن بين العمل وتربية الأبناء، والتعامل مع الحماة المتسلّطة وغيرها. وهذا كله في قالب كوميدي لا يخلّ بأهمية هذه القضايا، ولكن يقرّبها إلى المشاهد بأسلوب يساعده على تفهم أوجه معاناتها. هنا الزوجة المصرية "من دم ولحم" و"تشبه" ملايين الزوجات المصريات خلافاً لـ"ديحة" و"كاميليا".

يحتاج صنّاع الدراما المصرية، على ما يبدو، إلى إدراك أن النساء اللواتي يعُلن منفردات ثلث الأسر في بلد مأزوم اقتصادياً، زيادةً على المشاركة في إعالة نسبة أكبر من الأسر بالمشاركة مع الرجل، لم يعد همهنّ الأكبر الصراع على الرجل أو العيش فقط من أجل إرضائه، ليتسنّى لهم تناول قضايا أكثر جديةً وواقعيةً حول واقع المرأة

وفي "صلة رحم" و"مسار إجباري"، كان التناول الإنساني لقضايا وعلاقات عدة في سياق نسائي نسائي، وسياق نسائي رجالي، خالياً من نظرية "المرأة عدوّة بنات جنسها" أو الصراع النسائي على "الرجل/ البطل".

فعندما تكتشف "إحسان" -قامت بدورها صابرين- و"نعناعة" -قامت بدورها بسمة- أنهما زوجتان للرجل نفسه منذ سنوات طويلة، دون علم أيّ منهما بذلك، لم تنقلبا ضد بعضهما البعض وتتصارعا، بل أدركت كل واحدة منهما أنها ضحية الزوج المخادع، ونشأت بينهما حالة من الصداقة والتعاطف اللافت استمرت عقب وفاة الزوج.

وفي صلة رحم، تخلق المحنة تعاطفاً أعمق بين البطلتين، الأم البيولوجية والأم صاحبة الرحم المستأجر، فكلتاهما تشعران بحق الأخرى في الطفل المأمول عوضاً عن الصراع الذي عادةً ما تم تصديره في سياقات فنية مشابهة.

عموماً، يحتاج صنّاع الدراما المصرية، على ما يبدو، إلى إدراك أن النساء اللواتي يعُلن منفردات ثلث الأسر في بلد مأزوم اقتصادياً، زيادةً على المشاركة في إعالة نسبة أكبر من الأسر بالمشاركة مع الرجل، لم يعد همهنّ الأكبر الصراع على الرجل أو العيش فقط من أجل إرضائه، ليتسنّى لهم تناول قضايا أكثر جديةً حول واقع المرأة ودون خوف من ردة فعل المجتمع بما يدفع إلى تناول "موجّه" غير واقعي وإبداعي. نجاح هذه النماذج الواقعية سالفة الذكر ينبغي أن يكون مشجّعاً لصنّاع الدراما للمضي قدماً في التغيير نحو ما يُسهم في تحسين واقع المرأة المصرية والمجتمع بالضرورة.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard