شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
المرأة في دراما رمضان المصرية بين

المرأة في دراما رمضان المصرية بين "البطلة الخارقة" و"الخائنة المثالية"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الخميس 20 أبريل 202302:01 م

في كل عام، تتنافس الأعمال الدرامية التلفزيونية خلال الموسم الرمضاني على نيل إعجاب الجمهور بقوالب الأكشن والكوميديا والدراما الاجتماعية والتاريخية والدينية. ويمكن القول إن هناك منافسة من نوع آخر من حيث الاهتمام بالمرأة وقضاياها من عدمه.

شهد رمضان 2023 منافسة محتدمة بين أكثر من 30 عملاً تلفزيونياً، لجأ بعضها للثيمات النمطية في تناول قصص خاصة بالعلاقات والخيانة الزوجية والبطل المغوار فيما مضى بعضها الآخر للتجديد و"المجازفة" إن صح التعبير من أجل إحداث الفارق، حتّى ولو لم تنجح في ذلك تماماً في نهاية المطاف.

ككل عام، طفت على السطح مشاهد الإساءة للمرأة، وإذكاء الأفكار الذكورية الأبويّة، والتطبيع مع أفكار مغلوطة عوضاً عن تصحيحها. لكن عدداً من الأعمال منح الموسم الرمضاني قبلة الحياة لتمثيل إيجابي وواقعي يدعم الاصطفاف خلف حقوق النساء ودعمها.   

ذكوريّة مستفحلة 

تماماً كما في السنوات الماضية، حفلت أعمال محمد رمضان وعمرو سعد ومصطفى شعبان وأحمد العوضي لهذه السنة بالذكورية المستفحلة. البطل فيها هو المغوار العالم ببواطن الأمور والذي تفوح من حديثه "الحكم والعبر" والتعليمات لكل من حوله، والذي "بالطبع" تتهافت عليه النساء. على النقيض، قُدّمت المرأة بشكل مكرر مسيء باعتبارها "مصدر الخيانة" و/ أو "نقطة ضعف الرجل" أو عنصراً بلا تأثير تماماً في السياق الدرامي، مع تمرير الكثير من الأفكار النمطية على لسان شخوص المسلسلات.

شاهدنا التطبيع مع تعدد الزوجات وحرمان الزوجة من حقها في تقرير الإنجاب من عدمه، وابتزاز المرأة بالزواج مقابل المال في "جعفر العمدة". تكررت محاولة تشويه قوانين تخص المرأة مثل قانون الخلع الذي صوِّر وكأنه يمنح المرأة حلاً سحرياً لتطليق الرجل حتّى دون علمه أو دون سبب قانوني في مسلسلي ضرب نار وجعفر العمدة.

تماماً كما في السنوات الماضية، حفلت أعمال محمد رمضان وعمرو سعد ومصطفى شعبان وأحمد العوضي بالذكورية المستفحلة. البطل فيها "مغوار" تتهافت عليه "الجميلات". أما النساء، فرُوِّج لهن كـ"مصدر الخيانة" أو "نقطة ضعف الرجل" أو غير مؤثرات درامياً

وكانت صراعات النساء على الرجل و/أو أمواله محور العديد من الأعمال. شتائم مثل "ابن العايبة" و"فاجرة" و"شمال" تكررت بشكل فج في جملة من الأعمال.

محاولات "رمنسة" العنف والإساءة للمرأة استمرت أيضاً. على سبيل المثال، في مسلسل "الأجهر" الذي سجّل هذا الموسم القدر الأكبر من التغطية السلبية لكل ما يتعلق بالمرأة، دعا البطل الذي يؤدي شخصيته عمرو سعد لحبيبته التي تجسد شخصيتها درة: "يا رب يا أخدها يا تاخدها"، بينما قابلت هي دعاءه بالابتسامة العريضة والسعادة. كذلك، تفنّنت الفنانة سارة سلامة من خلال دورها في العمل بتعديد صفات "فارس أحلامها" الذي يتصف بأنه "راجل كدا يضربني، يجرجرني من شعري، راجل يغير عليّا يحسسني أني واحدة ست".

وفي الحلقة الـ13 من مسلسل رشيد، كانت هناك إشارة مسيئة لـ"فتيات التيك توك" على لسان بطلة العمل ريهام عبد الغفور، عبر تكرار الاتهامات الرسمية الموجهة لنساء حُكمن بالسجن وتعرضن للتشويه بسبب مقاطعهن المصورة عبر الإنترنت.

بارقة أمل 

على النقيض، لا يمكن أن ننكر العديد من البصمات المضيئة في ما يتعلق بالمشاركات والقضايا النسائية في أعمال هذا الموسم. من حيث المواضيع، كانت هناك نقلة نوعية في تناول واقع المرأة المصرية باعتماد نماذج من طبقات اجتماعية مختلفة في مواجهة أحكام المجتمع المتحيّزة ضدها والقوانين غير المنصفة. 

أثبتت منى زكي بدورها في "تحت الوصاية" أن التعاطي الإيجابي مع قضايا النساء "بيأكّل عيش" ويمكن أن يحقق نجاحاً ساحقاً ينافس الأعمال التي تستسهل ثيمة "البطل الخارق" أو "البطلة الخارقة" أو القصص النسائية والاجتماعية "اللايت"

شاهدنا المرأة في عدة مهن غير تقليدية يروّج لبعضها عادةً بأنها "للرجال فقط" منها: منصب العمدة (حاكمة قرية)، والصيّادة "ريّسة مركب"، و"تبّاعة" (أي مُنادٍ) على سيارة أجرة، و"كهربائية" أي فنيّة تصليح أعطال كهربائية، ووكيلة نيابة.

كان هناك تعاطٍ مكثّف مع معاناة المرأة الحاضنة في الحصول على ميراث الزوج بعد وفاته، وفي التعامل أمام القانون كمسؤولة عن أبنائها إذ تمنح قوانين الأسرة في مصر الوصاية على الأطفال وميراثهم عقب وفاة الأب للجد، والد الأب ثم للعم. وتأتي الأم في مرتبة ثالثة، ما يعرّضها للعديد من المتاعب في ما يتعلق بالإنفاق على الأطفال وتوفير حياة كريمة لهم. كما يعرض التركة في بعض الأحيان للنهب أو على الأقل لسوء الاستخدام من قبل أهل الأب المتوفي. 

لعب مسلسل تحت الوصاية دوراً قوياً في إبراز هذه المعاناة في "بحري" المدن الساحلية، ما ترتب عليه تحركاً في البرلمان للمطالبة بتعديل القانون بمنح الوصاية على الأبناء للأم مباشرةً عقب وفاة الأب. تناول مسلسل عملة نادرة أيضاً هذه القضية تحديداً في الصعيد كبيئة تواجه المرأة فيها تشابكات أكثر تعقيداً، منها الصراعات العائلية. "1000 حمد الله ع السلامة" تناول القضية لكن في إطار كوميدي لأستاذة جامعية تعود من كندا عقب وفاة زوجها لتحصيل تركة زوجها الراحل وتواجه محاولات الاستيلاء عليها من قبل العم.

تناول "ستّهم" كذلك معاناة المرأة في تربية الأبناء عقب وفاة الزوج. في حين سلّط "الهرشة السابعة" الضوء على العلاقات الزوجية والمسؤوليات المشتركة بين الزوجين والمشكلات من وجهة نظر الطرفين والضغوط التي تتعرض لها المرأة في العلاقة خصوصاً بعد الإنجاب. وقدّم "كامل العدد" جرعة أمل في فرصة ثانية للحياة بعد الطلاق، وحتى بعد الستين.

من حيث فرق العمل في المسلسلات الرمضانية، كان هناك صعود ملحوظ في الاعتماد على الفنانات كـ"بطلات منفردات" أي زيادة أعداد الفنانات التي "تشيل عمل وتنجّحه". ومن أهم أعمال البطولة النسائية المطلقة هذه السنة: "ستّهم" لروجينا، و"تحت الوصاية" لمنى زكي، و"حضرة العمدة" لروبي، و"تلت التلاتة" لغادة عبد الرازق، و"عود سخية" لحنان مطاوع وسلوى خطاب، و"جميلة"، و"جت سليمة" لدنيا سمير غانم، و"1000 حمد الله ع السلامة" ليسرا، و"كامل العدد" لدينا الشربيني، و"تغيير جو" لمنة شلبي، و"عملة نادرة" لنيللي كريم. 

يُضاف إلى ذلك أعمال البطولة المشتركة بين الفنانات والفنانين، على غرار: "ضرب نار" لياسمين عبد العزيز وزوجها أحمد العوضي، و"الهرشة السابعة" للرباعي أمينة خليل وأسماء جلال ومحمد شاهين وعلي قاسم، و"علاقة مشروعة" لمي عمر وداليا مصطفى وياسر جلال، و"مذكرات زوج" لعائشة بن أحمد ونور الشوربجي وطارق لطفي، و"سوق الكانتو" لمي عز الدين وأمير كرارة وفتحي عبد الوهاب. 

كانت المشاركة النسائية في التأليف والإخراج جيدة نسبياً أيضاً. فرأينا مي ممدوح مخرجةً لمسلسل رشيد، ومريم أبو عوف مخرجةً لمسلسل تغيير جو. علاوة على المؤلِّفات: مريم نعوم في "الهرشة السابعة"، ومنى الشيمي في "تغيير جو"، وسماح الحريري في "علاقة مشروعة"، ويسر طاهر ورنا أبو الريش في "كامل العدد"، وهبة الحسيني في "تلت التلاتة"، وشيرين دياب في "تحت الوصاية". 

ويمكن القول إن منى زكي أثبتت بدورها في "تحت الوصاية" أن التعاطي الإيجابي مع قضايا النساء "بيأكّل عيش" ويمكن أن يحقق نجاحاً ساحقاً ينافس الأعمال التي تستسهل ثيمة "البطل الخارق" أو "البطلة الخارقة" أو القصص النسائية والاجتماعية "اللايت". أما دنيا سمير غانم، فهي مستمرة في النضال لإثبات موهبتها كفنانة شاملة - وتكاد تكون الأولى التي تنجح في ذلك بعد النجمة شيريهان - خارج المنافسة من خلال أدوارها الكوميدية والاستعراضية والغنائية المبهجة.

في "وعود سخية"، قُتلت البطلة على أيدي حبيبها بينما كان يخبرها أنه لم يحب سواها. ترويج مكرر لفكرة "من الحب ما قتل" التي أودت بحياة نيرة أشرف وأخريات أخيراً. بدلاً من نقضها، يتم تكريسها من جديد بالفن

مآخذ على الأعمال "النسائية"

انطلاقاً من أن الميل إلى المبالغة والتطرّف لا يخدم قضايا المرأة بل يضعفها، هناك مآخذ على بعض الأعمال الدرامية النسائية لا سيّما تلك التي أظهرت البطلة في صورة المرأة القوية التي "لا يقدر عليها أحد" شاهدنا العديد منها واقعاً في فخ الحبكات غير المنطقية والمنفّرة أحياناً.

مسلسل جميلة، ظاهرياً، هو عن المرأة القوية التي تواجه صعوبات وتنتصر عليها. لكن لأن الهدف من العمل "تنجيم" بطلته - ريهام حجاج - فقط، ظهرت الشخصيات النسائية الأخرى شريرة أو ساذجة، بما في ذلك الأخت العاطفية السلبية، والأم المسيئة المتهورة، والصديقة الخائنة، وطليقة الزوج الكثيرة المشاكل ومدبرة الحيل، إلخ.

وبرغم محاولات إظهارها في صورة الملاك البريء، مُرر تدخل جميلة في خيارات أسرتها وعلاقة زوجها بطليقته وابنه، ومارست الوصاية على الآخرين ومنح الدروس الأخلاقية باستمرار - بما في ذلك لوالدتها - مع ادعاء الذكاء المبالغ فيه والعلم بما خفي، وهي كلها أمور ساهمت في ظهور الشخصية النسائية البطلة بصورة غير واقعية لا ينبغي أن تحتذى. تقدم غادة عبد الرازق في "تلت التلاتة" صورة لا تقل فجاجة من حيث المبالغة والتطرف في إظهار "قوة" البطلة، وإساءة لبقية النماذج النسائية.

علاوة على ذلك، مرّر العمل فكرة خطيرة للغاية وهي تبرير العنف الزوجي وإلقاء اللوم على الزوجة المُعنَّفة. حين صارحت طليقة زوج جميلة البطلة أن تعرضها للإساءة الجسدية كان سبب طلاقها منه وسألتها هل كان يضربك، ردت جميلة: "مش أي ست تنضرب".

وفي مسلسل "حضرة العمدة"، مع المحاولات لإظهار أن المرأة بإمكانها شغل هذا المنصب السياسي بكل حساسياته وتصادماته مع الأعراف الاجتماعية الريفية، أظهرت معالجة الأحداث "سذاجة" وقلة حيلة "العمدة صفية". على سبيل المثال، تأتيها فتاة وتكشف لها عن خوفها من الابتزاز من قبل أحد الشباب و"الفضيحة" وتفكيرها في الانتحار فتوصيها بالصلاة ركعتين والثقة في أن الله "ستّار" دون أن تقدم لها أي مساعدة فعلية أو اقتراح يضمن لها الأمان ويبعدها عن فكرة الانتحار.

في المسلسل أيضاً، تقوم "شلباية" التي تؤدي دورها وفاء عامر بدفن زوجها حياً بعد أن تعلم أنه تزوج عليها سراً وأنجب طفلاً. و"تقرأ الفاتحة" وتدعو له بالرحمة وتشكو غدره في الوقت نفسه بينما تسمع صوته يستغيث لإخراجه ساعياً لمصالحتها. 

وفي مسلسل وعود سخية، تتعرض البطلة "سخية/ حنان مطاوع" للكثير من الظلم والقهر، بما في ذلك محاولة اعتداء جنسي من شخص ثري استغل رغبتها في إجراء عملية جراحية لوالدها الكفيف، وحتّى محاولة اغتصاب من الشخص الذي تحبه وتصوير صديقه لها و"فضحها"، ما حوّلها إلى شخصية انتقامية. ينتهي العمل بمقتل "سخية" على يد الشخص الذي أحبته "منصور/ نور محمد" إذ طعنها بينما كان يبكي ويخبرها أنه لم يحب غيرها. مرة أخرى ترويج لفكرة "من الحب ما قتل" في محاولة للتطبيع مع عنف الشريك و"الحب القاتل" التي أودت بحياة نيرة أشرف وأخريات في الآونة الأخيرة. بدلاً من نقضها، يتم تكريسها من جديد بالفن.

المزعج أيضاً في العمل أن سخية تكرر نفس الظلم الذي تعرضت له وحوّل حياتها إلى جحيم بحق سيدة أخرى. فتقوم بإغراء صديق حبيبها منصور لإقامة علاقة مع زوجته وتصويرها ثم فضحها في الحارة.

في نهاية المطاف، يمكن القول إن الدراما الرمضانية في مصر تلمّست أخيراً خطواتها لتقديم أعمال تناقش واقع المرأة بشكل مؤثر وإيجابي، من خلال "تحت الوصاية" و"كامل العدد"، مع بعض المآخذ على أعمال البطولة النسائية المطلقة التي يتوقع منها مزيداً من الدقة في عكس واقع المرأة لا اختصار الصفات الإيجابية في شخصية البطلة وحدها.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard
Popup Image