شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"أعلى نسبة مشاهدة"... نظرة ذكورية إلى بعض "فتيات التيك توك"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الثلاثاء 9 أبريل 202412:17 م

"فتيات التيك توك" مصطلح يطلقه الشارع المصري ووسائل الإعلام على مجموعة من الفتيات اللواتي اشتهرن في البداية من قِبل متابعي تطبيق "تيك توك"، قبل أن يتم القبض على عدد منهنّ بتهم مختلفة، منها الاتّجار بالبشر و"تهديد قيم الأسرة المصرية". هؤلاء الفتيات صدرت في حقّهنّ أحكام قضائية مختلفة، وبعضهن ما زلن في السجون المصرية حتى كتابة هذه السطور.

في رمضان 2024، عُرض مسلسل يتناول أحداثاً مستقاةً من قصص هؤلاء الفتيات، بطلته شابة سطع نجمها على التطبيق الشهير بين ليلة وضحاها، لتتغير حياتها وحياة من حولها، ونتحدث هنا عن مسلسل "أعلى نسبة مشاهدة" الذي يحاول رصد ظاهرة الفتيات اللواتي يشتهرن ثم تُقدَّم ضدهنّ بلاغات تؤدي إلى سجنهنّ.

حلقة أخيرة أفسدت المسلسل

تُدعى بطلة "أعلى نسبة مشاهدة"، شيماء، وتعيش تحت ضغوط مختلفة: الفقر الذي يصل إلى حد الضنك من ناحية، ومعاملة والدتها السيئة لتأخر زواجها من ناحية أخرى، ويُفتتَح المسلسل بإجبارها على مقابلة عريس قادم من إحدى دول الخليج، فتختنق في فستان لم تختَره ومكياج لا يتناسب مع ذوقها. وبسبب خجلها الشديد يرفضها الشاب المحمّل بالمال بعد عمله لسنوات في إحدى دول الخليج، ويختار بدلاً منها أختها الأصغر منها، نسمة ذات الشخصية الأكثر انفتاحاً.

"فتيات التيك توك" مصطلح يطلقه الشارع المصري ووسائل الإعلام على مجموعة من الفتيات اللواتي اشتهرن في البداية من قِبل متابعي تطبيق "تيك توك"، قبل أن يتم القبض على عدد منهنّ بتهم مختلفة، منها الاتّجار بالبشر و"تهديد قيم الأسرة المصرية"

ينكسر قلب شيماء حتى وإن كانت رافضةً للعريس وقلبها منهمك بغيره، لكونها شعرت بالإهانة وصغر شأنها أمام أفراد عائلتها وجارتها، فتقرر أختها نسمة إبهاجها بتصوير فيديو كوميدي على التيك توك. وعلى الرغم من طلب شيماء الواضح بعدم نشر الفيديو، غير أن نسمة تطلقه ليصبح "تراند" خلال ساعات، وقد حازت شيماء بملامحها المصرية الرقيقة إعجاب مستخدمي التطبيق، فأصبحت من "الأعلى مشاهدةً".

تبدأ في هذه اللحظة مأساة هذه الشابة، فتبدو الشهرة في البداية مثل طاقة نور فُتحت لها عبر الصدفة وحدها، لكنها تتعرض للاستغلال من كل الأطراف، وتحت ضغط حاجة عائلتها المادية والديون التي تحاصرها والتهديد المسلط على أعناقها بالطرد من المنزل، تقدّم إعلاناتٍ لقاء أجر زهيد، ويتم الزجّ بها للرقص في أحد الفيديوهات الموسيقية الهابطة، وعندما تكتشف عائلتها المتحفظة السرّ، تخشى على حياتها وتهرب، وتظن أن ملاذها الوحيد هو الزواج من ثري سينقذها من عائلتها والغضب الجماهيري بعد تسريب فيديو لها وهي ترقص في حفلة نسائية. غير أن الزوج يستغلها للترويج لأحد التطبيقات المشبوهة.

تصل بنا الحلقات إلى اتهامها في قضية اتّجار بالبشر بعد هروب زوجها، حيث تقف أمام المحكمة، ممثلةً الفتيات اللواتي تم القبض عليهنّ في تهم مشابهة خلال السنوات الأربعة الأخيرة لانتشار هذه الظاهرة، فيبدو الأمر في النهاية كما لو أنها محاكمة فنّية لاستخدام التكنولوجيا والتطبيقات الإلكترونية، خصوصاً من قبل الفتيات. وفي النهاية يحكم القاضي على شيماء بالسجن على الرغم من تأثّره بالشهادات الإيجابية في حقها من معارفها المختلفين.

أثارت هذه النهاية غضب عدد كبير من المشاهدين/ ات، فهي تؤكد على النظرة المسيئة إلى المرأة التي تعاقب "فتيات التيك توك" على جرائم بعضها ليس له وصف قانوني واضح مثل "تهديد قيم الأسرة المصرية"، وهي الجريمة التي لا نجد نصوصاً قانونيةً واضحةً تحددها.

يُلاحَظ في المسلسل خطابان متضادان، أحدهما خلال الأحداث كلها، وآخر في الخاتمة. الخطاب الأول متعاطف مع شيماء، ويعدّها ضحيةً للفقر والظروف الاجتماعية التي تجعل الأب والأم معنّفَين رغماً عن أنفهما وهما يلقيان الذلّ بكل طريقة ممكنة فقط لكسب لقمة عيش تحافظ على هذه الأسرة الصغيرة، بينما نجد الخطاب الثاني في الحلقة الأخيرة عندما استسلم صنّاع العمل لمفهوم "قيم الأسرة المصرية"، وأدانوا الفتاة وعدّوا ما قامت به خطأً تستحق أن تعاقَب عليه وتعتذر عنه، دون أن يضعوا في الحسبان أن الاتّجار بالبشر الذي تحاكَم عليه لا يمكن القيام به دون رجال خلف شاشات الهواتف المحمولة ينهشون لحم الفتيات ولا يلقون أي عقاب مجتمعي ولا يُتَّهمون بخدش الحياء.

في حديثها إلى رصيف22، تقول الناقدة الفنية شيماء العيسوي: "من المفترض أن المسلسل يناقش قضيةً مهمةً تأخّر تناولها بشكل كبير، ولكن أعتقد أن هذا التأخير جاء خوفاً من الجلد من المؤمنين/ ات بقيم الأسرة المصرية".

وتضيف: "المشكلة الحقيقية أن المسلسل لم يستطع الدفاع عن هؤلاء الفتيات، كل الذي قيل كان في سياق التبرير لهنّ بالفقر والمشكلات الأسرية دون فحص حقيقي للوضع الذي يوصلهنّ وغيرهنّ إلى هذه النقطة. الأمر المحزن بالنسبة لي أن من بين القيّمين على المسلسل امرأةً تعيش مثل أي امرأة مصرية في ظروف مجحفة للغاية، ولكنها في النهاية رأت الفتيات من منظور ذكوري وأبوي تماماً".

الجرائم للفقراء... والشهرة للأغنياء

يقدّم "أعلى نسبة مشاهدة" نموذجَين من المؤثِّرات على مواقع التواصل الاجتماعي، الأول شيماء القادمة من طبقة دنيا، لم تعرف طوال حياتها سوى الفقر الذي تهرب منه إلى الخيال فتدمن مشاهدة المسلسلات التركية ذات الصور البرّاقة، وعلى الجانب الآخر نجد كاميليا المؤثرة القادمة من عائلة شديدة الثراء، أكبر مشكلاتها طلاق والديها وهي طفلة. وبرغم أنها تقدّم محتوى يعتمد على شهرتها فقط كما تفعل شيماء، إلا أنها أولاً مؤهلة بالمعرفة الكافية للتحكم في شهرتها هذه، فتستغلها بشكل يتيح لها بدء مشروعها الخاص وإدارة متجر في واحد من أكبر المجمعات التجارية المصرية، وثانياً يعاملها الجميع باحترام بلا نظرة دونية إلى نشاطها على مواقع التواصل.

الملاحَظ عند بعض مستخدمات "التيك توك" الحقيقيات، أنهنّ فتيات عاديات اعتقدن أن أبواب السماء فُتحت لهنّ عندما اكتشفن أن تطبيقات التواصل الاجتماعي تتيح لهنّ الشهرة والمال، فانسقن بلا تخطيط أو معرفة حقيقية بالحدود القانونية لما يقمن به، إلى السقوط فريسةً سهلةً لبلاغات بعض المحامين ضدهنّ.

أثارت نهاية مسلسل "أعلى نسبة مشاهدة" غضب عدد كبير من المشاهدين/ ات، فهي تؤكد على النظرة المسيئة إلى المرأة التي تعاقب "فتيات التيك توك" على جرائم بعضها ليس له وصف قانوني واضح مثل "تهديد قيم الأسرة المصرية"، وهي الجريمة التي لا نجد نصوصاً قانونيةً واضحةً تحددها

تعليقاً على هذه النقطة، تقول الباحثة في مركز صنّاع للدراسات الإستراتيجية، عائشة الجعيدي، لرصيف22: "نهاية المسلسل تؤكد أن القانون لا يراعي الفروق الاجتماعية والنفسية والتعليمية والاقتصادية في الدوافع الجنائية، فلا يهتم بأن البسطاء فهمهم للقانون وتنفيذه محدود، وعلى الجانب الآخر تؤكد الخاتمة على عنف المجتمع الذكوري وتخلّيه عن الضحايا وإن ندموا، وسلطة رأس المال وكيف يتحكم الرجال أصحاب الثروة في النساء".

وتتابع: "إذا أخذنا في الحسبان كل القيود والرقابة الواقعة على العمل الفني، فقد استطاع المسلسل إيصال وجهة نظر صحيحة عبر الأحاديث الجانبية والشخصيات الفرعية مثل الشاب الوحيد الذي لم يحاول استغلال شيماء، وهو طارق الذي أخبرها بأن فيديو الرقص الذي قلب عليها الشارع المصري تم تصويره دون علمها وذلك اختراق لخصوصيتها. المسلسل من وجهة نظري خطوة كبيرة قد تدفع المشاهدين لإعادة التفكير في هؤلاء الفتيات وإظهارهنّ ضحايا".

وهنا لا نتكلم عن نظرة المجتمع إلى هؤلاء الفتيات فحسب، إنما أيضاً عن نظرة صنّاع المسلسل التي تتطابق في الحلقات النهائية مع النظرة المجتمعية بشكل لا يمكن التغاضي عنه، وفق ما تقول الناقدة الفنية والمؤلفة هند أشعل، لرصيف22: "تختلف نهاية المسلسل عن باقي العمل، فيبدو الأمر كما لو أن شخصاً آخر قد كتبها، وهذا لا يقلل من قيمته الفنية، ولكن الرسالة النهائية له أتت مغايرةً لما أسس له، خصوصاً الأغنية في الحلقة الأخيرة التي تؤكد على أن البطلة سبب أزمتها بحثها وراء المال، بينما هي في الحقيقة كانت ترغب في عيش حياة طبيعية والحصول على أساسيات الحياة، ولم تقم حتى بالجريمة المنسوبة إليها لأنها كانت مجبرةً ومخدّرةً".

في الختام، يمكن القول إن مسلسل "أعلى نسبة مشاهدة" أخفق مرتين: الأولى عندما جعل شخصياته أحادية الطابع، فالبطلة شيماء طيبة وساذجة وأختها نسمة شريرة ومتلاعبة، ولم تفلت من هذا الفخ سوى شخصيات قليلة مثل الأم وآمال الأخت الكبرى، والمرة الثانية عندما تحولت الحلقة الأخيرة إلى محاضرات أخلاقية عن أضرار الإنترنت والتطبيقات وطالبت محامية المتهمة، بالرقابة القانونية على التطبيقات، وهو الأمر الذي يتنافى مع حرية المواطنين/ ات.

الجدير بالذكر أن المشكلة ليست في "التيك توك" نفسه، إنما في المحتوى الذي يروج له البعض، وعليه فإن المسلسل أخفق في تقديم طرح منطقي بسبب الخوف وخضوع طاقم العمل للفكر المجتمعي السائد.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

رصيف22 من أكبر المؤسسات الإعلامية في المنطقة. كتبنا في العقد الماضي، وعلى نطاق واسع، عن قضايا المرأة من مختلف الزوايا، وعن حقوق لم تنلها، وعن قيود فُرضت عليها، وعن مشاعر يُمنَع البوح بها في مجتمعاتنا، وعن عنف نفسي وجسدي تتعرض له، لمجرد قولها "لا" أحياناً. عنفٌ يطالها في الشارع كما داخل المنزل، حيث الأمان المُفترض... ونؤمن بأن بلادنا لا يمكن أن تكون حرّةً إذا كانت النساء فيها مقموعات سياسياً واجتماعياً. ولهذا، فنحن مستمرون في نقل المسكوت عنه، والتذكير يومياً بما هو مكشوف ومتجاهَل، على أملٍ بواقع أكثر عدالةً ورضا! لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم، وأخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا!.

Website by WhiteBeard