شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
أن تكوني لاجئة سورية عشية الانتخابات التركية

أن تكوني لاجئة سورية عشية الانتخابات التركية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والمشرّدون

الجمعة 5 أبريل 202401:07 م

ليس سهلاً أن تكون/ي لاجئاً/ة سورياً/ ة تعيش في تركيا وهي تتحضر لانتخابات البلدية فجميع الحملات الانتخابية تتحدث عنا ومصيرنا هو أهم خطاب للمرشحين، ولم يعد الأمر خافياً بل باتت لافتات ترحيل اللاجئين عنواناً للحملات الانتخابية.
نترقب بحذر وندعو أن يختار الله الخير لنا.
أحلامنا بسيطة لا تتعدى العيش في أمان وذهاب أطفالنا للمدرسة ومتابعة عملنا، أشياء كثيرة نخشاها منها السير في الشوارع والتحدث باللغة العربية والاختلاط مع الأتراك. وهي أيضاً أمور توصي بها الأحزاب التي تؤيد وجودنا وتنشر عنها "بهدف حمايتنا". لقد عشنا عدة انتخابات في تركيا خلال سنوات وجودنا السابقة لكن مع مرور الوقت تزداد صعوبة علينا مع ازدياد الكراهية والرفض لوجود اللاجئين، فالانتخابات الرئاسية مرت العام الماضي بخوف كبير وكان انتصار مرشح المعارضة يهدد وجودنا فطردنا كان أولوية بالنسبة له، لكنها مضت ومرت بسلام بعد بقائنا أياماً في المنازل على أمل أن تمر هذه بسلام أيضاً.

أسير في أنقرة على الرغم من أنني أعيش فيها بشكل مخالف، فلا أملك إذن سفر، وبطاقة الحماية المؤقتة الخاصة بي صادرة عن ولاية هاتاي وقد تركتها هناك عقب الزلزال المدمر.
أسير في شوارع العاصمة التركية أنقرة رغم كل هذه الظروف والمخاوف، أريد أن أرى الانتخابات وأجواءها التي سمعت عنها كثيراً، أريد أن أعرف ماذا يحدث، أنا التي لم تشارك بأي منها في حياتها سوى انتخابات أجريت في إحدى الورشات التدريبية التي كنت إحدى المتدربات فيها وأفرحتني كثيراً. 
خرجت من سوريا صغيرة، ولم يحق لي المشاركة هناك ولم أملك بعدها أي ورقة تخولوني لخوض عملية انتخابية. 
أسير في أنقرة على الرغم من أنني أعيش فيها بشكل مخالف، فلا أملك إذن سفر وبطاقة الحماية المؤقتة الخاصة بي صادرة عن ولاية هاتاي وقد تركتها هناك عقب الزلزال المدمر.
شوارع مليئة بالأعلام. كل حزب وضع الراية الخاصة به، سيارات أيضاً تضع أغاني وتحمل صور المرشحين تجوب الشوارع… ازدحام كبير، تجمعات للناس أمام مقارّ الأحزاب، صور ودعايات وعبارات ملصقة على مختلف الجدران والسيارات، مرشحون يسيرون بالشوارع يخاطبون الناس يسمعون مشاكلهم يقدمون الوعود ويشرحون خططهم.
تصادفني سيدات يقمن بالترويج لسيدة أخرى كانت قد رشحت نفسها لمنصب المختار في أحد الأحياء، أتمنى أن أعيش هذا المشهد في بلدي سوريا، أسأل نفسي ماذا لو كان لدينا مختارة في قريتنا؟ ابتسم وأقول ستصبح علكة في لسان الجميع هناك وهل سيتركها الذكور لتحلم بهذا الحلم يوماً ما؟ 
مع كل خطوة أتحمس أكثر وأشعر أن قلبي لا يتحمل عيش لحظات مشابهة في سوريا، فهو الحلم الذي تشردنا لأجله، وهو الشيء الذي تسبب في عيشي اليوم كلاجئة. فلقد خرجنا لنقول إننا نريد أن نختار ونريد أن يكون لنا صوت وأن ننتخب.
بينما تجول في رأسي أفكار معقولة وغيرها مستحيلة في كل ما نعيشه، أجد رتلاً من السيارات الفاخرة يقف أمامي وبعده عشرات المصورين التابعين لوسائل الإعلام التركية التي تقوم بتغطية الانتخابات. ثم يمر رجل متقدم بالسن يرتدي بدلة رسمية جميلة وأنيقة ويحيط به العشرات من رجال الأمن والمرافقين، يقترب مني أكثر ويختارونني من بين جميع من هم في الشارع، يخرج أحد مرافقيه كرة قدم جميلة ويقدمها لابنتي التي تسير بجانبي وهو يربت على كتفي ويقول: "بأمان الله يا ابنتي"، أشكره بلغتي التركية البسيطة وأسير مسرعة خوفاً من أي حديث مقبل، هاربة بلغتي العربية وهويتي السورية التي من الممكن أن تسبب لي الكثير من المشاكل.
أتمنى أن أعيش هذا المشهد في بلدي سوريا، أسأل نفسي ماذا لو كان لدينا مختارة في قريتنا؟ ابتسم وأقول ستصبح علكة في لسان الجميع هناك وهل سيتركها الذكور لتحلم بهذا الحلم يوماً ما؟
أستذكر صورة هذا الشخص، لقد رأيتها كثيراً إنه مرشح أحد الأحزاب المعارضة لانتخابات بلدية أنقرة الكبرى، والذي سيقوم بترحيل اللاجئين في حال نجاحه، هنا أعرف الوضع الذي عشته وأضحك، قال لي بأمان الله، والأمان الذي أبحث عنه يجب أن يحميني منه هو شخصياً.
ما أسوأ حظ هذا المرشح، ترك الجميع واختار الشخص الخطأ، الشخص الذي لا يملك صوتاً ليعطيه لأحد، الذي أخفى صوته ولغته وهويته ليبقى في هذه البلاد التي قست علينا كثيراً، أتمنى أن أعرف ما يميزني عن باقي من يسير في هذا الشارع، كيف اختارني معتبراً أنني إنسانة يحق لها التصويت ولكن إن أعرف أنني سورية فسوف تتغير هذه النظرة بكل بساطة.
أسير أيضاً عدة أمتار، أصادف مرشحاً آخر يقدم لي كيساً يوجد بداخله لافتات الحزب واسمه وبعض الأوراق إضافة إلى علبة طعام مغلفة وقلم ودفتر جميعها تحمل شعار المرشح، على باب أحد مراكز التسوق الضخمة يوجد أيضاً من يدعو لمرشحي أحد الأحزاب ويقدم أكياساً فارغة للقادمين لشراء احتياجاتهم عليها شعارات حزبه، إنه سباق انتخابي يشعرك بأن نهاية الحياة ستكون هنا عقب صدور النتائج، التي كان من المقرر موعدها في الواحد والثلاثين من شهر أذار الماضي.
تسألني ابنتي عن الانتخابات، وتنتظر  حتى نهاية الحديث فتقول: "بتعرفي ماما أنا رح صوّت ليلي عطاني الطابة".
تسألني ابنتي بعد كل هذه الأحداث التي عشناها خلال ساعات قليلة، وسط هذا السباق حول انتخابات البلدية عما يجري هنا، أشرح لها الوضع وأخبرها بما يجري خلال عملية الانتخاب والهدف منها ولماذا يتنافس المرشحون وأن لكل منهم جمهوره وهم الآن يسعون لتقديم الوعود والخدمات من أجل الحصول على صوت الناخب، وأن بضعة أصوات من الممكن أن تشكل فارقاً وأن تحسم الفوز لشخص على حساب آخر وأربطها بسياق الوضع السوري، وأننا خرجنا بالثورة وبالمظاهرات ضد النظام لأنه المرشح الوحيد والفائز الوحيد والمسيطر الوحيد على بلدنا هو وحزبه ولا يوجد حزب ثان ينافسه. تسمعني بهدوء دون أن تقاطعني رغم أنها لم تفهم معظم كلامي وأنا التي استرسلت بالشرح بسبب ما أحمله في قلبي من غصة وحزن على أوضاع بلادي وتتركني حتى نهاية الحديث وتقول: "بتعرفي ماما أنا رح صوت ليلي عطاني الطابة".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image