شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
الانتخابات التركية في الملعب السوري... انتصار للأسد وانكسار جديد للّاجئين

الانتخابات التركية في الملعب السوري... انتصار للأسد وانكسار جديد للّاجئين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأربعاء 7 سبتمبر 202204:47 م

تلقي الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا، بظلالها على تحركات كل من المعارضة والحزب الحاكم في البلاد وقراراتهما، وسط تغيّرات دولية وإقليمية تلعب أنقرة فيها دوراً كبيراً، وتنتظر كذلك مكاسب يمكن البناء عليها في المستقبل القريب والبعيد.

كما أن هذه الانتخابات التي تُوصف في تركيا بأنها الأكثر حساسيةً وأهميةً في تاريخها الحديث، فرضت على كلا الطرفين تغييراً في التعاطي مع الملفات الداخلية، بما فيها ملف اللاجئين السوريين وغيرهم، سواء كان هذا التغيير سرّياً أو علنياً.

رفعت المعارضة التركية منذ فترة طويلة، شعار التواصل مع النظام السوري في دمشق، تحت شعار إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، وأُعلن بالفعل عن زيارات لحزبي "وطن" و"الشعب الجمهوري" إلى دمشق خلال أيلول/ سبتمبر الحالي.

تقول المعارضة إن عودة اللاجئين السوريين لا يمكن أن تتم من دون التنسيق مع الأسد بشكل مباشر، فيما تسير حكومة العدالة والتنمية في اتجاه تنفيذ مشروع "العودة الطوعية"، الذي أعلن عنه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في أيار/ مايو من العام الحالي 2022، ويتضمن عودة أكثر من مليون سوري إلى مناطق في شمال سوريا خارجة عن سيطرة النظام.

فكيف يؤثر تواصل المعارضة التركية المباشر مع نظام الأسد عليهما معاً؟ وما هي مكاسب النظام في دمشق وخسائره من هذا التواصل؟ وهل يمكن للمعارضة أن تضغط على أردوغان قبل الانتخابات عبر هذا التوجه القديم الذي قد يتحوّل إلى فعل قريباً؟

تقول المعارضة التركية إن عودة اللاجئين السوريين لا يمكن أن تتم من دون التنسيق مع الأسد بشكل مباشر

الانتخابات تحكم اللعبة

يُنظر إلى الانتخابات المقبلة على أنها المخطة الأهم في تاريخ تركيا، فهي أولاً تصادف مئوية تأسيس الجمهورية التركية في عام 1923، وثانياً تسعى المعارضة من خلالها إلى استكمال انتصارها في الانتخابات البلدية عام 2019، عندما نجحت في انتزاع حكم أربع مدن كبرى هي إسطنبول وإزمير ومرسين والعاصمة أنقرة، من أيدي حزب العدالة والتنمية، لذا تودّ استغلال الأوضاع الاقتصادية الحالية وملف اللاجئين وانتزاع كرسي الحكم من أردوغان بعد عقدين من حكمه للبلاد.

وفي سبيل هذا الأمر، ترى المعارضة أن التواصل مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد، سيمهّد لعودة اللاجئين السوريين من جهة، وسيضغط ربما على حكومة العدالة والتنمية، التي وجدت نفسها تسلك الطريق نفسه الذي تسلكه المعارضة وإن بشكل مختلف، علماً أن كلا الطرفين يتوجهان في النهاية إلى الناخب التركي.

يرى المحلل السياسي حسن النيفي، في حديث إلى رصيف22، أن الملف السوري "بات مادةً دسمةً، وربما هو الملف الأبرز الذي تتنافس الحكومة والمعارضة على حيازته واستثماره"، ويضيف: "في الوقت الذي كانت فيه أحزاب المعارضة تحاول الزج بورقة اللاجئين السوريين كأسلوب ضغط على الحكومة، نجد أن حزب العدالة والتنمية أعلن عن رغبة ما في التقرّب من دمشق لانتزاع ورقة اللاجئين من خصومه قبل الانتخابات المقبلة".

وكان وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو، قد كشف في آب/ أغسطس الماضي، عن محادثة سريعة جمعته بوزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد، على هامش قمة عدم الانحياز في عام 2021، قبل أن يعود ويؤكد في تصريحين منفصلين أنه يجب على النظام والمعارضة في سوريا الاتفاق على حل، وأن النظام نفسه لا يؤمن بالحل السياسي.

من جهته، يرى الباحث أحمد حسن، أن الهدف من تحركات المعارضة التركية هو هدف انتخابي، وكذلك الأمر للعدالة والتنمية. ويقول: "كلاهما يدركان عدم وجود إمكانية عالية للتدخل في الملف السوري على مستوى الحل العام، ولا يمكن لتركيا أو روسيا وكذلك إيران تقديم مقاربة تحرّك الملف السوري حتى بالتفاهم مع النظام".

مكاسب لنظام الأسد؟

لم يُظهر نظام الأسد ارتياحاً كبيراً لتصريحات المسؤولين الأتراك في الآونة الأخيرة، بل ذهب عبر وسائل إعلامه الرسمية إلى التشكيك في النوايا التركية، لكنه كذلك لم يهاجم الخطاب الأخير المعلن، بشكل مباشر وحاد، كما جرت العادة منذ سنوات، ويمكن ملاحظة ذلك من تصريحات صحافية لوزير خارجية النظام فيصل المقداد، الذي رأى خلال وجوده في إيران في أثناء القمة الثلاثية في آب/ أغسطس الماضي، أن "العملية العسكرية المرتقبة ستؤثر على علاقة الشعبين الصديقين والشقيقين في تركيا وسوريا"، ذاكراً فترات تحسن العلاقات بين البلدين.

النظام السوري يعمل على استثمار الظروف الانتخابية في تركيا لإظهار وجود رغبة في التطبيع معه من جميع الأطراف، ورغبة في التطبيع من دولة مجاورة تعني تغييراً في معادلة الصراع في سوريا

يُدرك النظام الذي اعتاد على مدى عقود اللعب على الحبال بين الأطراف، حاجته إلى تحسين العلاقات مع أنقرة، وكذلك فتح حوار مع المعارضة التركية، سعياً إلى تخفيف الحصار الاقتصادي عليه من جهة، والضغط من أجل عودة اللاجئين من جهة ثانية، والضغط على قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تضعها أنقرة على قوائم الإرهاب من جهة أخيرة.

وسبق لصحيفة "تركيا" أن أشارت في تقرير نشرته في 17 آب/ أغسطس الماضي، إلى أن النظام السوري "قدّم خمسة مطالب إلى تركيا، أبرزها عدم دعمها للعقوبات الأوروبية والأمريكية ضد رجال أعمال داعمين له".

ويقول حسن، لرصيف22، إن "النظام السوري يعمل على استثمار الظروف الانتخابية في تركيا لإظهار وجود رغبة في التطبيع معه من جميع الأطراف في البلاد، ورغبة في التطبيع من دولة مجاورة تعني تغييراً في معادلة الصراع في سوريا، كما تعني تحسين مواجهة العقوبات والإفلات منها".

كذلك، يرى المحلل السياسي حسن النيفي، أن النظام السوري "هو أكبر المستفيدين من تحركات المعارضة التركية، إذ إن سلوكها المندفع نحوه يساهم في تعويمه من جديد بعيداً عما ارتكبه من جرائم".

بات حديث الهجرة إلى مصر أو أوروبا حديثاً يومياً للسوريين في تركيا، مع إدراكهم أن الشهور المقبلة ربما تحمل المفاجآت غير السارّة لهم

واقع اللاجئين

أكبر المتضررين من التواصل بين الأطراف التركية ونظام الأسد، هم اللاجئون السوريون الذي يتجاوز عددهم الثلاثة ملايين نسمة، مع التمهيد لعودتهم بشكل أو بآخر، من دون وجود ضمانات حقيقية أو تغيّر في الشق السياسي على الأقل في الملف السوري.

وبات حديث الهجرة إلى مصر أو أوروبا حديثاً يومياً للسوريين في تركيا، مع إدراكهم أن الشهور المقبلة ربما تحمل المفاجآت غير السارّة لهم.

وفي حين يرى النيفي، أن أمن اللاجئ السوري "بات مرهوناً بما ستفضي إليه الاستدارة السياسة في اتجاه دمشق، وأن "عدم الاستقرار والشعور بالأمان سيبقيان يراودان اللاجئين السوريين"، يرى حسن، أن ملف اللاجئين السوريين "يرتبط بالأجواء السلبية الحالية، التي قد تدفع لموجات هجرة تجاه أوروبا يستثمرها حزب العدالة خارجياً، لكن بشكل عام لا تهديدات على اللاجئين لأن ملفاتهم مرتبطة بتعهدات تركية سابقة وجديدة لا يمكن تجاوزها.

في المحصلة، وبالرغم من كافة استطلاعات الرأي التي ترجّح كفة طرف على آخر في الانتخابات التركية المقبلة، إلا أنه يبدو أن هناك توافقاً على إعادة تقييم شكل العلاقة في مرحلة ما بعد الانتخابات بين تركيا، بغض النظر عمن سيحكمها، وبين النظام السوري، ولن يدفع الثمن سوى اللاجئين والنازحين في داخل سوريا وخارجها، الذين استُثمرت آلامهم لتحقيق المصالح الدولية.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard