بعد الإعلان عن فوز رئيس جمهورية جزر القمر، غزالي عثمان، بولاية رئاسية ثالثة في الانتخابات التي جرّت مطلع العام الجاري، أرسل الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، برقية تهنئة إليه دعاه فيها إلى "فتح صفحة جديدة في التعاون الثنائي والدولي لصالح البلدين"، وفق الرئاسة القمرية.
كانت جزر القمر قد قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع إيران في كانون الثاني/ يناير 2016، تضامناً مع السعودية بعد الاعتداء على بعثتها الدبلوماسية في طهران. تماماً كما فعلت دول عربية عدة.
قبل ذلك، تمتّعت موروني وطهران بعلاقات دبلوماسية وسياسية واقتصادية قوية إبّان عهد الرئيس القَمري الأسبق، أحمد عبد الله محمد سامبي (2006-2011)، ترددت خلالها اتهامات لإيرانيين بنشر التشيع في البلاد، واستخدام جوازات سفر قمرية للتحايل على العقوبات الدولية المفروضة على طهران.
فلماذا تبادر إيران الآن بالدعوة إلى فتح صفحة جديدة بين البلدين؟ وما هي أهمية جزر القمر بالنسبة لإيران؟ وما هي المزايا التي تتحقق لموروني من استعادة العلاقات مع طهران؟ هذا ما نسعى للإجابة عنه في هذا التقرير.
مرحلة العلاقات القوية
فاز الرئيس غزالي عثمان بولاية رئاسية ثالثة في الانتخابات المثيرة للجدل التي عُقدت في 14 كانون الثاني/ يناير الماضي، ولم تتخط نسبة المشاركة فيها 16% بحسب لجنة الانتخابات المستقلة. وكان عثمان قد اتخذ موقفاً متشدداً تجاه إيران، عقب توليه السلطة للمرة الثانية أيار/ مايو 2016، بعد قطع بلاده العلاقات مع إيران بأشهر في عهد سلفه إكليل ظنين (2011-2016).
"أيّ تطور إيجابيّ بين السعودية وايران سينعكس على علاقات ايران مع الدول العربية والأفريقية، التي للسعودية فيها كلمة وازنة"... كيف يتحقق ذلك في العلاقات بين جزر القمر وإيران؟
وقال في حوار مع جريدة "الشرق الأوسط" السعودية، عام 2017، إنّ "إيران استغلت ضيق ذات اليد لإقامة مشروعها الصفوي الشيعي في إحدى جزر القمر، ولكن لن نسمح لها بتمرير مشروعها في بلادنا". علماً أن العلاقات الثنائية بين البلدين بدأت عام 2006، في عهد الرئيسين القمري أحمد سامبي والإيراني محمود أحمدي نجاد، بتوقيع مذكرات تفاهم حول القضايا الاقتصادية وتبادل الأبحاث والتكنولوجيا والمعلومات، خلال الزيارة الأولى لوفد قمري رسمي إلى طهران، أعقبها توقيع اتفاقيات ثنائية تتعلق بالعلاقات الزراعية والسمكية.
وتبادل البلدان السفراء للمرة الأولى عام 2008، وقام الرئيس سامبي بأول زيارة لرئيس قمري إلى طهران في حزيران/ يونيو 2008، التقى خلالها بالمرشد الأعلى علي الخامنئي والرئيس نجاد، وكانت طهران قد أرسلت طائرة لتقله في رحلته.
لاحقاً، قام نجاد بزيارة رسمية إلى جزر القمر في شباط/ فبراير 2009، ضمن جولة شملت كينيا وجيبوتي. كما التقى رئيسا البلدين في إسطنبول على هامش أعمال اجتماع القمة لمنظمة المؤتمر الإسلامي في تشرين الثاني/ نوفمبر 2009، وبحثا معاً تعزيز العلاقات المتنامية بين بلديهما.
وقف عاملان وراء هذا التقارب الكبير، بين طهران وموروني، الأول والأهم هو رغبة الرئيس سامبي في تقوية العلاقات مع إيران، التي ارتبط بها من خلال دراسته فيها، في ثمانينات القرن الماضي، حيث تتلمذ على يد آية الله محمد تقي مصباح اليزدي، والذي كان من أبرز تلامذته أيضاً الرئيس أحمدي نجاد.
رجّح تقرير نشرته صحيفة "الغارديان" أنّ تتلمذ نجاد وسامبي على يد آية الله اليزدي، المشهور بنظرياته السياسية الداعمة للنظام الإسلامي، لعب دوراً كبيراً في تسريع الرجلين بناء علاقات قوية بين بلديهما حين كانا في السلطة.
مصالح البلدين
علاوة على ذلك، جمعت المصالح المتبادلة والمشتركة بين البلدين، وهي العامل الثاني في التقارب الأخير. فمن ناحية جزر القمر، وكما قال الرئيس سامبي حين كان في السلطة، تعليقاً على علاقات بلاده مع إيران: "نحن نحتاج المساعدة من أي بلد". كما أنّ البلدين بدأا علاقاتهما بتوقيع مذكرات تفاهم في العديد من مجالات التعاون التي أفادت جزر القمر.
وخلال عهد سامبي، ومن بعده إكليل ظنين - فترة ازدهار علاقات البلدين - قدمت طهران دعماً كبيراً لجزر القمر من خلال منظماتها الخيرية، التي افتتحت فروعاً لها، ومنها لجنة إمداد الإمام الخميني التي قدمت العون المالي لمئات الأسر، وافتتحت مركزاً لتدريب الشباب على الحرف. كما افتتح الهلال الأحمر الإيراني مستشفى في العاصمة موروني وقدّم خدماته بالمجان للجميع، وفي جزيرة أنجوان افتتح مركز التبيان فرعاً له وقدم برامج دراسية في الحقوق والعلوم الإسلامية.
وعام 2011، صرّح سفير جزر القمر في طهران بأنّ الأخيرة تعتزم استثمار 300 مليون دولار في بلاده، كما تحدثت تقارير عن نفوذ إيراني داخل الجيش القمري في عهد الرئيس سامبي.
مقابل ذلك حصلت إيران على تسهيلات كبيرة من إدارة الرئيس السابق سامبي، واستفاد العشرات من المسؤولين الإيرانيين من شراء جوازات السفر القمرية، واستخدموها في الالتفاف على العقوبات الدولية، التي اشتدت في الفترة بين 2011 و2013، وفق تحقيق أجرته وكالة "رويترز".
كما اُتهِمت إيران بنشر التشيع في جزر القمر وبشكل خاص في جزيرة "أنجوان" موطن الرئيس سامبي، والتي افتتح فيها مركز التبيان الإيراني فرعاً للدراسات الإسلامية. كما نظر العديد من المواطنين ورجال الدين في جزر القمر إلى المنح الدراسية الإيرانية والأعمال الخيرية على أنها غطاء لنشر التشيّع.
يقول لرصيف22 الصحافي والكاتب حامد علي، رئيس فريق التحرير في منصة "من جزر القمر"، إنّ العلاقات مع إيران نمت في عهد الرئيس السابق سامبي، وعملت طهران على توسيعها وحرصت ألا تنحصر في الدائرة الرسمية، وتوغلت في المجتمع، فأنشأت في بادئ الأمر مركزاً لتعليم بعض الحرف التي يحتاجها البسطاء من الشعب كالنجارة وغيرها.
ويتابع أنّ بعض رجال الدين خاصة المتخرجين من جامعات سعودية اتهموا طهران بمحاولة نشر التشيع في البلاد، وتعززت مخاوفهم بعد السماح لأول مرة بإحياء مناسبة يوم عاشوراء في عهد سامبي، كما تجرّأ بعض المواطنين على إعلان تشيعهم.
وطالت سامبي اتهامات بالتشيع رغم نفي الرجل ذلك خلال حوار أجراه مع قناة "العربية"، مشتكياً من التركيز على سنواته التي قضاها في الدراسة في إيران، وتجاهل الوقت الأطول الذي قضاه في الدراسة في السعودية.
وترى العضوة في حركة دولة القانون "Daula Ya Ki"، نائلة عبد الله،، أنّ إيران لم تشكل تهديداً لبلادها. توضح لرصيف22: "ساعدت طهران جزر القمر في المجالات الصحية والتعليمية، كما قدمت دعماً سياسياً في قضية جزيرة مايوت"، معترفةً بأنّ بعض القمريين كانت لديهم شكوك حول نوايا إيران.
"جزر القمر جزء من القارة الأفريقية التي تنظر إليها إيران كسوق بكر لتسويق المنتجات والحصول على الموارد الطبيعية، بما يحقق هدفها في تحييد العقوبات الدولية"... ما الذي تستفيده موروني إذاً من التقارب مع إيران المأزومة دولياً والمنهارة اقتصادياً؟
النفوذ الخليجي والقطيعة
وفي عهد خليفة سامبي، الرئيس ظنين، استمرت العلاقات بين البلدين لكن بوتيرة أقل إذ التقى الرئيس نجاد بالرئيس ظنين في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة 2010. وكان ظنين قد زار طهران أربع مرات خلال عهد سامبي، حين كان يشغل منصب نائب رئيس الجمهورية، والمُكلف بملف العلاقات مع إيران.
وظلت العلاقات جيدة بين البلدين حتى عام 2013، الذي بدأ فيه الرئيس ظنين الانقلاب على الروابط مع إيران، بدايةً بالتضييق على الممارسات الدينية للمواطنين الشيعة. شهد هذا العام القبض على 15 مواطناً يعتنقون المذهب الشيعي بتهم من بينها تهديد السلم المجتمعي.
في ظل تلك التحولات، زار وزير خارجية إيران علي أكبر صالحي جزر القمر، في تموز/ يوليو 2013. وبحسب وكالة "تسنيم" الدولية للأنباء، أعرب صالحي عن "أمله" بانطلاق مرحلة جديدة في العلاقات بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وجمهورية جزر القمر في مختلف المجالات التجارية والاقتصادية والبنى التحتية.
يقول الصحافي حامد علي إنه بعد خروج سامبي من الحكم، علّق خلفه ظنين علاقات جزر القَمَر بإيران تضامناً مع السعودية في 2016، بعد مهاجمة سفارتها في طهران، ما أعطاه مبرراً لطرد الإيرانيين من البلاد بعد الضغوط التي مورست عليه من قبل رجال الدين السُنّة، وتوج ذلك بإصدار مرسوم رئاسي يمنع إقامة أي احتفال شيعي في البلاد.
وفي دلالة على دور السعودية في دفع جزر القمر لقطع العلاقات مع إيران، قطعت موروني في العام 2017 علاقاتها السياسية مع قطر، في عهد غزالي عثمان. قال الأخير: "مقاطعة قطر كانت أمراً حتمياً لا بد منه؛ وذلك لأننا نقف إلى جانب السعودية ونؤازرها".
وتعقّب الناشطة نائلة عبد الله: "كان للسعودية دوراً كبيراً ليس في قطع العلاقات مع إيران وحسب، بل مع قطر أيضاً، ولهذا فقطع العلاقات مع البلدين لم يكن لسبب إلا لإرضاء السعودية".
صفحة جديدة
يمكن القول إنّ توقيع الاتفاق السعودي الإيراني في آذار/ مارس 2023 كان له تأثيره على العلاقات الثنائية بين إيران وجزر القمر. التقى وزيري خارجية البلدين، القمري ظهير ذو الكمال والإيراني حسين أمير عبد اللهيان، في كيب تاون في جنوب أفريقيا على هامش اجتماع أصدقاء بريكس، في حزيران/ يونيو الماضي.
"منذ أحداث السفارة السعودية في طهران وسجن الرئيس سامبي بتهم الفساد ثم الحكم عليه بالخيانة العظمى، لم نرّ أي بادرة إيرانية يمكن وصفها بالجدية لإعادة ترميم علاقاتها بجزر القمر"... ما الذي تغيّر الآن؟ ولماذا تبادر إيران إلى فتح صفحة جديدة مع جزر القمر؟ وما هي الفوائد التي تعود على جزر القمر من استئناف علاقاتها مع إيران؟
آنذاك، صرّح ولي الله محمدي نصر آبادي، المدير العام لشؤون أفريقيا في وزارة الخارجية الإيرانية، بأنّ "جزر القمر رحّبت بالاتفاق بين إيران والسعودية، وأكدت أن هذا الاتفاق يعد خطوة إيجابية وفاعلة في التعاون الإقليمي".
ويلفت حامد علي: "منذ أحداث السفارة السعودية في طهران وسجن الرئيس سامبي بتهم الفساد ثم الحكم عليه بالخيانة العظمى، لم نرّ أي بادرة إيرانية يمكن وصفها بالجدية لإعادة ترميم علاقاتها بجزر القمر، لكن مع قدوم الرئيس الإيراني رئيسي إلى الحكم، ربما النظرة إلى الأمور تغيّرت"، مردفاً بأنّ الرئيس الإيراني هنّأ الرئيس عثمان بفوزه بولاية جديدة، وعبّر عن تطلع بلاده إلى عودة العلاقات مع جزر القمر، وذلك في وقت وصلت فيه علاقات الأخيرة مع السعودية والإمارات إلى مستويات متقدمة.
في هذا السياق، يلفت الباحث المصري المتخصص في الشؤون الإيرانية، أحمد فاروق، إلى أنّ الرؤية الإستراتيجية للسياسة الخارجية لإيران تختلف من رئيس لآخر، حيث كانت مدفوعة أكثر بالأيديولوجيا في عهد نجاد، كما أنّ الظرفين الخارجي والداخلي كانا مختلفين، ولهذا فدعوة الرئيس إبراهيم رئيسي لفتح صفحة جديدة في العلاقات مع جزر القمر مبنية على رؤية أوضح وتأتي في ظرف مختلف.
يعتبر فاروق أنّ دعوة رئيسي إلى فتح صفحة جديدة مع موروني، تأتي في إطار الإستراتيجية الإيرانية الأشمل، المتمثلة في تحييد العقوبات من خلال تنويع الأسواق أمام المنتجات الإيرانية، وتوسيع العلاقات الثنائية مع مختلف الدول، على أكثر من محور، وخاصةً دول الجوار ودول ما وراء الجوار، مؤكداً لرصيف22 أنّ جزر القمر تكتسب أهمية لإيران لأنها تقع على الساحل الشرقي لأفريقيا وتطل على المحيط الهندي، الذي وسعت إيران من حضورها العسكري فيه خلال العامين الماضيين، بهدف تأمين طرق الملاحة التجارية من القرصنة وحماية السفن التجارية من التوقيف على خلفية العقوبات، وحماية المصالح الإيرانية بشكل عام.
يشدد فاروق على أنّ جزر القمر جزء من القارة الأفريقية التي تنظر إليها إيران كسوق بكر لتسويق المنتجات والحصول على الموارد الطبيعية، بما يحقق هدفها في تحييد العقوبات الدولية، مختتماً حديثه بالقول إنّ "أي تطور إيجابي بين السعودية وايران سينعكس على علاقات ايران مع الدول العربية والأفريقية، التي للسعودية فيها كلمة وازنة".
تقع جزر القمر في المحيط الهندي قبالة الساحل الجنوبي الشرقي لأفريقيا وعاصمتها موروني. وتبلغ مساحتها 1.862 كم مربع - بدون جزيرة مايوت التي ضمتها فرنسا لأراضيها عام 1974 وتعتبرها جزر القمر جزءاً محتلاً من أراضيها - وعدد سكانها 813 ألف نسمة، ويدين الأغلبية العظمى منهم بالإسلام، مع أقلية مسيحية. ولا توجد تقديرات واضحة لعدد المواطنين المسلمين الشيعة، وهناك اختلافات بين من يقدرهم بالعشرات ومن يعدهم بالآلاف.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
عبد الغني المتوكل -
منذ 4 ساعاتوالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ 5 ساعاترائع
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت