لا أريد أن أثقل عليك يا الله، وأطلب أن يكون أبي هو مختار أبو المجد نفسه، وإنما فلنجعلها "كـ" مختار أبو المجد. أعلم جيداً يا قارئي العزيز أنك ستردّ سريعاً بأكثر الجمل انتشاراً حتى باتت كليشيه: "لا أحد يختار أهله". أتدري ما الأدهى؟ أنه لا أحد يُغيّر أهله أيضاً.
كلما تدخّلت بأحد الموضوعات الجدلية والشائكة في المنزل، وأن الأسلوب المُتبع للتعامل معي غير صحيح، يكون الرد: "تأقلمي، أنتي ولا هتغيري أهلك ولا هتغيري الكون".
حقاً! أهذا هو المنطقي؟ أهذه تمثل إجابات؟ أنا لم أسألكم أو أطلب منكم التغيير، ولكن ما رأيكم بألا تطلبوا مني التغيير، ألا تدرون أنني بالفعل أتغيّر وأتشكّل وأبني شخصيتي بنفسي، بعيداً عن السرب.
معذرة يا أبي، لم تكن حبي الأول. كنت النسخة الأولى من الرجال المرفوضين بقائمتي. أعترف أنه ليس بيدك، وأنك ترغب بأن تكون أباً جيداً، ولكن حظك السيئ أن ابنتك كبرت وأصبحت مختلفة
من هو مختار أبو المجد؟
لم أنس أنني إلى الآن لم أخبرك يا قارئي العزيز من هو مختار أبو المجد. إذا تابعت المسلسلات المصرية لموسم رمضان 2024، فستعرف أن مختار هو الأب بمسلسل "إمبراطورية ميم"، تلك الإمبراطورية التي كبرت وأنا أشاهدها عبر فيلم لسيدة الشاشة فاتن حمامة، وبعدما كبرت وقرأت، تطرقت للقصة التي كانت حجر الأساس، وهي قصة "إمبراطورية ميم"، ضمن المجموعة القصصية "بنت السلطان" للكاتب إحسان عبد القدوس.
ترددت كثيراً قبل كتابة هذه المدونة، هل أتحدث فيها عن أبي الموجود حالياً واسمه يمثل الاسم الثاني ببطاقتي، أم أتحدث عن أب خيالي، غير واقعي، أشكّله بداخلي بدلاً من الأنا العليا التي يتحدث عنها سيجمويد فرويد، الصوت العاقل الرزين بداخلي؟ أم أتحدث عن الرجال الذين مرّوا (ويمرّون) بحياتي، منهم من مارس الأبوة نحوي دون طلب مني، بل لم أكن أعي وقتها أنه لا ضرر من وجود شخص يمثل الأب في حياتي، أب صحي لا يشوّه نفسيتي، لا يعنفني، لا يخلق مني سارة الغاضبة على الدوام دون سبب، هذه النسخة (الغاضبة) مني ويصدق (ويجعلني أصدّق) أنها أنا، أم عن من مرّوا ليقوموا بدور الحبيب، ولكنهم فضلوا أن يقومون بدور الأبوة، من عملوا على تقويمي وتربيتي كما لو كنت طفلتهم؟
في هذه اللحظة، لا أجد سوى صوت ماجدة الرومي يتردّد بداخلي حين غنت "كن صديقي". لماذا أبحث عن حبيب فأجد أباً، وحين أبحث عن أب أجد حبيباً، هل طلبي غير واضح يارب؟ هل أبحث في الأماكن والأشخاص الخاطئة؟ هل بالأساس الخطأ لدي، مثلما اعتدت أن أسمع من المقربين: كيف تكونين على صواب في حين أن هذا العدد من الناس يرون الصواب في مكان آخر وليس ما أتفوّه به. أخبرني، أين الصواب في أن أكون طفلة تخشى أباها، تخاف من صوته العالي، لا تفرح بعودته للمنزل؟ أين الصواب حين يكون تعبير الأهل عن خوفهم على أبنائهم يتلخص في القلق إذا تأخروا بالعودة للمنزل، ألا تدرون أن الأخطاء والجرائم وأي كارثة يمكن أن تحدث لأبنائكم بسهولة في وضح النهار؟!
ما حسم تردّدي بالكتابة هو مشهد الابنة (مايا) بمسلسل "إمبراطورية ميم"، وهي تحلق شعرها. بكيت مع بكائها، وبكيت أكثر حين أتى رد فعل الأب (مختار) هادئاً، لم يضربها على هذه التسريحة الجديدة مثلما حدث معي حين قصصت شعري تسريحة "الجارسون"، بل حتى لم يصرخ بوجهها على ما فعلته بنفسها. أخذ نظراته الغاضبة وانصرف من أمامها. في هذه اللحظة بكيت، وقارنت بين مختار وأبي. في هذه اللحظة سألت: لماذا لا يكون أبي مثل مختار؟ لماذا الآباء لا يسمعون؟ لماذا يعزلون أنفسهم وبعدها يتهمونا بأننا ننعزل ونبتعد عنهم؟
لا أكرهك يا أبي، ولكني كذلك لا أذكر الأشياء التي فعلتها لأجلي فأحبك بسببها. أحبك حباً فطرياً وفقط. يوماً ما سألتني إحداهن عن مميزات أبي. لم أستطع أن أجيب سوى بأنه شخص طيب
لم أكرهك يا أبي
لا أكرهك يا أبي، ولكني كذلك لا أذكر الأشياء التي فعلتها لأجلي فأحبك بسببها. أحبك حباً فطرياً وفقط. يوماً ما سألتني إحداهن في يوم مشمس، وكنا وقتها على البحر نلعب لعبة الصراحة عبر دوران الزجاجة وسؤال من تشير إليه فوهتها، عن مميزات أبي. لم أستطع أن أجيب سوى بأنه شخص طيب!
ما هذه السذاجة؟! أليس كل الآباء طيبين؟ ارتبكت ولم أستطع أن أجيبها بأكثر من هذا، ولكن حين بدأت أفكر في إجابة سؤال آخر عن صفات فتى الأحلام، اتخذت قراراً بألّا يكون شبيه أبي، لا مهنته، لا صفاته كزوج ولا صفاته كإنسان يستغرق التفكير في تفاهات وحسابات بأجندته، بل حتى صرت أندهش من الفتيات اللواتي يبحثن عن شريك حياة يشبه آبائهن، أو من يشاركن على السوشيال ميديا صور آبائهن قائلات إنه حبهن الأول.
معذرة يا أبي، لم تكن حبي الأول. كنت النسخة الأولى من الرجال المرفوضين بقائمتي. أعترف أنه ليس بيدك، وأنك ترغب بأن تكون أباً جيداً، ولكن حظك السيئ أن ابنتك كبرت وأصبحت مختلفة عنكم ومعكم، تجادل وتصرخ، تطلب حريتها وتستميت في البحث عنها وعن نفسها.
ما رأيك أن نُبدّل كل الأهداف والأحاديث الجادة الصارخة، بحضن دافئ وقت البكاء والصراخ، أو حتى بنفض الأذن من كتل الغبار لتنصت، أو بالأحرى لتنفّذ فعل التغيير ولا تطلبه من صغارك ما دمت لا تستطيع تقديمه. لا تطلب منهم الهدوء وأنت المثال الحي للإزعاج، لا تطلب منهم عدم التدخين وأنت حتى لا تعرف معنى مراعاة الآخرين من حولك حين تشعل سيجارتك، لا تطلب منهم شيئاً أنت لا تستطيع تقديمه لهم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 9 ساعاتمقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Tester WhiteBeard -
منذ يومtester.whitebeard@gmail.com
Ahmed Adel -
منذ 3 أياممقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ أسبوععزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ أسبوعلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعاخيرا مقال مهم يمس هموم حقيقيه للإنسان العربي ، شكرا جزيلا للكاتبه.