شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
كما في مسلسل

كما في مسلسل "العتاولة"... قصص عن ظهور الزوج "العرفي" بعد الزواج "الشرعي"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الأحد 31 مارس 202410:08 ص

تناول مسلسل العتاولة من تأليف هشام هلال، وإخراج أحمد خالد موسى، عدة قضايا وصراعات تدور في المجتمع المصري في سياق درامي شيق، وحقّق أرقاماً جيدة في السباق الرمضاني لهذا العام باعتماده على قصص واقعية "ممكنة الحدوث"، وعلى البطولة الجماعية، والكوادر الطبيعية في التصوير.  

زوجها "العرفي" ظهر في يوم زفافها

تدور أحداث المسلسل -الذي عُرض على التلفزيون المصري- في الإسكندرية، وهو من بطولة أحمد السقا (نصار)، وطارق لطفي (خضر)، وزينة (حنة)، ومي كساب (عيشة)، وباسم سمرة (عيسى الوزران)، ومريم الجندي (شادية)، ومؤمن نور (سعد)، ومجموعة متنوعة من الممثلين من أجيال مختلفة. 

وتتوزع الحبكات في عدة خيوط، منها الصراع الذي ينشأ بين شقيقين تحركهما الغيرة، ويتملكهما السعي للانتقام، والرغبة في التفوق، مما يتسبب بتدمير العائلة، والزج بأحدهما في السجن.

خيط آخر قدمه المسلسل قدّم قضية تتواجد في المجتمع المصري سراً وعلناً، وهي "الزواج العرفي"، ولكن ما أثار الجدل أكثر في حكايته هو صراع إحدى البطلات (شادية)، ففي أثناء فرحتها بحفل زفافها على (عاطف) وسط عائلتها، تُفاجأ بظهور زوجها السابق (سعد) بعقد زواج عرفي، وهو الزواج الذي كان بعلم والدتها (سترة).

خلاصة الحبكة أن (شادية) تزوجت من (سعد) بعقد زواج عرفي بعد قصة حب بينهما، وبعد فترة من زواجهما اختفى (سعد) دون أثر من حياتها، إلى أن ظهر يوم حفل زفافها على (عاطف)، وبعد خمس سنوات من اختفائه. 

في مسلسل العتاولة يظهر الزوج السابق "العرفي" الذي كان مختفياً في ليلة زفاف البطلة، لتدخل الأحداث في دوامة شرعية وقانونية واجتماعية، لكن قصة المسلسل ليست بعيدة كثيراً عن الواقع، بكل ما يصاحب الزواج العرفي من معضلات، تحديداً بعد الطلاق 

يجمع المشهد التالي (سعد) و(شادية) ووالدتها في منزلهم، بعيداً عن الفرح وينشب صراع بينهم، ففي الوقت الذي يعترض (سعد) على زواج شادية من رجل آخر وتحاول والدتها أن تفض الخلاف وتجبره على الرحيل قائلة : "أنت مش سيبتها وفلسعت عايز إيه؟" ليرد عليها قائلًا: "شوشو مراتي على ذمتي وحلالي وورق زواجنا في الحفظ والصون".

من هنا ينشأ صراع (شادية) التي لا تعرف كيف تتصرف وهي الآن ترى نفسها بعد كلام (سعد) على ذمته بعقد زواج عرفي، وعلى ذمة (عاطف) من عقد زواج شرعي، ومن أجل إخفاء هذا الأمر، تستسلم لرغبة سعد في مقابلته سراً، وتعطيه ما يرغب من مال حتى لا يعلم زوجها (عاطف) أو إخوتها (نصار) و(خضر) بالأمر.

هل هذه القصة بعيدة عن الواقع في المجتمع المصري؟ ليس تماماً، إذ تتشابه معضلة المسلسل إلى حد بعيد مع القصة الحقيقة التي تولاها وأشرف عليها المحامي في الاستئناف العالي ومجلس الدولة محمد حميد، حيث حل نزاع لقضية مشابهة توجهت صاحبتها إليه.

حين ينكر الزوج الأول الطلاق الشفهي 

يتحفظ حميد على ذكر الأسماء الصريحة حفاظاً على سرية بيانات الموكلين كما تنص القوانين وأخلاقيات مهنة المحاماة، ويروي لرصيف22 أبعاد القضية التي أشرف عليها وتولاها.

كانت درّة (اسم مستعار) متزوجة عرفياً، إنما بعقد صحيح مستوفٍ للشروط والأركان الشرعية، ونتيجة نشوب مشاكل بينها وبين زوجها العرفي تم الطلاق لفظياً. 

على الزوجة التي تعيش ما عاشته "شادية" في مسلسل العتاولة من إنكار زوجها العرفي للطلاق، أن تثبت الزواج أولاً بالقانون كالشهود أو اليمين، ثم ترفع بعدها دعوى خلع أو طلاق. 

تزوجت دّرة من شخص آخر بعد عدة أشهر وانقضاء عدة زواجها العرفي، هذه المرة على يد مأذون وبشكل رسمي، لتتفاجأ بتواصل طليقها من الزواج العرفي معها، ومساومتها وتهديدها بأنها ما زالت على ذمته وفي عصمته، وأنه سيقيم دعوى زنا والجمع بين زوجين ضدها، لأنها ما زالت زوجته بشهادة الشهود، واستناداً على كونها أخفت عقود الزواج.

يقول حميد لـرصيف22: "في هذه الحالة كانت الإجراءات التي تم اتخاذها هي توجيه الزوجة كي تحرر محضر تجاه طليقها العرفي في قسم الشرطة، وبكافة التفاصيل والوقائع التي تمت بحذافيرها، وبسؤال المشتكى عليه عن الواقعة والاستماع لأقواله ليثبت فيها أنها ما زالت زوجته، وأن عقد الزواج العرفي وبعد إقراره تم بسهولة الحصول على صورة رسمية من المحضر ورفع دعوى خلع في المحكمة المختصة، عادة ما تستغرق هذه القضية من 60 يوم إلى 90 يوم لتحصل المرأة على حكم الخلع من زواجها العرفي.

الخلع العرفي هو الحل... لكن 

عن الحكم الشرعي في دعوى الخلع من الزواج العرفي يقول الشيخ عبد الحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوى السابق في الأزهر: "في حالة إثبات الزوجة للزواج العرفي في المحكمة لا مانع أن تخلع نفسها، وتسري عليها معاملة الزواج الرسمي في الحكم الشرعي، فبعد إثباتها للزواج العرفي في المحكمة وتحقق أركانه تكون قد أخذت الصبغة القانونية، ويسري عليها ما يسري على غيرها".

ويضيف لرصيف22: "الزواج العرفي هو الزواج السري، وهو زنا ومخالفة لأمر الحاكم، ويترتب عليه أكل أموال الناس بالباطل، فهناك سيدات يتزوجن عرفياً لاستمرار حصولهن على المعاش سواء الخاص بالزوج أو الوالد، ومن هنا يكون حراماً".

وفي إجابة عن سؤال متى يكون الزواج العرفي حلالاً، يقول: "إذا استكمل الشروط والأركان، بأن يكون هناك ولي وشاهدي عقد وصداق وإعلام أو إشهار، فإذا فقد الزواج أحد هذه الأركان صار باطلاً، أما في حالة الطلاق فيجب أن يقول الزوج لزوجته (أنتِ طالق) لأنه عاشرها معاشرة الأزواج، ومن هنا لا بد أن تمر العدة لتستعيد حقوقها". 

تزوجت درّة عرفياً بعقد مستوفٍ للأركان الشرعية، ونتيجة مشاكل مع زوجها تم الطلاق لفظياً. وبعد انقضاء عدتها تزوجت من رجل آخر على يد مأذون، لتتفاجأ بتواصل طليقها معها، وتهديده لها بأنها ما زالت على ذمته وأنه سيقيم دعوى زنا 

ويرى حميد أن القانون المصري لا يستطيع أن يحكم الزواج العرفي في مصر، فهنالك من يلجأ للزواج بهذه الطريقة للهروب من بعض الالتزامات المصاحبة للزواج الرسمي والمفروضة بالأخص على الرجل، ولكن مع عدم الوعي بإمكانية إنهاء الزواج العرفي بشكل يضمن حصول الزوجة على حقوقها كاملة في حالة الطلاق مثل النفقة أو الحصول على الميراث في حالة وفاة زوجها.

ويكمل: "في حالة رغبة الزوجة بإنهاء الزواج العرفي من زوجها، سواء برغبته أو عدمها، لا بد من رفع دعوى إثبات لعقد الزواج العرفي أولا، ثم بعدها يتم رفع دعوى خلع بناء على عقد الزواج العرفي".

القاضي يقرر كل شيء 

ويؤكد حميد أن الحكم في دعوى الخلع على عقد الزواج العرفي تكون وفق توجهات القاضي، فمن الممكن أن يحكم القاضي لصالح الزوجة، وفي دائرة أخرى وفي نفس الظروف يمكن أن يحكم قاضي في دائرة لصالح الزوج.

ويتابع: "هناك بعض القوانين الواضحة والصريحة التي لا يتجاوزها القاضي في حكمه، لكن بعض الوقائع ليس لها إطار قانوني واضح لذا من الممكن أن يفسر القاضي مادة القانون على الواقعة التي يراها في الإطار الصحيح والمناسب لها".

ويُنصح بضرورة التزام الحذر عند إنهاء الزواج العرفي بين الطرفين، وأن يوقع الزوج على صيغة إقرار طلاق في عقد زواج عرفي والاحتفاظ بهذا الإقرار.

أما في حالة عدم قدرة الزوجة إثبات أن الطلاق قد وقع بالفعل، لعدم وجود شهود أو ورق، فمن الممكن أن يتم توجيه دعوى اليمين الحاسمة بأن تدعي عليه، ويقسم على هذا الإدعاء أمام القاضي، في حالة عدم وجود دليل مادي ملموس لإثبات دليل الطلاق. 

ينصح المحامي الشرعي بضرورة التزام الحذر عند إنهاء الزواج العرفي بين الطرفين، وأن يُوقع الزوج على صيغة إقرار طلاق بالشهود، وأن يتم الاحتفاظ بهذا الإقرار.

أما الإجراء الثاني الذي يمكن أن تتخذه الزوجة فهو إتهام طليقها من الزواج العرفي بالابتزاز، وترفع دعوى الابتزاز لإخلاله بوعده بتحويل الزواج العرفي إلى رسمي عندما تسنح الظروف المناسبة، وعندها يتم تنفيذ الإجراءات السابق ذكرها ثم السير في دعوى الخلع من الزواج العرفي.

إحصائيات الزواج العرفي

بحسب إحصائية صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري في كانون الثاني/ يناير 2024 زاد عدد عقود الزواج العرفي عن 812 ألفاً لعام 2022، والتي تمثل 87% من جملة العقود، مقابل أكثر من 764 ألفاً خلال عام 2021.

بينما زادت عقود التصادق (أي عقود توثيق الزواج العرفي) عن 112 ألفاً، خلال عام 2022، مقابل 111 تقريباً خلال عام 2021.

يقول المحامي أحمد رضوان لـرصيف22 :"أحكام الخلع في قضايا الزواج العرفي قليلة على مستوى الجمهورية فهي أحكام نادرة"، شارحاً أنه من أجل إمكانية رفع دعوى خلع، يجب تقديم إثبات زواج العقد العرفي في المحكمة، وحينها يتم رفع القضيتين معاً، فالزواج العرفي معترف به قانوناً، ودعوى الخلع للزواج سواء كان رسمياً أو عرفياً ممكنة، فالقانون لم يشترط أن يكون الزواج موثقاً عند مأذون، وإنما أن يكون موثقاً بشكل قانوني.

ويختم: "المتزوجة عرفياً بمقتضى عقد زواج عرفي شفوي أو كتابي لا يجوز لها استخدام التطليق خلعاً لعدم ثبوت زواجها، إلا إذا كانت الزوجية العرفية ثابتة على النحو المنصوص عليه في الفقرة الثانية من المادة 17 من القانون رقم 1 لسنة 2000، أي يجب إثبات الزواج العرفي أولاً في المحكمة، ومن ثم تتحقق إمكانية رفع دعوى الخلع".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

رصيف22 من أكبر المؤسسات الإعلامية في المنطقة. كتبنا في العقد الماضي، وعلى نطاق واسع، عن قضايا المرأة من مختلف الزوايا، وعن حقوق لم تنلها، وعن قيود فُرضت عليها، وعن مشاعر يُمنَع البوح بها في مجتمعاتنا، وعن عنف نفسي وجسدي تتعرض له، لمجرد قولها "لا" أحياناً. عنفٌ يطالها في الشارع كما داخل المنزل، حيث الأمان المُفترض... ونؤمن بأن بلادنا لا يمكن أن تكون حرّةً إذا كانت النساء فيها مقموعات سياسياً واجتماعياً. ولهذا، فنحن مستمرون في نقل المسكوت عنه، والتذكير يومياً بما هو مكشوف ومتجاهَل، على أملٍ بواقع أكثر عدالةً ورضا! لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم، وأخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا!.

Website by WhiteBeard
Popup Image