شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
بـ

بـ"اللايك" أم بالتظاهر أم بالدموع... كيف يساند الفلسطينيّون غزّة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ربّما يكون الشعور الأعمّ الذي عبّر عنه الفلسطينيّون خارج غزّة منذ بداية العدوان عليها في السّابع من تشرين الأوّل/ أكتوبر 2023، هو العجز وقلّة الحيلة. من جهة أخرى، نسمع أصوات الغزيّين وهي تدعو أبناء شعبهم إلى التحرّك. لكنّ هذه الكلمة تعني أشياء كثيرة، تعني مجرّد التعاطف وعدم الاعتياد، وقد تعني الضغط على "اللايك" أو مشاركة المشاهد المرعبة على شبكات التواصل الاجتماعيّ. قد تعني الخروج إلى الشارع للتظاهر، وقد تعني كذلك العصيان المدني أمام دولة إسرائيل، أو حتّى ذرف الدموع. وفي حين أنّ بعض الفلسطينيين يرون في نشر المحتوى الخارج من غزّة ومشاركته عبر شبكات التواصل أولويّة وواجباً وطنيّاً وإنسانيّاً، هناك من يرى فيه مغامرةً قد تؤدي إلى الاعتقال، لا سيّما في الداخل الفلسطينيّ. لكن ماذا يعني النشر للغزيّ؟ هل يجد فيه مساندةً حقيقيّة أم ينتظر أشكالاً أخرى للتعبير عنها؟ وربّما يترقّب طرائق فعليّة، خارج منصّات التواصل، تسهم في إيقاف المجزرة.

هل يكفي أن نساند غزّة بالنشر؟

تواظب ميسلون خلايلة من قرية مجد الكروم في الجليل الأعلى على نشر محتوى مساند لغزّة، منذ السّابع من تشرين أوّل/ أكتوبر 2024، عبر صفحتها الشّخصيّة على منصة إنستغرام. تقول ميسلون لرصيف22: "أنا ممتلئة بحُزن كبير، ولست مدركة تماماً إذا كان النشر مدفوعاً بإيماني بجدوى النشر على شبكات التواصل الاجتماعيّ، والتي تحوّلت في كثير من الأحيان إلى أدوات تشويه للوعي. لكنّ النشر في حالتنا كفلسطينيّين مقموعين هو تعويض عن القدرة على الاحتجاج والإسناد الحقيقيّ على أرض الواقع". وتوضّح أن النشر عبر السوشال ميديا "حوّل إلى نمط يوميّ في محاولات استيعاب الجرح الغزيّ المفتوح والآخذ بالاتّساع. فما على الأحياء في هذه المرحلة التاريخيّة سوى توثيق سرديّة الموت المفتوحة في غزّة. "هذا النشر هو المساهمة المتواضعة في تحويل الحِداد إلى متلازمة كونيّة، في اللحظات التي ترك فيها العالم أهل القطاع تحت وطأة الإبادة والمجاعة والموت البطيء"، تقول.

النشر في حالتنا كفلسطينيّين مقموعين هو تعويض عن القدرة على الاحتجاج والإسناد الحقيقيّ على أرض الواقع

لكن كيف يرى الغزيّون إلى مسألة نشر الصور والفيديوهات التي توثّق الإبادة؟ تقول الفنّانة الغزيّة مريم أيّوب لرصيف22 إنّها ليست مقتنعة بأنّ منصّات التواصل قد تحقّق أثراً ملموساً في دعم القضيّة على أرض الواقع. "يتمّ تحريك هذه المنصّات وتجييرها وفق سياسات الجماعات التي تتحكّم بأمورنا من أجل تحقيق مصالحها"، تؤكد مريم.

وتضيف: "أرى أنّ شبكات التواصل الاجتماعيّ تحوّلت إلى بطاقة مضادّة للدعم الذي تنتظره قضيتنا. إذ يعتمد معظم المعلقين على منشور يوميّ، يعربون من خلاله عن مشاعر غضبهم، فيعتبرون أنفسهم وقد قاموا بالمهمّة المطلوبة تجاه قضيّة إنسانيّة". قد يرى البعض جدوى كبيرة في مساندة غزّة عبر شبكات التواصل، لكن مريم تراها تفجيراً لبالونات الغضب وحطّاً من القدرة البشريّة على إحداث تغيير على أرض الواقع، بحسب تعبيرها. تعتقد مريم بأنّ الأفضليّة الوحيدة التي قدّمتها وسائل التواصل هي المعرفة المكثّفة عن فلسطين، والتي نقلت عبرها لجيل الشباب.

خوف فلسطينيي الداخل والضفّة

استعرضت إسرائيل منذ بداية الحرب عضلاتها في تخويف الفلسطينيين من النشر والمساندة، فدخلت بيوت الناس في الضفّة والداخل المحتلّ، واعتقلت كثيرين وسنّت قانوناً يجرّم مشاهدة محتوى مؤيّد لحماس. ولعلّ سياسة الترهيب والإخراس هذه أثّرت بشكل نوعيّ على مساندة غزّة وعلى الحقّ في التعبير عن الرأي، لا سيّما بين صفوف الفلسطينيين في أراضي 48.

تؤكّد لنا ميسلون، وهي أم لطفلين، أن الخوف ينتابها بطبيعة الحال، لكنّها تلفت إلى أنّ هذا الخوف سيكون أعظم لو تعاملت مع ما يحدث بصفته حدثاً بديهيّاً. "أنا أعبّر عن معاناة أناس وأشخاص من جلدتي ومن دمي ولحمي. ينسى الإسرائيليون أنّ شعبنا مربوط بشبكة قربى عائليّة، ونسيج اجتماعيّ في كلّ أماكن وجوده، فعلى من الخوف؟ الخوف الحقيقيّ على مَن يواجهون الآن البرد والمطر في الخيام، الخوف على مَن نزح في شهور معدودة أربع مرّات وأكثر"، توضّح ميسلون.

ولعلّ التخوّف من نشر المحتوى المناهض لحرب الإبادة شمل الفلسطينيين في الضفّة الغربيّة، أيضاً. إذ يؤكّد عصام بكر، منسّق القوى الوطنيّة والإسلاميّة في محافظة رام الله والبيرة، لرصيف22، أنّ إسرائيل عملت على ملاحقة عدد كبير من نشطاء شبكات التواصل الاجتماعيّ عبر مهاتفتهم وتهديدهم بشكل مباشر إذا نشروا محتوى يدحض ادعاءات الاحتلال أو يدعم المقاومة. "وعلى الرّغم من هذه السياسات، ندعو إلى تحدّي الاحتلال عبر الاستمرار في النشر من خلال شبكات التواصل، خاصّة تلك التي لا تقيّد المحتوى الفلسطينيّ"، يقول بكر.

الصوت الفلسطيني هو الأقوى على شبكات التواصل

وفيما يرى البعض أنّ النشر على شبكات التواصل الاجتماعيّ ما هو إلّا وسيلة للتفريغ العاطفيّ، ولإفراغ النضال الفعليّ من محتواه، يرى نديم ناشف، مدير عام مركز حملة لتطوير الإعلام الاجتماعيّ "أن هذه الشبكات دورًا كبيرًا في رفع الصوت الفلسطينيّ دوليًا. فالإحصاءات والبحوث على مستوى العالم تؤكّد أن الصوت الفلسطينيّ هو الأقوى اليوم على منصّات التّواصل الاجتماعيّ، خاصة على منصّة تيك توك، وأن هذا النشر له دور كبير في حشد الرأي العام والمظاهرات التي نراها في مختلف دول العالم".

يرى البعض جدوى كبيرة في مساندة غزّة عبر شبكات التواصل، لكن مريم تراها تفجيراً لبالونات الغضب وحطّاً من القدرة البشريّة على إحداث تغيير 

ويتابع في حديثه لرصيف22: "كما الواقع، كذلك في شبكات التواصل الاجتماعيّ، هناك حرب طاحنة على المحتوى. وقد لاحظنا في بداية الحرب، بعد أحداث السّابع من أكتوبر الماضي، أن الرأي العام العالميّ كان يميل للرواية الإسرائيليّة ويتضامن معها بشكل حصريّ. لكن بفضل المواظبة على نشر القصص الحقيقيّة من غزّة، نرى اليوم أن المعادلة انقلبت، وذلك على الرغم من أن وسائل الإعلام الغربيّة التّقليديّة بغالبيتها داعمة لإسرائيل، فإنّ شبكات التّواصل نجحت بالالتفاف على هذا الإعلام التّقليديّ وإيصال الصوت الحقيقيّ من غزّة، وذلك بفضل أشخاص مثل بيسان ومعتز وغيرهما من بنات غزّة وأبنائها".

تقييد المحتوى وتراجع النشر

وعلى الرّغم من هذا الالتفاف الذي نجحت شبكات التواصل الاجتماعيّ بتحقيقه، فإن مركز حملة ومراكز أخرى متخصّصة بالحقوق الرقميّة رصدت انتهاكات رقميّة ضد المحتوى الفلسطينيّ. فقد رصد مركز "صدى سوشال" 17 ألف انتهاك لحقوق الفلسطينيين الرقميّة بعد السابع من أكتوبر. كما أوضح المركز أنّ ارتكاب منصّات التواصل الاجتماعيّ لهذه الانتهاكات جاء إثر الطلبات الإسرائيليّة التي ترفعها وحدة السايبر في جيش الاحتلال، والتي تجاوزت خلال الأشهر الماضية 31 ألف طلب. 

يرى ناشف أنّ مسألة التقييد المفروض على المحتوى الفلسطينيّ يتعلّق أوّلاً بحرب كمّ الأفواه التي تنتهجها إسرائيل بطريقة غير مسبوقة، الأمر الذي أدى إلى تراجع ملحوظ في النشر، سيّما عند الفلسطينيين في الداخل، الذين اعتقلت منهم إسرائيل شخصيّات معروفة مثل الفنانتين دلال أبو آمنة وميساء عبد الهادي. ويتعلّق ثانياً بالتقييد الذي تفرضه منصّات التواصل نفسها. "تتبع منصة تيك توك، مثلاً، سياسة أكثر اعتدالاً مقارنة بميتا المسؤولة عن فيسبوك وانستغرام وواتساب. وعلى الرغم من أن سياسة ميتا عدائيّة أكثر تجاه المحتوى الفلسطينيّ، لا نزال نلاحظ أن منصة انستغرام مستعملة أكثر من غيرها في صفوف فلسطينيي الـ48، يليها تيك توك". أمّا بخصوص المنصّات الأخرى فيرى ناشف أنّ الحريّة التي تتيحها منصّة إكس وتلغرام هي سيف ذو حدّين. "قد يبدو الأمر إيجابيّاً كونه يوفّر مساحة حرّة للتعبير، ولكنّا نعلم عن استعمال تلغرام للتحريض المباشر كما حدث مع الفنانة دلال أبو آمنة، فقد قامت مجموعات يمينيّة متطرّفة بنشر رقم هاتفها وعنوانها من خلال تلغرام".

هناك من يعتقد بأنّ حذف أو تقييد المحتوى المساند لغزّة قد يؤدي إلى رقابة ذاتيّة لدى المستخدمين الفلسطينيين. هكذا يرى صدقي أبو ضهير الباحث في الإعلام والتسويق الرقمي، فيقول لرصيف22: "إنّ اتباع الحذر في النشر يمكن أن يقلّل من النقاشات العامّة، ثمّ إلى انخفاض فرصة ظهور المحتوى الفلسطينيّ، وبالتالي وصوله إلى الجمهور".

كان على الفنانين والإعلاميين والمؤثرين تنظيم حملات مساندة ميدانية لفلسطين وإيقاف الأعمال الفنيّة والحفلات والمهرجانات، وليس الاكتفاء بتفريغ غضب على شبكات التواصل

يخترع الفلسطينيّون طرائق بديلة

يقول المؤثر الفلسطيني سائد زيدات (27 عاماً)، والمدير التنفيذي لشركة هوميت، إنّ إنستاغرام قيّد حسابه الذي كان يتابعه كلّ عام نحو 800 ألف متابع، من خلال تقليل اقتراحه على متابعين محتملين وحذف منشوراته وقصصه. فقرّرت شركته تفعيل خطّة بديلة وإطلاق تطبيق Redz كمنصّة للتواصل الاجتماعيّ. أطلقت المنصّة في كانون الأوّل/ ديسمبر 2023، "فمن غير المنطقيّ أن نكون شركة تكنولوجيا معلومات رائدة في فلسطين وألا نقدّم للناس وسيلة يعبّرون من خلالها عن قضيّتهم دون حجب أو تقييد. بحسب زيدات، فإنّ هذا التطبيق الجديد يجابه الخوارزميّات التي تفرض الحظر على المحتوى الفلسطينيّ، ويعمل بناءً على المنطقة الجغرافيّة للمستخدم وليس على المواضيع التي يهتمّ بها".

يضيف زيادات: "بعد أقلّ من أربعة أيّام على إطلاق التطبيق، حمّله ما يزيد عن مليون مستخدم. وحالياً لدينا 3 ملايين مستخدم في أنحاء مختلفة من العالم".

مساندة غزّة خارج شبكات التواصل

نقرأ عبر شبكات التواصل دعوات من غزيين وغزيّات موجّهة للفلسطينيين والعرب كي يخرجوا إلى الشوارع لنصرتها. وقد ابتهج كثيرون لمشاهدة الفيديوهات الخارجة من الأردنّ والمغرب عند مطلع الأسبوع. "المساندة الحقيقيّة تكون في الميدان. فهو الأكثر تأثيراً على الأنظمة الرسمية، والأكثر وصولاً للعالم. كان على الفنانين والإعلاميين والمؤثرين تنظيم حملات مساندة ميدانية لفلسطين وإيقاف الأعمال الفنيّة والحفلات والمهرجانات، وليس الاكتفاء بتفريغ غضب على شبكات التواصل"، تقول مريم.

من جانبه، يؤكّد بكر على ضرورة "أن يجد الفلسطينيّون خطّة لإسناد حقيقيّ لغزّة، إضافةً إلى التفاعل الشعبيّ من خلال الاعتصامات والتظاهرات، وذلك عبر حملات الإغاثة الإنسانيّة، التي جاءت بثمار وافرة حين بادرت إليها النقابات والمؤسّسات في الضفّة، وعبر مقاطعة المنتجات الإسرائيليّة ودعم المنتج الوطنيّ التي لحظناها في الآونة الأخيرة".

وقد تكون كلّ هذه التحرّكات، بالنسبة للغزّيين، على الرّغم من حسن النيّة وراءها، تحرّكات واهية. فالحرب لا تزال تستعر فوق رؤوسهم. ولم يستطع العالم إيقافها حتّى بعدما أعلنت الأمم المتحدّة قرارها القاضي بوقف إطلاق النّار في غزّة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image