شُيّدت مدينة الإسكندرية على يد الإسكندر الأكبر عام 331 قبل الميلاد. كانت هذه المدينة عاصمةً لمصر لفترة امتدت ألف عام، حتى دخول المسلمين لها. بعد ذلك تغيّرت عاصمة مصر، وأصبحت مدينة "الفسطاط"، أي القاهرة الحالية، هي العاصمة. وبرغم تغيير العاصمة، إلا أن مكتبة الإسكندرية القديمة بقيت المركز الثقافي الأبرز للغرب والغربيين لقرون عدة.
مكتبة الإسكندرية، بُنيت قبل أكثر من ألفَي عام على يد خلفاء الإسكندر، وضمت أكبر مجموعة من الكتب في العالم خلال العصور القديمة، إذ احتوت على أكثر من سبعمئة ألف كتاب في ذروتها، ولم يبقَ من هذه المكتبة التي احترقت مرتين عبر التاريخ سوى الذكرى والأساطير التي انتشرت عنها، وذلك برغم اكتشاف مخطوطات لشعراء كثر كالشاعرة الإغريقية صافو، كانت تُحفظ فيها.
الإسكندر الأكبر وحلم أكبر مكتبة في العالم
الفكرة الأساسية لبناء مكتبة تجمع كتباً عن كل العلوم تحت سقف واحد، تعود إلى الإسكندر الأكبر. كان الإسكندر ملك مقدونيا وأحد أعظم القادة العسكريين في العالم، إذ شكل اتحاد الدول اليونانية عام 334 قبل الميلاد ضد الإمبراطورية الأخمينية في إيران. ونجح في الإطاحة بملك إيران داريوش الثالث، واحتلال الأراضي التابعة للأخمينيين. كان الإسكندر محارباً لا مثيل له، حقق انتصارات مذهلةً على الرغم من قلة عدد قواته العسكرية.
بُنيت مكتبة الإسكندرية، قبل أكثر من ألفَي عام على يد خلفاء الإسكندر، وضمت أكبر مجموعة من الكتب في العالم خلال العصور القديمة، إذ احتوت على أكثر من سبعمئة ألف كتاب في ذروتها
لم يتوقع والد الإسكندر الأكبر فيليب الثاني المقدوني، أن يصبح يوماً ما ملكاً، وعلى الرغم من ذلك، بعد وفاة أخيه الأكبر، أصبح فيليب ملكاً على بلد غارق في الفقر والفوضى، واستطاع خلال عام واحد فقط، أن يعيد بناء الجيش المقدوني ويجهّزه، ما أدى إلى خروج دولته من الحالة المأساوية التي كانت فيها.
وفي عام 356 قبل الميلاد، أنجب فيليب من زوجته الرابعة، أوليمبياس، ولداً سمّاه الإسكندر. كان الإسكندر ذكياً واستثنائياً في طفولته، ولذلك لم يدّخر فيليب أي جهد في تعليم ابنه ووريثه المحتمل، واختار الفيلسوف اليوناني العظيم أرسطو، أستاذاً ومعلماً له. قام أرسطو بتعليم الإسكندر من سنّ الـ13 حتى الـ16، فخلق فيه حب الفلسفة والأدب والعلوم.
دخل الإسكندر آسيا في ربيع عام 334، بعدما حارب الجيش الإيراني على ضفاف نهر جرانيكوس (نهر بيجا تشاي في غرب تركيا اليوم)، وهزمه. بعد انتصاره في هذه المعركة وهروب الملك الإيراني داريوش الثالث، ذهب الإسكندر إلى سائر الأراضي التي كانت تابعةً للإمبراطورية الإيرانية، مثل "سوريا" و"فينيقيا"، واستولى على خزائن مملكة إيران فيها، وبذلك حصل على ثروة هائلة ساعدته في باقي انتصاراته.
في تلك الأثناء، كتب داريوش إلى الإسكندر يطلب منه السلام، لكن الإسكندر الذي كان فخوراً بنصره العظيم، لم يقبل طلب داريوش وأمره بأن يستسلم من دون أي شروط. وصل الإسكندر إلى مصر في خريف عام 332 قبل الميلاد، واستسلم له حاكم مصر الإيراني، وقبله المصريون فرعوناً لهم. في المقابل، احترم الإسكندر تقاليد الشعب المصري في أثناء وجوده هناك، وشيّد مدينة الإسكندرية وجعلها عاصمةً لإمبراطوريته.
الإسكندرية... العاصمة الثقافية الأوروبية
تأسست مدينة الإسكندرية الأسطورية على يد الإسكندر عندما هجم على مصر بهدف غزو العالم كله، ولكن لهذه المدينة تاريخاً أقدم بكثير من ذلك، إذ اكتشف العلماء أن جزءاً من قصة الأوديسة التي كتبها الشاعر اليوناني العظيم هوميروس، ربما حدثت فيها، كما أظهرت عمليات التنقيب الأثرية أنه حتى قبل الإسكندر، كانت هذه المدينة تتمتع بحضارة متقدمة.
بعد وفاة الإسكندر في عام 323 قبل الميلاد، قُسمت أراضيه الشاسعة بين جنرالاته وأُعطيت أرض مصر لبطليموس الأول، الذي جاء من بابل إلى الإسكندرية وأسس سلالة البطالمة في مصر. كرّس بطليموس وقته لتشييد المباني والمعابد الرائعة وأنشأ منارة الإسكندرية الشهيرة ومدرسة الإسكندرية والمكتبة التي حلم بها الإسكندر نفسه.
الفكرة الأساسية لبناء مكتبة تجمع كتباً عن كل العلوم تحت سقف واحد، تعود إلى الإسكندر الأكبر.
وفي عهد بطليموس الثاني أصبحت الإسكندرية أكبر مركز علمي وأدبي وتجاري في العالم بأسره. ومنذ عهد بطليموس الرابع، وحتى نهاية الحكم اليوناني على مصر، شهدت الإسكندرية العديد من الانتفاضات ضد حكامها، إذ في عهد بطليموس الثامن، انتقل الكثير من أهل الإسكندرية، خاصةً كبار مفكريها وأساتذة مدرستها الذين سئموا استبداد الحكام، إلى أراضٍ أخرى، وحينها بدأت مدرسة الإسكندرية ومكتبتها تضعفان، حتى لم تبقَ منهما سوى الذكرى.
تضاءلت سلطة الإسكندرية السياسية والثقافية في عهد الرومان. ومن الأحداث المهمة التي شهدتها الإسكندرية في أثناء الهيمنة الرومانية الشرقية، الهجوم الإيراني على مصر واحتلال الإسكندرية، الذي حدث في عهد ملك إيران خسرو برويز عام 616، لكن بعد 12 عاماً فحسب، وبعد السلام الذي حلّ بين إيران وروما الشرقية، سقطت الإسكندرية على يد الرومان مرةً أخرى.
مكتبة الإسكندرية... أكبر مكتبة تاريخية
كانت مكتبة الإسكندرية الكبرى، أكبر وأهم مكتبة في العالم القديم، كما كانت الإسكندرية تُعرف بأنها عاصمة المعرفة والتعلم بسبب مكتبتها هذه، التي عمل فيها العديد من العلماء المهمين والمؤثرين في القرنين الثالث والثاني قبل الميلاد، ومنهم عالم الرياضيات والجغرافي والفلكي اليوناني إراتوستينس، وهو الذي حسب محيط الأرض لأول مرة بدقة، وأرسطرخس الساموكراثي، الذي جمّع وألّف النصوص النهائية لقصائد هوميروس.
حينها، كان الحكام البطالمة يعتزمون تحويل مكتبة الإسكندرية، إلى خزانة عظيمة لكل المعارف الموجودة في العالم، فاستخدموا سياسةً عدائيةً وخصصوا ميزانيةً ضخمةً لتوسيع مجموعات المكتبات، فأرسلوا ممثلين مَلَكيين إلى مختلف أنحاء العالم، وأعطوهم أموالاً كثيرةً وأمروهم بشراء وجمع أي عدد من الكتب والنصوص في أي موضوع ولأي مؤلف.
وهنا تم تفضيل الإصدارات القديمة للنصوص على الإصدارات الجديدة، لأنه كان من المفترض أن تكون الإصدارات القديمة أقل نسخاً، وتالياً أكثر تشابهاً مع النص الأصلي، كما تم إلزام جميع السفن التجارية بتسليم كتاب إلى مكتبة الإسكندرية للمرور عبر مينائها، فكانت تُرسَل هذه الكتب إلى المكتبة، حيث يقوم الكُتّاب بنسخها، وبعد النسخ يتم حفظ النصوص الأصلية في المكتبة وتُسلَّم النسخ إلى السفن.
لذلك ركّزت مكتبة الإسكندرية بشكل خاص على الحصول على مخطوطات قصائد هوميروس، لأنها كانت أساس التعليم في اليونان وكانت تحظى باحترام كبير أكثر من القصائد الأخرى، فحصلت المكتبة على مخطوطات مختلفة لهذه القصائد ووضعت علامةً على كل نسخة لتوضيح مصدر كل منها.
على الرغم من الاعتقاد السائد اليوم بأن مكتبة الإسكندرية قد تم إحراقها وتدميرها بطريقة بشعة مرةً واحدةً، إلا أن المكتبة دُمّرت تدريجياً على مدى قرون عدة، بدءاً من هجرة المثقفين من الإسكندرية عام 145 قبل الميلاد
وعلى الرغم من الاعتقاد السائد اليوم بأن مكتبة الإسكندرية قد تم إحراقها وتدميرها بطريقة بشعة مرةً واحدةً، إلا أن المكتبة دُمّرت تدريجياً على مدى قرون عدة، بدءاً من هجرة المثقفين من الإسكندرية عام 145 قبل الميلاد، في عهد بطليموس الثامن، ثم أُحرقت المكتبة أو على الأقل أُحرق جزء منها عن طريق الخطأ، على يد الإمبراطور الروماني يوليوس قيصر عام 48 قبل الميلاد، عندما حاصر المدينة وأضرم النار في منطقة محددة لتدميرها، لكن النار هذه امتدت لتأكل جزءاً من مكتبة الإسكندرية.
وبسبب نقص الأموال والدعم المالي الكافي لهذه المكتبة، ضَعُفت في أثناء حكم الإمبراطورية الرومانية، وحينها دُمرت أجزاء كبيرة منها بقرار من بطريرك الإسكندرية البابا ثيوفيلوس (شغل المنصب من سنة 384 حتى سنة 412)، لأنه كان يعتقد أن أي كتاب غير مسيحي هو أصل الشر.
بعد ذلك، هاجمت الجيوش الإسلامية الإسكندرية في ربيع الأول سنة 20هـ، وهزمت الروم في محيط الفسطاط وفتحت الإسكندرية بقيادة عمرو بن العاص. وبعد خمس سنوات سقطت المدينة على أيدي الرومان مرةً جديدةً، فعاد عمرو بن العاص مرةً أخرى إلى مصر بقواته واستعاد الإسكندرية ودمّر سور المدينة بالكامل.
وبدخول المسلمين إلى الإسكندرية، هاجر منها الكثير من اليهود والرومان، ونتيجةً لذلك انخفض عدد سكانها، وأدى انخفاض عدد السكان ونقل مركز الحكم إلى الفسطاط في عهد عمرو العاص إلى انحدار سياسي في الإسكندرية. ومع ذلك، استمرت هذه المدينة في النمو والازدهار كمركز تجاري، خاصةً للمنسوجات، على الرغم من أنها لم تعد تُعرف بأنها أكبر مركز ثقافي وفكري في العالم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
HA NA -
منذ يومينمع الأسف
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ أسبوعحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ أسبوععظيم