إذا سُئلت من هو أغنى رجل في التاريخ؟ فربما ستجيب/ين بما يعتقد به كثرٌ، وستقول جيف بيزوس الذي تصل ثروته إلى نحو 200 مليار دولار، أو بيل غيتس الذي تُقدَّر ثروته بـ130 مليار دولار. جيف بيزوس، مستثمر أمريكي في مجال الإنترنت والتجارة الإلكترونية، والمؤسس والرئيس التنفيذي السابق لشركة أمازون، أكبر شركة لبيع السلع عبر الإنترنت، وهو الذي يُعدّ أول شخص سافر إلى الفضاء بمكوك خاص، ودفع تكاليف الرحلة بأكملها بنفسه.
والشخص الثاني في هذه القائمة، هو ويليام هنري غيتس الثالث، المعروف باسم بيل غيتس، المبرمِج والرأسمالي الأمريكي، الذي اشتهر بعد تأسيسه شركة مايكروسوفت عام 1975. عمل غيتس رئيساً تنفيذياً لشركة مايكروسوفت، لمدة 25 عاماً منذ بداية تأسيسها حتى عام 2000، كما شغل منصب رئيس مجلس إدارتها حتى عام 2014.
لكن لم يكن أيّ من هذين الرجلين، هو الأغنى في التاريخ، وقد تتفاجأ/ين عندما تعرف/ين أن أغنى رجل في التاريخ، كان الإمبراطور المسلم في مالي، الذي عطّل اقتصاد شبه الجزيرة العربية وإفريقيا، خلال رحلة الحج الشهيرة التي قام بها.
مالي... من بلد فقير إلى إمبراطورية غنية
مالي، المعروفة رسمياً باسم جمهورية مالي، وعاصمتها مدينة باماكو، هي دولة غير ساحلية في غرب إفريقيا، ولها حدود مشتركة مع كل من "الجزائر" و"النيجر" و"بوركينا فاسو" و"ساحل العاج" و"غينيا" و"السنغال" و"موريتانيا"، وتقع أجزاء من هذه الدولة في جنوب الصحراء الكبرى. واليوم، تُعدّ مالي واحدةً من أفقر البلدان في العالم، ويبلغ عدد سكانها نحو 20 مليون نسمة، أكثر من 10% منهم يعيشون في العاصمة. ويعيش نصف سكان مالي تقريباً تحت خط الفقر.
إذا سُئلت من هو أغنى رجل في التاريخ؟ فربما ستجيب/ين بما يعتقد به كثرٌ، وستقول جيف بيزوس الذي تصل ثروته إلى نحو 200 مليار دولار، أو بيل غيتس الذي تُقدَّر ثروته بـ130 مليار دولار
كانت مالي تُعدّ في الماضي إمبراطوريةً تجاريةً عظيمةً، وكانت تُعرف كطريق سريع يصل بين أطراف الصحراء الإفريقية الكبرى. كما لها حضارة رائعة وعريقة يعود تاريخها إلى نحو ألفَي عام. أصبحت هذه الأرض جزءاً من إمبراطورية السودان منذ القرن الثامن وحتى القرن السادس عشر الميلادي، ولكن بعدما ضمّ المغرب أجزاء من الإمبراطورية السودانية، بما في ذلك مالي، تولّت حكومات قَبلية عدة السلطة في مالي، ومن هنا بدأ النفوذ الفرنسي يظهر في هذا البلد، إذ أصبحت مالي محميةً فرنسيةً في عام 1898. وبعد أكثر من 60 عاماً، أعلنت مالي استقلالها عن فرنسا في سنة 1960.
كانت مالي تُعدّ إمبراطوريةً (1230-1600)، ودولةً كبيرةً في غرب إفريقيا، وقد أسسها سوندياتا كيتا، واشتهرت بسبب ثراء حكّامها، خاصةً إمبراطورها الأشهر مانسا موسى. وترجع الثروة الكبيرة لهذه الإمبراطورية وإمبراطورها الشهير، إلى وفرة الذهب في هذه البلاد، ما جعلها من أكبر المراكز التجارية في العالم. وتُقدَّر ثروة مانسا موسى بنحو 400 مليار دولار، أي ضعف ثروة أغنى رجل في العالم في الوقت الحالي.
مانسا موسى... إمبراطور الذهب
مانسا كانجا موسى، هو الإمبراطور العاشر لمالي، حكم تلك الإمبراطورية ما بين عامَي 1312 و1337، أي في البرهة التي بلغت خلالها مالي الذروة، وقد سبق مانسا موسى أخوه "مانسا أبو بكر الثاني"، إلا أن "مانسا أبو بكر" تنازل عن عرشه ليلتهي باستكشاف الأراضي الواقعة في المحيط الأطلسي. وأبو بكر الذي كان ملقباً بـ"ملك البحار"، تجوّل في البحار لسنوات عديدة بهدف توسيع إمبراطورية مالي، وقاد شخصياً آلاف السفن في رحلة بحرية لغزو المحيط الأطلسي، ولكن سفنه تحطمت ولم يرد عنه أي خبر منذ تحطّمها. وبناءً على ذلك، وفي عام 1312، تولّى مانسا موسى سدة الحكم.
حوّل مانسا موسى إمبراطورية مالي لتصير الأغنى والأكبر من حيث الأراضي في إفريقيا، ويقال إنه غزا 24 مدينةً خلال عهده.
بعد ذلك، حوّل مانسا موسى إمبراطورية مالي لتصير الأغنى والأكبر من حيث الأراضي في إفريقيا، ويقال إنه غزا 24 مدينةً خلال عهده ووسّع أراضيه حتى وصلت إلى أجزاء من الدول التي تسمّى اليوم بـ"السنغال" و"موريتانيا" و"بوركينا فاسو" و"النيجر" و"غامبيا" و"غينيا بيساو" و"غينيا" و"ساحل العاج".
وفي عهده، كانت إمبراطورية مالي أكبر منتج للذهب، حيث كانت تمتلك نصف ذهب العالم، وكله بالطبع كان مُلكاً للإمبراطور نفسه. وبحسب المؤرخين والمتحف البريطاني، كانت هذه الإمبراطورية تمتلك أكثر من نصف احتياطي الذهب في العالم. ولكن لم يكن الذهب وحده هو الذي جعل إمبراطورية مالي غنيةً آنذاك، بل التجارة في العاج والملح، ساهمت أيضاً في إغناء هذه الإمبراطورية.
ولذلك قام موسى بتوسيع أراضيه ثلاثة آلاف كيلومتر، من المحيط الأطلسي إلى النيجر، ويقال إنه لم يخسر معركةً. وبالإضافة إلى ذلك انضمت دول وبلدان عدة طوعاً إلى إمبراطورية مالي بسبب جودة الحياة فيها.
مانسا موسى... من مالي إلى مكة وأغلى حج في التاريخ
كان مانسا موسى مسلماً ملتزماً، وفي أثناء رحلته إلى مكة لأداء فريضة الحج عام 1324، أراد تطبيق أحد مبادئ الإسلام أي التصدّق والتبرّع. فقطع مانسا موسى آلاف الكيلومترات إلى مكة برفقة ستين ألف شخص، وكان يحمل معه 21 ألف كيلوغرام من الذهب، محملةً على ظهور 100 فيل و80 جَمَلاً. وكان موسى كريماً جداً في التبرع بالذهب في أثناء رحلته، وأدى ذلك إلى انخفاض قيمة الذهب في إفريقيا والجزيرة العربية. وحول هذا، قال المؤرخ والعالم والكاتب السوري ابن فضل الله العمري (1301-1349)، إن "مانسا موسى أغرق القاهرة في بحر كرمه ومحبته".
كانت مالي تُعدّ إمبراطوريةً (1230-1600)، ودولةً كبيرةً في غرب إفريقيا، وقد أسسها سوندياتا كيتا، واشتهرت بسبب ثراء حكّامها، خاصةً إمبراطورها الأشهر مانسا موسى. وترجع الثروة الكبيرة لهذه الإمبراطورية وإمبراطورها الشهير، إلى وفرة الذهب في هذه البلاد
وقد دُهش العديد من شهود العيان بثروة مانسا موسى وكرمه، وكُتب عنهما في الكتب التاريخية. وبصرف النظر عن هذا الكرم، فقد لاحظ الجميع تقوى الملك وحسن سلوك أصحابه. لكن كرم موسى خلال رحلة الحج تسبب من دون قصد في تدمير المناطق التي مرّ بها اقتصادياً. ففي مدن كـ"القاهرة" و"مكة" و"المدينة المنورة"، ارتفعت أسعار السلع والأدوات ارتفاعاً حاداً، بسبب التدفق المفاجئ للكميات الكبيرة من الذهب التي تبرع بها موسى.
عند عودته من مكة، وعندما علم موسى بأثر كرمه على اقتصاد المنطقة، قام بشراء كل الذهب الموجود في مدينة القاهرة بأسعار عالية لإعادة التوازن إلى السوق. وهذه هي الفترة الوحيدة المسجلة في التاريخ التي كان فيها شخص واحد فحسب يتحكم بشكل مباشر في سعر الذهب في حوض البحر الأبيض المتوسط.
تسبب هذا العطاء المجاني، بتدنّي قيمة الذهب كما تسببت استعادة سعره في إفلاس إمبراطورية مالي. وبعد وفاة مانسا موسى، انتقلت مملكته إلى ولدَيه، لكنهما لم يتمكنا من الحفاظ على الإمبراطورية، وتم تقسيم البلاد إلى أقاليم أصغر وانهارت إمبراطورية مالي. وكان وصول الأوروبيين إلى مالي خلال الفترة الاستعمارية بمثابة النهاية لتلك الإمبراطورية العريقة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومينتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه