مع نهاية العام السابق اقتحمت قوات الإحتلال الإسرائيلي مخيمي البريج والمغازي، وأصبحت إقامتنا في منزل النزوح في منطقة النصيرات على المحك، إذ بات القصف الجوي والمدفعي يقض مضاجعنا على امتداد اليوم، فيما تلقينا أمراً بإخلاء المربع السكني الذي نقيم فيه عبر الهواتف، فأخذت العائلات تغادر المكان واحدة تلو الأخرى، وبقيت أنا مع من تبقى من العائلات حتى اللحظة الأخيرة، ثم عزمنا على الرحيل إثر سقوط القذائف والصواريخ في محيط أبراج عين جالوت التي تبعد عنا عشرات الأمتار. كان اليومين الأولين من العام الجديد من أقسى الأيام التي نعيشها في الحرب، إذ تجاذبنا خيارين أحلاهما مر؛ فإما البقاء في منطقة تحولت بين ليلة وضحاها إلى ساحة حرب، أو النزوج مجدداً، لكن هذه المرة إلى اللامكان.
فروقات طبقية بين الخيم
توفرت خيمة يمكن أن نلوذ بها في منطقة الزوايدة القريبة، فخرجنا تحت النار مشياً على الأقدام دون أن يحمل معظم أمتعتنا، وما إن وصلنا حتى صعقنا من بؤس المكان؛ كانت هناك بضع خيام منصوبة على أرض زراعية منزوية دخلنا إليها عبر ممر شائك قذر، وأُخبرنا أن ثمة جناحان خصصا لنا في جزء من خيمة، كانت الخيمة مصنوعة من البلاستيك، فيما كان الجناحان ضيقان جداً، أما المرحاض الوحيد المخصص لجميع من نزحوا إلى هناك فقد كان بالياً ضيقاُ يفيض بالعتمة والخراء.
يطلق على المخيم الذي نحن فيه أحياناً "المخيم الإماراتي"، لشيوع الخيام المقدمة من الهلال الأحمر الإماراتي فيه، كما ينشط بعض الرجال المحسوبين على تيار محمد دحلان في المكان من حيث الاتصال بالنازحين وتقديم المساعدة لهم، وتشيع صفة "التيار" للإشارة إلى هؤلاء الناشطين كجهة معروفة سلفاً
تكوم الرجال والنساء مع الأطفال على الأرض، كل في الجناح المخصص له فوق بعضهم البعض في ليلة شديدة البرودة، دون مراتب مع غطائين أو ثلاثة، وكان بخار الماء المنبعث من أنفاسنا يتكثف على جدران وسقف الخيمة من الداخل، ثم يقطر على رؤوسنا وثيابنا وحقائبنا مع كل هبة ريح أو انفجار قريب، فبدا لنا أننا كنا في نزهة طيلة أيام الحرب السابقة، وتمنى واحدنا أن يصحو ليجد أنه كان في كابوس، لم ننم في تلك الليلة السوداء، وعقدنا العزم في صباح اليوم التالي على الذهاب إلى مكان أكثر آدمية، لكنه لم يزد في نهاية الأمر عن خيمة أخرى.
أنقذَنا أحد أقاربنا بتوفير بعض الخيام في مخيم للنازحين في رفح، فحزمنا أمتعتنا وذهبنا إلى هناك، لنصبح في تلك اللحظة نزلاء فعليين في أحد مخيمات النزوح التي كنا نراها فقط فيما مضى على شاشات التلفاز.
يقع المخيم في منطقة تل السلطان أقصى جنوب غرب رفح، وهو عبارة عن قطعة أرض صغيرة لا يتوفر فيها أي من إمدادات الماء أو الصرف الصحي ولا الكهرباء بطبيعة الحال، ويبعد كثيرا عن الشارع الرئيسي المؤدي للحي السعودي وهو أقرب تجمع سكني للمكان. التقيت هناك بأبي ماهر، وهو رجل خمسيني كان يعمل سائقا للآليات الثقيلة قبل الحرب، قال: "وجدت بضع خيام فقط منصوبة بشكل عشوائي على هذه الأرض عندما نزحت إليها قبل عدة أسابيع، واقترحت على النازحين إعادة بناء وتنظيم الخيام مقابل الحصول على خيمة مجاناً، فوافقوا على ذلك".
خيمتك من وين؟ ووين؟
يطلق على المخيم في بعض الأحيان المخيم الإماراتي لشيوع الخيام المقدمة من الهلال الأحمر الإماراتي فيه، كما ينشط بعض الرجال المحسوبين على تيار محمد دحلان في المكان من حيث الاتصال بالنازحين وتقديم المساعدة لهم، وتشيع صفة "التيار" للإشارة إلى هؤلاء الناشطين كجهة معروفة سلفاً لدى النازحين.
علينا أن نحني ظهرنا ثم ننتصب واقفين عدة مرات يومياً للقيام بأي مهمة في الخيمة، بينما نجلس على الأرض فقط دون أن نجد ما نسند إليه ظهورنا، وهو ما يصيب عضلاتنا وعظامنا بالتصلب والإعياء آخر النهار.
التقيت أيضا بمحمد سيف، وهو رجل ثلاثيني كان يعمل في مجال الالكترونيات قبل الحرب، قال: "عندما نزحت إلى مدينة رفح حاولت اختيار مكان مناسب لأنصب فيه خيمتي، إذ وجدت أن معظم المناطق التي انتصبت فيها الخيام مكتظة بالنازحين ويعمها الفوضى والضجيج والقذارة، فاخترت هذا المكان الهادئ بالقرب من الشاطئ على الحدود مع مصر، بينما أمن أقربائي في الخارج خيمة لي من خلال علاقاتهم مع موزعي المساعدات في رفح".
يتم تخصيص أراضي المخيمات وتوفير الخيام من قبل المنظمات الإغاثية الدولية بالتنسيق مع الجهات المحلية المعنية، في هذا الصدد يقول محمد سيف: "يتم تأمين الخيام للمستفيدين بشكل عام من خلال العلاقات الشخصية فقط، وإذا لم يتدبر النازحين أمرهم يضطروا لشراء الخيام من السوق السوداء بمبلغ يقدر بألفي شيكل في المتوسط، ينطبق هذا الأمر على المساعدات الغذائية والمستلزمات الأخرى مثل الفراش وحفاظات الأطفال والأدوية".
توجب علينا أن نبني حياتنا من الصفر منذ يومنا الأول في المخيم، إذ لم نحمل معنا إلا ثيابنا، ولم يكن هناك أي مسؤول حكومي، يقول أبو ماهر: "في البداية كان هناك اتصال وحيد بالجهات الرسمية للمساعدة على تحسين الظروف المعيشية في المخيم، حيث أتى مندوب من بلدية رفح ووعد بتلبية بعض الاحتياجات مثل المياه والمراحيض وإزالة النفايات، لكننا لم نتلق منذ ذلك الحين أي مساعدة".
وعود أخرى وصلت للنازحين في المخيم من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية ومحافظة رفح وبعض الجمعيات الخيرية، لكنهم لم يحصلوا في النهاية إلا على النذر اليسير من المواد الغذائية والأغطية.
نحن ساعدنا أنفسنا... لم يساعدنا أحد
مع مرور الوقت ساد شعور عام أننا تركنا وحدنا هناك، وأننا بحاجة لتنظيم أنفسنا وتلبية احتياجاتنا بمجهودنا الفردي ومالنا الخاص، يقول أبو ماهر: "حاولت في البداية تنظيم الإقامة في المخيم بالتعاون مع النازحين الآخرين، فبدأنا بحصر النزلاء من حيث الأسماء والعدد وأرقام الهويات، كما رقمنا الخيام وأعددنا قائمة تضم خمس وخمسون خيمة".
هكذا أصبح لزاماً علينا أن نجمع الماء بأنفسنا من بعض السكان قي الجوار، وأن نبني المراحيض دون وجود خطوط الصرف الصحي، ونشيد المواقد، كما كان علينا أن نشتري مستلزمات الطهي والتنظيف والطعام أو نستعيرها من جيراننا، ونتدبر المزيد من الأغطية والمراتب بشراءها أو الحصول عليها كمساعدات، فضلاً عن المشي لساعات لذلك الشارع المؤدي للحي السعودي للتسوق، إن لم نكن مضطرين للذهاب إلى أبعد من ذلك بكثير لتلبية بقية احتياجاتنا، وسط ازدحام مروري خانق فاضت به الشوارع الرئيسية بعد أن حل مايزيد عن المليون نازح في محافظة رفح.
يقول أبو ماهر: "حركة حماس قادرة لو أرادت على فرض النظام لتقليص معاناة الجميع في هذه الحرب بمن فيهم النازحين، لكن من الواضح عدم وجود إرادة حاسمة في هذا السياق"
يبدأ يومي في المخيم بالتحديق في سقف الخيمة وسماع أحاديث النازحين في الجوار وصوت الريح وصياح الباعة الأطفال.. محاولاً إقناع نفسي بأني أعيش في مخيم للنازحين لا في مكان آخر. استغرقت صدمة الانتقال للعيش هناك عدة أيام، وتطلب الأمر المزيد من الوقت لتقبل الواقع الجديد والتعاطي معه.. أخرج وسط برد كانون الثاني وأمشي كثيراً لأقضي حاجتي في مرحاض العائلة، أحمل جردل الماء وأضطر غالباً لانتظار من سبقني إلى هناك عشرة وعشرين دقيقة في العراء.
عليَّ بعد ذلك أن أنتظر مجدداً حتى يفتح بائع المشروبات أبوابه ويشعل النار ليعد لي كوب القهوة، ثم أجلس بجانب الخيمة تحت شمس الصباح متناولاً وجبة خفيفة مثل البسكويت بالتمر، ثم أدخن، يكلف هذا الإفطار المتواضع عشرة شواكل تقريباً، وهو مبلغ باهظ جداً إذا ما قورن بالأيام العادية.
تكون الساعات الأولى من اليوم مشحونة جدا، إذ يتوجب علينا الذهاب لتعبئة الماء من السكان في الجوار. يتصايح نزلاء الخيمة التي أسكنها حول من عليه الذهاب هذا اليوم حاملا الغالونات والجرادل ومن ثم الانتظار في الطابور حتى يحل دوره. شجار آخر يدور حول كيفية استهلاك الماء وضرورة الاقتصاد فيه، بينما تنتظرنا جولات أخرى خلال اليوم لتعبئة المزيد نظراً لمحدودية الأوعية التي نمتلكها.
كيف يمكن لنا التعاطي مع بقية يومنا إذا قيّض له أن يبدأ دائماً على هذا النحو ؟ وهل يقدر من يمنحون ويوزعون المساعدات في غزة حقا جسامة ما نعانيه في المخيم؟
نعم... المساعدات تُوزّع على "المحاسيب"
يقول محمد سيف: "أثمن جهود المنظمات الحكومية وغير الحكومية الدولية في توفير شحنات المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، لكني أعتقد أن الخلل الأكبر في سوء توزيع المساعدات على مستحقيها يكمن في حلقة استلامها في القطاع للبدء في توزيعها كخطوة تالية، إذ أرجح أن تجاوزات مصادرة الجزء الأكبر منها لتوزيعه على محاسيب المنظمات الإغاثية كالأنوروا أو الصليب الأحمر أو الحكومة أو حتى لبيعه لتجار الجملة؛ يبدأ من تلك الحلقة، لهذا نجد شحاً في وصول المساعدات لمستحقيها مجاناً ودون وساطات، وارتفاعاً كبيراً في أسعارها عند وصولها لسوق التجزئة".
ومع انتصاف النهار سرعان ما تمتلئ الخيمة بالرمل من حركة ساكنيها دخولاً وخروجاً وتتناثر قطع الملابس والفراش والأدوات هنا وهناك، فيتحول المكان إلى مساحة خانقة من القذارة والفوضى، ما يزيد من التوتر بيننا، ويصبح القيام بأي مهمة أمراً لا يطاق. الخيمة منخفضة، وتزاحم متعلقاتنا فيها يجعلها أكثر ضيقاً، فتصبح الحركة فيها من الداخل والانتقال منها للخارج والعودة إليها شاقة جداً، خصوصاً أن علينا أن نحني ظهرنا ثم ننتصب واقفين عدة مرات للقيام بأي مهمة، بينما نجلس إذا أردنا الجلوس على الأرض فقط دون أن نجد ما نسند إليه ظهرنا، وهذا يصيب عضلاتنا وعظامنا بالتصلب والإعياء آخر النهار.
شهدنا رغبة العديد من النزلاء في المخيم بتزعم بقية النازحين وتنصيب أنفسهم كمندوبين يتحدثون باسمهم أمام الجهات الداعمة للحصول على المساعدات
أما عن الطعام فالمعلبات هي سيدة الموقف؛ إفطار وغداء وعشاء من علب الجبنة والفول والتونا، لندرة طهي الطعام على المواقد بسبب إشغالها معظم النهار إن توفرت لإعداد الخبز أوتسخين الماء للاستحمام.
ويتطلب تنظيف أواني الطعام وغسيل الملابس جهودا مضاعفة، فلا مطبخ هنا ولا غسالات ولا طاولات أو كراسي، بضع أواني وجرادل مع الجلوس على الرمل أو الحجارة وتعبئة الماء من الغالونات.. نجلس أمام الخيمة ونغسل الأواني والملابس فيسقط بعضها على الأرض ويتلطخ بالرمل فيما يقع بعضها الآخر ويتكسر، وسط تذمر ولعنات نكيلها لكل من تسبب بهذا الوضع لنا. أما عن النظافة الشخصية فلم يكن الاستحمام متاحاً في الأيام الأولى من النزوح، حتى شيد شباب العائلة المرحاض الذي سيتحول مع مرور الوقت لمكان للاستحمام، بعد التمكن من تسخين كميات محدودة من الماء على المواقد أو عند بائع المشروبات.
أسبوع تلو الآخر أصبح سؤال مدة إقامتنا في المخيم أكثر إلحاحاً، ولا سيما مع تكرار سماعنا كل ليلة تقريباً أصوات إطلاق النار مع دخول شحنات جديدة من المساعدات الإنسانية للقطاع، حيث تبين أنها محاولات الأمن في غزة منع قطاع الطرق الاستيلاء عليها بالقوة، هذا فضلاً عن تكرار المشاحنات والعراك داخل المخيم حول كيفية تنظيم الحياة وتأمين المساعدات للنازحين، إذ شهدنا رغبة العديد من النزلاء بتزعم بقية النازحين وتنصيب أنفسهم كمندوبين يتحدثون باسمهم أمام الجهات الداعمة للحصول على المساعدات، يقول أبو ماهر: "سمعنا الكثير عن مندوبين يأخذون قوائم النازحين للجهات الداعمة محاولين عند الفشل في الحصول على مساعدات باسمهم التقرب لتلك الجهات للحصول على مساعدات شخصية لهم وحدهم وتجاهل قوائم النازحين بذريعة عدم توفر مساعدات تكفي لهذا العدد من المحتاجين".
ومع نهاية يوم حافل بالفوضى والتوتر والإنهاك كنا نسأل: ما الذي سيحول في الغد من تكرار يوم مماثل آخر ؟ نستذكر رغبتنا في الغد للذهاب إلى السوق لقضاء بعض حاجاتنا فنصاب بالاختناق؛ سنمشي إذن لساعات نحمل حاجياتنا، وسط ازدحام قاتل، وفوضى عارمة في تنظيم السير، وطوابير انتظار للحصول على أتفه الأشياء، وغياب فادح للرقابة على الأسواق ومنع الاستغلال.. يقول أبو ماهر: "برأيي أن حركة حماس قادرة لو أرادت على فرض النظام لتقليص معاناة الجميع في هذه الحرب بمن فيهم النازحين، لكن من الواضح عدم وجود إرادة حاسمة في هذا السياق".
يوتوبيا الأنفاق
كيف يمكن للواحد منا تقبل هذا الواقع الذي فرض علينا غداة فرارنا من ساحات المعارك ؟ ناهيك عن اجتراح الطاقة وطول النفس للاستمرار في التعاطي معه ؟ لقد بتنا نشعر أننا خرجنا في رحلة سفاري مهلكة ليس لها نهاية ولا معنى. أربعة أشهر من المعارك الضارية التي تخوضها حركة حماس مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، وسط تأكيدات حاسمة من قادتها على ثباتهم ونديتهم وقدرتهم على مواصلة القتال شهوراً وسنوات، وتواتر التقارير حول ترسانة الأنفاق التي أعدتها الحركة لهذه المعركة؛ مئات الكيلومترات على عمق عشرات الأمتار تحت أرض قطاع غزة، شبكة معقدة عالية التسليح والتحصين والسرية مجهزة بكل الاستعدادات اللوجستية التي تخطر على البال، وسائل نقل واتصالات وتحكم وقيادة، فضلاً عن التزود بالغذاء والوقود، في غمرة نظام هرمي عالي الصرامة للتخطيط والتنفيذ.
فضاء متكامل للعيش تحت أرض غزة، يبدو كمدينة مثالية لا تشوبها شائبة؛ يوتوبيا تخوض معركتها الآن بلا سقف زمني يقض مضجعها، فيما تترنح مع مرور الوقت مدينة التيه والخراب واللصوصية هناك فوق الأرض؛ وتغوص أكثر بساكنيها في الوحل والمرض والموت
فضاء متكامل للعيش تحت أرض غزة، يبدو كمدينة مثالية لا تشوبها شائبة؛ يوتوبيا تخوض معركتها الآن بلا سقف زمني يقض مضجعها، فيما تترنح مع مرور الوقت مدينة التيه والخراب واللصوصية هناك فوق الأرض؛ وتغوص أكثر بساكنيها في الوحل والمرض والموت.
قرأت وسمعت الكثير عن المخيم في الماضي، فيما قدر لي أن أعيشه وأكون جزءا منه لثمانية عشر يوماً، وبينما كان رمزاً مهما في الكتب ووسائل الإعلام لتأكيد مفاهيم سامية في القضية كحق العودة وتحدي الاحتلال، لم أجد فيه على الأرض إلا ما يدعو للاشمئزاز والمهانة والسخط وتحطيم العافية في الجسد والكفر بكل هم فلسطيني جامع.
وبينما بدا لي المخيم التجسيد الأقصى لخراب المدينة فوق الأرض؛ كان يتلاشى مع تعاظم الليل في ظلام عميم، وقد وقفت مرة أدخن سيجارة قبل أن أنام ودرت برأسي فوق الأفق يمنة ويسرى وإلى السماء، كانت هناك في أحد زوايا الفضاء ثلاثة قنابل ضوئية تهبط ببطء باتجاه خانيونس، فيما بسطت سلسلة من الأعمدة الشاهقة إضاءتها الشديدة على طول الشريط الحدودي الفاصل مع مصر، ضوء هنا وآخر هناك، ضوءان مصطنعان يلقيان بظلالهما على المدينة، لا لإنارة الطريق لها، بل لمعاقبتها تارة والخوف منها تارة أخرى، أما في السماء فقد كانت النجوم، بشساعتها وجلالها وغموضها، فيض من الضوء الذي يسقط على المدينة بلا أي حسابات، ضوء نقي خالص كنت أجد فيه وحده ما يشبهني ويدعوني للترحيب باليوم التالي، تماماً مثلما وجدت في صوت المؤذن المضبوط على مقام موسيقي صحيح بعد الغروب في المخيم المصدر الوحيد في المكان الذي يبعث في نفسي الطمأنينة، أما وعود الغلبة والتمكين التي ما انفكت تصدح من يوتوبيا الأنفاق فقد كفت عن أن تغضبني، وأصبحت لا تعنيني بشيء.. دخلت خيمتي وهممت بحزم حقيبتي عازما على مغادرة المخيم دون رجعة، لكني لم أنس أني لا زلت أيمم وجهي نحو محطة جديدة في هذه الديستوبيا.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين