لكل بلد ثقافة وطقوس وعادات وسمات يختص بها، والفنون إحدى تلك السمات، حيث يوجد في كل ثقافة فنٌ أو فنون متنوعة، تسرّ كل ناظر، وفي بعض الأحيان تلمس أحاسيسه حتى تشجعه على أن يتعلمها ويأخذها معه هديةً أو تذكاراً.
وكذلك هي الحال في إيران، حيث يوجد العديد من الفنون والحرف اليدوية المميزة ومنها: "حياكة السُجّاد"، و"نسج الحُصُر"، و"صناعة النحاس"، و"صناعة الفخار"، وفنون أخرى كثيرة ومتنوعة. لكن في هذه المادة سنتحدث عن فن المينا الإيراني الفريد، الذي له تاريخ قديم يتجذر في الثقافة الإيرانية منذ بدايتها.
فن "المينا" هو عمل فني يتم فيه نقش تصميمات مختلفة، عادةً بقلم أبيض، على الأطباق والنحاس والفضة والذهب والمجوهرات. وفي الغالب يكون لون الخلفية لأعمال المينا الأزرق أو الأخضر وأحياناً الأحمر، وعلى سبيل المثال، إذا نظرنا إلى الجزء الداخلي من الأواني المطلية بالمينا بعين الفن، فسيذكرنا بامتداد السماء الأزرق الجميل. وربما لهذا السبب سُمّي هذا الفن بالمينا التي تعني بالفارسية "السماء الزرقاء".
تاريخ فن المينا
يُعدّ المينا فناً يعود تاريخه إلى نحو خمسة آلاف عام، وقد تم استخدامه لتجميل مختلف الحلي والأطباق. ومنتجات هذا الفن تُصنع باستخدام النار والطين، بحيث يمتزجان مع فن الرسم لخلق أنماط جميلة متنوعة. وبحسب بعض الخبراء، وبعد مطابقة المينا عند البيزنطيين مع الأعمال الإيرانية، نشأ هذا الفن في إيران ثم انتقل إلى بلدان أخرى.
فن "المينا" هو عمل فني يتم فيه نقش تصميمات مختلفة، عادةً بقلم أبيض، على الأطباق والنحاس والفضة والذهب والمجوهرات. وفي الغالب يكون لون الخلفية لأعمال المينا الأزرق أو الأخضر وأحياناً الأحمر
وبالطبع، تم العثور على أعمال مماثلة قديمة في أوروبا ولها تاريخ طويل جداً، كالخواتم الذهبية الستة التي تعود للقرن الثالث عشر قبل الميلاد، واكتُشفت في قبرص، وكمثال ثانٍ لهذا الفن العريق، يمكن ذكر تمثال زيوس الشهير الموجود في اليونان، ويعود تاريخه إلى خمسمئة عام قبل الميلاد. ومروراً بأوروبا إلى إيران، وتحديداً في التنقيبات التي جرت في مدينة نهاوند غرب إيران، تم العثور على زوج من الأقراط الذهبية، يعود أسلوب صياغتها إلى فترة ما بين القرنين السابع والثامن قبل الميلاد.
وحول هذا الموضوع، قال المستشرق الأمريكي آرثر وفام بوب، عن فن المينا في كتاب "دراسة الفن الإيراني"، إن "المينا هو فن النار والطين اللامع، ويتزين بالألوان الباهرة والمشرقة التي يعود تاريخها إلى 1500 عام قبل الميلاد، ولقد تجلى فن الطلاء بالمينا في إيران أكثر من الأماكن الأخرى، ومن أمثلته القديمة، نمط المينا الذي ذكره الرحالة الفرنسي جان شاردان، وهو عبارة عن قطع المينا التي صُنعت في أصفهان وتعود للعهد الصفوي، إذ تحتوي على نقوش لطيور وحيوانات على خلفية زرقاء شاحبة من الزهور والنباتات، بألوان جميلة مثل الأخضر والأصفر والأحمر". بينما يرى مؤرخون آخرون أن تاريخ هذا الفن في إيران، يعود إلى العصرين البارثي والساساني.
المينا في إيران من الأخمينيين حتى اليوم
لم تُعرف بالتحديد فترة ظهور هذا الفن في إيران، لكن من الأعمال القديمة التي اكتُشفت في مدينة نهاوند وتُحفظ الآن في متحف فيكتوريا وألبرت في لندن، يمكن تخمين عمر هذا الفن بأنه يعود إلى العصر الأخميني، كما أن وعاءً برونزياً موجوداً في متحف لوس أنجلوس للفنون، يُعدّ أيضاً مثالاً آخر لهذا الفن الإيراني في الفترة الأخمينية، إذ يعود تاريخه إلى ما بين 550 و330 سنةً قبل الميلاد، أي فترة حكم الأخمينيين في إيران.
وبعد ذلك تُعدّ الصحون الساسانية المكتشفة في أرمينيا والمحفوظة في متحف الفن الإسلامي في برلين ومتحف متروبوليتان في نيويورك، نموذجاً آخر لهذه المصنوعات الإيرانية، كما توجد أعمال أخرى للمينا الإيراني تعود للفترة الساسانية (224-651)، وتُحفظ في متحف هيرميتاج في سان بطرسبورغ الروسية ومتاحف بريطانية وفرنسية.
وازدهر هذا الفن في العصر السلجوقي (1037-1194)، حيث كان من المعتاد تحضير الخزف النحاسي والمينا، كما تم إرسال هذه الأعمال إلى بلدان مجاورة. ومن الأعمال القيّمة في تلك الفترة يمكن الإشارة إلى "طبق ألب أرسلان" المطلي بالفضة والمحفوظ في متحف الفنون الجميلة في بوسطن الأمريكية. هذا العمل المبهر من صنع شخص يُدعى حسن الكاشاني، إذ نُقش اسمه عليه بالخط الكوفي.
خضع فنّا صناعة المعادن والمينا الإيرانيان لتغييرات عديدة، بعد وصول سلالة الإيلخانيين (1256-1356) إلى سدة الحكم في إيران، إذ أُنشئ أسلوب جديد في طلاء المينا، حيث حلّت الصور والأشكال المتعلقة بمظهر وملابس رجال البلاط الإيراني محل الصور العربية. وفي العصر التيموري (1370-1507)، وصل هذا الفن، وعلى وجه الخصوص الترصيع المعدني، إلى ذروته في تقديم النقوش وأشكالها الشرقية.
وفي الحقبة الصفوية (1501-1736)، كان فن المنمنمات أكثر شعبيةً في إيران، إذ تم استخدام المينا في المنمنمات التي كانت تصوّر "المجالس" و"رحلات الصيد" و"ركوب الخيل"، كما تم طلاء المصنوعات الفضية بالمينا، حيث كان اللون الأحمر هو الأبرز في تلك الحقبة.
مع بداية حكم القاجاريين (1796-1925)، أصبح فن المينا أقل شعبيةً بعض الشيء واقتصر على أشياء مثل "كؤوس الشيشة" و"أباريق الشيشة" و"لفافات الشيشة"، حيث كانت الشيشة محببةً بين ملوك هذه السلالة، بالأخص ناصر الدين شاه. ويوجد في قصر كُلِستان (گُلِستان)، تاج لمؤسس الحكومة القاجارية آغا محمد خان، وهو من النحاس المطلي بالمينا، كما كانت "أحزمة" و"أباريق" و"أقراط" و"صناديق" و"علب سجائر" منقوشة بالمينا، تُستخدم في تلك الحقبة.
وفي الفترة المعاصرة، أي بعد القاجاريين، تم نسيان وطمس هذا الفن لفترة من الوقت، حتى أحياه الفنان الإيراني البارز شكر الله صنيع زاده، الذي نشأ في ورشاته فنانون مشهورون، وأدى عمله هذا إلى عودة فن المينا إلى أيام مجده. يعمل الآن العديد من الفنانين ذوي الخبرة والذوق الرفيع في طلاء الذهب والسلع التزيينية المنزلية ومنتجات متنوعة أخرى، وذلك بأساليب مختلفة من فن المينا.
أنواع فن المينا
ينقسم هذا الفن إلى مجالين يُعرفان بـ"مينا الخانة بندي" و"مينا الرسم". و"الخانة بندي" هي طريقة قديمة، يُطلَق عليها أيضاً اسم "المينا السلكية"، حيث يتم استخدام أسلاك رفيعة جداً تُقطَع بالشكل المحدد، ومن ثم تلصَق على قطعة العمل بالصمغ، ثم تُغطَّى بزجاجة مخصوصة، ليتم وضعها داخل فرن بدرجة حرارة تبلغ نحو 1000 درجة، إذ يتم بهذه الطريقة لحام الأسلاك.
وفي الخطوة التالية، يقوم الصنّاع برشّ ألوان المينا الخاصة التي تكون بشكل مسحوق على سطح العمل، وبعد أن يصبح سطحه مصقلاً وملساً، يتم وضعه في الفرن مرةً أخرى لمدة 3 دقائق، وبهذا تتحول الأسلاك النحاسية إلى اللون الأسود، وبعد انتهاء هذه العملية تجب إعادة لون النحاس إلى حالته الأصلية، وذلك عن طريق المعالجة الحمضية.
خضع فن المينا الإيراني، لأنماط وألوان وفترات متعددة ومختلفة، وبرغم تنوعه هذا، يبقى من أعرق وأجمل الفنون التي ظهرت في إيران، حيث لا يعدّه الإيرانيون/ات مجرد فنٍ، بل يعدونه تراثاً ثميناً يجب الحفاظ عليه
كان مينا "الخانة بندي" شائعاً في مدينتَي أصفهان وطهران في القِدم، ولكن الآن، توجد ورشة تعليمية وحيدة تقع في معهد أبحاث التراث الثقافي الإيراني، تعمل على تعليم هذا الفن الفريد للمهتمين. "المينا السوداء" هو نوع آخر من هذا الفن، الذي يُعرف أيضاً باسم "مينا الصابئة"، وتُستخدم هذه الطريقة بشكل رئيسي في جنوب إيران، خاصةً في مدينة الأهواز جنوب غرب إيران، والتي يقطن فيها أكثر من عشرة آلاف نسمة من المندائيين.
ومينا الرسم هي الطريقة الثانية والمستعملة حالياً في معظم المدن الإيرانية، وتتكون هذه الطريقة بتشكيل أنماط المينا على طلاء زجاجي شفاف، إذ يجب أولاً تصنيع القطعة ذات الصلة بناءً على التصميم المطلوب، ومن ثم يطليها رسام المينا بالتزجيج الأبيض، والتزجيج هذا يكرَّر ثلاث أو أربع مرات، وفي كل مرة يتم وضع العمل في فرن بدرجة حرارة تبلغ نحو 900 درجة بهدف تثبيت الألوان.
ثم يتم الرسم على هذا العمل الأبيض، ويوضع في الفرن مرةً أخرى لتصل الألوان إلى اللون المطلوب. في الوقت الحاضر، تُستخدم الألوان الكيميائية في طلاء الأشياء، بينما في الماضي كانت الألوان المستخدمة نباتيةً أو معدنيةً، كما يتم الحصول على شفافية المينا باستخدام أكسيد القصدير، لكن في العصور القديمة، كانت تُستعمَل مادة التزجيج التي يُتحصَّل عليها من السيليكا وصدأ المعدن.
خضع فن المينا الإيراني، لأنماط وألوان وفترات متعددة ومختلفة، وبرغم تنوعه هذا، يبقى من أعرق وأجمل الفنون التي ظهرت في إيران، حيث لا يعدّه الإيرانيون/ات مجرد فنٍ، بل يعدونه تراثاً ثميناً يجب الحفاظ عليه. ولم يُحد هذا الفن على منطقة واحدة فحسب، بل انتشر بروعته وجماله في جميع أنحاء العالم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع