شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
مدينة تبتلعها الرمال وجفاف ممتد وفيضانات... التغيّر المناخي يعصف بالصومال

مدينة تبتلعها الرمال وجفاف ممتد وفيضانات... التغيّر المناخي يعصف بالصومال

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والبيئة

الثلاثاء 13 يونيو 202309:00 ص

ما بين فترات جفاف تمتد لأعوام، ومواسم مطرية تتحول إلى سيول، وفيضان نهري في جنوب البلاد، بالإضافة إلى التصحر وزحف الرمال على المدن الساحلية، وتآكل الغطاء النباتي بسبب صناعة الفحم، باتت الصومال من أشد الدول تأثراً بالتغيّر المناخي.

تأثير الوضع السابق إلى جانب تبعات الغزو الروسي لأوكرانيا، على الأمن الغذائي العالمي وشبه انعدام قدرات الحكومة الفيدرالية، جعلا "لجنة الإنقاذ الدولية" تصنّف الأزمة في الصومال كأسوأ أزمة إنسانية في عام 2023.

مدينة تبتلعها الرمال

في مقطع فيديو صوّرته وسائل إعلام محلية، تكاد تغطي الكثبان الرملية المنازل والشوارع في مدينة "هوبيو"، التي تقع في إقليم مدغ في ولاية غلمدغ في وسط الصومال. تبدأ قصة المدينة مع الاحتباس الحراري الذي أدى إلى ذوبان الكتل الجليدية لترتفع مستويات سطح البحر، فتعلو ارتفاعات أمواج البحر. تقع المدينة على ساحل المحيط الهندي، ما يجعلها عرضةً للتيارات الموسمية والعواصف البحرية، التي ازدادت حدتها تبعاً للتغيّرات في درجة الحرارة.

أدى ارتفاع درجات الحرارة وذوبان المياه في القطب الشمالي إلى تزايد معدلات ارتفاع مستوى سطح البحر بشكل تصاعدي، من 1.5 مليمترات سنوياً إلى 3.5 مليمترات. تسبب ذلك في زيادة نشاط الرياح التي تحرك الرمال على الشواطئ تجاه المدن في الصومال، خصوصاً مدينة هوبيو، التي تسبب تآكل الغطاء النباتي حولها في تسارع زحف الرمال، وتكوين الكثبان الرملية في شوارع المدينة، مكونةً كثباناً يصل ارتفاع بعضها إلى نحو ثلاثة أمتار. يكافح سكان المدينة لإزالة تلك الرمال باستخدام الجرافات، وإنشاء سور حجري لحجز زحف الرمال، دون جدوى، وكأنّ الإنسان في المدينة الصومالية في مواجهة مفتوحة مع الطبيعة. حالة تلك المدينة ليست فريدةً، إذ تواجه العديد من المدن الساحلية في الصومال المشكلة نفسها. نشر موقع "العربي الجديد" تقريراً حول تعرّض بلدة كولوب في ولاية بونتلاند، شمال شرق البلاد لزحف الكثبان الرملية، التي تسببت في تدمير عدد من المنازل والمؤسسات.

تواجه العديد من المدن الساحلية في الصومال تآكل الغطاء النباتي حولها، فيتسارع زحف الرمال، ما يكوّن كثباناً رمليةً في الشوارع فنرى الصحراء تلتهم المدن وتغرق منازلها في الرمال

وإن لم تكن للصومال يد في العوامل السابقة حيث تبلغ مساهمتها في انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون العالمية سنوياً نحو 694 كيلو طن، وفق إحصاء عام 2019، تمثّل 0.1% من حجم الانبعاثات العالمية، يتحمل السكان مسؤوليةً أخرى تتعلق بإزالة الغطاء النباتي.

منذ انهيار الدولة المركزية في البلاد عام 1991، لم تُوجد سلطة تقدّم الخدمات العامة بما فيها المحروقات للسكان. لجأ السكان إلى قطع الأشجار واستخدامها في عمليات الطهي، وفي عملية تصنيع الفحم النباتي وتصديره إلى الخارج. تستحوذ السعودية والإمارات على 80% من صادرات الفحم. فضلاً عن ذلك، هناك أسباب أخرى لقطع الأشجار منها استخدام الأخشاب في البناء وإقامة مراعٍ مكان الأشجار.

ذكر تقرير نشرته وكالة "الأناضول"، أنّه تم قطع ما يقدَّر بـ8.2 مليون شجرة لإنتاج الفحم في الصومال بين عام 2011 و2017، ما أدى إلى زيادة تدهور الأراضي وانعدام الأمن الغذائي والتعرض للفيضانات والجفاف.

تقلصت مساحة الغطاء الشجري في الصومال، بحسب تقرير نشره البنك الدولي، وفقدت البلاد بين عامي 2000 و2017، نحو 686 ألف هكتار من الغطاء الشجري، بنحو 6% من حجم الغطاء المفقود لأسباب بشرية في مجمل القارة الإفريقية. يبلغ المعدل السنوي لإزالة الغابات في الصومال 1.03%، ما يمثّل ثلاثة أضعاف مثيله في كينيا المجاورة عند 0.3%، وتقريباً ضعف متوسط معدل الخسارة البالغ 0.62% لإفريقيا.

تم قطع ما يُقدَّر بـ8.2 مليون شجرة لإنتاج الفحم في الصومال بين عامي 2011 و2017، ما أدى إلى زيادة تدهور الأراضي وانعدام الأمن الغذائي والتعرض للفيضانات والجفاف.

الجفاف يحصد حياة 43 ألف نسمة

لا تقتصر أضرار القطع الجائر للأشجار واستخدامها كوقود على الأضرار البيئية. بحسب تصريحات وزيرة البيئة الصومالية، تعاني 4 ملايين امرأة من مشكلات صحية بسبب استخدام الأشجار كوقود في المنزل.

حاولت الحكومة في عهد الرئيس السابق فرماجو، التصدي لظاهرة قطع الأشجار، وأسست نظاماً لمواجهة الكوارث الطبيعية وسنّت قانون تجريم قطع الأشجار وتصدير الفحم، لكنها لم تملك القدرة على إنفاذ القانون.

تقول الناشطة الاجتماعية نسرين يعقوب عبدوا، لرصيف22، إنّ الوعي بمخاطر التغير المناخي منعدم تماماً. وأضافت: "ليس المهم أنّ نقوم بجهود لإصلاح مجالات الحياة الإجتماعية؛ لأننا وببساطة نمتلك أرض القبيلة وهيبتها؛ إن كانت القبيلة ذات نفوذ وقوة، وإن لم تكن القبيلة قويةً فما الفائدة من أن تصلح أرضاً وتغرس شجراً يأتي غداً ابن القبيلة القوية ليأخذها جاهزةً".

تضيف عبدوا، أنّ الوعي الديني قاصر هو الآخر؛ حين يشتد الكرب يهرعون إلى صلوات الاستسقاء، من دون دور لهم في التوعية بأسباب الجفاف وندرة الأمطار، والتي هي من صنيعة الإنسان.

من جانبها، أوضحت الكاتبة والروائية الصومالية هنادي أحمد، لرصيف22، أنّ معظم الغطاء الشجري في البلاد استُهلك كوقود، في ظل غياب بدائل أو جهد مجتمعي واعٍ بمخاطر ذلك على التغير المناخي الذي تعاني منه البلاد، والذي يتمظهر في أزمة الجفاف الممتد. وتشير الكاتبة الصومالية إلى أنّ المجتمع يفتقد نظاماً لإعادة تدوير المخلفات، ما يجعلها أحد مسببات تلوث البيئة بما لها من تأثير على خصوبة التربة.

وبحسب تقرير أعدته وزارة الصحة الصومالية ومنظمتا الصحة العالمية واليونيسف، تشير التقديرات إلى وقوع نحو 43 ألف حالة وفاة إضافية في الصومال خلال عام 2022، نصفها بين الأطفال تحت سن الخامسة، بسبب الجفاف الشديد. ويُتوقَّع وفاة 135 شخصاً يومياً خلال النصف الأول من العام 2023 الحالي، بسبب أزمة الجفاف.

يُتوقَّع وفاة 135 شخصاً يومياً خلال النصف الأول من العام 2023 الحالي، بسبب أزمة الجفاف في الصومال.

وتشهد البلاد منذ عام 2017، موجة جفاف وانخفاض في منسوب هطول الأمطار. ومنذ العام 2019، تضاءلت كمية الأمطار في معظم مناطق البلاد، ما أدى إلى أسوأ موجة جفاف شهدتها البلاد منذ 40 عاماً، مسببةً فقدان 80% من مصادر المياه في البلاد، وانخفاض مستوى المياه في نهري جوبا وشبيلي إلى 30% في حزيران/ يونيو 2022. وقدّر صندوق النقد الدولي أنّ نحو 4.5 ملايين شخص يعانون من نقص حاد في كمية المياه وجودتها، ويواجهون مخاطر صحيةً جراء ذلك، فضلاً عن اضطرار ملايين السكان إلى ترك موطنهم بحثاً عن أماكن تواجد المياه.

وعلى مستوى قطاع الرعي الذي تمثّل صادراته نحو 80% من مصادر النقد الأجنبي في البلاد، ويعمل فيه نحو 60% من الرعاة الرُحَّل، بالإضافة إلى 25% من الرعاة المشتغلين في الزراعة، يعاني هذا القطاع من خسائر ضخمة بسبب الجفاف. فقد معظم الرعاة أعداداً كبيرةً من القطعان، وبعض الخسائر قُدّرت بنحو 60% من حجم القطعان، وبحلول منتصف العام 2021 فقدت البلاد نحو 30% من قطعان الماشية. وأدى ذلك إلى انخفاض في قيمة القطعان بنحو 15% وارتفاع أسعار الأعلاف. ولمواجهة تلك المشكلة قدّمت منظمات أممية برامج لتوطين الرعاة، وتوزيع الأعلاف لإنقاذ مصادر دخل السكان، والحفاظ على إمدادات المنتجات الحيوانية لتجنّب تعميق أزمة انعدام الأمن الغذائي.

الفيضانات المدمرة

من جهة أخرى، يعصف التناقض البيئي والمناخي بالصومال؛ بعد الجفاف غير المسبوق عُلّقت الآمال على موسم الأمطار، لتأتي بعد غياب ككارثة بدلاً من أنّ تكون المنقذ. حلّ موسم أمطار العام 2023، مشكّلاً كارثةً أخرى في البلاد التي تعاني أوضاعاً غاية في الصعوبة. تضررت معظم المدن والقرى على ضفاف نهري جوبا وشبيلي في جنوب البلاد، في شهر آذار/ مارس الماضي، وهطلت أمطار غزيرة لمدة 10 أيام متصلة، على مدينة "بارطيري" الواقعة على ضفاف نهر جوبا في محافظة جدو في ولاية جوبالاند. تسببت الأمطار الغزيرة مع فيضان النهر في مقتل 13 شخصاً، وتهدّم 10 آلاف منزل، وانهيار الجسر الذي يربطها بمدينة "كسمايو" أهم مدن الولاية.

في مدينة "بلدوين" في ولاية هرشبيلي، أرغمت فيضانات نهر شبيلي الآلاف على النزوح إلى أماكن مرتفعة هرباً من المياه، التي غمرت المنازل والمزارع. أفادت الأمم المتحدة بتأثر أكثر من 460 ألف شخص، من بينهم نحو 219 ألف نازح بسبب الفيضانات الناجمة عن الأمطار السنوية، وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك إن "الفيضانات خلقت دماراً في جميع أنحاء البلاد وغمرت المياه المنازل والأراضي الزراعية وجرفت الماشية، متسببةً في إغلاق المدارس والمرافق الصحية بشكل مؤقت".

وفق تقديرات الأمم المتحدة، من المحتمل أنّ يتأثر بالفيضانات نحو 1.6 ملايين شخص، مع احتمال نزوح 600 ألف شخص في حال استمرار هطول الأمطار بغزارة في جنوب البلاد وعند منابع نهري جوبا وشبيلي اللذين ينبعان من الهضاب الإثيوبية. وكانت معدلات الأمطار الموسمية قد سجلت ارتفاعاً مستمراً منذ أعوام عدة في الهضاب الإثيوبية، وهو الأمر الذي ساهم في تخفيف الصراع بين ثلاثي أزمة سدّ النهضة؛ إثيوبيا ومصر والسودان، بعدما عوّض موسم الأمطار الغزير ما خزّنته إثيوبيا في بحيرة السدّ، لتحصل مصر على حصتها من المياه كاملةً، وكذلك السودان.

من جانبه، غرّد المبعوث الخاص لرئيس الصومال لمكافحة الجفاف، عبد الرحمن عبد الشكور ورسمي، عبر تويتر، بأنّه في "العام الماضي سعينا وأرسلنا استغاثات لمنع حدوث مجاعة ونقص حاد في الغذاء إثر الجفاف، وعند نزول المطر أزهقت الفيضانات أرواح المواطنين وقتلت المواشي ودمرت المزارع. لا بد من إستراتيجيات واضحة لنستفيد من المياه في موسم المطر".

في ظل تلك المخاطر، يشكّل الإرهاب المتمثّل في حركة الشباب المجاهدين عبئاً كبيراً على جهود التكيف والتأقلم من جانب، ودعم المتضررين من جانب آخر. تسيطر الحركة على مساحة شاسعة من جغرافيا وسط البلاد وجنوبها، بما فيها مناطق توجد فيها سدود صغيرة منذ عقود. يؤدي ذلك إلى عدم قدرة السلطة الفيدرالية أو المجتمع الدولي على التدخل لتنفيذ مشاريع للاستفادة من مياه المطر والفيضان. من جانب آخر، نشر موقع "وكالة شهادة" التابع للحركة مقطع فيديو، يزعم بأن الحركة استجابت لقضية الجفاف في مناطق سيطرتها في ولاية "شبيلي الوسطى" جنوب البلاد، عبر إقامة سدّ صغير وترميم عدد من قنوات الري والتوسع في خطة حفر الآبار.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما أحوجنا اليوم إلى الثقافة البيئية

نفخر بكوننا من المؤسّسات العربية القليلة الرائدة في ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺇﺫﻛﺎﺀ ﺍﻟﻮﻋﻲ البيئيّ. وبالرغم من البلادة التي قد تُشعرنا فيها القضايا المناخيّة، لكنّنا في رصيف22 مصرّون على التحدث عنها. فنحن ببساطةٍ نطمح إلى غدٍ أفضل. فلا مستقبل لنا ولمنطقتنا العربية إذا اجتاحها كابوس الأرض اليباب، وصارت جدباء لا ماء فيها ولا خضرة.

Website by WhiteBeard
Popup Image