شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
حسن سبانخ يصنعُ السعادة

حسن سبانخ يصنعُ السعادة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والحقوق الأساسية

الاثنين 11 مارس 202410:53 ص

يسمّي نفسَه "صانعَ السعادة"، اليوتيوبر المصري رامي كمال، الذي قابل سيدة مصرية وابنتها الشابة في الشارع، وسأل السيدة عن آخر مرَّةٍ أكلت فيها لحماً؟ فقالت السيدة: "مجبتش لحمة من شهور". وحكت السيدة قصتها التي منها وفاة زوجها وابنها، وضيق الحال، والبحث عن عمل للابنة وهي في العشرين من عمرها، ومتخرّجة من أكاديمية للسياحة والفنادق والتمريض.

يسأل رامي كمال السيدة سؤالاً: "كم عدد ركعات صلاة المغرب؟"، وتجيب السيدة: "ثلاث ركعات"، وتفوز بـ 400 جنيه، ثمن كيلو اللحمة، حسب الأسعار السائدة للحوم في السوق. يصبح فيديو "السيدة اللي مجبتش لحمة من شهور" تريند، ويعلن رجل الأعمال الشهير نجيب ساويرس، أنَّه سيدرب الابنة في مستشفى الجونة الذي يملكه، ويعينها في المستشفى ذاته ما أن تنهي تدريبها.

سيلجأ رامي كمال إلى شكل آخر لمساعدة "اللي ما بيكلوش لحمة"، إذ سيأتي باللحمة مقطَّعة وجاهزة، ويبيعها لأناسٍ رقيقي الحال بجنيه واحد للكيلو، وهذا على سبيل عمل الخير وصنْع السعادة.

يبدو الأمر وكأنَّنا في المدينة الفاضلة، حيث هناك مَن يوزّع لحمة على المحرومين منها، وهناك مَن يبادر إلى إيجاد وظيفة في مؤسساته لمَن يبحث عن وظيفة، فيما يخفي كلّ ذلك الحقائقَ التي منها أنَّ اليوتيوبر فاعل الخير، يجني أموالاً من وراء المشاهدات لفيديوهاته، وأنَّ رجلَ الإعمال المليونير سيبدو كريماً ومحسناً، وهذا كلّه أيضاً لا غبارَ عليه، بوصفه نتائجَ عرضيَةً للمشكلة الأكبر "اللحمة في حياة المصريين".

قبل سنواتٍ طويلة كتب الكاتب المسرحي الراحل علي سالم، مقالاً عن كيف ننتخب رئيساً للجمهورية، وقال علي سالم في مقاله، إنَّه سينتخب الرجلَ الذي "يملأ حللَ المصريين باللحمة"

لقد ارتفعت أسعار اللحوم مع ارتفاع أسعار جميع السلع، في خضم القصة المعروفة عن تحرير سعر صرف الجنيه مقابلَ الدولار، ولهذا وصلت أسعار اللحوم إلى أكثر من 400 جنيه للكيلو، وفيما تنتج مصر 40% من استهلاك سكانها من اللحوم، فإنَّها تستورد 60% لحوماً مجمَّدة أو مبرَّدة أو مواشيَ حيَّة، والاستيراد يتم بالدولار، كما يتم بالدولار استيراد أعلاف مواشي اللحوم التي تنتجها مصر داخلياً.

اللحمة مرتبطة بالدولار، وطالما الدولار في الطالع والجنيه في النازل، سترتفع أسعار اللحوم، وسيعجز المزيد من المصريين عن شرائها، وهذه القصة ليست جديدة.

"عن موضوع الفول واللحمة، صرّح مصدر غير مسؤول، إن الشعب المصري عموماً من مصلحته يقرقش فول"

قبل سنواتٍ طويلة وعلى ما أذكر، كتب الكاتب المسرحي الراحل علي سالم، مقالاً عن كيف ننتخب رئيساً للجمهورية، وقال علي سالم في مقاله، إنَّه سينتخب الرجلَ الذي "يملأ حللَ المصريين باللحمة" وهكذا تكون اللحمة معياراً لإدارة الاقتصاد بما يعود على المصريين بـ"الرفاه واللحم" وإذ ترتبط قصة اللحم ليس فقط بصراع الدولار والجنيه، وإنَّما في الأساس بقصة الفقر، فإنَّ أي إدارة لمصر، لا تنهي قصة الفقر، ستكون مدانة بالتقاعس عن عمل ما يجب، والفقر كما نعرف، لا يحرم الناس فقط من اللحوم، وإنَّما من الصحة والتعليم والمسكن والتغذية الجيدة، ويحرم الناسَ من الكرامة.

حسب تقريرٍ أصدره الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، فإنَّ نسبة الفقر انخفضت من 32.5% عام 2017/ 2018 إلى 29.7% عام 2029/ 2020، بما قدره 2.8% لأوَّل مرَّةٍ منذ عشرين عاماً.

ويقول تقرير الجهاز المركزي، وهو مؤسسة رسمية، إنَّ ذلك يعكس نجاح جهود الدولة لتحقيق العدالة الاجتماعية بالتزامن مع الإصلاحات الاقتصادية، بينما يقول باحثون مستقلون إنَّ نسبةَ الفقر وصلت عام 2023 إلى نحو 33.3% مقارنة بـ 29.5% عام 2019، وإنَّ النسبةَ قد تصل إلى 36% عام 2025.

وأيَّاً كانت الأرقام، فإنَّ الفقرَ في مصر ظاهرة مزمنة ومحسوسة في حياة الناس، وإن كانت الدولة تعمل على محاصرة الفقر ببرامج حماية اجتماعية مثل "تكافل وكرامة"، فهذا أمر محمود بالطبع، لكنَّه يعالج العَرَضَ لا المرضَ الأساسي.

وكما يرى الرئيس والدولة والحكومة وماما كريمة "كريمة مختار" في إعلانات تحديد النسل القديمة، فإنّ المرض هو "الزيادة السكانية" التي تلتهم ثمارَ التنمية الاقتصادية، فيما يمكن أن نسأل وماذا عن الفساد وحرمان الناس من الفرص وتمكينهم؟ ومع وجاهة حجة الزيادة السكانية في تفاقم الفقر، فإنَّ الأرقام تشير إلى انخفاض الزيادة الطبيعية للسكان بنحو 600 ألف مولود، من 2 مليون و188 ألف نسمة عام 2014 إلى نحو مليون و591 ألف نسمة عام 2022. فيما تشير بيانات البنك الدولي إلى انخفاض نسبة المواليد في مصر من 2.6 عام 1988 إلى 1.98 عام 2019. وبالطبع تمنع القيود الدينية الدولةَ من تحديد الإنجاب بطفلٍ واحدٍ كما حدث وفعلت الصين.

معظم المصريين الآن فقراء وغير فقراء، يعانون من شراء اللحمة ومن شراء الطعمية كذلك، وعاجزون عن صنْع السعادة في الصالة أو في أوضة النوم

ويلعب التضخم وانخفاض سعر الجنيه مقابلَ الدولار، في تفاقم أزمة الفقر، ليس فقط لدى الواقعين بالفعل في دائرة الفقر، ولكن لدى شرائح من أصحاب الدخول المتوسطة، الَّذين تدفعهم قصة الدولار والجنيه إلى ضغط إنفاقهم بما يؤثر بالتالي على متطلباتهم من الغذاء والملابس وضرورات الحياة الأخرى.

وإن كانت قصة الفقر ستبقى مستعصيةً، الآن وفي المستقبل، على الحل، فإنَّ قصة اللحمة يمكن لعادل إمام (حسن سبانخ) أن يحلها كما في فيلم "الأفوكاتو"، إذ هرب المحامي سبانخ من السجن في عَربةٍ تورّد اللحوم إلى السجن، وحمل أثناء هروبه "فخدة لحمة" إلى زوجته يسرا (عطية)، وما أن دخل البيت حتى وضع الفخدة على السّفرة ودعا عطية إلى صنع السعادة في أوضة النوم، وإذ اشتكت عطية من "ريحة اللحمة" فقد ردَّ عليها حسن سبانخ قائلاً: "مالها ريحة اللحمة يا عطية، مش أحسن من ريحة الطعمية؟"، ومعظم المصريين الآن فقراء وغير فقراء، يعانون من شراء اللحمة ومن شراء الطعمية كذلك، وعاجزون عن صنْع السعادة في الصالة أو في أوضة النوم.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image