شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"بوز فلو"… الصوت المغربي الذي قلب موازين الراب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن والتنوّع

السبت 9 مارس 202411:44 ص

مذ أوشك العام الماضي على نهايته، وحتى بداية هذه السنة، خلط الرابور المغربي جواد أسردي، الملقّب بـ"بوز فلو" (Pause Flo)، أوراق الهيب هوب المغربي، وحرّك مياهه الراكدة، محدثاً زوبعةً موسيقيةً تعيد قواعد فن الراب إلى نصابها، بعد أن فتح "بيفاً" (beef) ضروساً على مجموعة من مغنّي الراب المغربي. والبيف حالة خلاف بين مغنيَي راب، يتم فيها التقليل من الخصم وجودة أعماله، وهو قريب من شعر الهجاء الذي اشتهر به شعراء العرب.


هذا ما قام به "بوز فلو" حين بدأ بإصدار مجموعة من المقاطع الموسيقية Ep، التي هي عبارة عن ألبوم مصغر، عنوانها "زَنْدَة" (zanda) تربعت على عرش التراند الموسيقي المغربي، واحتلت مراتب متقدمةً في التراند العالمي في الآونة الأخيرة.

وعي غنائيّ مفرط

لا يكف "بوز فلو"، وهو ابن منطقة إموزار في الأطلس وابن شاعر أمازيغي، في عالمه الموسيقي، عن وخز الطابوهات والمسكوت عنه في الثقافة المغربية وحجم التراجيديا التي تلاحق الفرد في علاقته بذاته وبالمجتمع والوجود. وبلغة أدبية وبمفاهيم فلسفية، لا يتوانى "بوز" عن التذكير أحياناً بمجموعة من الرموز الثقافية والفكرية وتوظيف الميثولوجيا، موجهاً سهام "الكْلاَشْ" والنقد إلى الدولة ومؤسساتها وإلى السياسات العمومية والإعلام.

لا يكفّ "بوز فلو"، في عالمه الموسيقي، عن وخز الطابوهات والمسكوت عنه في الثقافة المغربية وحجم التراجيديا التي تلاحق الفرد في علاقته بذاته وبالمجتمع والوجود 

فالمستمع إلى أي من أعماله يدرك أن "بوز" ذو ثقافة عالية، يستمد إبداعه من اطّلاعه الواسع، ويظهر هذا الوعي في أعمال مثل:Halwasa-Nostalgia-Nirvana-Zanax-ouroboros-Fornax-Sosciopath-Abstrait-Sadou-Pararap-Dowsing وغيرها من الأعمال الفنية والألبومات المصغرة "Ep"، مثل Metamorphose التي لها علاقة برواية "المسخ" للروائي التشيكي فرانز كافكا.

ويضع الرابور "بوز" في أغانيه المستمعين أمام ثنائية الواقعية والمثالية، ولا مناص له من أن يعيدها مراراً كي يفك شيفرات كلمات الأغنية. لا تتوقف راديكالية أسلوب الرابور "بوز فلو"، تجاه خصومه في هذا العمل الموسوم بـ"زندة"، والذي يعلي فيه من شأن الكتابة وأبجديات الراب، والإحالة على المواضيع الراهنة والشائكة. هذا ما دعا إليه الفنان في الـEp الأخير، الذي شنّ فيه حرباً موسيقيةً شعواء على مغنّي الراب الذين انتقص من قيمتهم الفنية ومستواهم البعيد والمنفصل عن قواعد لعبة الراب، والذي يغلب عليه الطابع التجاري والبكائي.

ويخص الأمر كلّاً من الرابور دوليبران، بوقال، فيغوشين، وسمول إكس، وآخرين، وهذا دون فتحه "الكْلاش" على قدماء الراب المغربي، كمسلم والدون بيغ والسابعتون، إلى جانب المورفين الذي ينتظر متابعو الراب ظهوره ليجاري "بوز" في اللعبة.

الموسيقى من أجل الموسيقى

يوظف "بوز فلو" استعارات وتشابيه خارجةً عن المألوف وعما هو سائد في الراب المغربي، وإيقاعاً يلوّنه بمختلف الألون الموسيقية، يتأرجح فيه المعقول واللامعقول، مازجاً بين ما هو كلاسيكي وحديث، في إلقاء الكلمات واللحن الغنائي وإيقاع القوافي. ولأن جواد متمسك بهويته الأمازيغية، فإنه يمزجها أحياناً في أغانيه، ويدافع باستماتة عنها كقضية، ونسمع بين سطور كلماته: "رَابيت على ولاد الأمازيغ، لي عايشين عيشة عنيفة، ومارابيناس لْلطيفة".


وفي هذا الألبوم المصغر بكلماته العنيفة، لم يغفل "بوز" عن ذكر الوضعية المنسية التي تشهدها الآن منطقة الحوز بعد الزلزال، وحال أبنائها المنسيين. وفي محاولة منه لملامسة الأوضاع الراهنة، لَمّحَ بوز إلى وضعية التعليم المتوقفة بفعل الإضرابات منذ أكثر من 3 أشهر، مشيداً بشغيلة التعليم من الأساتذة والأستاذات.

وسبق لبوز أن جعل من الراب الذي يمارسه، نشاطاً سياسياً موسيقياً، تطال سهامه الحكومة والأحزاب والسياسيين، ونشاطاً اجتماعياً يعرّي فيه العادات والقيم ومنظومة القوانين. وهذا ما يجعل منه رابوراً لا يأبه للشهرة ولا الانضمام إلى كوكبة المولعين بالظهور، ومنذ بداياته وهو يرفض إجراء مقابلات صحافية، سواء في الصحف أو على الشاشات أو عبر الأثير.

العمل الفني

نادراً ما يسجل جواد أغانيه، على شكل فيديوهات، بل يفضّل أن يختصر هذه المقاطع الغنائية، في قوالب فنية مصممة عبر الغرافيك، تعبّر عن عمل فني آخر من نوعه (art work)  تختزل محتوى الأغنية أو الألبوم. ويتولى إنتاجها مصمم الغرافيك حاتم باهية، الذي يشتغل مع بوز منذ أكثر من خمس سنوات، في فريق يضم أربعة أشخاص، ينتجون الموسيقى، سواء من ناحية الإخراج أو الإدارة، ويتفنن حاتم في إبداعات تحاكي روح الأغنية وموضوعها. كما يترجم لنا حاتم في أعماله صوراً عن الخيالي والمجرد والمرعب، دون أن يغفل عن تفاصيل صغيرة يستوحيها من الطبيعة، فعمله الفني يكمل الأغنية والأغنية تكمله.

يقول حاتم باهية لرصيف22: "حينما يقرر جواد أن يصدر عمله الموسيقي، وبعد إلهام يدوم ويستمر لأكثر من شهرين أو خمسة أشهر، يقوم بالتواصل معي ليمدّني بعناصر عمله، وبعد أن أستمع إلى العمل الموسيقي، أصمم الـart work الذي هو عمل فني مستقل، لكن له علاقة بالعمل الموسيقي. وقبل كل شيء، علاقتنا بالراب هي أننا قبل كل شيء نؤمن بقضايا معينة ولنا مجموعة رسائل نمررها عبر الموسيقى، وبوز صديق قبل كل شيء".

يوظف "بوز فلو" استعارات وتشابيه خارجةً عن المألوف، وعما هو سائد في الراب المغربي، وإيقاعاً يلوّنه بمختلف الألون الموسيقية، يتأرجح فيه المعقول واللامعقول، مازجاً بين ما هو كلاسيكي وحديث، في إلقاء الكلمات واللحن الغنائي وإيقاع القوافي

يواصل مصمم الغرافيك حاتم، حديثه عن "بوز فلو" قائلاً: "أغلب الذين اشتغلت معهم أوروبيون وأمريكيون، وحين تعرفت إلى بوز، تفاهمنا معاً وأعجبتني طريقة تفكيره". ولحاتم باهية هامش كبير من الحرية في العمل، فهو يصمم عمله الفني، بالطريقة التي يريد وهو معزول ومستقل عن العمل الموسيقي، لكن نحاول الربط بينها كي تظل في إطار الموسيقى، يقول حاتم باهية، ويضيف: "الذي يميز عملنا الفني عن أعمال الآخرين، هو أنه في البداية لم يكن هذا النوع من الـart work موجوداً، بل كانت هناك بعض الأعمال التشخيصية، لكن الأمر يختلف حين ترسم لوحةً ذات طابع مجازي وسريالي واستعاري، وهكذا هناك مفاهيم ومعانٍ عميقة بين الآرت وورك الذي ننتجه، وبين الإطار العام المشترك الذي نظل نبني فيه لسنوات. والجمهور بدأ يتابع أكثر، ويستوعب ما نقوم به".

على طريقة الهجاء القديم

كلما كان البيف أقوى، ازداد عدد المشاركين فيه من مغنّي الراب، وسط كل هذه المعمعة، التي يكون الجمهور فيها هو الحكم، بين من يوالي أحد الطرفين، وبين من يتابع فقط لولعه بالموسيقى وفن الراب. وهذا ما تداولته مجموعات ومنصات وحسابات على السوشال ميديا. كما تتسابق فئة أخرى منهم للركوب على هذه الموجة العابرة. وبسبب هذا البيف الذي جعله "بوز" مفتوحاً لجميع الرابرز، أجّل ألبومه الجديد الذي كان قد حدد تاريخ إصداره في بداية شهر كانون الثاني/يناير الماضي، وأطلق عليه اسم الهابيتوس (Habitus)، كمفهوم يعود أصل نحته إلى عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو.


وتختلف قوالب الراب المغربي من رابر إلى آخر، ويرى حاتم باهية في تصريحه، أن "الذي يميز راب بوز فلو عن الرابرز الآخرين، بالنسبة لي، كإنسان مولع بالروايات وتعجبني الميثولوجيا والأدب والسينما، ولي مبادئ تخصني، أنني أجد هذه الأمور في عالم بوز فلو، وهذا بغض النظر عن الطريقة التي يكتب بها والأساليب التي يستخدمها: كالكناية والتشخيص والتشبيه والمجاز، فكيفية توظيفه لهذه الأساليب تجعله مميزاً في الموسيقى ذات الطابع الأمازيغي أحياناً، والتي يمرر فيها بعض الكلمات أو المقاطع الأمازيغية".

وبينما تتوالى ردود أغلب هؤلاء الذين هاجمهم بوز، بين الجمهور المتابع، يتجاوز اشتباكه مع مغنّي الراب، إلى إحدى اليوتيوبرز -تعمل ريڤيو لأغاني الراب- وهناك من قال إنه سقط سقطةً كان عليه تجنّبها ولا تستحق كل تلك الأبيات، كما هناك من يؤيّد بوز في هجومه العنيف هذا. لكن، ينبغي ألا ننسى أن مثل هذا حدث ووقع في تاريخ الراب، حينما اشتبك مغنّو الراب العالميون مع مغنيات الراب، وكذلك مع من ليست لهنّ علاقة بالراب، كاشتباك إيمينيم مع مونيكا لوينسكي.

تعيد مواضيع فن الراب فتح أسئلة الثقافة والسياسة والمجتمع، وتسائل صوت الهامش في حريته ومساهمته تشكيل رؤية عن الفضاء العام، كالحديث عن حرية الرأي والتعبير والمعتقد والفن والمناقشة العمومية، فهي بمثابة تعليق اجتماعي يساعدنا في رؤية إنسانيتنا المشتركة ومشكلاتها، ويجعلنا نفكر في ما نراه، وأحياناً يكون دعايةً للتأثير على مواقف الناس تجاه همومها، وهو كفيل بأن يعيدنا إلى المنسي واللامفكَّر فيه.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

نرفض أن نكون نسخاً مكررةً ومتشابهة. مجتمعاتنا فسيفسائية وتحتضن جماعات كثيرةً متنوّعةً إثنياً ولغوياً ودينياً، ناهيك عن التنوّعات الكثيرة داخل كل واحدة من هذه الجماعات، ولذلك لا سبيل إلى الاستقرار من دون الانطلاق من احترام كل الثقافات والخصوصيات وتقبّل الآخر كما هو! لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا مسيرتنا/ رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم، فكل تجربة جديرة بأن تُروى. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard