استضافت سينما زاوية في القاهرة، فيلم "Rheingold" أو "راينجولد"، للمخرج فاتح أكين، كعرض أول في مصر، في تعاونها الأول مع أسبوع أفلام غوته، الذي بدأت فعالياته في مقار معهد غوته في الدقي، وشارع البستان في وسط البلد، على أن يكون البرنامج متاحاً مجاناً للحضور الجماهيري.
يضمّ برنامج أسبوع غوته 15 فيلماً روائياً شاركت في مهرجانات سينمائية عالمية، بالإضافة إلى ثلاثة برامج للأفلام القصيرة.
يقوم الفيلم على السيرة الذاتية لمُغني الراب ومُنتج الموسيقى الألماني جيفار حجابي، الذي وُلد في إيران عام 1981، وفرّ مع والدَيه الكرديين عبر العراق إلى ألمانيا في منتصف الثمانينيات، وهناك نشأ في أحد الأحياء الشعبية في مدينة بون، وأخذ يحلم بالشهرة والثراء. يستعرض الفيلم مراحل حياته منذ طفولته وحتى استقراره وشهرته وإنجابه طفلةً.
سينما السيرة الذاتية
تُعرف سينما السيرة الذاتية بأنها ذلك النوع من الأفلام الذي يستهدف شخصاً أو مجموعة شخوص لقصّ قصة حياتهم، سواء أكانت كاملةً أو مجزوءةً، وعادةً ما يلتصق بالمناهج الاجتماعية والثقافية نظراً إلى كونه يرصد حقبات زمنيةً تؤثر في حياة الشخصيات، بالإضافة إلى كون ذلك الفيلم روائياً وليس وثائقياً، والروائي هو ذلك النوع الذي يعتمد على حبكة بالأساس، وينحّي هاجس النقل الحرفي، مع القدرة على إضافة الرؤى الدرامية لبناء الشخصيات ومساراتها.
تاريخ عائلي
يُفتتح الفيلم بإلقاء القبض على جيفار، وإجراء التحقيقات معه، دون علم سبب السجن، بينما تأتي مشاهد الضرب والتعذيب، وينتقل الفيلم فلاش باك لرصد مراحل سابقة، أثّرت بالتبعية في تطور الشخصية والتي ستطلعنا في ما بعد على سبب سجنه.
يقوم الفيلم على السيرة الذاتية لمُغني الراب ومُنتج الموسيقى الألماني جيفار حجابي، الذي وُلد في إيران عام 1981، وفرّ مع والدَيه الكرديين عبر العراق إلى ألمانيا
يتذكر البطل مشهد سجن والديه وتعذيب والده، وهو بين أحضان أمه طفلاً صغيراً، بالتماس مع مشهد تعذيبه لربط الصلة بين ما حدث لوالده في الماضي، وما يحدث له في الحاضر، زيادةً على التمهيد لاعتياده مثل تلك الأماكن، بجانب الربط بينه وبين والده والإشارة إلى أنه أحد المتسببين في تطور الشخصية ووصولها إلى هذا المكان.
قد يبدو الأمر إدانةً في بدايته للوالد، لكن بمتابعة الأحداث يتضح أن والده كان أستاذاً موسيقياً وملحناً يُدعى "إقبال حجابي"، وسبب السجن أنه في أوائل الثمانينيات، هرب بصحبة زوجته وابنه جيفار من إيران بعد الاضطهاد الذي تعرضا له نظراً إلى أنهما فنانان موسيقيان، ففرّا إلى العراق في وقت اندلاع حرب الخليج الأولى وذلك بعد هجمات نظام صدام حسين على الأقلية الكردية في العراق، لذا تم سجن والديه، ثم بمعاونة الصليب الأحمر الألماني، ذهبت العائلة إلى ألمانيا لاجئةً.
استقرت أحوال العائلة فترةً قصيرةً وحينها تلقّى جيفار دروساً في العزف على البيانو منذ أن كان في التاسعة من عمره. ومنذ ذلك الوقت بدأ يتلمس حقيقة اهتمامه بالموسيقى وسماع أغاني الهيب هوب.
أساس الفيلم فلاش باك
تسير أحداث الفيلم جميعها داخل إطار الفلاش باك، لمعرفة الخلفية الكاملة لشخص البطل. التزم الفيلم بتقديم كافة المراحل العمرية له، من بداية طفولته وحتى شبابه وشهرته، ومنها التزم بمميزات شكلية وكلامية، حيث شامة في وجه الطفل ثابتة بالمكان ذاته في المراهقة والشباب، مع التطور الطبيعي المتوافق مع المراحل العمرية، وبخاصة في مرحلة المراهقة التي كانت الأكثر تمرداً وتعلماً، بين صوت يبدأ بالخشونة، ونظرات إلى الفتيات، ومحاولة إثبات جدارة البطولة، التي ساهمت في بناء أهم عنصر من عناصر الشخصية وهي أن يكون "ملاكماً" وذلك بعد واقعة ضربه من قِبل مجموعة أصدقاء اشتروا منه مخدر "الحشيش" دون دفع ثمنه، ثم قاموا بضربه، ليظهر لديه هاجس الأخذ بالثأر الذي يدفعه نحو تعلم رياضة "البوكس" ومنها يكون قادراً ليس على رد الضرب لهؤلاء، بينما على القوة البدنية بصفة عامة، التي تمكنه من أن يصبح في المستقبل تاجر مخدرات، ويقوى على ضرب السجون.
يتضح بعد ذلك السبب وراء سجن حجابي، حيث قام ومعه ثلاثة من شركائه بسرقة شاحنة ذهب، بقيمة نحو 1.7 ملايين يورو. لذا اعتقلته المخابرات الكردية، ثم تم ترحيله إلى ألمانيا، وحُكم عليه بالسجن ثماني سنوات بتهمة السرقة المشددة، وخلال فترة سجنه، بدأ شغف حجابي في الموسيقى يعود من جديد.
ظهرت في الفيلم محاولاته لتسجيل أولى أغنياته داخل السجن، وذلك عن طريق لفّ جسده بالكامل بغطاء "بطانية" لعزل الصوت، ثم الاستعانة بهاتف محمول صغير يسجّل من خلاله.
خطاب الغضب في راب حجابي
اشتهر جيفار حجابي، بعد غنائه الراب باسم Xatar، وتأثرت أغنياته من وقت ظهوره وإلى الآن بخطاب مُحمّل بالغضب الواضح، حيث كل ما مرّ به من تفاصيل عرضها الفيلم كافية لأن توضح طاقة الغضب التي تظهر في كلماته، وعلى سبيل المثال في أغنيته Balla بعض الجمل كـ"قاتلي المحتال موجود في مخيم اللاجئين، سوف تهرب عصابات المافيا بسرعة، يتم خصم الطرود وآلهة الخصوبة عند الخروج، نحن لا نستمع إلى موسيقى الهيب هوب أبداً، نحن لا نقوم بمسيرة، نحن نحتمي في غرفة نومك ليلاً".
كما أنه كثيراً ما يذكر في أغنياته رجال العصابات، والمافيا، السجون، الملاكمة، والقمار ثمرة خبراته وتجربته الحياتية، كما ذكر في أغنيته Ohne Reden جملة "أين هو الذهب الخاص بك؟"، وهي نفسها الجملة التي طُرحت في الفيلم من قِبل الطفل جيفار على والده نحو سؤالاُ وجودياً ليجيبه الأب بأنه لا يعرف، ثم طُرحت عليه في أثناء فترة اعتقاله نسبةً إلى جريمته في سرقة الذهب، وكذلك في أغنيته "Gib Geld" التي ذكر فيها جملة "أنه ليس لديكم أي فكرة عندما يتعلق الأمر بموسيقى الراب الخاصة بتاجر المخدرات"، لذا يبدو إلى أي حد أثرت حياة جيفار في إنتاجه الفني.
يذكر في كتاب تاريخ الغناء الشعبي من الموال إلى الراب، "أن موسيقى الراب أحياناً تفرط في العنف، وبخاصة عند مقارنتها بموسيقى الروك الريفية أو الشعبية، وذلك يعود لكونها تنبع من ثقافة تستلهم الكفاح ضد الاضطهاد، وكذلك تدور ثيماتها حول المسدسات والعصابات نسبةً إلى حياة الكثير من المغنّين، وتفاصيل الحياة اليومية في المناطق الفقيرة ذات الطبقات العرقية والاقتصادية".
اشتهر جيفار حجابي، بعد غنائه الراب باسم Xatar، وتأثرت أغنياته من وقت ظهوره وإلى الآن بخطاب مُحمّل بالغضب الواضح
كما يندرج إنتاج جيفار النابع من معاناته وبخاصة في السجن، تحت مظلة فنون السجون، وذلك في ما يتشابه مع أدب السجون ومسرح السجون، وهي الفنون التي تُنتج عندما يكون الفنان مقيّداً في مكان ضد إرادته، مثل السجن أو الإقامة الجبرية، وذلك ما حدث بالفعل مع جيفار وظهور أولى إنتاجاته تحت وطأة السجن، واستخدام آلات ومعدات بسيطة من اللا شيء مثل المحمول والـ"البطانية" مع تهريب "كارت ميموري" مع أصدقائه في أثناء الزيارات حتى يظهر أول ألبوماته إلى النور.
ينتهي الفيلم بحال أكثر هدوءاً بعد زواجه من حبيبته وإنجاب طفلة جميلة، تسأله حول فترة سجنه وأثر ذلك عليها في المدرسة، فيحاول تهدئة خوفها، وغمرها بالحب في وسط بيت عائلي ساكن ومستقر افتقده جيفار كثيراً طوال فترة حياته، بين بلدان لا حصر لها عاش فيها وتنقل بينها، وسجون منذ الصغر، وأب في مرحلة مراهقة الابن يترك المنزل هارباً بلا رجعة، وأم تتحمل عناء تربيته بجانب شقيقته وتعمل في مهن متواضعة، محاولاً عدم تكرار ذلك من جديد في حياة الابنة، مثلما أثّرت حياة والديه عليه، ربما بالسلب وربما بالإيجاب، في مواضع كثيرة، لكنها بالتأكيد وهذا ما أوضحه الفيلم وفقاً لرؤيته، من أنه ما كان لتلك الأغنيات أن تظهر إلى النور لولا فترة السجن، وتلك الحياة الشاقة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون