شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
تشريع الإجهاض في فرنسا دستورياً... عن حق النساء في تقرير مصير أجسادهن

تشريع الإجهاض في فرنسا دستورياً... عن حق النساء في تقرير مصير أجسادهن

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

دخلت فرنسا التاريخ في الرابع من آذار/مارس بتصويت ساحق من قبل أعضاء البرلمان ومجلس الشيوخ المشترك لمصلحة ضمان حق الإجهاض للمرأة في الدستور الفرنسي، وبذلك أصبحت فرنسا أول دولة في العالم تضمن هذا الحق في دستورها.

يتم التعديل الدستوري في فرنسا، إما من خلال طرح مشروع التعديل من قبل أعضاء البرلمان أو أعضاء مجلس الشيوخ ومن ثم طرحه للتصويت في استفتاء عام، أو من خلال مشروع تعديل يطرحه رئيس الجمهورية ويصوّت بتبنيه ثلثا البرلمان ومجلس الشيوخ، وهو ما حصل.
منذ أن عطلت المحكمة الدستورية العليا في الولايات المتحدة الأمريكية حكم رو-وايد الذي ضمن سابقاً حق الإجهاض، بدأت محاولات تضمين الدستور الفرنسي حق الإجهاض من خلال مشاريع تعديلات دستورية اقترحها في البرلمان ومجلس الشيوخ عدة مرات أعضاء من الكتلة اليسارية في المؤستتين، لكن القوانين المقترحة من قبل حركة "فرنسا لا تخضع" وحزب الخضر، لم يتم تبنيها ولا عرضها للاستفتاء، ليس بسبب معارضة الأطراف الأخرى بما فيها الكتلة اليمينية لحق الإجهاض وإنما لأن المعترضين كانوا يجدون أن القوانين الموجودة حالياً تحمي حق النساء في الإجهاض وأن ضمان هذا الحق دستورياً لا يبدو ضرورة في فرنسا.
مطلع هذا العام، طرح الرئيس الفرنسي مشروع إدراج حق المرأة في الإجهاض ضمن الدستور، وتم تبنيه في الرابع من آذار/مارس 2024، بتصويت 780 عضواً، ومعارضة 72 وامتناع 50. وسيتم تبني التعديل الدستوري في يوم المرأة العالمي بحضور رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون.

الانتصار الفرنسي يسجل اليوم في زمن ينحدر العالم فيه بالاتجاه المعاكس وتخسر النساء فيه المعارك الكبرى يومياً
لم يمر القرار دون انتقادات المعارضة لإيمانويل ماكرون ورئيس وزرائه غابرييل أتال، فما إن أنهى أتال كلمته حتى هاجمه على شبكات التواصل الاجتماعي أعضاء من الكتلة اليسارية وعلى رأسهم قائد حركة "فرنسا لا تخضع" جان لوك ميلانشون، الذي اعتبر أن أتال تجاهل عمداً أسماء عضوات البرلمان من الحركة اللواتي تقدمن مرات عديدة بمشاريع تعديلات لضمان حق الإجهاض في الدستور، وكذلك انتقد الخضر كلمة أتال لتجاهله ممثلة الخضر التي اقترحت على مجلس الشيوخ تعديلاً مماثلاً.
انتقدت مارين لوبين، رئيسة "التجمع الوطني" اليميني، إيمانويل ماكرون باعتباره سجل انتصاراً سهلاً لأنه اختار مسألة غير إشكالية فرنسياً لكي يحقق منها مجداً.

وعلى المقلب الآخر، انتقدت مارين لوبين رئيسة "التجمع الوطني" اليميني إيمانويل ماكرون باعتباره سجل انتصاراً سهلاً لأنه اختار مسألة غير إشكالية فرنسياً لكي يحقق منها مجداً.

لابد من الإشارة هنا إلى أن اليمين المتطرف الفرنسي لا يشبه التيارات المتعصبة دينياً في الولايات المتحدة أو في بولندا وجورجيا التي تنحسر فيها حقوق النساء في الإجهاض، بسبب انتشار خطاب المدافعين عن "حق الأجنة في الحياة"، لأن اليمين الفرنسي لا يستند إلى مرجعية مسيحية متشددة وإنما يستند في خطابه إلى مفهوم قومي متشدد يتمسك بالعلمانية.

لا يعني كل ذلك أن قلق الكتلة اليسارية ورغبتها في ضمان حق الإجهاض دستورياً غير محق، لأن صعود التيارات اليمينة وتشددها المتسارع أوروبياً قد يؤدي يوماً إلى المساس بحق النساء في تقرير مصير أجسادهن، وبالتالي فإن ضمان حق الإجهاض دستورياً يجعل الانقلاب عليه شبه مستحيل في المستقبل إلا إذا أصبح ثلثا البرلمان ومجلس الشيوخ ورئيس الجمهورية من اليمين المتشدد دينياً، وهو أمر لا يبدو في حال من الأحوال ممكناً في فرنسا في المدى المنظور.
أشار أتال في كلمته إلى نضالات النساء التي أدت إلى هذه اللحظة، انطلاقاً من جيزيل حليمي، المحامية الفرنسية التونسية التي دافعت في محكمة بوبيني عن فتاة ساعدتها أمها ونساء ثلاث على الإجهاض بعد تعرضها للاغتصاب، مروراً بكثير من الوزيرات والمناضلات النسويات انتهاء بسيمون فيي، التي سمي قانون 17 كانون الثاني/ يناير 1975 باسمها، ويضمن قانون فيي، حق المرأة في الإجهاض لأسباب غير طبية في إطار يحفظ صحتها وضمن برنامج الرعاية الصحية، وقد عمت عاصفة من التصفيق المجلس المجتمع عند الحديث عن سيمون فيي ونضالها وما تعرضت له من إساءات عندما دافعت كوزيرة للصحة في السبعينات عن حق النساء في الإجهاض.
كل نضالات النساء السابقة، وكل القهر الذي تعرضت له النساء بإجبارهن الاحتفاظ بأجنتهن، كانت تبدو أحداثاً تاريخية تجاوزتها دول أوروبا بعد الوصول إلى قوانين تحفظ حقوق النساء بالتحكم بأجسادهن، إلا أن الانقلاب المفاجئ ضد حق الإجهاض ولاسيما في الولايات المتحدة، جعلت هذه النضالات تعود للواجهة من جديد.
كانت الأديبة الفرنسية الحاصلة على جائزة نوبل للآداب آني إرنو، قد نشرت في العام 2000 روايتها "الحدث" وهي رواية سيرة ذاتية اجتماعية تروي فيها الكاتبة حكاية حملها حين كانت طالبة في الجامعة في الستينات، عندما كان الإجهاض مجرماً في فرنسا، والتي تتضمن وصفاً مفصلاً ودقيقاً للعملية الخطرة التي تعرضت لها سراً، والتي تصف في مقطع لا ينسى لحظة فقد الجنين التي تكاد البطلة بعدها أن تفقد حياتها بسبب الاختلاطات والنزيف الذي يصيبها.

تستحق شهادات من هذا النوع أن تعرض على صناع القرار في العالم من الرجال، علهم ولو لمرة يفكرون في وضع أنفسهم مكان النساء اللواتي يجدن أنفسهن أمام خيارات مستحيلة

لعل أهم ما في الرواية أنها تجعل القارئ يتماهى مع البطلة، ويشعر بالمأزق الذي يواجهها والمخاطر التي تتحملها باتخاذها قرار الإجهاض بشكل غير قانوني سواء احتمال تعرضها للسجن أو المخاطر الصحية التي يمكن أن تتحول في لحظة إلى خطر على حياتها. لكن أهم ما في الرواية هو الإشارة إلى أن النساء لم يتوقفن عن الإجهاض، حتى عندما يكون التجريم في أقصى حالاته، لكن الفرق هو بين أن يقمن بذلك وحيدات في غرفهن باستخدام سنانير حياكة الصوف أو في إطار طبي معقم ومحمي بالقانون. وقد قامت المخرجة أودري ديوان، بتحويل الرواية إلى فيلم في العام 2021، وتزامن عرضه في الصالات مع نظر المحكمة العليا الدستورية الأمريكية في حق النساء بالإجهاض. وتستحق شهادات من هذا النوع أن تعرض على صناع القرار في العالم من الرجال، علهم ولو لمرة يفكرون في وضع أنفسهم مكان النساء اللواتي يجدن أنفسهن أمام خيارات مستحيلة.
رغم كل الجدل السياسي القائم، والشد والجذب بين الكتل السياسية، يبقى القرار بتضمين الدستور الفرنسي حق النساء في الإجهاض انتصاراً حقيقياً لنضالات النسويات الفرنسيات وليس لشخص رئيس أو لتياره السياسي، وسابقة تاريخية تسجل لصالح فرنسا في إمكانية الانتصار للمرأة وحقها في تقرير مصير جسدها، ولو أن المقلق هو أن الانتصار الفرنسي يسجل اليوم في زمن ينحدر العالم في الاتجاه المعاكس وتخسر النساء فيه المعارك الكبرى يومياً، لكن انتصاراً واحداً قد يكون بارقة أمل لانتصارات أكبر وأشمل.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image