مع اشتعال حرب غزة المستمرة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 وحتى كتابة هذه السطور، استدعت الحكومة الإسرائيلية على لسان العديد من أعضائها مقولاتٍ مستمدةً من الميثولوجيا اليهودية، التي يحاول الصهاينة مزجها بمجريات الأحداث لصياغة روايتهم الخاصة للتاريخ والحاضر ومن ثم المستقبل.
ومع ربط الإستراتيجيات العسكرية والاقتصادية والسياسية الإسرائيلية تجاه قطاع غزة، وطبيعة الميثولوجيا اليهودية، ربما يُرى ما هو أبعد من مجرد تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول نبوءة أشعياء، واستباحة بعض وزرائه للدم الفلسطيني باعتباره دماً للغوييم أي الأغيار، أو لمجرد حيوانات لا ينتمون إلى البشرية.
إن تلك التصريحات وغيرها عن التفوق اليهودي، أو احتقار الأغيار، يستخدمها الصهاينة كمفردات في صراعاتهم مع أي طرف، لكن غزة تحديداً تُعدّ عقدةً ميثولوجيةً يهوديةً خاصةً، تجعل منها أكثر التهديدات خطورةً، والأكثر إثارةً للعنة العقد الثامن التي تحدث عنها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك، قبل عام من نشوب الحرب الحالية.
الحلولية... الشعب المختار في مواجهة الشرّ المطلق
في البداية، علينا إدراك أن الميثولوجيا اليهودية مختلفة عن غيرها، خاصةً في ما يتعلق بالإسقاط على الواقع، إذ بلا شك يحترم كل شعب تراثه وعقائده، بما في ذلك أساطيره التي ربما يعتبر جانباً منها عقائدياً وجانباً آخر تاريخياً أو حتى أدبياً، ليروي قصته كما يُحب أن يراها، لكن "اليهود" وعلى اختلاف ثقافاتهم في الشتات، يعتبرون أنفسهم مقدسين في ذواتهم، فهم "شعب الله المختار"، وتأخذ تلك العبارة أبعاداً أخرى عند اليهود المعتنقين للأيديولوجيا الصهيونية.
مع اشتعال حرب غزة المستمرة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وحتى كتابة هذه السطور، استدعت الحكومة الإسرائيلية على لسان العديد من أعضائها مقولات مستمدةً من الميثولوجيا اليهودية، التي يحاول الصهاينة مزجها بمجريات الأحداث، لصياغة روايتهم الخاصة للتاريخ والحاضر ومن ثم المستقبل
وفي هذا الإطار يُفكك الدكتور عبد الوهاب المسيري، صاحب "موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية"، تصورات إسرائيل عن نفسها، في مقال له تحت عنوان "الرؤية الصهيونية للتاريخ" بقوله إن "بعض الصهاينة يرى أن الإله قد حل في التاريخ، ومن ثم يختلط التاريخ البشري الزمني الذي هو مجال الهداية والضلال بالتاريخ المقدّس الذي تتجلى من خلاله، في كل كبيرة وصغيرة إرادة الله"، مع تبيانه في هذا الإطار لفكرة "الحلولية"، أي أن يحل الإله في كلّ مخلوقاته أو في أحدها ويتماهى معها ليُصبحا جوهراً واحداً، وكما يرى المسيري فإن رؤية اليهود للتاريخ "رؤية حلولية"، "بمعنى أن بعض الحاخامات كانوا يتصورون أن الإله قد حل في الشعب اليهودي فأصبح شعباً مختاراً، كل أفعاله خيّرةً كانت أم شريرةً، أفعال مقدسة، وتاريخه أصبح تاريخاً مقدساً".
وعلى الجانب الآخر، يرى هؤلاء الأصوليون الصهيونيون أن الطرف المقابل، أو العدو، هو النقيض لكلّ خير، وهو شرّ مطلق في ذاته، وتتجلّى تلك الرؤى في العديد من سلوكيات وتصريحات قادة إسرائيل الآن، والتي تتحدث عن أن الفلسطينيين في مرتبة دون الحيوانات لذلك لا جريمة في قتلهم وإبادتهم، خاصةً أولئك الذين في قطاع غزة يثيرون القلاقل، غزة التي تمنّى إسحق رابين أن يستيقظ من النوم ليجد البحر قد ابتلعها ولم تتحقق أمنيته، وتمنى آرييل شارون أن تغرق في البحر لكنه عندما أصبح رئيساً لوزراء إسرائيل كان هو صاحب قرار "فك الارتباط" من جانب واحد، أو الانسحاب من قطاع غزة بالكامل، ويبدو أن لغزّة معضلةً خاصةً أعمق مما يظهر على السطح الإسرائيلي، فإلى العمق.
غزة في اللغة العبرية
تعني كلمة "غزة" في اللغة العبرية بشكل فضفاض "المدينة القوية"، فبحسب القاموس العبري، للكلمة التي ذُكرت في التوراة 22 مرةً، دلائل كلها تدخل ضمن "القوة" و"الشجاعة"، و"البطولة"، و"التحدي" أو حتى "الوقاحة"، و"سيئ جداً"، و"سلبي للغاية"، و"شديد"، و"عنيد".
غزة... العُقدة الأزلية
تُمثّل "غزة" عقدةً كبيرةً في الميثولوجيا اليهودية منذ وقت مبكر، إذ إنها مذكورة في التوارة 22 مرةً، وترتبط في غالبيتها بمعانٍ عن ذل "بني إسرائيل" وقوة "الفلسطينيين" وتحديهم وخراب مدنهم، والحرب بين الانتصار والانكسار.
"غزة" ساكنة في الوجدان اليهودي منذ القدم، فأول ذكر لها في التوراة الحالية، كان في سفر التكوين الإصحاح العاشر، والذي يُسمي قائمة الأمم القديمة، وفيه يظهر أن الله الذي أهلك العالم في طوفان نوح، يُعيد بناءه من جديد، وقد قسمت الشعوب بأسماء أولاد نوح وأسماء أولادهم، بحسب تفسير القمص أنطونيوس فكري.
وعندما يتحدث الإصحاح عن كنعان الذي نسبه إلى حام بن نوح، مع إخوته كوش ومصرايم وفوط، يتحدث عن تفرّق قبائل كنعان، والتي امتدت "مِنْ صَيْدُونَ، حِينَمَا تَجِيءُ نَحْوَ جَرَارَ إِلَى غَزَّةَ، وَحِينَمَا تَجِيءُ نَحْوَ سَدُومَ وَعَمُورَةَ وَأَدْمَةَ وَصَبُويِيمَ إِلَى لاَشَعَ"، سفر التكوين الإصحاح العاشر.
وربما هنا اعتراف ضمني بوجود الفلسطينيين أبناء كنعان، في تلك الأرض من صيدا في لبنان الآن إلى غزة جنوب فلسطين، زمن ما بعد الطوفان.
صراع شمشون وطائر الفينيق
يُشبه الصراع هنا بين "إسرائيل" وغزة، صراعاً أسطورياً بين البطل الأسطوري اليهودي شمشون الجبار، وطائر الفينيق الذي ما زالت تتخذ منه بلدية غزة شعاراً لها.
كان يتمتع شمشون بقوة خارقة نهايتها كانت في أرض غزة، بحسب الرواية التوراتية الحالية، إذ يبدأ سِفر القضاة الإصحاح 16 بالقول: "1 ثُمَّ ذَهَبَ شَمْشُونُ إِلَى غَزَّةَ، وَرَأَى هُنَاكَ امْرَأَةً زَانِيَةً فَدَخَلَ إِلَيْهَا. 2 فَقِيلَ لِلْغَزِّيِّينَ: 'قَدْ أَتَى شَمْشُونُ إِلَى هُنَا'. فَأَحَاطُوا بِهِ وَكَمَنُوا لَهُ اللَّيْلَ كُلَّهُ عِنْدَ بَابِ الْمَدِينَةِ. فَهَدَأُوا اللَّيْلَ كُلَّهُ قَائِلِينَ: 'عِنْدَ ضَوْءِ الصَّبَاحِ نَقْتُلُهُ'. 3 فَاضْطَجَعَ شَمْشُونُ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، ثُمَّ قَامَ فِي نِصْفِ اللَّيْلِ وَأَخَذَ مِصْرَاعَيْ بَابِ الْمَدِينَةِ وَالْقَائِمَتَيْنِ وَقَلَعَهُمَا مَعَ الْعَارِضَةِ، وَوَضَعَهَا عَلَى كَتِفَيْهِ وَصَعِدَ بِهَا إِلَى رَأْسِ الْجَبَلِ الَّذِي مُقَابِلَ حَبْرُونَ". وفي تفسيره، يقول القمّص تادرس يعقوب، إن "شمشون استطاع بفك حمار أن يقتل ألف رجل، وفكر في الذهاب إلى أكبر مركز للفلسطينيين حينها في غزة"، وهناك كانت نهايته.
وفي نفس السِفر تقول التوارة "فَأَخَذَهُ الْفِلِسْطِينِيُّونَ وَقَلَعُوا عَيْنَيْهِ، وَنَزَلُوا بِهِ إِلَى غَزَّةَ وَأَوْثَقُوهُ بِسَلاَسِلِ نُحَاسٍ. وَكَانَ يَطْحَنُ فِي بَيْتِ السِّجْنِ"، إذ كان شمشون يُعمل القتل في الفلسطينيين، ولا يخشى فيهم أحداً، إلى أن تعرّض لخدعة من دليلة، تلك المرأة الفاتنة التي أغوته حتى عرفت أن سرّ قوته يكمن في شعره، فسلّطت عليه خادماً ليحلق شعره في أثناء نومه، فقبض عليه الفلسطينيون وقلعوا عينيه، وأخذوه عبداً ذليلاً إلى غزة، ليعمل في طحن الشعير، وفي أحد الأيام اجتمع الفلسطينيون في معبد للإله داجون، وأحضروا شمشون ليتهكموا عليه، وكان شعر شمشون قد بدأ بالنمو من جديد، لتعود إليه قوته الأسطورية، فتظاهر بأنه يسأل الخادم عن أعمدة المعبد الرئيسة لكي يستند إليها في أثناء مشيه، وعندها قال قولته الشهيرة "عليّ وعلى أعدائي" – وفق ما تم تناقل الأسطورة على ألسنة الشعوب- وقبض على العمودين المتوسطين اللَذين كانا عماداً للمعبد قائلاً: "لتمت نفسي مع الفلسطينيين وانحنى بقوة ممسكاً بعمودَي المعبد حتى انهار على كل من فيه، فقتل نفسه وقتل جميع من كانوا في المعبد، وقيل إن القتلى الذين قتلهم في موته أكثر من الذين قتلهم في حياته.
ويُمكننا إسقاط أسطورة شمشون على واقع بنيامين نتنياهو الآن، الذي لا يبدو أنه يرى حيلةً للانتصار سوى بالدمار الذي ربما يودي به إلى الانهيار، فالرجل الذي تتربص به قوى اليسار الإسرائيلي المعارض، وتتربص به قوى اليمين الإسرائيلي في ائتلافه الحاكم لكيلا يتهاون في القضاء على "الأشرار"، لا يرى حلاً سوى الدمار واستمرار الدمار لتحقيق أي انتصار يُذكر، حتى لو هُدم المعبد على رأسه فلن يكون وحده.
ما سبق يُمكن أن يُفسّر كذلك تطبيق ما يُسمى في الجيش الإسرائيلي بـ"بروتوكول هانيبال" أو "توجيه حنبعل"، والذي يعتمد على مقولة "جندي قتيل خير من جندي أسير"، والذي يسمح باستخدام الأسلحة الثقيلة في حالة أسر أي جندي إسرائيلي لمنع الآسرين من مغادرة موقع الحدث، وإن ترتب على ذلك قتل الآسر والأسير في آن معاً، وهو مبدأ شمشون نفسه عندما هدم أحد المعابد الفلسطينية في غزة، "عليّ وعلى أعدائي"، أي أنه عندما يشعر الإسرائيلي بأن عدوّه -أي الفلسطيني في هذه الحالة- سوف يُحقق انتصاراً مهماً كان أو محدوداً، فهو لا يقبل الاعتراف بذلك، حتى لو كان المقابل هو افتعال حالة شاملة من الدمار، تودي بحياته وحياة عدوّه معاً، في سبيل عدم السماح بإعلان عدوّه تحقيق أي نصر ولو كان صغيراً.
على الجانب الآخر، يُمكننا تخيّل طائر الفينيق الفلسطيني، ينظر إلى هياج "شمشون" وتعطشه إلى الانتقام والدمار، في كبرياء مُعجِز، يعلم الطائر الأسطوري أنه مهما أحدث "شمشون" من دمار، ومهما أثخن فيه من الجراح، فإنه يستطيع أن ينهض من جديد من بين النيران والركام، هكذا تقول الأسطورة عن طائر الفينيق أو العنقاء، الذي تحدث عنه باستفاضة الباحث جوزيف نيج، في كتابه "The Phoenix An Unnatural Biography of a Mythical Beast"، "طائر الفينيق... سيرة غير طبيعية للوحش الأسطوري". فالطائر هذا كان يعيش ألف عام، وعندما كان يذبل ويحتضر، كان يذهب إلى نخل الفينيق العالي، في فينيقيا أو معبد الشمس في مصر، باختلاف الروايات الأسطورية، ليبدأ طقوس الاحتراق والنشوء، فيصنع لنفسه كوخاً من القش يحترق في داخله، حتى تخرج منه يرقة تبتعد عن النار، ويخرج منها طائر فينيق جديد يحمل صفات الطائر القديم نفسها.
استباحة الأرض
في الإصحاح الثاني من سفر التثنية، ذُكر في التوارة الآتي: "وَالْعُوِّيُّونَ السَّاكِنُونَ فِي الْقُرَى إِلَى غَزَّةَ، أَبَادَهُمُ الْكَفْتُورِيُّونَ الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ كَفْتُورَ وَسَكَنُوا مَكَانَهُمْ".
ووفقاً لما جاء في تفسير الكتاب المقدس - الموسوعة الكنسية لتفسير العهد القديم موقع الأنبا تكلا هيمانوت، فإن "العوّيّين" هم شعب قديم سكن في منطقة غزة، وفي إطار التأكيد على طرد الشعوب الشريرة وإسكان غيرها مكانها، أورد السفر ذكر غزاة آخرين هم "الكفتوريون"، الذين قال التفسير هنا إنهم "أجداد الفلسطينيين"، وهم نسل مصرايم بن حام بن نوح، الذين جاءوا من جزيرة كريت "كفتور" أو من دلتا مصر التي تدعى "كابت هور" وانتصروا على السكان الأصليين لمنطقة غزة، وهم "العوّيّون".
وأشار التفسير إلى عدم ذكر حق "الفلسطينيين" في هذه الأرض، والمذكورة في سفر يشوع الإصحاح 15، "أَشْدُودُ وَقُرَاهَا وَضِيَاعُهَا، وَغَزَّةُ وَقُرَاهَا وَضِيَاعُهَا إِلَى وَادِي مِصْرَ وَالْبَحْرِ الْكَبِيرِ وَتُخُومِهِ"، مع التأكيد على مفهوم أن الأرض لا يرثها "الأشرار"، وإنما يُمكن لشعوب طرد أخرى، والسكن مكانها، ما يُمهّد لتشجيع بني إسرائيل الذين سيؤمرون بطرد الشعوب الوثنية "الشريرة" الساكنة في أرض كنعان، والاستيطان مكانها، ومُنحت هذه الأرض لسبط يهوذا مع باقي مدن الجنوب، وهو ما ذُكر في سفر القضاة الإصحاح 18 "وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ لَمْ يَكُنْ مَلِكٌ فِي إِسْرَائِيلَ، وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ كَانَ سِبْطُ الدَّانِيِّينَ يَطْلُبُ لَهُ مُلْكاً لِلسُّكْنَى لأَنَّهُ إِلَى ذلِكَ الْيَوْمِ لَمْ يَقَعْ لَهُ نَصِيبٌ فِي وَسَطِ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ".
يستند الصهاينة إلى تلك الرواية في ادعائهم حقهم بطرد الفلسطينيين من أراضيهم، والاستيطان مكانهم، وقد ذكر سفر الملوك الأول الإصحاح الرابع "غزة" ضمن حدود مملكة النبي سليمان: "لأَنَّهُ كَانَ مُتَسَلِّطاً عَلَى كُلِّ مَا عَبْرَ النَّهْرِ مِنْ تَفْسَحَ إِلَى غَزَّةَ، عَلَى كُلِّ مُلُوكِ عَبْرِ النَّهْرِ، وَكَانَ لَهُ صُلْحٌ مِنْ جَمِيعِ جَوَانِبِهِ حَوَالَيْهِ".
للمفارقة هنا، فإن الرواية الإسلامية، ترى بالفعل بأحقية بني إسرائيل -في تلك الحقبة- بمحاربة السكان الوثنيين لأرض فلسطين، استناداً إلى قوله تعالى في القرآن الكريم، سورة المائدة الآية 21: "يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ"، وهي الرواية التي يستند إليها صهيونيون في التأكيد على أن أرض فلسطين من حقهم في القرآن كما في التوراة.
لكن الرواية الإسلامية لا تقتصر على ذلك، فبحسب ما جاء في موقع إسلام ويب في تفسير الآية، فإن "الله حكم بأن يقوم المسلمون من قوم موسى بمناجزة أعداء الله العمالقة الوثنيين الذين استولوا على الأرض المقدسة أرض فلسطين، وما حولها وأمرهم بطردهم منها، لأنها أرض إسلامية لا يحل لهؤلاء الكفار الوثنيين أن يحكموها ويسوسوا أهلها بالكفر والشرك، وموسى -عليه السلام- وجميع الأنبياء دينهم الإسلام"، إذ تستند هنا الرواية الإسلامية إلى الأحقية العقائدية بعيداً عن الأحقية التاريخية أو الأحقية العرقية سواء كانت للفلسطينيين أو الإسرائيليين، وإنما المسألة متعلقة بالعقيدة الإسلامية التي ترى أنها عقيدة جميع الأنبياء، مضفيةً بذلك صفة الإسلام على الشعب اليهودي في تلك الحقبة الزمنية السحيقة، استناداً إلى الآية 19 من سورة آل عمران التي تقول: "إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ"، وقوله في سورة يونس الآية 84: "وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ".
وقد تحدّث في ذلك الشيخ محمد متولي الشعراوي في تفسيره للقرآن، والذي فرّق بين ما قال إنها الإرادة الكونية الإلهية التي تقع دون أي اختيار للبشر فيها، والإرادة الشرعية، التي تقع مقام التكليف الإلهي للإنسان الذي ربما يطيع تلك الإرادة أو يعصاها مثلما فعل بنو إسرائيل في تلك الحقبة الغابرة، كما تحدث الشيخ عثمان الخميس بنفس تلك الرواية التي تواترت في العديد من التفاسير الإسلامية الأخرى قديماً وحديثاً.
قيادة يوشع بن نون
تتحدث التوراة عن سيطرة النبي يوشع بن نون على الأراضي الفلسطينية، بعد سنوات التيه الأربعين، التي مات في أثنائها النبيّان موسى وهارون، لتبدأ مرحلة جديدة في حياة بني إسرائيل بقيادة يوشع بن نون، وتقول التوراة الحالية في سفر يشوع الإصحاح العاشر: "فَضَرَبَهُمْ يَشُوعُ مِنْ قَادَشَ بَرْنِيعَ إِلَى غَزَّةَ وَجَمِيعَ أَرْضِ جُوشِنَ إِلَى جِبْعُونَ"، إذ تصف الآيات بحسب تفسير الكتاب المقدس - الموسوعة الكنسية لتفسير العهد القديم، حرب النبي يشوع أو يوشع، وسيطرته على الأراضي الواقعة من حدود أرض كنعان جنوباً إلى غزة، وكل أرض المنطقة التي سكنها يهوذا، وتم ذلك دفعةً واحدةً بمساعدة إلهية.
وفي الإصحاح الحادي عشر من السفر نفسه تقول: "فَلَمْ يَتَبَقَّ عَنَاقِيُّونَ فِي أَرْضِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، لكِنْ بَقُوا فِي غَزَّةَ وَجَتَّ وَأَشْدُودَ". توضح التوارة سيطرة يوشع على أرض العناقيين الساكنين جنوب أورشليم القدس، وفي الجبال التي استولى عليها سبط يهوذا وفقاً للتفسير الكنسي سابق الذكر، الذي يشير إلى أن بني إسرائيل عاشوا مع الفلسطينيين في مدنهم الساحلية مثل غزة وأشدود، وقسّم عندها يوشع الأرض للأسباط وعمّ السلام لفترة طويلة.
وتعود التوراة لذكر غزة، في الإصحاح الخامس عشر، من السفر نفسه، فتقول: "أَشْدُودُ وَقُرَاهَا وَضِيَاعُهَا، وَغَزَّةُ وَقُرَاهَا وَضِيَاعُهَا إِلَى وَادِي مِصْرَ وَالْبَحْرِ الْكَبِيرِ وَتُخُومِهِ"، في إطار ذكر المدن الكبيرة التي كانت من نصيب سبط يهوذا نحو البحر المتوسط.
وهو ما عادت التوارة للتأكيد عليه في سفر القضاة الإصحاح الأول عند وصفها لما حدث بعد وفاة النبي يوشع من سيطرة مملكة اليهود الجنوبية "يهوذا" على مناطق غزة وأشلقون وعقرون وتخومها، قائلةً: "وَأَخَذَ يَهُوذَا غَزَّةَ وَتُخُومَهَا، وَأَشْقَلُونَ وَتُخُومَهَا، وَعَقْرُونَ وَتُخُومَهَا".
معاودة الشر والعقاب الإلهي
تحدثت بعد ذلك التوراة عن عودة بني إسرائيل إلى الشرّ من جديد، وعقاب الرب لهم على يد المديانيين الذين أذلّوهم، كما ذكرت في سفر القضاة الإصحاح السادس "وَيَنْزِلُونَ عَلَيْهِمْ وَيُتْلِفُونَ غَلَّةَ الأَرْضِ إِلَى مَجِيئِكَ إِلَى غَزَّةَ، وَلاَ يَتْرُكُونَ لإِسْرَائِيلَ قُوتَ الْحَيَاةِ، وَلاَ غَنَماً وَلاَ بَقَراً وَلاَ حَمِيراً"، حتى إذا زرع بنو إسرائيل أغار عليهم المديانيون والعمالقة "سكان سيناء" وبنو المشرق: "سكان شرق نهر الأردن وشرق البحر الأحمر"، ويقول في ذلك تفسير العهد القديم، إن العمالقة وبني المشرق اشتركوا في نهب بني إسرائيل، فكانوا يهجمون عليهم ويصعدون إلى الجبال التي يُخفي فيها بنو إسرائيل محاصيلهم الزراعية وفيها يقيمون، بل ينزلون إليهم في السهول والوديان يُتلفون الزرع مخرّبين كل ما في طريقهم من نهر الأردن شرقاً إلى غزة في أقصى الغرب، وينهبون المواشي والغنم، فلا يتركون شيئاً صالحاً يقتات منه بنو إسرائيل "الشعب المقهور" بحسب التفسير المذكور، وهنا تبرز المظلومية التي يستندون إليها في توجيه ضربات قاسية إلى أعدائهم عندما تنتهي فترة الضعف، وتبدأ فترة جديدة من القوة والنصر بعد الهزيمة.
نصرٌ بعد هزيمة وهزيمة بعد نصر
وردت "غزة" في التوراة بعد ذلك في سفر صموئيل الأول الإصحاح السادس: "وَهذِهِ هِيَ بَوَاسِيرُ الذَّهَبِ الَّتِي رَدَّهَا الْفِلِسْطِينِيُّونَ قُرْبَانَ إِثْمٍ لِلرَّبِّ: وَاحِدٌ لأَشْدُودَ، وَوَاحِدٌ لِغَزَّةَ، وَوَاحِدٌ لأَشْقَلُونَ، وَوَاحِدٌ لِجَتَّ، وَوَاحِدٌ لِعَقْرُونَ".
وهذه المرة في سياق انتصار إله بني إسرائيل، على جميع ما يؤمن به الوثنيون الفلسطينيون وغيرهم من شعوب المنطقة، إذ عاقبهم الله بالبواسير والطاعون، بسبب سرقتهم لتابوت العهد، أو ما يُسميه المسلمون تابوت السكينة، وهو التابوت الذي حُفظت فيه ألواح العهد وفقاً للتراث اليهودي، إذ أخذه بنو إسرائيل معهم في أثناء قتال الفلسطينيين، ليستمدّوا الدعم الإلهي، لكنهم هُزموا وسقط التابوت في السبي وأُخذ إلى أشدود إلى معبد الإله داجون، ثم انتقل إلى مدينة عقرون، وفي كل مدينة كان يتسبب في لعنة أو عقاب، وبعد 7 أشهر قرر زعماء المدن الفلسطينية الخمسة "غزة وأشدود وجت وأشقلون وعقرون" إعادة التابوت لبني إسرائيل ليتخلصوا من البواسير والطاعون اللذين أصاباهم، وقدموا هدايا من تماثيل ذهبية على شكل بواسير رمزاً لعقابهم بالبواسير، وعلى شكل فئران رمزاً لعقابهم بالطاعون.
كما تتحدث التوراة الحالية عن نصر آخر لبني إسرائيل في غزة، في عهد النبي حزقيا، إذ يقول سفر الملوك الثاني الإصحاح 18: "هُوَ ضَرَبَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ إِلَى غَزَّةَ وَتُخُومِهَا، مِنْ بُرْجِ النَّوَاطِيرِ إِلَى الْمَدِينَةِ الْمُحَصَّنَةِ"، وفي تفسير الكتاب المقدس، أن حزقيا اتكل على الرب وأزال عبادة الأوثان واهتم بعبادة الله، فسانده الله في كل أعماله، ونجح بذلك في التمرّد على ملك آشور، وعبادة أوثانه، الملك الذي كان منشغلاً بحروب أخرى، لكنه كان قد أعطى بعض مدن مملكة يهوذا لملك غزة، فنشبت الحرب بين مملكة بني إسرائيل وغزة، وانتصرت مملكة يهوذا بقيادة حزقيا وضمّت غزة إليها من جديد.
خراب غزة
لقد تمعنت التوراة الحالية في وصف خراب غزة، بطريقة تعكس ربما ما يتمناه اليهود منذ زمن سحيق، حتى وإن تكرر ذلك بالفعل عبر حقب تاريخية مختلفة، فقد بقيت غزة مثل طائر الفينيق: بعد كل احتراق وفناء، تخرج حياة جديدة.
وتنوّع وصف ذلك الخراب، فمرةً ذُكر كجزء من "الغضب الإلهي"، الذي عمّ الجميع كما جاء في سفر إرميا الإصحاح 25: "وَكُلَّ اللَّفِيفِ، وَكُلَّ مُلُوكِ أَرْضِ عُوصَ، وَكُلَّ مُلُوكِ أَرْضِ فِلِسْطِينَ وَأَشْقَلُونَ وَغَزَّةَ وَعَقْرُونَ وَبَقِيَّةَ أَشْدُودَ"، عندما أراد الله إنزال غضبه على جميع عباده، ومنهم بنو إسرائيل الذين عرفوه وعصوه، وكذلك الوثنيون من الفلسطينيين والمصريين وغيرهم، وكانت غزة ضمن البلاد التي وقع عليها الغضب الذي عم الجميع، بمن فيهم المؤمنين بسبب معصيتهم.
"اليهود" وعلى اختلاف ثقافاتهم في الشتات، يعتبرون أنفسهم مقدسين في ذواتهم، فهم "شعب الله المختار"، وتأخذ تلك العبارة أبعاداً أخرى عند اليهود المعتنقين للأيديولوجيا الصهيونية.
ومرات ذُكر خرابها كجزء من انتقام الرب، وانتصاره لشعبه المختار، فذكر سفر إرميا الإصحاح 47: "كَلِمَةُ الرَّبِّ الَّتِي صَارَتْ إِلَى إِرْمِيَا النَّبِيِّ عَنِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ قَبْلَ ضَرْبِ فِرْعَوْنَ غَزَّةَ"، ويقول تفسير الكتاب المقدس في ذلك، إن الإصحاح يتحدث عن زمن ما قبل الميلاد بنحو 6 قرون، عندما كانت هناك حرب بين ملك مصر آنذاك والملك البابلي نبوخذ نصر، وقد مرت العلاقات بين مصر وبلاد الرافدين بالكثير من فترات الصراع، وربما كان الحديث هنا عن فترة المواجهة بين جيوش مصر المتحالفة مع ما تبقى من جيش آشور وبعض الفينيقيين، من جهة، وجيوش بابل المتحالفة مع الميديين والفرس بزعامة نبوخذ نصر، في معركة كركميش التي انتصر فيها الأخير، وأعلن دولته، وربما أغار الجيش المصري على غزة في طريقه لمواجهة الآشوريين أو في عودته بعد الهزيمة التي تلقاها على يدهم.
وقد انهارت آنذاك غزة، فبعد أن أغار عليها المصريون، أتاها البابليون بقوتهم الغاشمة، حتى شُبّهت في نفس الإصحاح بفتاة أتى الصلع على رأسها ففقدت شعرها، إذ قال الإصحاح: "أَتَى الصُّلْعُ عَلَى غَزَّةَ. أُهْلِكَتْ أَشْقَلُونُ مَعَ بَقِيَّةِ وَطَائِهِمْ. حَتَّى مَتَى تَخْمِشِينَ نَفْسَكِ"، والمقصود بحسب تفسير الكتاب المقدس، أنها فقدت مكانتها وصارت ضعيفةً كالفتاة في ضعفها الجسدي، أمام الهجوم البابلي الكاسح.
ووصف سفر عاموس الإصحاح الأول دمار غزة، على يد الآشوريين من قبل، قائلاً: "هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: 'مِنْ أَجْلِ ذُنُوبِ غَزَّةَ الثَّلاَثَةِ وَالأَرْبَعَةِ لاَ أَرْجعُ عَنْهُ، لأَنَّهُمْ سَبَوْا سَبْياً كَامِلاً لِكَيْ يُسَلِّمُوهُ إِلَى أَدُومَ. فَأُرْسِلُ نَاراً عَلَى سُورِ غَزَّةَ فَتَأْكُلُ قُصُورَهَا. وَأَقْطَعُ السَّاكِنَ مِنْ أَشْدُودَ، وَمَاسِكَ الْقَضِيبِ مِنْ أَشْقَلُونَ، وَأَرُدُّ يَدِي عَلَى عَقْرُونَ، فَتَهْلِكُ بَقِيَّةُ الْفِلِسْطِينِيِّينَ، قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ'".
تقلص عدد المدن الفلسطينية من خمس مدن كبيرة إلى أربعة، والخامسة هي "جت" والتي رجح التفسير أنها دُمرت بشكل كامل، وتعرض الفلسطينيون كما اليهود للسبي، بسبب إلقائهم القبض على بني يهوذا الهاربين من ملك آشور، وبيعهم عبيداً لبني آدوم أعدائهم، فكان الهجوم الآشوري على المدن الفلسطينية انتقاماً إلهياً.
ويُستكمل عرض الخراب والدمار في غزة، في سفر صفنيا الإصحاح الثاني: "لأَنَّ غَزَّةَ تَكُونُ مَتْرُوكَةً، وَأَشْقَلُونَ لِلْخَرَابِ. أَشْدُودُ عِنْدَ الظَّهِيرَةِ يَطْرُدُونَهَا، وَعَقْرُونُ تُسْتَأْصَلُ"، وفي تفسيره يتحدث أنطونيوس فكري، عن بداية النبوّات ضد الأمم التي طالما ضايقت "شعب الله" واضطهدته، واتُخذت هذه الأمم -ومن بينها الفلسطينيون ومدنهم الرمزية وعلى رأسها غزة- رمزاً لإبليس نفسه. فكيف يكون الانتقام؟
أما سفر زكريا الإصحاح 9 فيذكر: "تَرَى أَشْقَلُونُ فَتَخَافُ، وَغَزَّةُ فَتَتَوَجَّعُ جِدّاً، وَعَقْرُونُ. لأَنَّهُ يُخْزِيهَا انْتِظَارُهَا، وَالْمَلِكُ يَبِيدُ مِنْ غَزَّةَ، وَأَشْقَلُونُ لاَ تُسْكَنُ"، ويُشير القمص أنطونيوس فكري هنا، إلى غزوات وفتوحات الإٍسكندر الأكبر الذي هزم جميع مدن الشام، لكنه رفق بأورشليم، وكل اليهود، كما أشار إلى مخاوف بني إسرائيل الدائمة من المدن القوية المحيطة بهم من الشمال كأرام وصور، ومن الجنوب كأشقلون وغزة وعقرون، والتي كانت تُمثل ضغطاً دائماً عليهم.
كما يذكر سفر المكابيين الأول الإصحاح 11: "وَانْصَرَفَ مِنْ هُنَاكَ إِلَى غَزَّةَ، فَأَغْلَقَ أَهْلُ غَزَّةَ الأَبْوَابَ فِي وَجْهِهِ، فَحَاصَرَهَا وَأَحْرَقَ ضَوَاحِيَهَا بِالنَّارِ وَنَهَبَهَا. فَسَأَلَ أَهْلُ غَزَّةَ يُونَاثَانَ الأَمَانَ فَعَاقَدَهُمْ، وَأَخَذَ أَبْنَاءَ رُؤَسَائِهِمْ رَهَائِنَ وَأَرْسَلَهُمْ إِلَى أُورُشَلِيمَ"، ويشير التفسير إلى الصراعات بين القادة الإغريق السلوقيين، أي ديودوتس تريفون وأنطيوخس الصغير، وقائده يوناثان في مواجهة ديميتريوس الثاني المعزول الذي جمع جيشاً لمحاربة يوناثان، الذي انتصر عليه، ودخل مدن الشام واحدةً تلو الأخرى، لكن أهل غزة رفضوا استقباله فضربهم لأن غزة كانت مواليةً لديمتريوس الثاني.
سبرنا عمق الميثولوجيا اليهودية لإعادة اكتشاف غزة داخل العقل اليهودي، والصهيوني، والتي اتضح أنها عُقدة أزلية، لكن النهاية لم تُكتب بعد، فيبدو أن غزة أصبحت عُقدةً صهيونيةً أبديةً، بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر
ويُستكمل فصل آخر من الخراب في غزة، في الإصحاح الثالث عشر من سفر المكابيين الأول: "فِي تِلْكَ الأَيَّامِ نَزَلَ سِمْعَانُ عَلَى غَزَّةَ وَحَاصَرَهَا بِجُيُوشِهِ، وَصَنَعَ دَبَّابَاتٍ وَأَدْنَاهَا مِنَ الْمَدِينَةِ، وَضَرَبَ أَحَدَ الْبُرُوجِ وَاسْتَوْلَى عَلَيْهِ. وَهَجَمَ الَّذِينَ فِي الدَّبَّابَةِ عَلَى الْمَدِينَةِ، فَوَقَعَ اضْطِرَابٌ عَظِيمٌ فِي الْمَدِينَةِ"، وسمعان هو في ذلك الوقت الكاهن الأعظم قائد اليهود ورئيسهم بحسب ما ذُكر في الآيات السابقة، ويحكي الإصحاح هنا عن قيادة سمعان لليهود، وفرضه حصاراً على غزة بجيوشه ودباباته -والدبابة المقصودة هنا عبارة عن صندوق خشبي كان يتحرك بداخله الجنود لحمايتهم من ضربات السهام، ويحتوي الصندوق على فتحات يصوّبون منها سهامهم على أعدائهم وكان يدخل فيه 200 محارب وكان مزوّداً بمجانيق يصل طوله إلى 90 ذراعاً بحسب ما ذكر القمص أنطونيوس فكري في شرحه، وربما يُشبه ذلك الحصار حصار غزة الآن، حيث تصف التوراة حدوث اضطراب عظيم في المدينة، لكن الفارق بين سمعان ونتنياهو كبير، فعندما خرج سكان المدينة مع نسائهم وأولادهم إلى سورها ممزقي الثياب يصرخون طالبين الأمان من سمعان، رقّ لهم، وعفا عنهم، وأخرجهم من المدينة، بعكس ما نراه من صور المدنيين الفلسطينيين الذين يرفعون الرايات البيضاء ويتم قتلهم بدم بارد.
وفي الحصار القديم لم تكن هناك طائرات تقصف البيوت على ساكنيها، ولم يُقتل المدنيون وتُرتكب الجرائم بهذه الشمولية.
وتستكمل التوارة أن سمعان كفّ عن قتالهم، وأخرجهم من المدينة وطهّر البيوت التي كانت فيها أصنام، ثم دخلها بالتسبيح والشكر، وأزال منها كل رجاسة، وأسكن هناك رجالاً من المتمسكين بالشريعة، وحصّنها وبنى له فيها منزلاً.
سبرنا عمق الميثولوجيا اليهودية لإعادة اكتشاف غزة داخل العقل اليهودي، والصهيوني، والتي اتضح أنها عُقدة أزلية، لكن النهاية لم تُكتب بعد، فيبدو أن غزة أصبحت عُقدةً صهيونيةً أبديةً، بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...