شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
استقالة الحكومة الفلسطينية... كيف ستواجه السلطة المرحلة المعقدة المقبلة؟

استقالة الحكومة الفلسطينية... كيف ستواجه السلطة المرحلة المعقدة المقبلة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأربعاء 28 فبراير 202405:43 م

لعلّها المرّة الأولى، منذ بدء الحرب الإسرائيليّة الهمجيّة على قطاع غزّة، تقدّم فيها الحكومة الفلسطينيّة في الضفّة، اعترافًا علنيًّا بوصول السلطة الوطنيّة إلى مرحلة جعل الاحتلال منها "سلطة إداريّةً أمنيًةً دون محتوى سياسيّ"، كما قال رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، يوم الاثنين 26 شباط/ فبراير 2024، خلال إعلانه استقالة الحكومة الفلسطينيّة.

وكان ساق في إعلان الاستقالة هذا مبرّرات كثيرة أبرزها حرب الإبادة على غزّة، وتكثيف الاستيطان في الضفّة واجتياح مخيّماتها ومدنها، وغيرها من المبرّرات التي لا تبدو، مع قراءة المشهد الإقليمي، أنّها تقف وحدها وراء هذا القرار. إذ يأتي هذا الإعلان عقب اجتماعات عربيّة ودوليّة ناقشت مستقبل القضيّة الفلسطينيّة كانت السلطة الوطنيّة الفلسطينيّة طرفًا فيها، آخرها الاجتماع السداسيّ [AS1] الذي عُقد في الرّياض في 8 شباط/ فبراير 2024، فجمع وزراء خارجيّة السعوديّة وقطر والإمارات ومصر والأردنّ وأمين سرّ اللجنة التنفيذيّة لمنظّمة التحرير الفلسطينيّة ووزير الشؤون المدنيّة حسين الشيخ.

و"تجيء الاستقالة استجابة للطلبات العربية في الاجتماع السداسي، والطلبات الأمريكيّة التي تحدّثت عن ضرورة أن تكون السلطة موجودة في قطاع غزة بعد الحرب. الرئيس محمود عباس يريد أن يكون مستعداً لذلك، بحيث يبقى جاهزاً أمام المجتمع الدوليّ لاستلام قطاع غزة، على خلاف ما أراده نتنياهو في وثيقته الأخيرة حول اليوم التالي للحرب"، يقول لرصيف22 الكاتب والباحث السياسيّ جهاد حرب. فهل يعني ذلك أنّ الشأن الفلسطينيّ الداخليّ بات ضمن صلاحيّات الدول العربيّة "المتشاورة" أو ضمن الطلبات الأمريكيّة المباشرة لتصوّرها عن مستقبل فلسطين؟

بداية إنهاء الانقسام؟

يقول رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الخليل د. بلال الشوبكي لرصيف22: "الأزمات التي تواجهها الحكومة، والتي جاء اشتيّة على ذكرها، هي أزمات سابقة للسابع من تشرين الأول/ أكتوبر. وعليه، فإنّ استقالة الحكومة والحديث عن تشكيل حكومة جديدة لا ينفصل عن التطورات السياسية المرتبطة بمرحلة ما بعد طوفان الأقصى"، وبرأيه، ليس بالضرورة أن "تكون الاستقالة استجابةً لضغوط خارجيّة. قد يكون الحديث عن الحكومة الجديدة جزءاً من ترتيبات داخليّة فلسطينيّة، وربّما بالتنسيق مع أطراف إقليميّة ودوليّة".

من جهته، يعتقد حرب بأنّ الاستقالة تعبّر عن رغبة الرئيس الفلسطينيّ محمود عبّاس في وضع موضوع تشكيل الحكومة على طاولة الحوار الوطني المزمع عقده في موسكو غداً الخميس 29 شباط/ فبراير 2024، والذي يرمي إلى البدء بمسارات المصالحة الفلسطينية وإنهاء الانقسام، وتوحيد مؤسسات السلطة في الضفة وغزة، وإعادة الإعمار، والتحضير لإجراء انتخابات. "كذلك، قد يكون الأمر مرتبطاً بمسار منفصل عن مسار الحكومة، مكانه القاهر، ومتعلّق بمنظّمة التحرير الفلسطينيّة، وإمكانيّة حدوث دمج لحركتيّ حماس والجهاد الإسلاميّ داخلها"، يقول حرب.

أمّا نائب أمين سرّ اللجنة المركزيّة لحركة فتح، د. صبري صيدم، فيؤكد لرصيف22 "أنّ استقالة الحكومة تأتي في إطار تحقيق التوافق الفلسطيني- الفلسطينيّ، الذي سيفتح الطريق أمام ولادة حكومة جديدة تحظى بمباركة هذا الوفاق وتؤسّس لمرحلة مستقبلية قائمة على الشراكة السياسيّة، وعلى استحداث استراتيجية وطنية شاملة تحظى بتوافق الجميع، خاصة وأننا استلمنا في الآونة الاخيرة مؤشرات إيجابية تفيد بجاهزيّة حركة حماس لدخول منظمة التحرير الفلسطينية، وضمن الشروط التي سبق ووضعت في لقاءات القاهرة والجزائر".

تعيش مدن الضفّة وقراها اقتحامات لا تتوقّف لقوّات الاحتلال، واعتداءاتٍ غير مسبوقة من جانب المستوطنين، الأمر الذي أضعف ثقة الجمهور بالحكومة، الذي بات يرى فيها جسماً ضعيفاً غير قادر على الدفاع عنهم أمام الاحتلال

ما الذي أضعف الحكومة المستقيلة؟

ما أورده رئيس الوزراء في بيان الاستقالة، من تصاعد ممارسات الاستعمار وإرهاب المستوطنين، والاجتياحات المتكررة في القدس والضفّة الغربية، تُعد، بحسب حرب، أسباباً غير مباشرة للاستقالة، وعوامل أضعفت قدرة الحكومة الفلسطينية على العمل. فالمناخ العام الذي وُضعت فيه حكومة محمد اشتية على مدار السنوات الخمس الماضية كانت غير مهيّئة لإنجاز برنامجها الذي وضعته على هيئة التزامات أمام الشعب الفلسطيني. ويدلّل حرب على ذلك بقوله: "إنّ منع تحويل أمول المقاصة (وهي الإيرادات الضريبية والرسوم والجمارك المفروضة على البضائع المستوردة إلى فلسطين، أو عبر إسرائيل والمعابر والحدود)، أدّى إلى عدم قدرة الحكومة على دفع الرواتب أو تقديم الخدمات أو تحسينها. في المقابل، تعيش مدن الضفّة وقراها اقتحامات لا تتوقّف لقوّات الاحتلال، واعتداءاتٍ غير مسبوقة من جانب المستوطنين، الأمر الذي أضعف ثقة الجمهور بالحكومة، الذي بات يرى فيها جسماً ضعيفاً غير قادر على الدفاع عنهم أمام الاحتلال".

حقبة شائكة

يرى الشوبكي أن الحكومة الفلسطينية المقبلة ستواجه عدة معضلات، منها إدارة ملفات قطاع غزة، بما فيها من إعمار وإعادة بناء وإيواء للنازحين، إضافةً لملف الضفة الغربية وقطاع غزة المرتبط بالموظفين وقدرات السلطة الفلسطينية المالية. ستواجه كذلك تحدّيات مرتبطة بالبرنامج السياسي الذي يحتاج إلى مرجعية، وهي منظمة التحرير الفلسطيني. "وعليه، فلا أظن أن الإتيان بأيّ حكومة جديدة قد يعني تغييراً على المستوى السياسيّ، ما لم يكن هناك حديث عن مرجعية للحكومة المقبلة. ذلك لأنّ أيّ ترتيب سياسيّ فلسطينيّ داخليّ على مستوى الحكومة لا يتوافق مع ترتيب على مستوى منظمة التحرير، فهو عملية جزئية قاصرة لا يمكن أن تؤدّي إلى تغيير حقيقي".

لكن هل يستثني الحديث عن دور السلطة الفلسطينيّة في إدارة شؤون غزّة ما بعد الحرب، مسؤوليّة أو حقّ حماس في هذه الإدارة؟ يؤكّد جهاد حرب "أنّ حركة حماس لا تستطيع إدارة الحكم في قطاع غزة بعد الحرب، وأنّ حركة فتح، أيضاً، لا تستطيع وحدها القيام بذلك"، ويردف: "الوسيلة الأساسيّة لتجاوز مثل هذه العقبات، أن يكون هناك حكومة وحدة وطنية أو حكومة تكنوقراط، تكون بمثابة حكومة إنقاذ وطني. كونها ستواجه صعوبات جمّة ليست مرتبطة بالإجماع الفلسطينيّ وحسب، إنّما بالموافقات الإسرائيلية والأوروبية والدوليّة".

هذا يعني أنّ قدرة الحكومة القادمة على العمل وإعادة بناء المؤسسات، ليست مرهونة فقط لموافقة جميع الفصائل الفلسطينية (وعلى رأسها حركتي فتح وحماس) على الحكومة المقبلة، وإنّما لحاجتها التعامل مع الحكومة الاسرائيليّة. إذ أنّ أيّة مقاطعة من جانب الحكومة الإسرائيلية لهذه الحكومة، أو منعها من التحرك وقطع أموال المقاصة عنها، سيعرقل عملها بالضرورة.

كذلك، فإنّ حاجة الحكومة المقبلة لرضا المجتمع الدولي أساسٌ جدّاً، حسب رأي حرب الذي يقول "إذا ما لم يكن هناك ضخّ لأموال ضخمة، لن تستطيع الحكومة أن تعيد إعمار القطاع، على سبيل المثال. فنحن لا نتحدّث هذه المرّة، مثل كلّ حرب تُشنّ على غزّة، عن إعادة إعمار أجزاء محدّدة من المرافق أو البنى التحتيّة. فقد أجهز الاحتلال منذ السابع من أكتوبر، وفق منظّمات عالميّة، على نحو 80 حتّى 90% من البنية التحتيّة للقطاع، ودمّر جميع جامعاتها ومساجدها، وأخرج معظم مستشفياتها عن الخدمة، جاعلاً من غزّة مكاناً غير قابل للعيش".

يعقّب الشوبكي: "يجب أن يكون هناك برامج لتعزيز صمود الفلسطينيين، بعيداً عن النمط الاقتصاديّ الاستهلاكيّ، لأنّ جزءاً من المعضلة الفلسطينيّة الحاليّة هو تحويل الأنماط الاقتصادية إلى أنماط استهلاكية مرتبطة بمصادر دخل ذات علاقة بالاحتلال الإسرائيلي. بمعنى أنّ العمالة الفلسطينية في الداخل المحتل تحتاج إلى تصاريح من الاحتلال الإسرائيليّ. كما أن حركة التجارة والاستيراد والتصدير تحتاج إلى موافقة إسرائيليّة. أمّا مصدر الدخل الثالث، فمرتبط بتحويل أموال المقاصة من الجانب الإسرائيليّ. وعليه، فإنّ أيّة حكومة فلسطينيّة جديدة تريد أن تحدث تغييراً فعليّاً في الأداء الفلسطينيّ، لا بد لها أن توجد مخرجاً من مصادر الدخل الثلاثة الأساسيّة المرتبطة بموافقة الاحتلال الإسرائيليّ، والتي تعتبر سيفاً مسلّطاً على رقاب الفلسطينيين".

 أيّ ترتيب سياسيّ فلسطينيّ داخليّ على مستوى الحكومة لا يتوافق مع ترتيب على مستوى منظمة التحرير، فهو عملية جزئية قاصرة لا يمكن أن تؤدّي إلى تغيير حقيقي

مهام ثقيلة مقبلة

"إعادة الحياة للشعب الفلسطيني، سيّما في قطاع غزّة، من خلال إعادة إعمار البنى التحتيّة والمنازل وإدخال الأموال إليها، توحيد مؤسسات السلطة الفلسطينيّة، خلق مصادر رزق بديلة لتلك التي دُمّرت، والتحضير لانتخابات رئاسيّة وتشريعيّة، هي المهام الملقاة على أكتاف الحكومة الجديدة"، كما يشير حرب، الذي يؤكّد أنّ "الانتخابات ستكون مسألة في منتهى الأهميّة كونها ستشكّل مساءلة أمام المجتمع الدوليّ الذي سيموّل إعادة الإعمار. أمّا المسار المقابل الذي يتحتم على الحكومة سلوكه، فهو بناء برنامج سياسيّ واستراتيجيّة نضاليّة لمنظمة التحرير، بما في ذلك دمج حركتي حماس والجهاد".

بدوره، يقول د. صبري صيدم: "الحكومة القادمة ستعمل في إطار مسعى فلسطيني للحفاظ على الترابط الجغرافي ما بين الضفة وغزة، ولصدّ المحرقة التي ترتكبها إسرائيل، ولإحباط مشروعها الرامي إلى تشكيل كانتون جديد في قطاع غزة تصادر فيه الجغرافيا الفلسطينية، أو تقتطع منه أجزاءً من القطاع وتُحكم السيطرة عليها، مستمرّةً في مسعاها لإفناء الهويّة الفلسطينيّة وتهجير الفلسطينيّين، في الضفّة الغربيّة وغزّة على السواء".

ويعتبر أنّ استقالة الحكومة فرصة وبداية ومنصة جديدة لولادة سياسية فلسطينية جديدة، تأتي تقاطعاً مع حجم الدم الذي أهدر. "علينا ألّا نغادر موسكو غداً ونحن مختلفون. ومن هناك نؤسس لمرحلة جديدة نستطيع من خلالها أن نستمر في الحديث والحوار تحقيقاً للمصالحة الوطنية وتشكيل هذه الحكومة المنشودة. وليكون لدى الجميع اقتناع بأننا نسعى لتجديد السلطة الوطنية الفلسطينية ضمن رؤيا سياسيّة فلسطينيّة جامعة، خاصة في ظل المحن التي يعيشها المشهد السياسيّ الفلسطينيّ".

ويبقى أكثر الأسئلة تعقيداً: كيف سينجح الفلسطينيّون في تحقيق هذه المطامع الوطنيّة والسياسيّة من دون أو قبل إنهاء الاحتلال، عقبتهم الأولى تجاه تحقيق دولة طبيعيّة.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard