"هي الجنة تحت أقدام الأمهات من شوية؟ وبعدين ما كل الستات كده"، عبارة قالها زوج حبيبة سعيد بنبرة ساخرة مستهينة بآلام زوجته التي ملَّ شكواها من السهر وأوجاع الرضاعة الطبيعية التي لا تحتملها.
لم تكن هذه المرة الأولى التي يُستهَان فيها بمتاعب حبيبة، فقد سبق الزوج شقيقته الكبرى التي تحل محل "الحماة" إذ وجهت انتقادات ساخرة لحبيبة حين علمت باختيارها الولادة القيصرية قائلة: "ماله الطبيعي يعني، ده انتي بتتدلعي"، ما دفع حبيبة نفسها للتساؤل: "لماذا تريد امرأة ذاقت الألم أن تدفع غيرها نحوه؟"
الإجابة اتضحت لاحقًا لحبيبة عندما عرفت من حديث قصير مع زوجها سبب إصراره وشقيقته على أن تخوض تجربة الولادة الطبيعية، وتبين أن لا صلة لإصرارهم بما ساقوه من مبررات سابقًا حول الخوف على صحتها من مضاعفات العملية القيصرية وآلام ما بعد الولادة المترتبة عليها، وإنما لأن تكلفة الولادة الطبيعية تقل كثيرًا عن تكلفة القيصرية
ألم أكثر يعني تكلفة أقل
الإجابة اتضحت لاحقًا لحبيبة عندما عرفت من حديث قصير مع زوجها سبب إصراره وشقيقته على أن تخوض تجربة الولادة الطبيعية، وتبين أن لا صلة لإصرارهم بما ساقوه من مبررات سابقًا حول الخوف على صحتها من مضاعفات العملية القيصرية وآلام ما بعد الولادة المترتبة عليها، وإنما لأن تكلفة الولادة الطبيعية تقل كثيرًا عن تكلفة القيصرية في المستشفيات والعيادات المصرية، وللسبب نفسه أصر الزوج على أن تعدل زوجته عن استخدم اللبن الصناعي بديلاً عن الرضاعة الطبيعية التي لم تكفِ لإشباع صغيرها. واجهت حبيبة انتقادات ولوماً عنيفا، لـ"زيادة اعباء الأب" بسبب تكلفة اللبن الصناعي، وذلك قبل أن تعود وتتلقى الإشادة وتنال الرضا أخيراً من جديد بعد أن نجحت في إرضاع الطفل عقب أيام من العذاب وتأهيل الثدي لاستمرار ضخ اللبن.
حبيبة التي تخلت عن عملها بهدف التفرغ لطفل حديث الولادة من دون عون، لا تفتقد دعم زوجها فحسب بل معظم المحيطين بها بمن فيهم والدتها لا تجد لديهم عونًا كافيًا، فالأم تصر على أن تكرر على مسامعها عبارات مثل: "لازم تتعبي، أومال بيبقوا غاليين إزاي؟!"، "ده انتي حتى والدة قيصري أومال لو طبيعي بقى كنتِ عملتي إيه؟" وغيرها من القناعات التي تعتقد أنها ترددها لتأخذ بيدها وتساعدها في وقت عصيب على طريقة "لست وحدك" ولكنها في حقيقة الأمر تكون كمن ينفخ في النار وينتظر منها أن تخمد.
تعي شيماء أن الغالبية العظمي من النساء المصريات لا يقدرن على تكلفة هذه الحقنة، وباتت مسألة التخفيف من الألم مرتبطة بالقدرة المالية للنساء وأمزجة أزواجهن، مشيرة إلى رفض عدد من أزواج صديقاتها للحقنة بسبب تكلفتها، لتعود لما بدأت به حديثها قائلة: "لذلك اخترت التعبير الأدق عما حدث معي، نعم اشتريت راحتي بأموالي"
"لم أندم على اختيار الولادة القيصرية رغم كل ما عانيت منها وما زلت حتى الآن" هذه العبارة التي بدأت بها حنان جميل حديثها لرصيف22، موضحة أنها تعرضت لكثير من المتاعب بعد أول ولادة قيصرية بخلاف الصعوبات التي تلقاها كل سيدة كالوقوف لأول مرة بعد إجراء العملية وفقدان الإحساس بمنطقة أسفل البطن لعام كامل، وعدم تمكنها من إرضاع طفلها طبيعياً خلال الأيام الأولى مما تسبب في اعتياده اللبن الصناعي، الأمر الذي تلقت عليه الكثير من اللوم والسخرية.
أما عن الصعوبات الأخرى التي عانتها حنان، فتضمنت عدم التئام جرحها لعدة أسابيع بعد الولادة وتلوثه، إذ وجدت مادة لزجة تخرج من بين ثنيات البطن حيث تكوَّن "صديد" نتيجة التهابات شديدة وأخطاء في إجراء العملية، ولم تبدأ العلاج إلا بعد أن ذهبت لطبيبها خلسة بدلاً من الذهاب للطبيبة التي أصر زوجها على إجراء العملية في عيادتها.
تلك الصعوبات جعلتها تضرب عن الحمل عدة سنوات بعد طفلها الأول، وكان أصعب ما واجهته على الإطلاق - على حد قولها- هو عدم تقدير زوجها لألمها حتى أنها لم تنسَ عبارة قالها ذات مرة بسبب استمرار شكواها من الألم بعد انتهاء فترة النفاس، والعبارة هي: "انتي هتمثلي بقى، ما كل الستات بتحمل وتولد وتقوم زي الفل".
حكاية "بدون ألم"
"اشتريت راحتي" هكذا اختصرت شيماء محمد تجربتها مع حقنة PCA (جهاز تحكم يسهل تسكين الألم أثناء الولادة وبعدها) التي ساعدتها على تخطي الألم بصورة فاقت توقعها خاصة أن لديها خبرة سابقة مع آلام الولادة القيصرية في حملها الأول.
مضت شيماء طويلاً وراء نصيحة صديقة تحدثت معها عن وجود حقنة تخفف الألم بشكل ملحوظ ويمتد مفعولها ثلاثة أيام في حال تركتها المريضة دون غلق مكبس التحكم فيها بعد تركيبها، فجمعت الكثير من المعلومات وسألت طبيبها عن جدواها فأوضح لها أن كثيراً من النساء الآن يخترن الحقنة أملاً في الحصول على استراحة محارب خاصة أن المريضة تكون المتحكم الأول في ضخ المُسكِّن أو إيقاف مفعوله قليلاً إذا شعرت أنها ليست بحاجة إليه لفترة من الوقت.
أشار لها الطبيب بالموافقة على الحقنة شريطة ألا تتدخل في ضبط الجرعات بنفسها وتركها مستمرة في الضخ حتى تنتهي، موضحاً أنها الطريقة الأكثر أماناً للاستفادة من الحقنة دون وقوع أي تأثير عليها أو المولود الذي يرضع طبيعياً.
"اشتريت راحتي" هكذا اختصرت شيماء محمد تجربتها مع حقنة PCA (جهاز تحكم يسهل تسكين الألم أثناء الولادة وبعدها) التي ساعدتها على تخطي الألم بصورة فاقت توقعها خاصة أن لديها خبرة سابقة مع آلام الولادة القيصرية في حملها الأول
يراوح سعر تلك الحقنة بين 1300 و1650 جنيهاً (وقت إعداد التقرير في بداية فبراير/ شباط)، لذا قررت شيماء تحمل تكلفتها حتى لا تزيد العبء على زوجها الذي بدوره لم يرفض الأمر طالما لن يتحمل مزيداً من المصروفات التي وضعها لتكاليف العملية.
راحة بـ"أعلى سعر"
تقول شيماء ـرصيف22: "لم يقلها زوجي صراحة، ولكنني شعرت به يريد أن يخبرني أن موافقته مرهونة فقط بعدم تحمل أي تكلفة إضافية مقابل (خدمة اختيارية)"، هكذا يرى زوجها فكرة تخفيف الألم الذي ضمنته لنفسها من مدخراتها بسبب رؤية الزوج لتكلفة تسكين ألمها باعتباره "رفاهية تبحث المرأة من خلالها عما يُنهي آلام ولادتها التي تمنحها جزءا كبيراً من إحساسها بالأمومة واستحقاقها" حسب رأيه الذي نقلته لنا شيماء.
تقول الام الشابة أنها لاحظت من خبرتها وخبرات قريناتها أن "كل الازواج تقريبًا مصدقين إنه الستات مينفعش تبقى امهات إلا لو اتألمت ألم عنيف، وإنه الست لو دورت على راحتها او تخفيف ألمها تبقى أنانية وبتتدلع".
تعي شيماء أن الغالبية العظمي من النساء المصريات لا يقدرن على تكلفة هذه الحقنة، وباتت مسألة التخفيف من الألم مرتبطة بالقدرة المالية للنساء وأمزجة أزواجهن، مشيرة إلى رفض عدد من أزواج صديقاتها للحقنة بسبب تكلفتها، لتعود لما بدأت به حديثها قائلة: "لذلك اخترت التعبير الأدق عما حدث معي، نعم اشتريت راحتي بأموالي".
"لا ينبغي أن تختبر المرأة كل تلك الصراعات والتضييقات والوصم وهي في أضعف حالاتها وأكثر احتياجاً فيها للدعم والمساندة" هكذا قالت لرصيف22 الدكتورة هناء أبو القاسم استشارية أمراض النساء والتوليد ومؤسِسة أحد مراكز الولادة الآمنة والولادة في الماء، مشيرة إلى أربع مراحل تخوضها الحامل لا تنتهي بالوضع، بل تمتد ستة أسابيع بعد الولادة، وهو مفهوم الولادة الآمنة الذي يستهدف العناية بالأم خلال رحلة الحمل وأثناء الولادة وبعدها.
الاستماع للأمهات وأفكارهن وبحث ودراسة جميع مخاوفهن هي الوسيلة التي ضمنت نجاح تجربة مراكز الولادة الآمنة، وفقاً لما توضحه أبو القاسم عن البرنامج النفسي والعلاجي والتعليمي المتكامل للسيدات المقبلات على مرحلة الأمومة طوال فترة الحمل وبعد ولادة الطفل.
"Child Birth Education" هو البرنامج المُتَّبع في الدول الأجنبية من بداية المعرفة بالحمل للأم والزوج الذي يشاركها كل الخطوات للتعرف على التغيرات التي ستطرأ عليها طوال هذه الفترة مثل تطور شكل البطن وزيادة الوزن وظهور علامات الكلف، الأمر الذي أشارت الدكتورة هناء إلى أهميته نظراً لضيق بعض الأمهات من عدة تغيرات، فتكون الأم حينئذ على استعداد لما هي مُقبلة عليه.
"توكوفوبيا"
وترصد أبو القاسم لرصيف22 التطورات التي يسير عليها البرنامج التعليمي العلاجي داخل المركز بهدف تحقيق غرض الولادة الآمنة من خلال تهيئة الأم نفسياً وجسدياً للتعامل مع فكرة الحمل والولادة، والتعامل مع المعضلة الأهم لديها وهي الخوف من الألم، فهذه أكبر مخاوف المرأة خاصة وأن كل ما تسمعه من حكايات عن أمر مجهول بالنسبة لها ممن سبقوها مرعبة ومؤلمة لا مجال فيها إلا للمعاناة والفزع، مؤكدة أن نسبة من 30% إلى 50% من الأمهات تعاني من "توكوفوبيا" وهو الخوف من ألم الولادة.
توضح الطبيبة: "تجد الأم نفسها أمام اختيارين كلاهما صعب وفقاً لما تسمعه ممن حولها عن تجاربهن الخاصة". الأم تجد نفسها - والحديث لا يزال لأبو القاسم- مخيرة بين آلام المهبل الذي يتم فتح جزء منه وتوسيعه بشكل يؤثر على العلاقة الزوجية كما تظن وتسمع أو ترتضي عملية جراحية وفتح بطن وتخدير وآلام ما بعد الولادة وعدم قدرتها على الحركة أو القيام بأي نشاط أو مجهود لخدمة نفسها أو رضيعها لفترة ليست بقصيرة، هذه المخاوف يمكن مواجهتها من خلال البرنامج التعليمي الذي يتضمن معايشة وتخيل أيضاً لعملية الولادة "ولكن بطريقة تجعل منها أمّاً متفهمة ومتعاونة لا تفر من الولادة أو تنفر منها".
توقعات واتهامات
"الأم مش محتاجة توصية، الأم محتاجة طبطبة" بهذه العبارة حددت الدكتورة هناء ما يلزم الأم بعد الولادة للتعافي، منتقدة الأحكام التي يطلقها البعض عليها واتهامها بالتقصير تجاه مولودها رغم أن ما يحدث معها هو العكس تماماً، فالأم تنسى نفسها ولا تمنحها الوقت الكافي واللازم للتعافي.
بعض التجارب السيئة وكثير من الخرافات التي يعترف بوجودها أهل الطب ويسعون للخلاص منها، مُضافةً إليها ضغوط مجتمعية قاسية تضع الأم تحت الاختبار والتقييم وتصفها بالفشل إذا خرجت عن المألوف والمتوارث.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون