لن تكتمل رحلتكم/ نّ إلى أي مدينة دون زيارة أسواقها الشعبية، فالأخيرة هي التي تعرّفكم/ نّ على نبضها ومعالم الحياة فيها، وتخرجكم/ نّ من مسار السياحة الأثرية المألوف، وبالطبع تضفي على الرحلة الكثير من المتعة.
لذا، خلال زيارتكم/ نّ إلى القاهرة، لا تفوّتوا/ ن فرصة اكتشاف أسواقها الشعبية الصاخبة التي تأسركم/ نّ ببساطتها وتنوّع بضائعها.
سوق خان الخليلي
يُعدّ سوق خان الخليلي أحد أعرق أسواق مصر والشرق الأوسط، إذ يزيد عمره عن 600 عام، ويضمّ في أزقته المتداخلة محال صغيرةً متنوعةً أبرزها البازارات ومتاجر بيع المنتجات اليدوية، بجانب العديد من المقاهي الشهيرة مثل مقهى الفيشاوي وأم كلثوم.
ويتميز سوق خان الخليلي، بطرازه المعماري العتيق الذي يعود إلى عصر المماليك. وسُمّي بهذا الاسم نسبةً إلى الأمير جهاركس الخليلي، كبير التجار في عصر السلطان الظاهر سيف الدين برقوق، وقد شيّده عام 1382، في موضع تربة القصر الشرقي الخاص بالخليفة الفاطمي "تربة الزعفران" التي تحوي رفات الخلفاء الفاطميين، بعد نبشها واستخراج الرفات منها وإلقائها في "كيمان البرقية"، وهو مقلب قمامة ضخم كان آنذاك وموضعه الحالي حديقة الأزهر.
يُعدّ سوق خان الخليلي أحد أعرق أسواق مصر والشرق الأوسط، إذ يزيد عمره عن 600 عام، ويضمّ في أزقته المتداخلة محال صغيرةً متنوعةً أبرزها البازارات ومتاجر بيع المنتجات اليدوية، بجانب العديد من المقاهي الشهيرة مثل مقهى الفيشاوي وأم كلثوم
وأمر السلطان الغوري في العام 1511، بهدم خان الخليلي، وأنشأ مكانه حواصل (مستودعات للخشب)، وحوانيت ووكالات للتجار، ولكن هُدمت هذه الحواصل والحوانيت وأعيد بناء الخان بعد ذلك.
سوف تجدون/ ن في خان الخليلي مختلف الأعمال اليدوية وأبرزها النحاسيات والمفروشات والسجاد اليدوي، كما ستجدون/ ن التماثيل الفرعونية المقلدة والأكسسوارات ذات الطراز التراثي القديم، والفوانيس والملابس الشعبية المطرزة.
في خان الخليلي أيضاً محال للعطارة تنثر رائحة التوابل في جنباته، فتتداخل مع رائحة البخور والعطور التي نجدها أيضاً في بعض متاجر هذا السوق العتيق، لكن أهم ما نجده في خان الخليلي، المتعة، فهو السوق الأكثر جمالاً وأصالةً وجذباً للسياح في القاهرة.
سوق الغورية
"يا رايحين الغورية، هاتوا لحبيبي هدية... هاتوا له توب بالقصب يليق على رسمه... انقش عليه العجب، واكتب عليه اسمه"؛ هذه الكلمات غنّاها المطرب الراحل محمد قنديل لسوق الغورية العتيق الذي يقع على مرمى حجر من خان الخليلي.
ويُعدّ سوق الغورية الذي يتجاوز عمره 700 عام، وجهةً أولى للشابات المقبلات على الزواج، حيث تُباع مختلف الملابس النسائية واللانجيري، وكذلك الأقمشة والستائر والمفروشات المحلية والتركية والإسبانية والسورية، كما توجد فيه متاجر صغيرة لبيع الأكسسوارات الشعبية والسجاد.
كان السوق يُعرف قديماً باسم "سوق الشرابشيين"، نسبةً إلى الشرابيش (العمائم) التي كانت تُصنع للأمراء فيه قبل 700 عام، وفق ما أشار إليه المقريزي في كتابه "المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار"، لكنه تغيّر إلى "سوق الغورية"، نسبةً إلى السلطان الأشرف قانصوه الغوري الذي شيّد في الحي مجموعةً معماريةً بديعةً من أجمل المعالم الأثرية المملوكية في مصر، وتتكون من وكالة الغوري، ومسجده وقبّته وسبيله وكتّابه ومدرسته. وتُعدّ وكالة الغوري نموذجاً لما كانت عليه الوكالات في ذلك العصر.
أسواق العتبة والموسكي
أسواق العتبة والموسكي التي يرجع تاريخها إلى مئات السنين، يقصدها عشرات الآلاف من الأشخاص يومياً، قادمين/ ات من مختلف أنحاء البلاد بسبب أسعارها الزهيدة، لكن استكشاف هذا السوق الشعبي ليس مجرد نزهة بسيطة.
يُعدّ سوق العتبة مخصصاً لبيع الملابس منخفضة السعر، ويأتي من بعده سوق شارع عبد العزيز المخصص لبيع الأجهزة الكهربائية والهواتف المحمولة بأسعار الجملة. وهناك أسواق أخرى في منطقة العتبة التابعة لحي الموسكي، أبرزها سوق شارع الرويعي المعروف ببيع الأحذية وأوراق الحيطان وأكسسوارات الموبيليا والحمامات والمطابخ، وكذلك سوق درب البرابرة للنجف (الكلاسيكي، والكريستالي، والمودرن)، ومستلزمات "السبوع".
"يا رايحين الغورية، هاتوا لحبيبي هدية... هاتوا له توب بالقصب يليق على رسمه... انقش عليه العجب، واكتب عليه اسمه"؛ هذه الكلمات غنّاها المطرب الراحل محمد قنديل لسوق الغورية العتيق
وفي حيّ الموسكي، سوق رئيسي آخر للملابس هو سوق الموسكي بجانب أسواق أخرى عدة تمتد حتى حي الجمالية، حيث الأزهر والحسين؛ ومن هذه الأسواق الشهيرة سوق حمام التلات المخصص لبيع الأدوات المنزلية، وهو المقصد الأول للعرائس من مختلف أنحاء البلاد، وفيه العديد من محال بيع أواني الطهي والتقديم وكل أدوات الطعام التي ترضي مختلف الأذواق، كذلك هناك سوق درب سعادة العتبة المخصص لبيع الأدوات المنزلية.
في السياق نفسه، هناك سوق حارة اليهود الذي يشتهر ببيع لعب الأطفال وسوق المناصرة المخصص لبيع الموبيليا.
تعود نشأة أسواق العتبة إلى العام 1869، حينما أمر الخديوي إسماعيل، بإنشاء سوق مبنيّ بالأحجار على مساحة واسعة ومسقوفة بالكامل، مقلّداً بذلك الأسواق الحديثة في باريس وتركيا في ذلك الزمان. وبالفعل كان ميدان العتبة في الماضي يضم أشهر وأكبر المحال التي تنافس بأناقتها وجودة بضاعتها محال لندن وباريس، بالإضافة إلى البازارات ومحال "المانيفاتورة" و"الرهونات" التي كان يملكها اليهود.
وتتجاوز حجم التجارة الخاصة بمنطقة العتبة والحسين، نحو 100 مليار جنيه، وفق تقرير لوكالة أنباء الشرق الأوسط، نشرته الهيئة العامة للاستعلامات، عن تجار وأصحاب محال تجارية في المنطقة.
سوق وكالة البلح
يُعدّ سوق وكالة البلح، أشهر سوق ملابس مستعملة/ بالة "bale" في القاهرة، ومع ذلك فإن السوق الذي نشأ في العام 1880، لا يقتصر على بيع الملابس المستخدمة فقط، فهناك أيضاً محال تبيع ملابس جديدةً بأسعار زهيدة وأخرى تبيع الأقمشة والستائر والمفروشات بالإضافة إلى محال بيع الأحذية.
وكانت وكالة البلح في القرن التاسع عشر، سوقاً للاتّجار في البلح، لكنه تحول إلى تجارة الملابس المستعملة، ولهذا عُرف باسم سوق "الكانتو" لفترة من الزمن؛ والكانتو "Cantù" كلمة إيطالية تعني المتاجرة في الأشياء المستخدمة، لكن اسم "وكالة البلح" عاد مرةً أخرى ليُعرَف به السوق.
يُعدّ سوق وكالة البلح، أشهر سوق ملابس مستعملة/ بالة في القاهرة، ومع ذلك فإن السوق الذي نشأ في العام 1880، لا يقتصر على بيع الملابس المستخدمة فقط، فهناك أيضاً محال تبيع ملابس جديدةً بأسعار زهيدة وأخرى تبيع الأقمشة والستائر والمفروشات
منذ عقود وحتى بضع سنوات فائتة، كانت "وكالة البلح" الوجهة الأولى لغالبية المقبلات على الزواج لشراء الستائر، لكنها تحولت أخيراً إلى سوق يطغى عليه بيع الملابس المستعملة التي يبدأ سعرها بعشرة جنيهات. ويشار إلى أن الكثير من هذه الملابس يتم استيرادها من الخارج عبر شركات/ مكاتب متخصصة، وتأتي في رُزم ضخمة/ أكياس بلاستيكية كبيرة تُسمّى بالإنكليزية "Bale"، ولهذا يُطلَق على هذه الملابس في مصر اسم "البالة".
ويوم الأحد، هو موعد سوق أسبوعي للعديد من السلع المستعملة في "وكالة البلح" بجانب سوق الملابس المفتوح على مدار الأسبوع، حيث يفترش التجار حواري وأزقة الوكالة الواقعة بين حي بولاق أبو العلا الشعبي، وحي الزمالك الراقي، ليعرضوا منتجاتهم التي تتنوع ما بين أجهزة كهربائية وأواني الطهي والأنتيكات ولعب الأطفال؛ وجميعها منتجات مستعملة.
سور الأزبكية الثقافي
لا شك في أن سور الأزبكية، علامة من علامات القاهرة الثقافية، فهو أقدم سوق لبيع الكتب في مصر، غذ يتخطى عمره المئة عام؛ وهو سوق مخصص لبيع الكتب القديمة والمستعملة.
يقع سور الأزبكية في منطقة يعود تاريخها لأكثر من سبعة قرون، وجرى تسميتها بـ"الأزبكية" نسبةً إلى قائد جيش السلطان الأشرف قايتباي، الأتابكي "أزبك بن ططخ" الذي كان أول من سكن بجوار بركة الأزبكية، بعد أن أزال تلال القمامة ومهّد الأرض وشرع في إقامة العمائر والحمامات والطواحين فيها وأحاطها بالبساتين، حتى صار الحي عام 1495، من أرقى أحياء القاهرة السكنية.
وبدأت شعلة أشهر سور/ رصيف ثقافي في العالم العربي عام 1907، حينما بدأ باعة الكتب بافتراش الأرض بالكتب في ميدان العتبة وبمحاذاة حديقة الأزبكية، إلا أن النقطة الفارقة في تاريخ السور كانت في العام 1949، حيث توجه 31 بائعاً من تجار السوق إلى رئيس مجلس الوزراء آنذاك مصطفى النحاس، ليُصدر لهم تراخيص بمزاولة المهنة ومنع بلدية القاهرة من التعرض لهم، وكان لهم ما أرادوا، ليصبح السور بذلك رسمياً أول سور للكتب في الأزبكية.
كان من أبرز رواد سوق الأزبكية، نجيب محفوظ وعباس العقاد، أما من السياسيين فنذكر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وكذلك خلفه الرئيس الراحل أنور السادات
طالت السور، على مدار العقود الماضية، تغيّرات عدة منها هدم السور الحديدي وإقامة سور حجري بدلاً منه، ثم هدم السور الحجري وإقامة أكشاك لباعة الكتب، ووصلت إلى حد نقل التجار مرّتين؛ الأولى إلى منطقة السيدة زينب عند وضع أساسات كوبري الأزهر، والثانية إلى منطقة الحسين عند القيام بأعمال إنشاء محطة مترو العتبة، لكن برغم ذلك كان بائعو الكتب يعودون مجدداً، محافظين بذلك على هذا السوق الذي يشكل منارةً ثقافيةً تزيّن القاهرة.
يعتمد سور الأزبكية على بيع الكتب القديمة والمستعملة التي تتنوع موضوعاتها بين التاريخ والسياسة والرياضة والفن وحتى الطهي، وتبدأ أسعارها من ثلاثة جنيهات، وهو ما جعل الأديب سليمان فياض، يطلق عليه "جامعة الفقراء" حيث يجد الراغبون/ ات في القراءة ضالَّتَهُم بأسعار زهيدة.
وكان من أبرز رواد السوق من الكتّاب والأدباء، نجيب محفوظ وعباس العقاد، أما من السياسيين فنذكر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وكذلك خلفه الرئيس الراحل أنور السادات.
أخيراً، هذه الأسواق الشعبية التي يعود تاريخها لمئات السنين، يقصدها الناس من مختلف الطبقات، فهي تلبّي احتياجات كل الفئات وبأسعار تناسب الجميع، لذا لا تفوّتوا/ ن زيارتها متى سنحت لكم/ نّ الفرصة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع