في سور الأزبكية، أحد أشهر أسواق الكتب القديمة بالعاصمة المصرية، وموقعه بمنطقة العتبة وسط القاهرة، يعرض كشك الكتب القديمة الذي يحمل اسم "عالم الكتب" نسخة نادرة من رواية أولاد حارتنا للكاتب المصري الراحل نجيب محفوظ (11 كانون الأول/ديسمبر 1911 - 30 آب/أغسطس 2006) بسعر عشرين جنيهاً فقط، أي ما يزيد قليلاً على دولار أمريكي. النسخة صادرة عن دار الآداب ببيروت، ويعود تاريخها لأوائل الستينيات. لكن هذه النسخة من الرواية ليست الكنز الأدبي الوحيد الذي يحويه السوق الشهير، فهناك كنوز أخرى، تختلف في مسمياتها، وتشترك في أنها جميعاً معروضة بسعر زهيد.
ما أشهر أسواق الكتب القديمة في القاهرة؟ وما هو سر رخص أسعار المطبوعات في هذه الأسواق؟ ومن أين يأتي البائعون بهذه الكتب؟ رصيف22 يحاول فضّ أسرار أسواق الكتب القديمة في العاصمة المصرية.
يعد سور الأزبكية أحد أقدم أسواق الكتب القديمة في القاهرة، وتعود بدايته إلى أوائل القرن العشرين، حينذاك كان يتجول باعة الكتب بكتبهم لعرضها على رواد المقاهي وسط القاهرة، وفي نهاية اليوم يتخذون من حديقة الأزبكية، التي أنشأها الخديوي إسماعيل في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، مكاناً للتجمع والراحة وتبادل الكتب. ولاحقاً باتت الحديقة مقراً لبيع الكتب القديمة والنادرة بأثمان زهيدة، وفي أربعينيات القرن الماضي، وافقت الحكومة على منح تجار الكتب تراخيص، فكانت نواة شرعية لاستمرار نشاط سوق الأزبكية حتى الآن.
"كثيراً ما يأتي إلينا مواطنون ويقولون إن لديهم مكتبات ضخمة في بيوتهم ورثوها عن أجدادهم أو آبائهم، ويطلبون منا أن نشتريها منهم، ودائماً نجد في هذه المكتبات كتباً كثيرة مهمة، نعرضها للبيع بأسعار معقولة لزبائن يبحثون عنها"
ويضم السور أكثر من مئة وثلاثين كشكاً صغيراً لبيع الكتب، ولسنوات طويلة ظل السوق الوجهة المفضلة لعشاق الكتب المطبوعة في مصر، وهو يحوي كتباً ومجلات في جميع المجالات، وإلى جانب اللغة العربية كتب بلغات أخرى منها الإنجليزية والفرنسية.
لكن السوق ليس الوحيد في مصر، فهناك أيضاً سوق السيدة زينب الذي يحوي أكشاكاً أقل بكثير من سور الأزبكية، لكنه يشترك معه في رخص سعر الكتب، ومثلما يوجد سور الأزبكية بالقرب من محطة مترو العتبة، يوجد سوق السيدة زينب بالقرب من محطة مترو السيدة زينب، وهو ما جعل السوقين من أشهر أسواق الكتب القديمة في القاهرة، بسبب سهولة الوصول إليهما من أي مكان في القاهرة عن طريق مترو أنفاق القاهرة.
يحوي سوق السيدة زينب حوالى 40 كشكاً صغيراً لبيع الروايات والمجلات القديمة، كما تبيع بعض الأكشاك نسخاً جديدة من الروايات الحديثة بأسعار مخفضة، لكن في فترة الدراسة تتحول غالبية أكشاك السوق لبيع الكتب الدراسية الخارجية، ويصبح زواره من أولياء الأمور الذين يبحثون لأبنائهم عن كتب دراسية بسعر أرخص من سعر المكتبات المصرية.
إلى جانب سور الأزبكية وسوق السيدة زينب هناك أيضاً سور جامعة القاهرة للكتب المستعملة، يمتد على طول سور الجامعة العريقة، ومن هناك يمكن شراء كتب ومجلات بأسعار رخيصة جداً، وغالباً ما يتم تقسيمها إلى إصدارات بحسب السعر، ففي جزء من السور يكون سعر أي كتاب معروض فيه خمسة جنيهات، وجزء آخر سعر المعروض فيه عشرة، وهكذا. لكن تغلب على السوق الكتب الجامعية.
هناك أيضاً سور دار القضاء العالي بالقرب من مبنى دار القضاء العالي التاريخي بقلب القاهرة، لكن هذه الفترة يواجه السور أزمة تتعلق بأعمال تطوير مترو أنفاق القاهرة، وهذا ما جعل عدد الباعة فيه يقل بدرجة كبيرة، ولا يوجد هناك أكشاك لبيع الكتب، بل مجرد باعة يفترشون الرصيف ويبيعون الكتب بأسعار رخيصة جداً، وفي سور دار القضاء العالي يمكن شراء روايات مهمة مثل روايات الكاتب إحسان عبد القدوس بخمسة جنيهات فقط للرواية الواحدة.
أسرار أسواق الكتب القديمة
يقول الحاج خالد أشهر تجار الكتب القديمة بسور الأزبكية لرصيف22 إن ما لا يعرفه الناس عن السور هو أن باعة الكتب فيه يشترون الكتب بالكيلوغرام، وهذا هو سر رخص سعر الكتاب، كاشفاً أن باعة الروبابيكا (باعة ينتشرون في الشوارع يشترون الأشياء القديمة) يشترون الكتب القديمة من المواطنين بالكيلوغرام، ثم يأتون لبيعها لتجار أسواق الكتب القديمة، وغالباً ما تكون بين هذه الكتب كنوز أدبية مهمة.
ما هي أشهر أسواق الكتب القديمة في القاهرة؟ وما هو سر رخص أسعار المطبوعات في هذه الأسواق؟ ومن أين يأتي البائعون بهذه الكتب؟ رصيف22 يفتح نافذة على أسواق الكتب القديمة في العاصمة المصرية ليسبر أغوارها
تجار كبار في أسواق الكتب القديمة يتابعون حركة الكتب في جميع مكتبات القاهرة، ويرصدون أكثر الكتب مبيعاً التي تصدرها دور النشر المصرية، ثم يعيدون طباعتها باستخدام خامات أقل تكلفة… نكشف لكم عن أسرار أسواق الكتب القديمة في القاهرة
ويؤكد الحاج خالد أن أشهر تجار الكتب القديمة في القاهرة هم عمرو يوسف، ومحمد محمود، وأحمد عبد العزيز، وحربي محسب، ومحمود عبد الرحيم، وأحمد عفيفي، وتجار آخرين، مضيفاً أن أغلبهم ورث المهنة عن آبائهم وأجدادهم.
يضيف التاجر المصري أن دور النشر أيضاً تبيع كتبها القديمة في المخازن لباعة الكتب القديمة بسعر رخيص، كما أن هناك مطابع عدة تطبع نسخاً من الكتب المهمة التي يبحث عنها الناس، منها الروايات الكلاسيكية، والروايات المترجمة، ثم يبيعونها بسعر الجملة لتجار سور الأزبكية وباقي أسواق الكتب القديمة الأخرى في القاهرة، وهؤلاء يبيعونها بدورهم بسعر رخيص لأن "زبون" هذه الأسواق لا يشتري كتباً مرتفعة الثمن.
"كثيراً ما يأتي إلينا مواطنون ويقولون إن لديهم مكتبات ضخمة في بيوتهم ورثوها عن أجدادهم أو آبائهم، ويطلبون منا أن نشتريها منهم، ودائماً نجد في هذه المكتبات كتباً كثيرة مهمة، نعرضها للبيع بأسعار معقولة لزبائن يبحثون عنها" يحكي الحاج خالد لرصيف22.
"نسخ مضروبة"
يقول بائع كتب آخر في سور الأزبكية لرصيف22 أن أغلب الكتب في أكشاك سور الأزبكية هي نسخ مضروبة وليست أصلية، تقوم بطباعتها مطابع يتعامل معها تجار الكتب القديمة في السور، مضيفاً أن هذا هو السر في أن أغلب الروايات الحديثة والمترجمة يكون سعرها رخيص جداً مقارنة بالكتب نفسها في مكتبات القاهرة الأخرى مثل مكتبات ديوان والشروق وغيرهما.
يضيف البائع الذي رفض أن نذكر اسمه أن أكثر الكتب التي تحقق مبيعات هذه الفترة في السوق هي روايات الكتاب الشباب من أمثال أحمد مراد مؤلف روايات الفيل الأزرق، وتراب الماس، إلى جانب روايات نجيب محفوظ، وكتب طه حسين، وعباس محمود العقاد، وباولو كويلو، وأحمد خالد توفيق وكتب الطبخ، والروايات الأجنبية.
وبحسب البائع، فإن سور الأزبكية أصبح في السنوات الأخيرة، المكان المفضل للمثقف والطالب المحدود الدخل، والباحث عن الكتاب القديم أو الحديث بسعر رخيص، من دون أن يهتم بأمور انتهاك حقوق الملكية الفكرية وتأثيرها على حقوق المؤلف والناشر على السواء.
ويكمل البائع أن هناك تجاراً كباراً في أسواق الكتب القديمة يتابعون حركة الكتب في جميع مكتبات القاهرة، ويرصدون أكثر الكتب مبيعاً التي تصدرها دور النشر المصرية، ثم يعيدون طباعتها باستخدام خامات أقل تكلفة، عن طريق استخدام أنواع ورق أرخص وأكثر رداءةً، لكنها معقولة بالنسبة للقارئ الذي يهمه السعر أكثر من الجودة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.