بالرغم مما حققته الحياة السياسية في الكويت من إنجازات ديمقراطية خلال مشوار تطوّرها، إلا أن هناك العديد من العوامل التي تقف حجر عثرة في مسار التنمية السياسية للتجربة، يأتي على رأسها تغييب الأحزاب والتجمعات السياسية المحظورة عملياً في البلاد، وممارسات الانقلاب على الدستور التي تمت أكثر من مرة عبر حلّ مجلس الأمة بخلاف ما ينص عليه الدستور، وإصدار قوانين تسهم في تقييد الحريات وتفرض قيوداً على حقوق المرأة والمواطنة، وتكبّل السلطتين التشريعية والقضائية، ومحاولة الإبقاء على دستور أصبحت مراجعته ضرورةً حتميةً، بعد أن أثبتت التجربة بشكل قاطع، أن العديد من مواده تعزز المفاهيم والتكوينات القبلية القديمة في مواجهة مشروعات الحداثة السياسية البنيوية للمجتمع.
فوفقاً لدراسة صادرة عن مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث، فإن قضايا الفساد في الكويت أصبحت تجتاح 20 قطاعاً حكومياً، تمثّل تقريباً كل مناحي الحياة في الدولة، حيث شملت تحقيقات الفساد المتغلغل في جسد الدولة "هيئات التأمينات الاجتماعية، ضيافة الداخلية، الخطوط الجوية الكويتية، الرياضة، الموانئ، البلديات، صناعات البتروكيماويات والنفط، مجلس الأمة، بيت الزكاة، وزارة الأشغال، الصحة، الكهرباء والماء، وزارة الإعلام، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الهيئة العامة للطرق، ووزارة العدل". وذلك في الوقت الذي يُعدّ فيه قطاع الدفاع، خاصةً المشتريات الدفاعية، وصندوق الجيش، أبرز القطاعات المتهمة بشبهات الفساد المالي والاختلاس، في ظل شبهات استيلاء على المال العام بقيمة مليارات الدولارات داخل القطاع، في أكبر قضية فساد في تاريخ البلاد.
وكانت تُعدّ التجربة الديمقراطية في الكويت، واحدةً من أهم التجارب الديمقراطية الرائدة في الوطن العربي، بما قدّمته من حوار سياسي فكري، ونشاط ديمقراطي فعّال، في مجتمع تقليدي، تسوده أنماط الحياة القبلية القديمة المختلفة. لكن ما تعرضت له تلك التجربة، خلال أكثر من ستين عاماً، وما شهدته من مواجهات ساخنة وتوتر خلال الممارسة، أنتج عشرات الأزمات والصراعات التي ساهمت في تشرذم الرأي العام السياسي بين قوى طائفية وقبلية، وتبعثر مريب للقوى الوطنية من التيار المدني. هذه التداعيات كلها، أصبحت تمثل عائقاً كبيراً أمام مستقبل الدولة التي لطالما عدّها الخليجيون جوهرتهم الثمينة.
قضايا الفساد في الكويت أصبحت تجتاح 20 قطاعاً حكومياً، تمثّل تقريباً كل مناحي الحياة في الدولة، حيث شملت تحقيقات الفساد المتغلغل في جسد الدولة. علماً أن قطاع الدفاع، خاصةً المشتريات الدفاعية، وصندوق الجيش، أبرز القطاعات المتهمة بشبهات الفساد المالي والاختلاس، في ظل شبهات استيلاء على المال العام بقيمة مليارات الدولارات داخل القطاع، في أكبر قضية فساد في تاريخ البلاد
علماً، أنه كانت قد دفعت التجربة الديمقراطية في الكويت، دول الخليج إلى الإحاطة بجوانبها المتعددة، فتابعت باهتمام بالغ مسار هذه التجربة منذ بدايتها. إلا أن التدهور السياسي والاجتماعي والتنموي الفج الذي طفا فوق سطح الدولة، وتغلغل في جميع أركانها تقريباً، أصبح يمثل شبحاً كئيباً يخيّم على روح الحياة السياسية والمجتمعية في البلاد، ونذير شؤم لباقي دول الخليج.
مرحلة ما قبل النفط... ديمقراطية البداوة
قبل اكتشاف النفط في منطقة الخليج، بل قبل أن يكون النفط سلعةً ذات أهمية في العالم، كانت ميزانية الكويت تعتمد بشكل كبير على الضرائب التي يتم تحصيلها من التجار وأصحاب الأملاك. وعلى جري عادة المجتمعات التقليدية القديمة، تستطيع أن تمتلك وزناً سياسياً بقدر تمويلك الميزانية. وعليه، كان للتجار ثقل مرموق في سياسة الكويت القديمة، لذا شهدت تلك الفترة صراعات داخليةً بحثاً عن زيادة النفوذ، بين الأسرة الحاكمة وطبقة التجار، حتى صار النفط المصدر الأساسي لتمويل ميزانية الدولة، وصار أثره حاسماً ونفوذه كبيراً على النشاط الاقتصادي في المنطقة.
يقول الدكتور مفيد الزيدي، أستاذ تاريخ الخليج العربي الحديث والمعاصر في جامعة بغداد، في تصريحات لرصيف22، إن الكويت تُعدّ الدولة الوحيدة في مجلس التعاون الخليجي، التي يمكن وصف تجربتها الديمقراطية بأنها "ديمقراطية البداوة"، بناءً على تعدد وقِدَم التجارب والخطوات السياسية التي انتهجتها الدولة في الإطار الديمقراطي. وبرغم تعثر غالبيتها، وإنتاجها نزاعات داخليةً داخل مجتمع قبلي وعشائري بالأساس، سيطرت على السلطة الحاكمة دوماً حسابات الخوف من فقدان النفوذ، خاصةً في مرحلة ما قبل استخراج النفط من باطن الدولة.
ويضيف: "بينما تطورت الأمور كثيراً نتيجة الإنتاج الكبير للبترول في البلاد، وزيادة إيرادات الدولة، أصبحت الدولة أكبر مؤسسة للتوظيف، وباتت طبقة التجار تعتمد عليها في المشروعات التي تطرحها. كما شهدت تلك الفترة ظهور الطبقة المتوسطة والعمالية، بالإضافة إلى زيادة عدد المتعلمين من أبناء الطبقتين".
ويشير الزيدي إلى أن تلك الأحداث الداخلية رافقتها تغييرات جوهرية في الحركة الوطنية العربية عقب ثورة تموز/ يوليو 1952 في مصر، وقيام ثورة الجزائر، ومعركة حلف بغداد، ثم عدوان 1956، والتي أدت إلى رد فعل كبير في المجتمع الكويتي، وأسهمت في بروز الطبقة المتوسطة والعمالية إلى جانب طبقة التجار كقوى فاعلة في الساحة الداخلية، وأصبحت بذلك عاملاً أساسياً من عوامل الضغط على السلطة للاستجابة للمطالب الشعبية والسياسية.
وبحسب أستاذ التاريخ الخليجي، فإن خطوات السلطة الحثيثة للالتفاف على تلك المطالب، التي تبلورت خلال تلك الفترة حول ضرورة إجراء انتخابات عامة لتأسيس مجلس تشريعي يملك سلطات حقيقيةً، لم توقف مسار الحركة الوطنية بتكوينها الجديد، والتي طورت مطالبها بضرورة إطلاق الحريات العامة ووضع دستور يحمي حقوق المواطنين، في الوقت الذي سادت خلاله مطالب اجتماعية متعددة للطبقات الصاعدة، في ظل فشل كل مسارات الدولة في أن تملأ الفراغ السياسي أو أن تصنع كيانات ذات فاعلية حقيقية.
التجربة الديمقراطية بين الطموحات والأزمات
تزامنت الانطلاقة الديمقراطية في الكويت مع بروز الدولة الوطنية عقب الاستقلال، فصدر الدستور الكويتي الحالي في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1962، في عهد الشيخ عبد الله السالم الصباح. وتبنّى النظام الديمقراطي، في سابقة لدول الخليج، ونصت المادة السادسة منه على أن "نظام الحكم في الكويت ديمقراطي، السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعاً". كما كان يُعدّ ذلك الدستور -في حين إعلانه- واحداً من أكثر الدساتير تأكيداً على ثوابت الحياة السياسية الديمقراطية، والترسيخ لقوانينها، في المنطقة العربية.
أدت انطلاقة التجربة الديمقراطية في الكويت، إلى رفع سقف الطموحات لدى قطاعات عريضة، برغم العديد من الأزمات التي انتابت المسار الديمقراطي منذ بدايات تطبيقه وحتى اليوم. فقد أضفت التجربة على الكويت العديد من الإيجابيات، حيث تمكنت البلاد من إجراء انتخابات ديمقراطية فعلية شفافة، في الغالب، كما شكّل القضاء سلطةً مستقلةً بذاتها، وقد ثبت ذلك بدرجة كبيرة في مجالات الممارسة والتطبيق، وظهرت حرية العمل الصحافي والإعلامي لتؤكد الطابع الديمقراطي، بالإضافة إلى الممارسة النقدية الفاعلة لمجلس الأمة في مواجهة الحكومة، ورئيسها الذي ينتسب إلى الأسرة الحاكمة.
وفي الوقت الذي ظهرت فيه المؤسسات والهيئات المدنية بشكل نشط، وبزغ دور الجمعيات الثقافية والفكرية في إدارة حلقات حوار متنوعة وثرية، كانت الصراعات الداخلية تتزايد، خاصةً بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، والتي وصلت إلى حد اقتحام المعارضة وعدد من أنصارها مجلس الأمة، بعد مواجهات مع الأمن، في ظل مطالب بحل البرلمان وإقالة رئيس الوزراء على خلفية مزاعم بالفساد المالي. رفض الأمير الاستجابة لمطالب الاحتجاجات السياسية الشعبية، ونتجت عن ذلك أحكام بالسجن لبعض أعضاء مجلس الأمة وعدد من الناشطين السياسيين، ما جعل التجربة الديمقراطية شماعةً لتبرير جميع التخبطات في دائرة صنع القرار، التي أدت إلى تعطيل عجلة التطور التنموي للمجتمع.
مراسيم الحل الأميرية والفصل بين ولاية العهد ورئاسة الحكومة
منذ تشكيله في العام 1963، بعد إعلان الدستور، تعرّض مجلس الأمة لـ11 حالة حلّ، بين المرسومات الأميرية والأحكام القضائية، منها حالتا حلّ غير دستوري، بين عامي 1976 و1986، حيث تم حل المجلس بشكل غير دستوري، كما توقف العمل ببعض مواد الدستور. ففي 29 آب/ أغسطس 1976، أصدر أمير البلاد الراحل الشيخ صباح السالم، مرسوماً أميرياً بإيقاف العمل ببعض مواد الدستور، وحل مجلس الأمة، نتيجة خلافات بين الحكومة والمجلس، وصلت إلى حد تبادل الاتهامات بين الطرفين، كما توقفت الحياة البرلمانية في الكويت بشكل كامل نحو أكثر من 4 سنوات، حيث جرت الانتخابات التالية في 23 شباط/ فبراير 1981.
وجاء الحل الثاني غير الدستوري للمجلس، وتعطيل العمل ببعض مواد الدستور، في عام 1986، بسبب المواجهات الساخنة بين المجلس والحكومة حيال أزمة المناخ، وشهدت الكويت مجدداً توقف الحياة البرلمانية، وتزامن ذلك مع احتلالها من قبل العراق عام 1990. وقد تعددت حالات حلّ مجلس الأمة بمرسومات أميرية، بسبب طلبات الاستجواب لعدد من الوزراء ورئيس الحكومة، ومحاولات سحب الثقة من الوزراء، بعد توجيه الاتهامات المتبادلة بين المجلس والحكومة، بينما قضت المحكمة الدستورية بحل المجلس ثلاث مرات، أعوام 2012 و2016 و2023، منها مرتان بسبب قرار بطلان حل المجلس، ومرة وحيدة بسبب خطأ إجرائي في العملية الانتخابية.
وقد أثر هذا النهج بشكل قاطع على مسار التجربة الديمقراطية في البلاد، إذ يرى الدكتور عبد الله العسيفي، أستاذ الدراسات السياسية والبرلماني الكويتي السابق، في تصريحات لرصيف22، أن كثرة المراسيم الأميرية بحل المجلس لم تحمل طابعاً إيجابياً، كونها لم تهدف إلى تطوير العمل السياسي أو الأداء المؤسسي للمجلس والحكومة، بقدر ما انتهجت طابعاً اضطرارياً للهروب من الأزمات السياسية التي تشهدها البلاد نتيجة التوتر المستمر بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وهو ما أسهم في تعثر المسار الديمقراطي.
"الكويت تُعدّ الدولة الوحيدة في مجلس التعاون الخليجي، التي يمكن وصف تجربتها الديمقراطية بأنها ‘ديمقراطية البداوة‘، بناءً على تعدد وقِدَم التجارب والخطوات السياسية التي انتهجتها الدولة في الإطار الديمقراطي. وبرغم تعثر غالبيتها، وإنتاجها نزاعات داخليةً داخل مجتمع قبلي وعشائري بالأساس، سيطرت على السلطة الحاكمة دوماً حسابات الخوف من فقدان النفوذ، خاصةً في مرحلة ما قبل استخراج النفط من باطن الدولة"
ويضيف العسيفي، أن فترات توقف العمل ببعض مواد الدستور شهدت تقييداً كبيراً للحريات في كل المجالات، الأمر الذي أدى إلى مواجهات أمنية ساخنة في العديد من المواقف، أثرت بشكل مباشر على عامل الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، كما أضفت طابعاً رجعياً على مسار التجربة الديمقراطية في البلاد.
أما أستاذ الدراسات الخليجية مفيد الزيدي، فيرى أن من أهم أسباب الصراع الدائم بين مجلس الأمة والحكومة، طريقة استخدام النواب لسلطاتهم وصلاحياتهم البرلمانية في مواجهة مدى قبول الحكومة لها، بالإضافة إلى تصميم بعض الأطراف على افتعال الأزمات في بعض القضايا الثانوية، وهو ما يزيد من تعقيد الأزمات السياسية القائمة، ويضرب المسار الديمقراطي بشكل كامل.
ويشدد على أن قضية الدمج بين رئاسة الحكومة وولاية العهد تمثل عائقاً كبيراً في تطور العملية الديمقراطية في الكويت، لأن تولّي أحد أبناء الأسرة الحاكمة منصب رئاسة الوزراء، يحول دون إخضاعه عملياً للمساءلة الحقيقية أمام البرلمان، كما يجعل سحب الثقة من أحد أعضاء الحكومة بمثابة تحدٍّ للأسرة الحاكمة، مشيراً إلى أن هذا السبب هو الذي يدفع الأمير دوماً إلى حل البرلمان أو إقالة الحكومة في كل مرة يواجه فيها وزير استجواباً يمكن أن يفضي إلى سحب الثقة منه.
ويتوقع الزيدي أن حسم تلك الأزمة لن يكون سهلاً في ظل تمسّك الأسرة الحاكمة بصيغة تضمن لها الأمان من صراعات السياسيين وطموحاتهم، في الوقت الذي تفشل فيه في إيجاد مسارات لترجمة تلك الصيغة على صعيد الاستقرار والتنمية الذي يشغل بال المواطن.
بين سلطة ترفض قواعدها وسلوك برلماني غير منضبط
يرى كثيرون أن مجلس الأمة لم يخطئ حينما استخدم صلاحياته الدستورية لاستجواب الحكومة ومساءلتها، كما لم يخرج عن القانون في سعيه إلى سحب الثقة من عدد من الوزراء، إذ يسمح الدستور الكويتي وينظم -طبقاً لمواده 100،101، و102- عملية سحب الثقة من أعضاء الحكومة دون رئيسها الذي ينتسب إلى الأسرة الحاكمة. يتفق الزيدي مع هذا الرأي، ويرى أن أداء السلطة التنفيذية خلال كل مراحل التجربة الديمقراطية ومنذ نشأتها، يؤكد أنها لا تريد أن يتم استجوابها أو مساءلتها، كما أنها لا تتعامل مع تلك الاستجوابات باعتبارها حقاً يكفله الدستور لأعضاء مجلس الأمة، وأن عليها واجب الرد، مشيراً إلى أنها بهذا الأداء قد رفضت بشكل عملي قاطع قواعد التجربة الديمقراطية التي اعتمدتها البلاد.
ويضيف: "لا ينبغي أن تنظر الأسرة الحاكمة إلى طلبات الاستجواب على أنها تحدٍّ لها، طالما أن الدستور يعطي الحق لأعضاء مجلس الأمة في استجواب كل أركان الحكومة بمن فيهم رئيس الوزراء، كما يجيز طرح الثقة في الوزراء بعد استجوابهم"، لافتاً إلى أن الحكومات المتعاقبة اتّسمت من خلال أدائها بكونها غير جادّة في معالجة الكثير من المشكلات، ومتكاسلة في إنجاز العديد من المشروعات التنموية الإستراتيجية، بالإضافة إلى سعيها إلى تأزيم الأوضاع السياسية عند تقديم أي استجواب ضد أحد أفرادها، ما يجعلها المسؤول الأول عن استمرار أزمة مسار التجربة الديمقراطية في الكويت.
أما الدكتور عايد المناع، الكاتب والباحث السياسي الكويتي، فيرى في تصريحات لرصيف22، أنه مع التسليم بحق أعضاء مجلس الأمة في ممارسة حقوقهم الدستورية، عن طريق استخدام أدوات الرقابة البرلمانية، لا يمكن التغافل عن شروط وضوابط هذا الحق، كما لا يمكن القفز عليها أيضاً، فكل حق لا بد أن يكون منضبطاً وفق الإطار القانوني السليم، وملتزماً بروح المسؤولية، وساعياً إلى تحقيق غاية وطنية، بعيداً عن الصراعات الكيدية. ويؤكد أن هذا الضبط السياسي الواجب لا يقلل بتاتاً من أوجه القصور في أداء الأجهزة والهيئات العامة.
يقول المناع: "أسهم الأداء البرلماني المتراكم في عرقلة مسيرة الإصلاح الديمقراطي، وقام بتعطيل العديد من المشروعات الاقتصادية في مسيرة التنمية"، ويستشهد بـ"تشدد مجلس الأمة مراراً في رفض إعطاء المرأة حقوقها السياسية، في الوقت الذي بذلت خلاله الحكومة جهوداً كبيرةً حتى تمكنت من انتزاع هذا الحق. وعلى الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، قام المجلس بتعطيل خطة حكومية بقيمة خمسة مليارات دولار، تهدف إلى مواجهة آثار الأزمة المالية العالمية الراهنة على الاقتصاد الكويتي، بدعوى خلوّها من الموضوعية والشفافية، دون محاولة إصلاحها".
وفي السياق نفسه، يرى الزيدي أنه بالرغم من أن وجهة النظر تلك تشهد بعض جوانب الصحة، وتشير بوضوح إلى خلل في أداء مجلس الأمة، إلا أن خطورتها تكمن في أخذها ذريعةً للدعوة إلى تقليص سلطات مجلس الأمة وصلاحياته، من أجل تقزيم دوره، وهو ما سوف يمثّل انتكاسةً في المسار الديمقراطي في البلاد.
بعد مرور أكثر من ستة عقود على سريان العمل بالدستور الكويتي، وفي ظل واقع سياسي مضطرب، ووضع اجتماعي مأزوم، شهدت خلالها الكويت العديد من المجالس النيابية والوزارية والبلدية، ما زالت قضية تعديل الدستور تمثل أزمةً كبيرةً داخل أروقة الحكم، برغم إثارة الموضوع مرات عديدةً طوال العقود الماضية، وازدياد المطالب الشعبية والسياسية بالعمل على تعديل بعض نصوصه
بين جمود الدستور وتغييب الأحزاب
بعد مرور أكثر من ستة عقود على سريان العمل بالدستور الكويتي، وفي ظل واقع سياسي مضطرب، ووضع اجتماعي مأزوم، شهدت خلالها الكويت العديد من المجالس النيابية والوزارية والبلدية، ما زالت قضية تعديل الدستور تمثل أزمةً كبيرةً داخل أروقة الحكم، برغم إثارة الموضوع مرات عديدةً طوال العقود الماضية، وازدياد المطالب الشعبية والسياسية بالعمل على تعديل بعض نصوصه، بما يسمح بالتفاعل الخلاق مع أزمات التجربة التي ظهرت خلال سنوات الممارسة الطويلة.
وبالرغم من وجود العديد من جمعيات النفع العام والأندية التي تمارس السياسة بشكل عام، وعدم نص الدستور على حظر تكوين الأحزاب، إلا أن هناك رفضاً سلطوياً لتحول تلك الجمعيات إلى أحزاب سياسية، على الرغم من مطالب المعارضة بالسماح بتأسيس الأحزاب السياسية التي يمكن من خلالها التداول السلمي للسلطة، لتتكون الحكومة من نواب ينتخبهم الشعب، ويمكن إخضاعها للمساءلة بدلاً من معضلة تولي أعضاء الأسرة الحاكمة للمناصب الوزارية الرئيسية فيها، والتي أدت إلى صعوبة عملية في مساءلتهم برلمانياً.
رفض المجلس الأعلى للقضاء اقتراح قانون بشأن تنظيم الأحزاب السياسية في الكويت، وقضى بعدم دستورية إنشائها، متهماً الأحزاب السياسية بأنها تهدد وحدة الوطن واستقراره وتمنح الفرصة لتضييع الحقوق باسم حمايتها، وتؤدي إلى تحريف العمل السياسي عن موضعه ليصبح تجارة باسم الوطنية، وفق وصفه.
وفي هذا الإطار يقول الدكتور سعد العجمي، وزير الإعلام الكويتي السابق، في تصريحات لرصيف22، إن "واقع الكويت الحالي يشكو من أمراض عدة يرجع بعضها إلى نصوص دستورية، بالإضافة إلى حقوق وحريات عدة تم تقييد بعضها بنصوص تشريعية فرضتها ظروف محلية وإقليمية، والبعض الآخر يرجع إلى ظروف سياسية واجتماعية، مما تقتضيه أطر الأنظمة القبلية، فضلاً عن أدوار عوامل الدين والنظام العام والآداب العامة".
ويشير إلى أن فكرة تعديل الدستور تتوافق تماماً مع الفطرة البشرية للإنسان التي تقوم على التغيير والتطوير، وإنكار ذلك يعني هدم أساس الدستور الذي تكمن قيمته في مدى توافقه مع حياة الأفراد، فكلما كان الدستور متوافقاً مع واقع الشعب وإرادته، استطاع البقاء.
بحسب الزيدي، فإن الواقع السياسي في الكويت يحتاج إلى وضع برنامج عمل يسعى إلى تحويل الدولة من الإمارة القبلية إلى الدولة المؤسساتية، مع ما يتطلبه ذلك من إصلاحات دستورية، تمنح المزيد من الحريات السياسية والاجتماعية، وتأخذ بعض صلاحيات الأمير في مسائل تخص القرارات الديمقراطية وإجراءات الحياة البرلمانية، ونهج القرار الوطني، كما تتطلب تغييرات داخل البنية السياسية، بالسماح بتشكيل الأحزاب، بعد سنوات الجمود والتعثر، والسعي نحو صيغة مشتركة بين الحكومة والمعارضة بمختلف اتجاهاتها، من أجل التهدئة السياسية والشعبية، والعمل على استعادة الاستقرار الاجتماعي والنمو الاقتصادي للمضي قدماً في صناعة حاضر أفضل ومستقبل واعد.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.