لم يعد العلاج التحويلي في مصر أو في الدول الناطقة بالعربية، في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، يقتصر على وجود عيادات طبية وأخرى نفسية تقترحه، إنما وصل الأمر إلى حدّ وجود شخصيات مؤثرة تدعو لهذا "العلاج"، وتشكل تجمعات وجمعيات من أجل الترويج لأفكار مغلوطة عن المثلية والعبور الجنسي والانجذاب إلى نفس الجنس.
عنف وتضليل
العلاج التحويلي الممنوع في نحو 27 دولةً، كناية عن تدخلات على شكل علاجات تهدف إلى تغيير الميول الجنسية للأفراد، من أفراد منجذبين إلى نفس الجنس إلى مغايرين/ ات، ومن أشخاص عابرين وعابرات إلى أفراد تتوافق هويتهم/ نّ الجندرية والجنسية مع النوع الاجتماعي السائد.
تتعدد أساليب العلاج التحويلي من إعطاء هرمونات أو أدوية معيّنة، إلى جلسات علاج نفسي أو تدخلات دينية، وصولاً إلى تعرّض البعض لصعقات كهربائية وعزل وتعذيب
يُعدّ مصطلح "العلاج" في "العلاج التحويلي" مضللاً، لأنه يوحي بعملية علاجية شرعية ومفيدة، في حين أنه ممارسة ضارّة وغير علمية تسعى إلى تصنيف التوجه الجنسي الفطري للأفراد أو هويتهم الجندرية على أنها اضطرابات.
تتعدد أساليب العلاج من إعطاء هرمونات أو أدوية معيّنة، إلى جلسات علاج نفسي أو تدخلات دينية، وصولاً إلى تعرّض البعض لصعقات كهربائية وعزل وتعذيب.
غالباً ما يكون ضحايا العلاج التحويلي قاصرين/ ات، أُجبروا/ ن على العلاج، وأحياناً يكون القبول بالعلاج نابعاً من الخوف والقلق من العائلة أو الأهل.
بالإضافة إلى أنّه غير علمي ومرفوض من قبل المنظمات الدولية، يُعدّ العلاج غير إنساني لأنّه يضع الأفراد في خانة أنّهم/ ن "غير طبيعيين/ ات" وبحاجة إلى علاج، وهذا أيضاً ما تترتب عنه "تروما" قد تصل إلى حدّ الانتحار، كما أنّ العلاج يمارَس على الأفراد تحت الضغط أحياناً.
نشر خطاب العلاج التحويلي في الإعلام
بالإضافة إلى انتشار العلاج التحويلي في البلدان الناطقة بالعربية وفي مصر، سواء على شكل جلسات علنية أو في عيادات مستترة، يواجه أفراد مجتمع الميم-عين في مصر شخصيات تنشر خطاب العلاج التحويلي في الإعلام بشكل عابر تحت مظلة الطب وعلم النفس.
الشخصيات هذه، للأسف، تحمل شهادات متقدمةً ويمكن أن يشعر أي شخص يستمع إليها بأنّها موثوقة لأنها تحتمي بالطبّ والعلم، ويواجه أفراد مجتمع الميم-عين في مصر شخصيات دينيةً تستخدم الدين من أجل الترويج للعلاج التحويلي.
يقول أنيس (اسم مستعار)، وهو رجل مثلي مصري نجا من العلاج التحويلي بعد جلسات هرمونية فاشلة: "هناك شخصيات مثل شهاب الدين الهواري يجب أن تتم محاصرتها عملياً، فالأخير مثلاً يملك شهادات لا بدّ أن يعرف من أعطاه إيّاها في الخارج أنّه يستخدمها لأذية شريحة كبيرة من الأفراد، إذ يستخدمها لنشر هذا العلاج الذي يجب أن يكون ممنوعاً أصلاً".
خضع أنيس للعلاج التحويلي في مصر، وكان هذا قراره بعد أن ضغط عليه أقرانه وحاولوا معايرته بهويته بعد أن افتُضح أمره نتيجة علاقة مبنية على القبول مع زميل له في المدرسة: "مع الضغط وبعض التعليقات مثل 'إنت لازم تتعالج'، اضطررت إلى العودة إلى والدي الذي لم يعرف ماذا يفعل، فاقترحت عليه العلاج كحل، مدفوعاً بتعليقات زملائي".
كان العلاج بالنسبة لأنيس عبارةً عن هرمونات الذكورة، حتى أنّ أحد الأطباء وصف له العلاج من دون إجراء فحوصات معيّنة.
بالإضافة إلى أنّه غير علمي ومرفوض من قبل المنظمات الدولية، يُعدّ العلاج غير إنساني لأنّه يضع الأفراد في خانة أنّهم/ ن "غير طبيعيين/ ات" وبحاجة إلى علاج، وهذا أيضاً ما تترتب عنه "تروما" قد تصل إلى حدّ الانتحار، كما أنّ العلاج يمارَس على الأفراد تحت الضغط أحياناً
يخبر أنيس رصيف22، بما جرى حينها: "تخلصت من العلاج حينما أخذت القرار بالتوقف بنفسي. اكتشفت أنّ هذا العلاج يزيد من رغباتي الجنسية، وتالياً يُشعرني بأنّني أريد أن أمارس الجنس أكثر مع رجال. هذا العلاج لا ينفع، إذ سيجعلك في اشتهاء جنسي أكبر، كما سيجعلك تشعر بالعار والعيب".
يضيف أنيس: "أنا ضدّ العلاج، فأفضل ما يمكن للإنسان فعله هو أن يتعرّف على الحب ويبقى كما هو ويقبل نفسه. أنا ممتن لهذه التجربة، لأنني خرجت من هذا الباب سليماً (ليس مثل غيري)، ومقتنعاً بأن أكون نفسي. أتمنى أن يتم منع هذا العلاج، وألّا يحاصرنا المجتمع. أنصح كل من يُجبَر على العلاج -وأنا خرجت من تجربة كهذه- بألا يسلك هذا الطريق، لأنه يحمل عواقب سلبيةً، وأنصحه بأن يخطّط لقبول نفسه كما هي واحتضانها وإحاطتها بمن يدعمه ويقبله. إذا لم يكن هناك من يقبله، فسيأتي شخصٌ ليقوم بذلك".
بالنسبة لهادي (اسم مستعار)، كانت الحالة مختلفةً إذ إنّ العلاج اقتصر على علم النفس من دون الدخول في هرمونات الذكورة.
كشفت صديقة هادي مثليته أمام والديه والعائلة وبعض الزملاء، وفق ما يقول لرصيف22: "في العام 2020، وكان عمري سبعة عشر سنةً، كشفت صديقتي المقربة سابقاً مثليتي وقامت بإخبار فرد من عائلتي، ومن ثم أخبرت أهلي كلهم، وكذلك أخبرت بعض الزملاء الذين كانوا معي في الدفعة في المدرسة الثانوية. بالطبع، واجهني أهلي ونفيت الأمر بكل الطرق، لأننا في الصعيد، حيث الاعتراف بمثل هذه الأمور قد يعني الموت حرفياً، فقد قال لي أبي ذلك بنفسه. خوفاً من العواقب، فررت إلى محطة القطار، لكن عمّي تمكّن من إعادتي قبل أن أركب القطار، وتمكن من تهدئة أبي قليلاً، واقترح أن أذهب إلى طبيب".
ويضيف: "كان أبي غير مقتنع بالعلاج النفسي ويعدّه تفاهةً، وأمي كانت تعتقد بأنني 'ممسوس'، إذ كانت تصلّي وتضع يدها على رأسي وما شابه ذلك. لكن في النهاية، تواصلوا مع الطبيب لحجز موعد، فأخبرهم بأن حالتي ليست مستعصيةً وأحالني إلى طبيب آخر".
ويتابع هادي: "عندما زرت الطبيب وسألني عن المشكلة، أخبرته بأنني مثلي. كان دائماً يسألني عن طفولتي وكيف تربيت وطريقة تربية أهلي القاسية التي شملت الضرب في معظم الوقت، وخوفي منهم، كما سألني عما إذا كنت قد تعرضت للتحرش في صغري (لم يحدث ذلك)، وعما إذا كنت قد مارست أي نوع من الجنس قبل ذلك؟ طلب مني أن أقرأ كتاباً يُدعى 'شفاء الحب'، ويتحدث عن كيفية كون المثلية مرضاً نفسياً، وفي نهاية الكتاب، كتب عن تجارب الأشخاص الذين عولجوا لديه ومنهم من تزوج وأنجب ويعيش حياةً سعيدةً بمعايير المغايرين. بالطبع، كل هذا لم يكن في بالي لأنني لم أكن مقتنعاً بأي شيء من هذا الهراء، وكنت أعدّه مجرد طريقة لكسب المال".
تعرّض هادي لجلسات قصيرة، عادةً ما تكون مدتها ثلث ساعة أو نصف ساعة: "كنت أنا فحسب من يتحدث أو يردّ على الأسئلة. عندما كنت أصمت، كان يقول لي إن أسلوبي هجومي أو أنني متوتر. تهربت أخيراً من العلاج. في تلك الفترة كنت دائماً أشعر بالغضب والتوتر فأنا كنت مجبراً على هذا لأتجنّب رد فعل أكبر".
وعن المشاعر التي كان يتخبط فيها، يقول: "المشاعر التي شعرت بها خلال هذه التجربة كانت الغضب الشديد، لكن ليس تجاه الطبيب أو أهلي، لأنني أعلم بوضعهم وعقليتهم اللتين تربوا عليها ولا أستطيع تغييرها، ولكن غضبي كان تجاه صديقتي التي خانت الثقة لذا قطعتُ علاقتي بها. هذا الأمر جعل ثقتي بالناس تقريباً معدومةً".
ويختم حديثه بالقول: "النصيحة التي يمكنني تقديمها هي أن المثلية ليست نهاية العالم، فكل شيء يمرّ، وكونوا حذرين مع من حولكم، فأنتم/ نّ في بلد يعاني من رهاب المثلية، لا تتساهلون/ ن كثيراً. لدي أمل في أن يصبح العلاج التحويلي ممنوعاً أو أن يتغير التفكير في المجتمع، لكن ذلك سيكون في المستقبل البعيد جداً، ربما بعد مئة سنة أو مئتي سنة".
حملة "أطياف" ضدّ العلاج التحويلي
في ظل حملات الكراهية التي تواجه مجتمع الميم-عين في مصر، وفي ظل انتشار شخصيات بارزة تدعو للعلاج التحويلي، تعمل منظمة أطياف على نشر التوعية للحدّ من العلاج التحويلي، ومؤخراً أطلقت حملةً تناهض العلاج التحويلي تحت عنوان "وجوه مختلفة، عنف واحد".
في العام 2017، بدأت "أطياف" كصفحة مهتمة بالفن الكويري وترجمته مع وجود نقص في الكتابة عن الأمر وتغطية الفنون الكويرية باللغة العربية، وما زالت المنظمة تعمل على نشر الفن الكويري، كما تعمل على تبسيط الأخبار والقوانين والمحتوى عن المجتمع الكويري في شمال إفريقيا والشرق الأوسط مع مراعاة تعددية الألسنة والهويات في الإقليم.
وتعمل "أطياف" على مناهضة خطاب الكراهية ضد الكويريين/ ات وعلى الإنتاج المعرفي الكويري التشاركي الناتج عن السياقات المحلية في شمال إفريقيا والشرق الأوسط بما يلبّي الاحتياجات ويعمل على الحدّ من نقص الإنتاج المعرفي الرقمي الكويري باللغة العربية وفي المنطقة.
وبجانب الأخبار والفن والقوانين، تركّز "أطياف" على رصد الانتهاكات ونشر المعرفة حول الصحة الشاملة من صحة جسدية ونفسية وعاطفية، والحقوق الرقمية والحق في التواجد والتعبير وبناء مجموعات الدعم الكويرية.
في مناهضتها للعلاج التحويلي، تنشر أطياف محتوى رقمياً بعيداً عن الإعلام التقليدي، وبرغم صعوبة العمل على الأرض، تعمل المنظمة على أهدافها رقمياً، كما تكشف أو تفضح أسماء بارزةً تدعو للعلاجات التحويلية.
في حديثه إلى رصيف22، يقول متحدث باسم المنظمة، فضّل عدم الكشف عن اسمه: "تصلنا تعليقات سلبية، لكن في المقابل هناك أشخاص يشجعوننا. نحن نحب التعليقات التي تساعدنا على تطوير عملنا أو حتى التعليقات التي تقدّم حججاً مختلفةً لا بدّ من دحضها. لا نهتم بالتعليقات الهجومية، بل بالتركيز على العلاج التحويلي الذي أصبح ممنوعاً في الخارج، فالرد على الهجوم يستغرق من طاقتنا وصحتنا النفسية وهدفنا اليوم الأشخاص الذين يريدون الاستماع إلينا، وليس الأشخاص الذين لا يريدون الاستماع، ويريدون الهجوم فحسب".
يواجه أفراد مجتمع الميم-عين في مصر شخصيات تنشر خطاب العلاج التحويلي في الإعلام بشكل عابر تحت مظلة الطب وعلم النفس
ويوضح المتحدث أنه تبقى هناك صعوبات في مواجهة العلاج التحويلي: "نحن نقدّم محتوى باللغة العربية، وهذا كافٍ ليكشف أن عملنا ليس مؤامرة أو 'كفراً' أو 'خطاباً غربياً'. تصلنا رسائل من أشخاص مصريين/ ات بحاجة إلى مساندة وإجابات، وكل ما نتكلم عنه هو نتاج مجهود كبير نقوم به في البحث محلياً، فنحن نتكلم مع أشخاص هنا حولنا ومحتوانا يساندهم/ نّ. نحن نحاول أن نتكلم عن قضايانا بالعربي وأن نتكلم عن مواضيع ليست في التلفزيون ووسائل الإعلام، فالأفراد الكويريون لم يتم تمثيلهم/ نّ في التلفزيون ووسائل الإعلام، فظهورنا محظور ومراقب، ووجودنا مهم لمساندة كل فرد كويري/ ة يريد أو تريد أن يجد/ تجد أشخاصاً مثله/ ا. ونحن أيضاً مهتمون بأن نشارك محتوى ونغطي أخباراً مع دول أخرى تحمل القضية نفسها".
قد يكون المحتوى الرقمي اليوم وسيلةً فعالةً للوصول إلى الأفراد الكويريين، بالأخص مع حملات الكراهية وظهور بعض المؤثرين/ ات الذين/ اللواتي يدعون للعلاج التحويلي. وقد يكون أحد الحلول لمساندة مجتمعات الميم- عين، وجود منصات مثل منظمة "أطياف"، تحارب العلاج التحويلي وتساعد المرء على تقبل ذاته.
في الختام، إن مناهضة العلاج التحويلي أولوية مع وجود نوع من "الفلتان" في الدعوة لهذا العلاج، وقد يكون الفضح وسيلةً مهمةً اليوم في مناهضة الأفراد الذين يظهرون في الإعلام للتكلم عن العلاج التحويلي كحلّ، وقد يكون وجود منصات أو حملات مثل التي تقدّمها "أطياف" بدايةً للتوعية ونشر المعلومات عن العلاج التحويلي وحتى مساندة من مرّ بهذه التجربة الصعبة، على أمل أن يصبح هذا العلاج ممنوعاً، وألا تتم حماية الأفراد الذين يدعون إليه، وكأنّ خطابهم/ نّ عادي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 20 ساعةمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع