ماذا يحدث عندما يرتدي رجل الدين رداء الطب؟ يهلك الناس في معظم الحالات. وماذا يحدث عندما يرتدي الطبيب عباءة رجل الدين؟ لابد أن يهلك الناس أيضاً.
إذا أمكننا اعتبار الدين – أي دين- مرجعاً علمياً يثق بكلماته العلماء، فلم لا نغلق جامعاتنا وندرس فقط مادة الدين، وسوف يحق لنا هنا أن نسأل بعضنا: لم احتاج المسيح إلى معجزة لشفاء المرضى ولم يستعن بالطب؟!
طبيب مصري نشر على صفحته صورة من رسالة مجهولة الهوية يقول إن صاحبها "شُفي" من المثلية الجنسية، ثم برر الهوية المجهولة بأن صاحب الرسالة -المثلي سابقاً، وفقاً لادعاء الطبيب النفسي، ثم أكد أن هذه ليست الحالة الأولى التي تُشفى من المثلية، وإنما سبقتها حالات أخرى استغرقت رحلتها من المثلية إلى المغايرة نحو سنتين.
هذا الطبيب الذي يرى أن الاستسلام لله والخضوع له هو سبيل الشفاء من الأمراض، وهو ما يمكن أن يقوله أي رجل دين، دون الحاجة لأي شهادات علمية في مجال الطب النفسي
في الوقت الذي تؤكد فيه منظمتا الصحة العالمية والصحة النفسية على حد سواء، أن لا دخل للمرض النفسي بالميول الجنسية المثلية، وحذفتا المثلية من قائمة الأمراض المتعارف عليها علمياً، يقف هذا الطبيب ويعلن أن المثلية مرض نفسي يُمكن الشفاء منه، والمشكلة هنا ليست أن يخرج أحدهم عن سياق المجتمع العلمي، ولكن أن يطرح اختلافه هذا على غير المتخصصين ويجني نتيجته، وفقاً لتعليقات متابعيه، 500 أو 1000 جنيه مصري للجلسة الواحدة، للحالات التي تذهب إليه طالبة بعض معجزات الطبيب، بدافع من ضغوطات الأهل أو المجتمع كما اعتدنا في مجتمعاتنا، بدلاً من الذهاب إلى منظمة الصحة العالمية ليضع بين أيديهم العلاج الذي يدعي أنه يملكه، وهكذا يستطيع الاستفادة من كل النواحي، من الشهرة والمال ويحقق المنفعة العامة أيضاً، ويغير المفاهيم العلمية المتفق عليها بين العاملين في مجال العلوم السلوكية والاجتماعية، والمهن الصحية والنفسية على صعيد عالمي، بأن المثلية الجنسية هي شكل طبيعي من أشكال التوجه الجنسي عند البشر، والتي جعلت الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين تلغي تصنيف المثلية الجنسية كاضطراب نفسي منذ عام 1973، وحذا حذوها مجلس ممثلي جمعية علم النفس الأمريكية بعد ذلك بعامين فقط، ثم أزالت مؤسسات الصحة النفسية الكبرى حول العالم تصنيف المثلية كاضطراب نفسي، وعلى رأسهم منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة عام 1990.
هذا الطبيب الذي يرى في كتاب له أن الاستسلام لله والخضوع له هو سبيل الشفاء من الأمراض، وهو ما يمكن أن يقوله أي رجل دين، دون الحاجة لأي شهادات علمية في مجال الطب النفسي.
لم يكن الاختلاف الوحيد داخل الأروقة العلمية في مصر، والاستعانة بالدين فيما يخص الطب ليس بأمر غريب في مجتمعنا، فكم من طبيب سيؤكد لك أن الصيام الانقطاعي هو فعل صحي يشفي الجسد، ويمنح الإنسان النقاء الداخلي، ويطرد الأمراض، فقط لأنه يعتقد بصحة حديث منسوب لنبي الإسلام يقول فيه: "صوموا تصحوا"، ولن يتطرق للعديد من الآيات التي طالبت المريض بعدم الصيام مثلاً، حتى أن مثل تلك النماذج من الأطباء برتبة رجال دين سوف يغيرون من تعاليمهم التي ينصحون بها المرضى طوال الوقت، مثل شرب الماء على فترات خلال اليوم بما لا يقل عن 3 لتر، لتناسب نصائحهم إيمانهم وتتحول إلى فوائد انقطاع الماء عن الجسد ربما.
وهذا تحديداً ما دفع العالم الياباني، يوشينوري أوسومي، الحاصل على جائزة نوبل عن بحثه الخاص بالالتهام الذاتي، أن ينفي في حوار له أي علاقة بين بحثه العلمي وبين الصيام الانقطاعي كما روج العديد من الأطباء، بل وأكثر من ذلك إذ قال نصاً: "قرأت بعض الدراسات عن أهمية الصوم وأثره على الصحة، أستطيع القول إن معظم تلك الأبحاث لا تستحق الأوراق التي طبعت عليها، إلى الآن لم يُثبت وجود علاقة بين الصوم وتعزيز الالتهام الذاتي، ولا أملك رفض الفكرة ولا تأييدها، ولا أستطيع معارضة آراء الداعين للصوم المتقطع أو الدائم، هذه ليست فكرة علمية من الأساس حتى نناقشها"، والمطلعين على المقالات العلمية يعرفون بلا شك أن جملة "لا يمكن رفض أو تأييد الفكرة لأنها ليست فكرة علمية" تقال عندما يتعلق الأمر بشيء لا يمت للعلم بصلة، مثل الانتقال بالأرواح والتحدث إلى الأشباح تماماً.
أضف إلى ذلك أن بعض الأطباء الذين مازالوا يروجون حتى الآن لضرورة ختان الإناث رغم أنف العلم والقانون معاً، فقط لأنهم يعتقدون بأن تشويه جسد الإنسان ثمن بخس، مقابل الحد من شهوته الجنسية واتباع سنن القدماء منذ آلاف السنوات.
إذا أمكننا اعتبار الدين – أي دين- مرجعاً علمياً يثق بكلماته العلماء، فلم لا نغلق جامعاتنا وندرس فقط مادة الدين، وسوف يحق لنا هنا أن نسأل بعضنا: لم احتاج المسيح إلى معجزة لشفاء المرضى ولم يستعن بالطب؟!
الاستعانة بالدين فيما يخص الطب ليس بأمر غريب في مجتمعنا، فكم من طبيب سيؤكد لك أن الصيام الانقطاعي هو فعل صحي يشفي الجسد، ويمنح الإنسان النقاء الداخلي، ويطرد الأمراض، فقط لأنه يعتقد بصحة حديث منسوب لنبي الإسلام يقول فيه: "صوموا تصحوا"
ما الحل إذن؟
بما أنه من النادر أن يذهب/تذهب رجل/امرأة مثلي/مثلية إلى ساحات المحاكم، للمطالبة برد المبالغ التي قاموا بدفعها لطبيب يدعي أنه يستطيع شفاء الناس من المثلية، وكذلك من النادر أن يقوم أحدهم برفع دعوى قضائية ضد طبيب أخبره أن يتبع سُنة النبي، ومن النادر أيضاً أن تقوم فتاة اصطحبها أهلها في طفولتها إلى الطبيب من أجل ختانها، برفع دعوى ضد أهلها والطبيب طالبة معاقبتهم، فلا أرى إلا حثّ الدولة على تتبع تلك النماذج وتخييرها بين نشر طرق العلاج التي يتبعونها وأبحاثهم عبر القنوات العلمية التي من المفترض وفقاً لهؤلاء الأطباء أن تنتصر لتجاربهم، أو تحديد ما إذا كانت سلوكياتهم تنتمي إلى فئة العلوم الكاذبة والدجل، ومن هنا يُمكن توجيه اللوم إليهم بقضيتين أخلاقيتين، مثل التلاعب بالمرضى والتربح غير المشروع... وحتى يحدث ذلك فلا عيب أن ننصح بعضنا بأن نفرّ هرباً كلما رأينا رجل دين يتحدث عن الطب، أو طبيباً يتلو علينا ما تيسر من كتابه المقدس.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...