شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"ما لا يقال للإعلام"... عن مصالح تمنع طرد أمريكا من العراق

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقوق الأساسية

الخميس 22 فبراير 202408:49 ص

مطلع ليلة 7 شباط/ فبراير الحالي، استهدفت طائرة مسيرة أمريكية، القيادي في الحشد الشعبي، وسام محمد صابر، الملقب بـ"أبو باقر" الساعدي، أثناء قيادته لسيارته الشخصية في منطقة المشتل، شرق العاصمة بغداد.

اتهمت واشنطن الساعدي بمسؤوليته عن استهداف قواعدها العسكرية، إضافة إلى قيادته للدعم اللوجستي والعمليات الخارجية لكتائب حزب الله.

هيئة الحشد الشعبي، والإطار التنسيقي الشيعي استنكرا هذه العملية وطالبا بإنهاء مهام التحالف الدولي في العراق، وعلى إثر الحادثة جمّع رئيس مجلس النواب بالنيابة، محسن المندلاوي، توقيع 100 نائب من أجل المباشرة بتنفيذ القرار الرقم (18) لعام 2020، والقاضي بإنهاء الوجود العسكري الأمريكي في البلاد.

وكان البرلمان العراقي قد صوّت على هذه المادة عقب العملية الأمريكية التي أودت بحياة نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي، أبو مهدي المهندس، ورئيس فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، في 2 كانون الثاني/يناير عام 2020. وسبق أن عزم الإطار التنسيقي في عدّة مناسبات على إنهاء مهام القوات الأجنبية، ولكن هذه المطالبات سرعان ما كانت تغيب بين طيات النسيان أو التوافقات السياسية.

الإطار يريد ويرفض

عقد البرلمان جلسته في 10 شباط/ فبراير، وأدان الهجمات الأمريكية المستمرة داخل البلاد، وطالب باتخاذ السبل الكفيلة بحماية أمن العراق وسيادته، ووجّه المندلاوي بتشكيل لجنة نيابية لمتابعة إجراءات المفاوضات التي تجريها الحكومة العراقية مع قوات التحالف.

لم تُعلن الدائرة الإعلامية للبرلمان أو وكالة الأنباء العراقية عن عدد النواب المشاركين في الجلسة، ورغم ذلك اتهمت المتحدثة باسم تحالف "نبني"، ورئيسة "حركة إرادة" حنان الفتلاوي، الكتلتين السنية والكردية بالتغيّب لإفشال تمرير القانون من خلال عدم اكتمال النصاب. 

وقالت في منشور على حسابها في منصة إكس: "جلسة نيابية مخصصة لمناقشة الاعتداءات على السيادة العراقية تُقاطعها الكتل السنية والكتل الكردية. هل قضية سيادة العراق هي قضية تخص الشيعة فقط؟".

كان البرلمان العراقي قد صوّت على إنهاء الوجود الأمريكي العسكري عقب العملية الأمريكية التي أودت بحياة نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي، أبو مهدي المهندس، ورئيس فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني عام 2020، وفي كل مرة يثار الموضوع يطالب النواب بالرجوع لتنفيذ هذا القرار 

جاء هذا الاتهام ضمن هروب الإطار التنسيقي من انقساماته الداخلية، فالتصويت يحتاج إلى 165 صوتاً، والحضور لم يتجاوز الـ60 من أصل 180 نائباً يتبعون للإطار التنسيقي نفسه، بحسب رد النائبة عن تحالف القيادة، نهال الشمري على اتهام الفتلاوي.

وفي 12 شباط/ فبراير الحالي، عقدت لجنة الأمن والدفاع النيابية جلستها لمناقشة سبل إخراج قوات التحالف الدولي من العراق، ولكن رئيس اللجنة والقيادي في إئتلاف "الفتح"، عباس الزاملي غاب عنها، وعزز هذا الغياب من الاعتقاد بعدم جدية الإطار التنسيقي في مطالبه.

ويعتقد مُطّلعون أن إئتلاف "الفتح" وزعيمه هادي العامري يقودان أحد أطراف النزاع الحاصل داخل الإطار التنسيقي، إذ سبق أن صوتت كتلته لصالح مرشح الحلبوسي لرئاسة البرلمان "شعلان الكريم"، على نقيض إرادة الإطار التنسيقي ورغبتهم في الإبقاء على المندلاوي رئيساً للمجلس.

هذا الخلاف لا يعني عدم رغبة العامري أو غيره في خروج القوات الأجنبية، ولكنهم يرغبون في إخراجها ضمن سبل دبلوماسية يحافظون من خلالها على علاقاتهم مع واشنطن، ويشترك معهم في هذه الرغبة، بالإضافة إلى العامري، كل من رئيس تيار "الحكمة"، عمار الحكيم، وائتلاف "النصر" بقيادة حيدر العبادي، وزعيم "دولة القانون"، نوري المالكي، بحسب مصدر سياسي في الإطار التنسيقي فضّل عدم ذكر اسمه.

المصدر السابق نفسه صرّح لرصيف22 بأن "هذه القوى تتخوف من أن يؤدي الانسحاب المفاجئ للقوات الأجنبية إلى استفحال نفوذ الفصائل المسلحة، التي باتت خارجة عن سيطرتهم، وفقدان مكتسباتهم السياسية تالياً"، ويُدرج تصريحات هذه الأطراف المطالبة بالخروج الفوري للقوات الأمريكية، في خانة الاستهلاك الإعلامي، وكسب الجماهير أو تهدئة الفصائل.

وضمن هذه الخانة أدرجت تصريحات النائب المقرب من الإطار التنسيقي، مصطفى سند، عن عزم البرلمان في تشريع قانون ملزم يقضي بإخراج القوات الأمريكية. فالحكومة غير مُلزمة بقرار البرلمان. وبحسب المادة 80 من الدستور العراقي، يمتلك مجلس الوزراء حصراً، صلاحية التنفيذ والتخطيط للسياسة العامة للدولة، والتفاوض في شؤون المعاهدات والاتفاقيات الدولية.

والحكومة ما بين وبين 

الحكومة العراقية أيضاً ندّدت بالهجمات الأمريكية المستمرة على أراضيها، وقال الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة، اللواء يحيى رسول: "تُكرر القوات الأمريكية، وبصورة غير مسؤولة ارتكاب كل ما من شأنه تقويض التفاهمات والبدء بالحوار الثنائي، إذ أقدمت على تنفيذ عملية اغتيال واضحة المعالم، عبر توجيه ضربة جوية وسط حي سكني من أحياء العاصمة بغداد. بطريقة لا تكترث لحياة المدنيين وللقوانين الدولية، وهي بذلك تهدد السلم الأهلي، وتخرق السيادة العراقية"، واعتبر أن هذه الهجمات تدفع الحكومة الى إنهاء مهمة "التحالف"، بعد تحوله إلى عامل عدم استقرار في البلاد. 

حتى بعض القوى التي تطالب بإنهاء الوجود الأمريكي بشكل علني، تتخوّف سراً من أن يؤدي الانسحاب المفاجئ إلى فقدان مكتسباتهم السياسية. 

في المقابل ردَّ نائب مساعد وزارة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط، جويل رايبورن، على هذه التغريدة، فكتَب "لا يجرؤ أحد على قول الحقيقة، يعيش رئيس الوزراء العراقي والمتحدثون باسمه تحت خوف وسيطرة كتائب حزب الله، هم يدركون أن هذه الكتائب والحرس الثوري الإيراني هم أكبر تهديد عليهم وعلى البلاد، ويأملون سراً ببقاء الولايات المتحدة وقص أجنحة النظام الإيراني في العراق".

هذه التصريحات تجد صداها في العراق، إذ تؤكد مصادر متعددة علم الحكومة العراقية بالهجمات الأخيرة، وأن القوات الأمريكية أحاطتها بتوقيت شنها والشخصيات المستهدفة.

ولكن لماذا وافقت الحكومة على هذه الهجمات أو تجاوزت عنها؟ مصدر إعلامي في رئاسة الوزراء، يوضح ذلك لرصيف22 بقوله: "الحكومة، مثلها مثل بعض قوى الإطار التنسيقي، ترغب في بقاء القوات الأمريكية، ليس بسبب تخوفها من تصاعد نفوذ الجماعات المسلحة، أو خوفها من فقدان سيطرتها على المفاصل الأمنية وليس في الحشد الشعبي فحسب، ولكنها أيضاً تتخوف من عودة نشاط تنظيم الدولة الإرهابي، في ظل غياب التعاون الاستخباراتي واللوجستي، والدعم الجوي الذي تقدمه لها قوات التحالف الدولي".

ولكن السوداني لا يرغب في إثارة الفصائل ضده، لذلك يذهب الى استنكار هذه الهجمات ضمن سياسته في الموازنة بين المتشددين والمعتدلين داخل الإطار التنسيقي.

وهو ما أكّده قائد أركان الجيش الأمريكي السابق، كينيث ماكنزي، في مقال نشره في نيويورك تايمز، في 14 شباط/ فبراير 2024، حيث أشار فيه إلى حاجة السياسيين العراقيين إلى القوات الأمريكية، من أجل منع داعش من العودة.

كذلك، فالحكومة العراقية تدرك أن طرد القوات الأجنبية والأمريكية بغير إرادتها، سيُعرّض اقتصادها إلى زلازل قد لا تُحمد عقباه، بسبب سيطرة الفيدرالي الأمريكي على المليارات من أموال العائدات النفطية، واحتمال فرض عقوبات اقتصادية على العراق بسبب معاونته للنظام الإيراني.

هذا الجانب يثير أيضاً مخاوف طهران التي تعتمد على العراق في جزء من تمويلها، ما يدفعها إلى نفي علاقتها بالجماعات المسلحة أو هجماتهم داخل العراق، ناهيك عن حاجتها الماسة إلى العراق من أجل الحفاظ على قنوات اتصالها مع واشنطن عبر حكومة السوداني.

إيران من خلف الكواليس

في هذا السياق، نشرت صحيفة وول ستريت جورنال  مقالاً في 26 كانون الثاني/ يناير 2024، جاء فيه نقلاً عن مسؤولين أمريكيين، أن واشنطن حذّرت إيران سراً من الهجوم  الذي شنه تنظيم خراسان التابع لتنظيم الدولة، في 3 كانون الثاني/ يناير الماضي، وأٍسفر عن مقتل أكثر من 80 شخصاً في تفجيرين متتالين، وقد ساهم هذا التحذير في تقليل عدد الإصابات بحسب التقرير.

ورغم أن المسؤولين الأمريكيين، رفضوا الإدلاء بطبيعة قنوات اتصال حكومتهم مع طهران، ولكن يُرجّح أن يكون للحكومة العراقية دور فيه، نظراً إلى علاقتها المتينة بالطرفين الأمريكي والإيراني في آن واحد. 

تتخوف الحكومة العراقية من أن يؤدي طرد القوات الأمريكية إلى زلازل اقتصادي، بسبب سيطرة الفيدرالي الأمريكي على المليارات من أموال العائدات النفطية، وهو ما يثير قلق طهران أيضاً، لاعتمادها على العراق في تمويلها في ظل العقوبات المفروضة عليها 

من زاوية أخرى، يرى الباحث السياسي، عدنان جياد في حديثه لرصيف22 أن إيران لا ترغب في خروج القوات الأمريكية من البلاد، خوفاً من استفحال النفوذ التركي أو الخليجي داخل البلد، فالولايات المتحدة ورغم العداء الظاهر معها، ولكنها تغض النظر عن تهريب الأموال لها عبر العراق، كما تتغاضى عن توريدها للبضائع التجارية إلى العراق رغم الحصار الاقتصادي الأمريكي عليها.

كما ترغب واشنطن في الإبقاء على نفوذ طهران داخل العراق من أجل حفظ التوازن في المنطقة، بدلاً من النفوذ التركي أو الروسي الساعي إلى زيادة استثماراته الاقتصادية داخل الحقول النفطية والغازية في البلاد، ويستند جياد في تحليله على ردود الأفعال "التمثيلية" أو "المحدودة" لكلا الطرفين.

فرضية الانسحاب

ورغم كل هذه الديناميكيات، يبقى السؤال عن احتمال طرد القوات الأمريكية أو إنسحابها من العراق قائماً.

لكن اجتماع نائبة الرئيس الأمريكي، كاميلا هاريس برئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني في 16 شباط/ فبراير 2024، يستبعد هذا الاحتمال، وتبعاً للقاء الذي عُقد في ميونيخ ومخرجاته، فاهتمام الطرفين بدوام الشراكة بين البلدين لا يزال قائماً، إضافة إلى استمرار عمل اللجنة العسكرية المشتركة للانتقال إلى شراكة أمنية ثنائية دائمة بين البلدين.

هذا الاجتماع، ناقض تصريحات الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الذي قال في 28 كانون الثاني/يناير الماضي: "مهمة التحالف الدولي ستنتهي خلال دورة الحكومة الحالية، خاصة وأنها إحدى فقرات البرنامج الحكومي، وإنهاء مهمته بدأت رسمياً منذ الاجتماع الأول للجنة العسكرية العليا، برعاية رئيس الوزراء".

ويستمر مسلسل التصريحات المتناقضى، فبعض المسؤولين الأمريكيين ذكروا في 25 كانون الثاني/ يناير 2024، لموقع بولتيكو إن "القوات الأمريكية لن تغادر العراق، والمفاوضات الجارية ضمن هذه اللجنة هي مناقشات روتينية، سبق أن أجرتها حكومة بايدن مع سوريا، وانتهت ببقاء قواتها في سوريا، ولكن قد ينتج عنها هجمات واستهدافات أخرى ضد الفصائل المسلحة".

وكانت وول ستريت جورنال قد أكدت هروب عدد من قادة الفصائل الى إيران أو كردستان العراق، منذ استهداف أبو باقر الساعدي.

الجدير ذكره أن مطالب خروج القوات الأمريكية من العراق ليست بالجديدة، وترجع إلى العام 2015، وقتذاك رفض رئيس الوزراء حيدر العبادي، استمرار هذا الوجود لـ"عدم حاجة القوات الأمنية لدعمها"، ولكنه عاد في أواخر العام نفسه، وطلب التأني في انسحابها بسبب حاجة القوات الأمنية لها. 

لرئيس الوزراء كامل الصلاحية بإخراج القوات الأجنبية دون الحاجة للعودة إلى البرلمان أو القضاء، بحسب المادة (80) من الدستور العراقي لعام 2005.

وكذلك الحال بالنسبة لرئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي، الذي رحّب في آذار/ مارس 2019، بوجود القوات الأجنبية ودورها في البلاد، ورغم استهداف واشنطن للمهندس وسليماني إبان فترة تسلمه لرئاسة الوزراء، وتنديده بهذه العملية، ولكنه قرّر استمرار عمل قوات التحالف بعد أيام من العملية في مطلع عام 2020.

تبدل المواقف يؤكد رغبة الإطار التنسيقي ببقاء هذه القوات داخل العراق، ويشي بأن تصريحاتهم ضد هذا الوجود هي مجرد تغطية إعلامية ومحاولة لاستمالة الجماهير، خاصة وأن لرئيس الوزراء كامل الصلاحية بإخراج القوات الأجنبية دون الحاجة للعودة إلى البرلمان أو القضاء العراقي، بحسب نص المادة (80) من الدستور العراقي لعام 2005.

وينتشر 2500 جندي أمريكي في العراق منذ عام 2014، ضمن إطار التحالف الدولي، وتعمل هذه القوات على تقديم المشورة والدعم للقوات العراقية، ومنع داعش من العودة وتنظيم صفوفه مرة أخرى.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image