الوطن، وما أدراك ما الوطن؟ في المعنى اللغوي الوطن هو "المكان الذي يولَد فيه الشخص ويكون انتماؤه إليه"، وإذا سُئل أي إنسان عن وطنه، فسيجيب من دون تفكير ويقول كما يقول كثر: "نموت ويحيى الوطن"، وإنه يفديه بنفسه وأهله وكل أحبّته. لكن هل بقي هذا الانتماء على هذا النحو في يومنا هذا، أو أن الوطنية قلّت عند كثيرين متأثرةً بظروف الحياة وصعوباتها؟
برغم الوطنية وعشق الوطن، هناك أشخاص يختارون مغادرة وطنهم الغالي عليهم لأسباب عدة، يمكن أن تكون الحرب أبرزها. كما أن هناك أشخاصاً يهاجرون من بلدانهم إلى بلدان أخرى، بحثاً عن عمل أو تطوير ما أو حياة مستقرة اقتصادياً واجتماعياً وحتى سياسياً. الإيرانيون ليسوا بمنأى عن هذا الموضوع، فالكثير منهم هاجروا خلال الأعوام الأخيرة من بلادهم.
مئات الآلاف من الإيرانيين/ات هاجروا/ن
قد تكون أسباب مغادرة الإيرانيين/ات بلدهم مختلفةً، فبالنسبة إلى الشعب الإيراني خاصةً المتعلمين منه والنخب، هناك أسباب عديدة للمغادرة، على رأسها الأسباب السياسية والاجتماعية وهي السمة البارزة في هذه الظاهرة. ولطالما كانت هجرة المختصين والنخب العلمية والمستثمرين والرياضيين والشباب من إيران موضع نقاش كبير ومثير للقلق، إذ أحدث التحول الذي طرأ على الأوضاع الاقتصادية والمدنية في إيران تغيرات كبيرةً في أهداف الهجرة ودوافعها في السنوات الأخيرة.
لطالما كانت هجرة المختصين والنخب العلمية والمستثمرين والرياضيين والشباب من إيران موضع نقاش كبير ومثير للقلق، إذ أحدث التحول الذي طرأ على الأوضاع الاقتصادية والمدنية في إيران تغيرات كبيرةً في أهداف الهجرة ودوافعها في السنوات الأخيرة
قدّرت الأمم المتحدة، كونها الجهة التي تنشر البيانات والإحصاءات المجمعة عن المهاجرين في العالم، عدد المهاجرين الإيرانيين بنحو مليون و325 ألف شخص في آخر تحديث لها، والمتعلق بعام 2020، في حين نقلت صحيفة "فايننشال تايمز" عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، في تقرير بعنوان "هجرة النخب"، أن إيران حققت أسرع نمو في الهجرة في عام 2020 لغاية عام 2021، بزيادة قدرها 141 في المئة، إذ ارتفع هذا العدد من 48 ألف شخص في عام 2020 إلى 115 ألف شخص في عام 2021، وبهذا وصلت إيران إلى مرحلة الهجرة الجماعية غير المنضبطة.
وفي هذا الصدد، كتب رئيس مركز رصد الهجرة في إيران بهرام صلواتي، أن منطقة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، كونها المنطقة الرئيسية لجذب المهاجرين في العالم، تستقطب عدداً كبيراً من المهاجرين الجدد كل عام، فخلال عام 2020 فحسب، بلغ عدد المهاجرين الإيرانيين الجدد الذين دخلوا دول هذه المنطقة 48 ألفاً، وقد ارتفع العدد وفقاً لآخر الإحصائيات السنوية إلى ذروته ويصل إلى 115 ألف وافد جديد في عام 2021. وبهذه الطريقة، فقد سُجلت المرتبة الأولى من السكان المهاجرين على أساس معدل نمو المهاجرين الجدد.
في تصريحات في تشرين الأول/أكتوبر 2022، أشار المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي إلى أزمة هجرة النخب من البلاد، ودعا النخب إلى مقاومة "الجاذبية الشيطانية" القادمة من الخارج، والبقاء في البلاد. كما وصف النخب المهاجرة بأنهم "ناكرو الجميل"، قائلاً: "هؤلاء تطوروا هنا، وعندما حان وقت قطاف الثمار ذهبوا ليعطوا ثمارهم إلى الآخرين". في تصريحات سبقت هذه التصريحات، اعتبر خامنئي تشجیع النخب للهجرة من البلاد بأنها "خيانة".
ولمواجهة هجرة النخبة الإيرانية، أعلن مدير مؤسسة النخب الوطنية في إيران، سلمان سيد أفقهي، أن المؤسسة التعليمية الإيرانية توصلت إلى اتفاق مع الشرطة لملاحقة مكاتب الهجرة بهدف الحيلولة دون هجرة النخب من إيران. وقال إنه تقرر أن يتم فتح فرع للأمن في مؤسسة النخب الوطنية لكي يقدم المعلومات المتعلقة بخروج النخب ودخولهم سريعاً وفي فترة زمنية قصيرة تقل عن الساعة.
وقال أفقهي إن "البعض قد جعل من قضية الهجرة تجارة لهم"، وأشار إلى وجود مكاتب تقدم خدمات منخفضة التكلفة للراغبين في الهجرة من النخب، كما صرح بأن هناك جهات تمد هذه المكاتب بالأموال.
إلى أين؟
وعن الدول المستضيفة للإيرانيين/ات، قال صلواتي إنه "في عام 2021، استضافت تركيا 615 ألف مهاجر جديد من مختلف البلدان، وهو ما سجّل نمواً بنسبة 250 في المئة مقارنةً بعام 2020، ويحتل العراق المركز الأول بـ74 ألف مهاجر، وتأتي إيران في المرتبة الثانية بـ67 ألف مهاجر جديد، وأوزبكستان في المركز الثالث بـ40 ألف مهاجر، ونسبة 50% من المهاجرين الإيرانيين تشكّلها النساء".
قدّرت الأمم المتحدة، كونها الجهة التي تنشر البيانات والإحصاءات المجمعة عن المهاجرين في العالم، عدد المهاجرين الإيرانيين بنحو مليون و325 ألف شخص في آخر تحديث لها.
وتابع: "في كل عام، تستقطب العديد من دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الطلاب الدوليين. وفي عام 2021 فحسب، تم تسجيل 72 ألف طالب دولي في إيطاليا، ويُعدّ الطلاب الإيرانيون، الجنسية الثانية للطلاب الأجانب بعد الطلاب الصينيين. وإلى جانب قنوات التعليم والعمل والهجرة العائلية، تُعدّ قناة هجرة اللجوء إحدى الطرق الشائعة بين المهاجرين في العالم. وفي عام 2023، احتل الإيرانيون/ات المرتبة الأولى بين الجنسيات التي سجلت طلبات لجوء جديدةً في أستراليا بواقع 1،916 طلباً في عام 2022، مما يظهر نمواً بنسبة 226 في المئة مقارنةً بعام 2021، إذ كان 846 تسجيلاً يخص طلبات اللجوء فحسب. كما سجّل 6،320 إيرانياً، في عام 2022، طلبات للّجوء في ألمانيا".
ومع ذلك، لا يمكن نكران الاتجاه المقلق المتمثل في رحيل النخب والعقول من هذا البلد، وحول هذا الأمر أعلن رئيس لجنة الصحة والعلاج في البرلمان الإيراني حسين علي شهرياري، عن إحصائية غريبة حول هجرة الطواقم الطبية، إذ هاجر في العامين الماضيين نحو 10 آلاف طبيب/ة إيراني/ة معظمهم من المتخصصين والنخب، ويمكن أن يكون لهذا الموضوع تأثير سلبي كبير على قطاع الصحة وتعليم الطب في إيران.
وبالإضافة إلى الأطباء المتخصصين، جرّب الكثيرون في السنوات الأخيرة حظوظهم في البلدان الأخرى، حيث أن الممرضات/ين وأساتذة الجامعات، ومتخصصين في مجالات أخرى، كانت وجهتهم دولاً عربيةً كدول الخليج، واليابان وجورجيا ورومانيا وغيرها من البلدان.
الرياضيون اللاجئون
وموجة الهجرة هذه طالت الرياضيين/ات الإيرانيين/ات أيضاً، لا سيما المحترفين والحائزين على الميداليات الدولية. على سبيل المثال، في عام 2020، هاجرت بعض النخب الرياضية الأكثر شهرةً في إيران، وكانت القيود السياسية والاجتماعية من بين أهم الأسباب الرئيسية لهذه الهجرات. وواجه لاعب الجودو سعيد ملايي، المشكلة نفسها التي يخشاها جميع الرياضيين/ات الإيرانيين/ات، وهي عدم مواجهة الرياضيين/ات الإسرائيليين/ات في ساحات المباريات، وهو ما دفعه لمعارضة هذا المبدأ بالهجرة من إيران، وأصبح لاجئاً في ألمانيا وأخذ الجنسية المنغولية.
لمواجهة هجرة النخبة الإيرانية، أعلن مدير مؤسسة النخب الوطنية في إيران، أن المؤسسة التعليمية الإيرانية توصلت إلى اتفاق مع الشرطة لملاحقة مكاتب الهجرة بهدف الحيلولة دون هجرة النخب من إيران. وقال إنه تقرر أن يتم فتح فرع للأمن في مؤسسة النخب الوطنية لكي يقدم المعلومات المتعلقة بخروج النخب
لاعبة التايكوندو كيميا علي زاده، التي فازت بميدالية برونزية في الألعاب الأولمبية في ريو دي جانيرو 2016، وأصبحت المرأة الإيرانية الأولى والوحيدة التي تفوز بميدالية في تاريخ الألعاب الأولمبية، هي أيضاً هاجرت من إيران وكتبت آنذاك على حسابها في إنستغرام: "أنا واحدة من ملايين النساء المضطهدات في إيران، حيث لاعبوني مثلما شاؤوا وأخذوني أينما أرادوا وألبسوني ما أحبّوا، ووضعوا ميدالياتي تحت ظل الحجاب القسري، ونسبوها إلى أنفسهم وإدارتهم". كما أعلنت لاحقاً أنها تنوي الانضمام إلى المنتخب الألماني للمشاركة في المنافسات الرياضية.
ولم تقتصر قائمة الرياضيين/ات على كيميا وسعيد فحسب، فنابغة الشطرنج الإيراني علي رضا فيروزجا، والمصارع نويد زنكنه الذي تم إطلاق النار عليه واعتقاله، وحكم الشطرنج الرائدة في العالم والحكم الأنثى الوحيدة من القارة الآسيوية شهره بيات، وحكم كرة القدم البارز علي رضا فغاني، كانوا من بين الرياضيين/ات الذين غادروا إيران في عام 2020.
أياً كانت الأهداف والأسباب وراء الهجرة، يبقى الابتعاد عن الوطن هو التحدي الأكبر للمهاجرين واللاجئين في جميع أنحاء العالم، وليس للإيرانيين/ات فحسب، فتارةً يشتاق المهاجر إلى أقاربه وأصدقائه، وتارةً أخرى يشتاق اللاجئ إلى التسكع في شوارع مسقط رأسه، حتى يصل به الحنين إلى أن تصبح أكبر أمنياته أن يُدفن في موطنه الأصلي بعد وفاته.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
عبد الغني المتوكل -
منذ 16 ساعةوالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ 17 ساعةرائع
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت