اضطرت دعاء (26 عاماً) -وهو اسم مستعار- إلى إيقاف حبوب منع الحمل بعد أن أنجبت طفلتين ولم تحمل بالـ"صبي" الذي كان ينتظره والد زوجها ليحمل اسمه واسم عائلته. بينما عجز زوجها عن الوقوف ضد رغبة والديه، لا سيما أنه يسكن معهما في منزل واحد. "بغضب عليك ومالك عندي مكان إذ ما بتجيب صبي يحمل اسمي" بهذه العبارة كان والده يفتتح كل لقاء مع ابنه كما تقول دعاء في حديثها لرصيف22.
دعاء مُهجّرة من ريف دمشق، وتقيم حالياً في محافظة إدلب، ولديها طفلتان (4 أعوام وعامان)، وقد أنجبتهما بإجراء عمليات قيصرية، وعانت طيلة فترة حملها من نزيف متكرر، وديسك في الظهر، وفقر بالدم.
تقول وهي تمرر يدها على بطنها: "الآن أنا حامل في الشهر الرابع، وقد أخبرتني الطبيبة أنني سأنجب طفلة، لذا، ربما سأضطر للحمل مجدداً في أقل من عام، عسى أن نرزق بالصبي وأحفظ كرامة زوجي من غضب أبيه ومن الطرد من المنزل".
"لا تتأخري"
أنجبت هدى (24 عاماً) طفلتها الأولى وهي في عمر 16 عاماً، بعد مرور عام على زواجها. ومع أنها اتفقت مع زوجها على تأجيل فكرة الإنجاب لعدة أسباب، منها صغر سنها والأوضاع الاقتصادية، إلا أن ضغوط المجتمع التي بدأت من طرف والدتها ووالدة زوجها ومحيطها من السيدات -كالأقارب والجارات- انتهت برفض الطبيبة النسائية طلبها باستخدام أي وسيلة لمنع الحمل قبل أن تنجب طفلها الأول.
اضطرت دعاء إلى إيقاف حبوب منع الحمل بعد أن أنجبت طفلتين ولم تحمل بالـ"صبي" الذي كان ينتظره والد زوجها ليحمل اسمه واسم عائلته.... "بغضب عليك ومالك عندي مكان إذ ما بتجيب صبي يحمل اسمي" بهذه العبارة كان والده يفتتح كل لقاء مع ابنه
تروي هدى معاناتها التي بدأت بعد زفافها بأقل من شهرين لرصيف22، عندما زارتها أمها وخالتها وجاراتها لتهنئتها، وبعد أن شربن القهوة رددن كلمات "مبروك بصبي عندك، شو لسة ما خبيتنا شي" في إشارة للحمل، وكانت أمها هي من ترد عنها بقولها "إن شاء الله انا بنتي ناضجة، وكل سنة لح تجيب ولد، بس الدور ع زوجها"، توضح هدى لافتة إلى أن أمها قالت لها في نهاية الزيارة إن عليها أن تحمل في أسرع وقت "عجلي وجيبي ولد، أصلًا ما بعلق الرجال بمرته غير الولد".
تحدثت هدى لزوجها عما جرى من حديث مع أمها والجارات، وبدوره روى لها أن أمه قالت إن عليه انتظار شهر واحد فقط قبل زيارة الطبيبة في حال لم يحدث حمل، بعد هذه الحادثة عرضت هدى نفسها على طبيبة نسائية أكدت لها عدم وجود أي مشاكل صحية تمنعها من الحمل، لكنها قالت إن عليها إنجاب الطفل الأول قبل استخدام أي وسيلة لمنع الحمل. تقول: "ولدت طفلتي الأولى، وعشت لحظات بين الموت والحياة، وكنت عندما تبكي بنتي أبكي معها".
الرجال يرفضون "الواقي الذكري"
قررت مرام كسّار (33 عاماً) وهي أم لثلاثة أطفال التوقف عن الإنجاب منذ حوالى 3 أشهر، وكان هذا قراراً مشتركاً بينها وبين زوجها، إلا أنها عانت في اختيار وسيلة منع حمل تتناسب مع طبيعة جسدها، وذلك بعد رفض زوجها استخدم الواقي الذكري أو العزل الطبيعي الذي يؤثر على متعته الجنسية، كما تقول.
أنجبت هدى طفلتها الأولى في عمر 16 عاماً تحت إلحاح العائلة، كانت أمها تقول لها في كل زيارة "عجلي وجيبي ولد، أصلًا ما بعلق الرجال بمرته غير الولد".
قامت مرام بتركيب لولب رحمي في أحد المراكز الصحية المجانية في إدلب، إلا أنها اضطرت لإجراء عملية تنظيف بعد عشرة أيام لإزالته، نتيجة تحركه من مكانه وعدم تقبل رحمها له بسبب مشاكل هرمونية، وهو ما أصابها بآلام شديدة، ونزيف حاد. لتبدأ بعدها بتناول حبوب منع الحمل التي لم تتناسب أيضاً مع طبيعة جسدها وسببت لها ارتفاعاً في ضغط الدم ما اضطرها لإيقافها حسب نصيحة الطبيبة.
تتوفر موانع الحمل في محافظة إدلب في مراكز الصحة الإنجابية، والتي تكون غالباً مدعومة من منظمات غير حكومية تقدم خدماتها بشكل مجاني. بعض أشهر هذه الوسائل هو اللولب الرحمي، وتفضله الكثيرات لأنه يستمر لفترة طويلة، ويمكن تحمل آثاره الجانبية كزيادة النزيف في أوقات الدورة الشهرية وآلام أسفل البطن. أما الحبوب التي توفرها هذه المراكز فمن نوعين: حبوب من هرمون البروجيستيرون، وأخرى من البروجيستيرون والأستروجين. بالإضافة إلى الحقن التي تحتوي هرمون البروجستيرون. أما الوسيلة الوحيدة التي تقدمها المراكز الطبية في إدلب للرجل فهي الواقي الذكري.
بينما تشمل وسائل منع الحمل وفق منظمة الصحة العالمية حبوب منع الحمل، الغرسات، الحقن، اللاصقات، الحلقات المهبلية، الأجهزة الرحمية، الواقي الذكري، تعقيم الذكور والإناث، طرق انقطاع الطمث في أثناء الرضاعة، الطرق المبنية على التوعية بالانسحاب والخصوبة. هذه الطرق لها آليات عمل وفعالية مختلفة في منع الحمل غير المقصود.
وتظهر دراسة أجرتها منظمة الصحة العالمية أن ثلثيْ النساء النشطات جنسياً اللواتي يرغبن في تأخير الإنجاب أو الحد منه، يتوقفن عن استخدام وسائل منع الحمل خشية من آثارها الجانبية، أو لشواغل صحية أو بسبب سوء تقدير احتمالات الحمل. ونتيجة لذلك، فإن ربع حالات الحمل غير مقصودة. وهذا في الظروف المثالية، فكيف حين تكون ظروف تحديد النسل أو تنظيم الحمل متعثرة أو غير متوفرة أو "مقبولة مجتمعياً".
حيل الجدّات
"قطنة تدهن بزيت زيتون أضعها داخلي عقب الجماع" بتلك الكلمات تشرح اعتدال (38 عاماً) الطريقة التي تستخدمها كوسيلة لمنع الحمل، وهي طريقة قديمة نصحتها بها جدتها، والتي أنجبت تسعة أطفال.
تقول اعتدال لرصيف22 إنها لا تفضل استخدام أي وسيلة منع حمل من الممكن أن تتسبب لها بآثار جانبية، كما أنها تعتقد أن حبوب منع الحمل تصيب بالعقم، وهي فكرة متداولة لدى الكثير من النساء. تضيف: "أستخدم الزيت، وأحياناً العزل، ويلي بيجي من الله ما أحلاه" توضح السيدة مبينة أنه لا مشكلة لديها مع الحمل، فقد أنجبت 5 أطفال كما أن زوجها لا يزال يريد المزيد.
بينما تحرص أسماء (39 عاماً) على حساب أيام دورتها بدقة، وأن تحدد أيام التبويض بمساعدة قابلة تزورها بشكل دوري، وذلك لكي تمتنع عن العلاقة الزوجية في تلك الفترة كوسيلة لمنع الحمل "لم أحمل منذ عامين، وإذا حصل وحملت تكون إرادة الله" تقول لرصيف22.
من جهتها، توضح مسؤولة الصحة الإنجابية في مديرية صحة إدلب الطبيبة بتول الخضر أن جميع الموانع قد تحتمل نسبة فشل بحسب الاستخدام الصحيح والوقت الصحيح والاختيار المناسب للوسيلة. مع الإشارة إلى أن استخدام الموانع الطبيعية والمتوارثة ترفع نسبة حدوث الحمل، نظراً لكونها غير ناجحة في معظم الأحيان بحسبها.
وتلفت في حديثها لرصيف22 إلى وجود نسبة من النساء ممن يرفض استخدام وسائل تنظيم الأسرة، لكن نتيجة التثقيف الصحي الجيد من قبل مقدمة الخدمة تحسن الإقبال عليها، وغالباً ما يكون الرفض بسبب التخوف من العقم الثانوي أو من مضاعفات وسائل المنع التي يمكن تلافيها باختيار الوسيلة الأنسب، "علمياً ليس هناك مخاطر في حال اختيار الوسيلة المناسبة للمرأة، ولكن بسبب المعتقدات الشائعة في المجتمع هناك تخوف وإقبال ضعيف من قبل هؤلاء السيدات" تقول.
إلهام نصف رطل هي مشرفة على مركز الصحة الإنجابية التابع لمنظمة "سامز" في محافظة إدلب، تقول لرصيف22 إن أعداد الزائرات للمراكز تصل لحوالى 75 زائرة يومياً، إذ يوفر المركز حبوب منع الحمل البسيطة والمركبة، واللولب النحاسي، وحقن بروجسترون، والواقي الذكري، بينما تعتمد بعض السيدات على موانع الحمل التقليدية كالإرضاع والعزل.
تقول اعتدال إنها لا تفضل استخدام أي وسيلة منع حمل من الممكن أن تتسبب لها بآثار جانبية، كما أنها تعتقد أن حبوب منع الحمل تصيب بالعقم، وهي فكرة متداولة لدى الكثير من النساء. وتقول إنها تستخدم الزيت، وأحياناً العزل كطرق متوارثة لمنع الحمل
وتوضح أن ثقافة المجتمع والعادات والتقاليد تؤثر بشكل كبير على استخدام وسائل منع الحمل، ومثل ذلك الفكر السائد حول شرعية استخدام هذه الوسائل والحد من عدد الأطفال، والاعتقاد عند البعض أن كثرة الأولاد تجلب العمل والرزق، وهناك الحمل المتكرر بهدف ولادة الذكور أو زيادة عددهم. محذرة من أن أكثر حالات الإجهاض تكون لدى اللواتي يحملن بأعمار صغيرة، أي تحت 18 عاماً، أو اللواتي يحملن بأعمار كبيرة، أي فوق 40 عاماً.
أطباء بلا حدود في إدلب
تقول مديرة أنشطة الصحة الإنجابية في أطباء بلا حدود في إدلب زبيدة عبدو لرصيف22 إن المنظمة تقوم من خلال المنشآت الصحيّة التي تدعمها أو تديرها في شمال غربي سوريا، بتوفير خدمات الصحة الإنجابيّة للأمهات، إضافة لتوعية النساء حول أساليب وطرق تنظيم الأسرة واختيار الطرق الأنسب لهن، مع ضمان استقلاليتهنّ وخصوصيتهنّ.
وتشمل هذه الخدمات الرعاية الصحيّة للأم والجنين قبل الولادة عن طريق المتابعات الدورية، واستشارات الأمراض النسائيّة، والولادات الطبيعية والعمليات القيصرية لمن يحتجنها، وخدمات تنظيم الأسرة. مشيرةً إلى أن خدمات تنظيم الأسرة والمباعدة بين الولادات هي خدمة صحيّة أساسيّة للأمهات، تقلل من معدلات الإصابة بالأمراض والوفيات، وتحسن الرفاهية الاقتصاديّة والاجتماعيّة. كما أن زيادة الوصول إلى وسائل تنظيم الأسرة لا تعود بالنفع على صحة النساء فقط، إنما تؤثر إيجابياً في صحة أطفالهنّ وعائلاتهن، من خلال قدرة الأم على تقديم رعاية متكاملة للأطفال حتى عمر السنتين على الأقل، وقدرتها على الإرضاع الطبيعي، وتلقين الأطفال العادات والسلوكيات. إضافةً لقدرتها وتفرّغها في تنشئة الأسرة. فضلًا عن ذلك، إن وصول النساء في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل إلى الرعاية الصحيّة للأم والأسرة، وحصولهنّ على وسائل مناسبة لتنظيم الأسر، يؤدي إلى انحسار حالات الحمل غير المرغوبة وانخفاض عددها. بالإضافة لانخفاض حالات الإجهاض غير الآمن الناتج عن الحمل غير المرغوب به.
وتتأثر استجابة السيدات لخدمات الصحة الإنجابيّة بعدة عوامل وتختلف من مجتمع لآخر، حيث أن هناك مفاهيم مختلفة تسود المجتمعات حول قضايا تنظيم الأسرة والخدمات المقدمة للمرأة. إضافة لذلك، هناك تحديّات متعلقة بقبول المجتمع لخدمات الصحة الإنجابيّة والتحدث عن قضايا الصحة الإنجابيّة.
وتنصح مراكز الصحة الإنجابية بالمباعدة بين الولادات، وتعد فترة 24 شهراً بعد ولادة طفل حي و6 أشهر بعد الإجهاض فترة مناسبة لحمل آخر، على حين تأتي اختيار وسيلة تنظيم الأسرة في المرتبة الثانية.
الولادات في إدلب
لا توفر السلطات المحلية إحصائية شاملة لأعداد الولادات أو عمليات الإجهاض في محافظة إدلب، لذلك حصل رصيف22 على عدة إحصائيات عبر مستشفيات توليد أو مراكز للصحة الإنجابية مدعومة من جهات غير حكومية أظهرت ارتفاع نسبة الولادات والتي قاربت 60 ألف مولود خلال عام 2023.
ووثق مركز الصحة الإنجابية في مديرية صحة إدلب 44228 ولادة، وساهمت خدمات رعاية صحة الأم التي تقدمها منظمة أطباء بلا حدود شمال غربي سوريا، في الولادة الآمنة لحوالى 14000 طفل، بما في ذلك 3،200 حالة معقدة تتطلّب عمليات الولادة القيصرية. وذلك بمعدل 433 ولادة منها 127 ولادة قيصرية، و30 حالة كورتاج خلال شهر واحد وفق ما وثق مستشفى الأمومة في إدلب المدعوم من منظمة سامز الأمريكية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...