شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"ماذا لو ترك المهاجرون ألمانيا صباح الغد؟"... أحلام هاينريش

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والمهاجرون العرب

الأحد 25 فبراير 202411:30 ص

توضيح ضروري: هاينريش شخصية خيالية ولا تهدف تنميط أوتأطير أي مكون انساني أو عرقي. 

على صدى احتفالات ألمانيا، بصعودها إلى المرتبة الثالثة عالمياً في حجم ناتجها الإجمالي المحلي، فقط ﻷن انكماش اليابان الاقتصادي، كان أكبر من انكماشها، يجثم خطر اليمين المتطرف الصاعد في استطلاعات الرأي، وتهالك البنية التحتيّة في البلاد، فوق صورة مستقبل الأداء الاقتصادي المنشود ويبدد الفرحة. 

أما بالنسبة إلى البعض منا كمهاجرين ومهاجرات في ألمانيا، و في هذا الفيلم السينمائي العبثي الّذي ندعوه اصطللاحاً "حياتنا"، نحاول الاستراحة ونتمنى أن نجلس ونهدأ، ولو على خازوقٍ، كي نلتقط أنفاسنا، ونطور ارتباطاً بأيّة بقعة جغرافية نربّي فيها أحلاماً وخططاً معقولة، لكنّ الحبكة الهوليودية الـ "ما بعد حداثية"  تقفز في وجهنا مرة بعد مرة، كمهرّج ساديّ في مهرجان مستمرّ قائم على مراسم خلعنا من أي أرض نجرؤ على تسميتها "بالبيت". 

"تمرمطَ" المهاجرون كفايةً في بلاد الله لينجح البعض منهم، بشقّ الأنفس، في الوصول إلى أوروبا، "موئل السلام والحرية"، ويتنفس الصعداء: "يالله وصلنا"،  فتأتي الجملة الآتية:"هل نحزم حقائبنا ونرحل من جديد؟"

"هل نحزم حقائبنا ونرحل من جديد؟"

تلقيها صديقتي ندى في وجهي وهي تحوم كالملسوعة في بيتي، الذي كنت أعتقد أنه بيتي في برلين: "وبعدين ؟؟ أحس أن هاينريش يخنقني" 

سألتها: "هل هاينريش هذا هو رجل خياليّ؟ أم أنه شخص تعرفينه؟" 

فتعطيني ندى إجابتها الفصامية بعينين مبحلقتين: "هل أعرفه؟ ام أنني صرت أتخيله يخنقني بكل كلمة يقولها لي؟ لا أدري، كل ما أعرفه أنه زميل لي في العمل، رجل يميني غاضب الملامح، على ذراعه وشم يتضمن كتابات غريبة بالنوردية القديمة، شغفه أن يتحفني كل يوم بمحاضرات عنصرية وذكورية في آن معاً، عن "ما يجب فعله" و"ما لا يجب فعله".

حدث أن هاينريش هذا، تُتابع ندى، جاء ذات صباح "منشكح" الوجه، سعيد الهيئة، ما أثار عجبي، ﻷقرأ بعد سويعات خبر "اجتماع بوتسدام السرّي" الذي تمّ في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وجمع أطياف اليمين، واعداً ألمانيا بمستقبل ألماني أبيض صافٍ، خالٍ من المهاجرين. هل تتخيل كم كان سعيداً؟

ماذا لو صار خيال هاينريش هذا واقعاً، ماذا لو ترك كل المهاجرون، أو من هم من أصول مهاجرة، ألمانيا دفعة واحدة؟ 

هاينريش... سيرة ذاتية 

من الضروري فهم شخص هاينريش "الرمزي" هذا، ودوافعه كي يتمنى تكنيس بلاده من شعورنا السوداء، وبشراتنا الداكنة. 

هاينريش، اليميني المتطرف الخمسيني من عمره، له نوعان: الصريح الجهور بعدائيته وآرائه في أي إنسان "مختلف"، يكون غالباً قاسي الملامح، غاضباً من كل شيء، انفعالياً حد الجحشنة، وهاينريش الآخر السياسي، اللطيف شكلاً، العنيف مضموناً، بما يقال عنه "العدواني السلبي"، الذي يمطركِ، عزيزتي، بالملاحظات والمحاضرات لمجرد أن يراكِ تتصرفين بخلاف ما يراه هو "الطريقة المثلى" لسير اﻷشياء، وهو مقتنع بأنه الضحية في عالم لا يسجد له كل يوم ليشكره على كونه ألمانياً.

مصطلح "صفر مهاجرين"  يوحي بأنه خفيف على المعدة، يكاد يذكرني بالأنظمة الغذائية الحديثة، ال "كيتو" مثالاً، وهو يفترض أن المهاجرين في ألمانيا هم وزن زائد و حُريرات ضارّة في "منظومة ألمانيّة مثاليّة".

بالرغم من كون غالبية شريحة الشباب الألماني لا توافق على تلك النزعة التفوقيّة الإلغائية لديه ولدى أمثاله، إلا أن كثيراً من المتحكمين بنواصي السياسة الألمانية، في هذه الأيام، هم ذكور خمسينيون، يتقاسمون معه الكثير من صفاته وأحلامه، بخطاب قومي ينتمي إلى بدايات القرن العشرين، ولا يعبؤون بالمشاكل الحقيقية ولا الحلول الحقيقية للواقع الألماني السياسي والاجتماعي والاقتصادي المنكمش.

ألمانيا، وسيناريو "صفر مهاجرين"، جلسة تخيّـــلية

مصطلح "صفر مهاجرين" الذي يرقص في رأس هاينريش، الرجل اليميني، يوحي بأنه خفيف على المعدة، يكاد يذكرني بالأنظمة الغذائية الحديثة، ال "كيتو" مثالاً، وهو يفترض أن المهاجرين في ألمانيا هم وزن زائد و حُريرات ضارّة في "منظومة ألمانيّة مثاليّة"، لا كدرٌ يشوب صفاءها. 

سينمائياً، أحب أن أتخيل أن هاينريش استيقظ في صبيحة يوم "مشهود"، ليصيح مذيع محطته اليمينية المفضلة: "وأخيراً عزيزي هاينريش، ألمانيا استيقظت في هذا الصباح، وقد تركها كل من هم مهاجرون أو من هم من أصول مهاجرة إلى الأبد، فلننعم ببلد رائق، حضاري ونظيف!".

يبتسم هاينريش بكل أسنانه، ليمنّي نفسه بصباح حالم، لا لغات غريبة فيه، ولا وجوه ملونة، يحلم بشوارع نظيفة، إذ أنه على ثقة أن "الغرباء" و خاصة أصحاب البشرات الداكنة، هم مصدر المناديل المتسخة وأعقاب السجائر التي تملأ الشوارع والأرصفة ومحطات القطارات. 

سيخرج هاينريش السعيد من بيته،  ليجرب نظافة تلك الشوارع، ولكن صدمته الأولى ستكون حين يرى الشوارع وقد فاضت بالقمامة، إذ أنه نسي أو تناسى، أن أكثر من 50 بالمائة من عمال التنظيفات، وتختلف النسبة بين مدينة وأخرى، هم أياد مهاجرة أو من أصول مهاجرة، وهذا لا يعدو كونه بداية القصيدة. 

لنتخيل أن هاينريش يريد شراء بعض الخبز اللذيذ، من مخبز ألماني "أصيل".

بالتأكيد، ومن اليوم اﻷول، ستفاجئه طوابير خرافيّة على المخابز المتبقية المفتوحة في البلاد، ﻷن نسبة لا يستهان بها قد تصل في بعض الأحيان إلى أربعين في المائة من المخابز، مملوكة لمهاجرين أو مهاجرات من الجيل الأول أو الثاني، ناهيك أن المهاجرين والمهاجرات هم قوام عمالة شركات المخابز الكبرى، ونذكر مثالاً "باكفيرك" Backwerk، والذي، لشدة السخرية، كان أحد ملاكها هانز كريستيان ليمر، واحداً من أهم الحاضرين في "اجتماع بوتسدام" المشؤوم، والتي عملت شخصياً أول أيامي في ألمانيا في أحد مخابزها، وشاهدت ندرة اليد العاملة الألمانية فيها، والتي لا تتعدى العشرة بالمائة. 

لنتخيل أن هاينريش يريد شراء الخبز اللذيذ، من مخبز ألماني "أصيل". بالتأكيد، ومن اليوم اﻷول، ستفاجئه طوابير طويلة على المخابز المتبقية المفتوحة في البلاد، ﻷن نسبة لا يستهان بها من المخابز، مملوكة لمهاجرين أو مهاجرات

رغم أن شركة EQT المالكة لمخابز "باكفيرك"  أعلنت فكّ ارتباطها مع "ليمر" بعد "فضيحة" الاجتماع، لكن هذا ليس إلا غيضاً من فيض تورط شركات كبيرة في ترويج معاداة المهاجرين.

هاينريش سيشقى كثيراً في اليوم الأول وهو يحاول شراء الخبز، دون أن يدري أن الأيام القليلة التالية ستحمل إليه إغلاقات أكبر، ستشمل حتى الكثير من المخابز الألمانية، بسبب نقص إمدادات المواد الأولية، الناتج عن سقوط "سلاسل توريد البضائع" داخل ألمانيا، إذ أن غالبية العاملين في قطاع نقل البضائع، والشحن والتفريغ، والسائقين والحمالين، هم إما مهاجرون أو من أصول مهاجرة. 

ماذا إذا أراد هاينريش، أن "يسلخ" -يتناول- ساندويتشاً من أحد مطاعم الوجبات السريعة؟ 

عليه أولاً أن ينسى الدونر التركي تماماً، والشاورما السورية واللبنانية، والفلافل، والحلومي، حتى البرغر والبيتزا، والوجبات التي تقوم بشكل شبه كامل على أصحاب البشرات الداكنة، ويتجه إلى مطاعم النقانق و"الشنيتزل" والبطاطس اﻷلمانية، والتي سيصير من الاستحالة حجز طاولة في أحدها قبل شهر لشدة الاكتظاظ. 

ماذا إذا أراد هاينريش، أن "يسلخ" -يتناول- ساندويتشاً من أحد مطاعم الوجبات السريعة؟ عليه أولاً أن ينسى الدونر التركي تماماً، والشاورما السورية واللبنانية، والفلافل، والحلومي، حتى البرغر والبيتزا

أمّا قطاع النقل العام، الذي يرتكز بمتوسّط لا يقل عن ثلاثين في المائة من السائقين المحترفين في عموم ألمانيا على المهاجرين غير الحاصلين على الجنسية الألمانية، دون حساب المجنّسين الذين قد يرفعون هذا الرقم إلى النصف، واعداً هذا القطاع بأزمة خانقة، ستجعل تنقّل هاينريش شبه مستحيل في مدينته، بعد أن كان يتخيل أنه سوف ينعم بقطارات أنفاق "نظيفة" من وجوه الغرباء، ولكن، ويا للمفاجأة! قطاع السكك الحديدية والنقل الداخلي سينهار انهياراً درامياً، وهو الذي يعاني سلفاً مشاكل جوهرية في بنيته التحتية، ونقص العمالة، ولن نرى سوى القطارات المتهالكة في برلين، منتفخة بالبشر الذين يقصدون أعمالهم أو مدارسهم، ولن يعني هاينريش وأصدقاءه اليمينيين، إذا كانت حشود البشر هذه هي من الوجوه البيضاء أو الداكنة. 

لنتخيل عناصر حياة هاينريش الرئيسية بعد ذلك؟ الماء؟ الكهرباء؟ الاتصالات؟ جميعها قطاعات تعتمد بشكل كبير على المهاجرين، من فنيين وعمال وخبراء، والأثر الذي ستحدثه مشاكل هذه القطاعات بالقطاع الصناعي من أضرار جوهرية، سيضع البلاد أمام انفصام وجودي بالغ التعقيد.

ثم ماذا إذا أراد هاينريش الترفيه عن نفسه وحضور إحدى مباريات "البونديس ليغا" أو دوري كرة  القدم الاتحادي؟ 

نعتذر من هاينريش، إذ أن نسبة اللاعبين الأجانب في هذا الدوري، إذا استثنينا النمساويين ﻷنهم "من أهل البيت"، يفوق الخمسة والأربعين بالمائة حسب إحصائية عام 2023، إضافة إلى أن كرة القدم الحديثة لم تعد مجرد لعبة، بل صارت صناعة قائمة بحد ذاتها، يلعب المهاجرون دوراً لا يستهان به في بنيتها التحتية، الأمر الذي سيذهب بمستقبل ألمانيا في قطاع كرة القدم إلى المجهول. 

ماذا إذا أراد هاينريش الترفيه عن نفسه وحضور إحدى مباريات دوري كرة  القدم الاتحادي؟ 
نعتذر من هاينريش، إذ أن نسبة اللاعبين الأجانب في هذا الدوري، إذا استثنينا النمساويين ﻷنهم "من أهل البيت"، يفوق الخمسة والأربعين بالمائة حسب إحصائية عام 2023

لا بد ان هاينريش بعد شهر من هذا النضال ضد طواحين المهاجرين الهوائية، ستتهاوى صحته النفسية، والجسدية كتابع لها، وسيحتاج موعداً لاستشارة طبية ونفسية، وسيقول في نفسه "يالله، على الأقل نحن نملك نظاماً صحياً استطاع هزم فايروس كورونا" ولكن، على من؟. 

 ما قدره اثنا عشر بالمائة من أطباء وطبيبات ألمانيا هم من المهاجرين المقيمين في ألمانيا، إضافة إلى عشرين بالمائة من المنحدرين من أصول مهاجرة، أو من المهاجرين الحاصلين على الجنسية نظراً ﻷولوية تجنيس الأطباء في ظل حاجة البلاد الماسة إليهم، هؤلاء أنفسهم الذين وعد "اجتماع بوتسدام" بتجريدهم من جنسياتهم، ما يحرم ألمانيا من ثلث أطبائها، وهي تعاني من نقص متزايد في الكوادر الطبية، من طبابة وتمريض وتقنيين وفنيين، هذا ولم نذكر المتقاعدين، والطامة الكبرى هنا، العناية بالمسنين، الخدمة الأجلّ التي يدفع ﻷجلها المواطن الألماني طول عمره، ليحصل على شيخوخة "مستورة"، كل ذلك سيتبخر مع تبخر المهاجرين، الذين يشكلون حجر أساس في قطاع العناية بالمسنّين، بعد أن هيمنت الشيخوخة على هرم ألمانيا السكاني. 

السياحة بدورها والتي تدر على ألمانيا سنوياً ما يقدر باثنين وثلاثين مليار يورو، ستشهد ضربتها القاصمة، بعد أن يذيع صيت البلد ب"إيذاء الأجانب"، مع النظر إلى التأخر الذي سيحصل في البنية التحتية والذي سيعود بأثر "الدومينو" على جاهزية البلاد لاستقبال الزوار. 

قطاع التكنولوجيا المتأخر سلفاً في ألمانيا، سيشهد هو الآخر سقوطه الحر، فلن يعول هاينرش كثيراً على استبدال العمالة الأجنبية بالروبوتات، والتي يحبها هاينريش أكثر من الكثير من البشر. 

السلم الاجتماعي وأشباح المستقبل

السلم االاجتماعي هو ضحية متوقعة لحماقة ك "طرد المهاجرين" وخاصة في وضع ألمانيا القلق بين مكونيّ الدولة الرئيسيين، فالحكومات المتعاقبة منذ إعادة التوحيد عام 1990، قصرت كثيراً في دمج جزئي البلاد ببعضهما، فهنالك طلاق عضوي، وتنموي، بين شرق ألمانيا وغربها، إذ لازلنا بعد أكثر من ثلاثين عاماً من إعادة التوحيد، قادرين على  تمييز الشرق من الغرب بصورة  صارخة. هنا يقفز السؤال، على من سيلقي هاينريش باللائمة إذا لم يجد مهاجرين في البلاد؟ والفقر قادم إليه لا محالة؟

 لم يبق في وجهه إلا "أبناء جلدته" من معتدلين، ويمين معتدل، و ليبراليين، و يساريين، ناهيك عن المثليين والمثليات، والنساء، وكل شرائح المجتمع المهمشة، التي كان هاينريش يعترف بحقوقها على مضض، سيجد هاينريش اليميني الأصولي، متنفساً في محاربتهم تحت نفس الذريعة: الاختلاف. 

زبدة الكلام هنا ليست التحامل على ألمانيا أو على مستقبلها، فأنا أنظر بإعجاب إلى الكثير من منجزات الشعب الألماني على الصعيد الإنساني والحضاري، ألمانيا بلا شك أمّة عريقة، ولكنني لا أستطيع إخفاء تشاؤمي طالما أن الأرقام تتحدث بصوت مرتفع عن اعتماديتها الكبيرة بطبيعة الحال على الأيدي العاملة والأدمغة المهاجرة إليها، ﻷنها وبعد أن أصبحت ثالث أكبر كيان اقتصادي في العالم، وكقائدة للاتحاد الأوروبي، لا تملك مفراً من استيعاب الأجانب واحتضانهم في اقتصادها الضخم والمعقّد والمرتبط بكل العالم، بغير ذلك ستكون حتماً دولة معزولة وفاشلة، خصوصاً بعد تقاريرعن أكثر من مليون وظيفة لا تجد من يشغلها بحسب احصائيات عام 2023، ناهيك عن حاجة ألمانيا ل 400 ألف من الأيدي العاملة المتخصصة سنوياً، ما يجعل فكرة معاداة الأجانب غبية كفاية على الصعيد الاستراتيجي، لمن يريد لألمانيا الاستمرار بالحدود الدنيا، هذا دون النظر إلى السقوط الأخلاقي لفكرة تنامي العنصرية داخل أي مجتمع. 

يتوقف خيالي هنا، حزيناً على جمهورية ألمانيا الاتحادية، التي كنا نراها تتغنى بالديمقراطية والحريات، وقد أنجزت الكثير في السنوات الأخيرة على صعيد حقوق الإنسان، والانفتاح على العالم.

يتوقف خيالي المعتم هنا، حزيناً على جمهورية ألمانيا الاتحادية، التي كنا نراها تتغنى بالديمقراطية والحريات والتسامح، وقد أنجزت الكثير في السنوات الأخيرة على صعيد حقوق الإنسان، والانفتاح على العالم، حتى أننا لوهلة، وبعد سياسات "الأذرع المفتوحة" التي اتبعتها لاستيعاب اللاجئين السوريين تحديداً، والتي ذهب بعض السوريين اللاجئين الى تسمية رئيسة وزرائها، بـ"ماما ميركل"، لوهلة اعتقدنا أنها دفنت إلى الأبد خطيئتها التاريخية من احتلال لجيرانها والتطهير العرقي الذي اقترفته في الحرب العالمية الثانية،  ليس فقط ﻷننا كمهاجرين ومهاجرات إلى هذا البلد مهددون بفقد أبسط حقوقنا، وإنما يروعني مستقبلها المعتم الذي يلوح في الأفق،  وقد سمّتها "The economist" بلقب "رجل أوروبا المريض" الهازئة بلغة أميركية فصيحة بانكماش ألمانيا الاقتصادي، وتهاوي بنيتها التحتية.

هنا، وبدل أن تفتح الحكومة البلاد، وتحاول حل "البلاوي" العالقة، باستقدام العمالة التخصصية وجعل البلاد أكثر ديناميكية، وكسب من يمكنها كسبه في معركتها للنجاة من الانهيار الاقتصادي والاجتماعي، ترقص الحكومة الألمانية الحالية، على طريقة نيرون، في عرس تخريب بلادها، وتلقي باللائمة على أضعف المقيمين فوق أراضيها، ناسخة بأمانة شديدة مفردات اليمين المتطرف رغم أنها تدعي مناهضته، ضاربة عرض الحائط مستقبل هذه البلاد الجميلة الباردة الهرمة. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image