قبل شهر تقريباً، أنهينا كصحافيين ومراقبين تغطية الانتخابات التشريعية الإسبانية، والتي عقدت في 23 من الشهر الماضي، وأثناء عملي لنقل هذا الحدث حيث كان محط اهتمام للوكالات الإخبارية، لاحظتُ أنني ولأول مرة في حياتي المهنية أغطي انتخابات! نعم فقد غطيتُ حروباً وأمراضاً وثورات، لكنها المرة الأولى التي أغطي فيها اقتراعاً ديمقراطياً.
كنتُ عادة أغطي أصواتاً تطالب بالديمقراطية والانتخابات والحريات، غير أنها سابقة بالنسبة لي أن أجد هذه الأصوات في طريقها لصناديق الاقتراع.
استمتعتُ كثيراً بالأجواء الانتخابية التي ورغم سخونتها نسبياً إلا أنها كانت هادئة ومسالمة بشكل غريب.
لأول مرة في حياتي المهنية أغطي انتخابات! نعم فقد غطيتُ حروباً وأمراضاً وثورات، لكنها المرة الأولى التي أغطي فيها اقتراعاً ديمقراطياًتجربة صحافية مختلفة فمن نقل الحروب وأعداد الضحايا أو مكان انفجار عبوة ناسفة أو صاروخ ساقط، كنتُ أنقل مشاهد الحياة الديمقراطية، وكأنه عالم آخر موازٍ، وصل فيه الناس لمكانة تمكنهم من اختيار مَن سيمثلهم ويقرر عنهم للسنوات الأربع القادمة، وأكثر ما أثار إعجابي هو رقي الحوار بين المواليين للأحزاب المتنافسة في الانتخابات الإسبانية، فلم أسمع صراخاً أو تلاسناً، كما لم أرَ اشتباكاً بالأيدي بين مناصري هذه الأحزاب، يوم الصمت الانتخابي كان يوم صمت انتخابي فعلًا، وفي يوم الانتخابات كان مراقبو سير العملية الديمقراطية من ممثلي الأحزاب يتحدثون ويتمازحون بالقرب من صناديق الاقتراع ويحتسون القهوة معاً، لم أرَ أحداً منهم يحاول إقناع المقترعين بضرورة التصويت لحزبه في آخر لحظة، كان الهدوء هو السائد، وكان مشهد فتح أبواب الاقتراع وتوافد الإسبان كباراً وشباباً للإدلاء بأصواتهم مشهداً جميلاً وحضارياً.
من جهتها تابعت الجالية العربية والمهاجرة بترقب نتائج هذه الانتخابات الإسبانية المفصلية، خاصة مع توقعات استطلاعات الرأي فوز اليمين وسيطرته على الحكومة القادمة، مما يشكل حسب اعتقادهم تهديداً لوجودهم وحقوقهم، خاصة مع وجود حزب فوكس اليميني المتطرف المعادي للمهاجرين والذي يأتي كقوة سياسة ثالثة على الساحة الإسبانية.
لا يقتصر تهديد صعود اليمين وفوزه على إسبانيا، لكنه يمتد أيضاً إلى كافة القارة الأوروبية والعالم، في توجه مقلق نحو مزيد من الشعبوية والتطرف ورفض الآخر.لا يقتصر تهديد صعود اليمين وفوزه على إسبانيا، لكنه يمتد أيضاً إلى كافة القارة الأوروبية والعالم، في توجه مقلق نحو مزيد من الشعبوية والتطرف ورفض الآخر، لذلك سيطرت حالة من الخوف على العرب وطالبي اللجوء هنا بسبب انعكاسات هذا الميل نحو اليمين، فحزب فوكس اليميني المتطرف والذي يتبنى نهجاً قومياً معادياً للإسلام والمهاجرين، لطالما أثار الجدل بتصريحات قادته مثل "إن الغزو الإسلامي يمثل عدو أوروبا" و"لا تأتوا، لأنه لا يوجد مال للجميع"، والمقصود به راتب الحد الأدنى من الإعانة الحكومية.
يكمن التحدي الأكبر أمام العرب في إسبانيا في حال سيطرة اليمين على الحكومة في تغيير قوانين الهجرة والجنسية، وأن هذا التوجه العام نحو اليمين سيكون مغذياً أساسياً للإسلاموفوبيا، في بلد لم يُعرف عنه العنصرية أو الشعبوية، فمنذ انتهاء حكم الدكتاتورية في إسبانيا عام 1975، لم تصعد قوى سياسية يمينية كفوكس المتطرف للحكم من قبل.
وكان لنتيجة فوز اليمين في الانتخابات الإسبانية العامة دون أغلبية واضحة صداه في أوساط العرب هنا في العاصمة مدريد، ولمعرفة رأيهم في النتيجة قابلنا عدداً منهم.
يرى صلاح، من أصول فلسطينية ويعيش كلاجئ في إسبانيا منذ 3 سنوات: "فوز اليمين كان متوقعاً في ظل ارتفاع وتيرة العنصرية في الأعوام الماضية". ويتخوف صلاح من أن القوانين التي تحمي اللاجئين هنا، ستتغير في حال سيطرة حكومة يمينية على الحكم، ويجد أن خطاب فوكس اليميني هو خطاب كراهية يرتكز على القومية وحجتهم أن إسبانيا للإسبان فقط ولا مكان للمهاجرين. يتابع: "هذا سيؤثر على المهاجرين وعلينا نحن العرب بشكل خاص وسنعامل بطريقة دونية، إلى جانب موقف اليمين من قضايا شعوبنا وتحالفهم الواضح مع إسرائيل، وهذا ربما سيحد من حريتنا في التعبير أيضاً".
أما محمود، وهو لاجىء سوري، 27 عاماً، يعيش في إسبانيا منذ 6 سنوات، فقد أعرب عن تخوفه من تشكيل حكومة يمينية بزعامة حزب الشعب وتحالف مع حزب فوكس، نظراً لسياستهم المناهضة للعرب واللاجئين، فهو يقول لقد هربت من جحيم الحرب في بلدي سوريا هربت من القتل ومن القهر، ولم نأت هنا إلا لأن بلدنا تدمر بالكامل، أتينا نبحث عن كرامة العيش الإنساني لنا ولأطفالنا، اليمين يعتقد بأننا جئنا طمعاً بالمساعدات المالية، هم لا يعلمون بأننا كنا بخير، قبل الحرب لم نفكر باللجوء والهجرة، وأن الحياة هنا ليست بسهلة وهنا ليست الجنة، فنحن نواجه صعوبات جمة للوصول إلى أوروبا عبر قوارب الموت ومن ثم صعوبات أخرى لنندمج في هذه المجتمعات وإيجاد فرصة عمل، وحكومة يمينية الآن هي ما لا نحتاج إليه، لأن ذلك سيصعب علينا الحصول على الأوراق والجنسية".
"نحن نواجه صعوبات جمة للوصول إلى أوروبا عبر قوارب الموت، ومن ثم صعوبات أخرى لنندمج ونجد فرصة عمل، وحكومة يمينية الآن هي ما لا نحتاج إليه". محمود، لاجئ سوري في إسبانياقابلنا أيضاً منى، المهاجرة من المغرب والتي جاءت لإسبانيا منذ سنوات طويلة سعياً لحياة أفضل، قالت بفخر: "صوتت لحزب سومار اليساري، لأنه مناصر للمهاجرين ولحقوق الإنسان ولأن زعيمته، يولاندا دياز، هي مثال للمرأة القوية والحقوقية". منى تفاجأت من نتائج الاقتراع التي منحت اليمين أصواتاً أكثر من الأحزاب الاشتراكية، مضيفة أنها منذ أن جاءت الى إسبانيا وهي تشعر بأن هذا البلد أصبح بلدها ولم ترَ من الإسبان أي عنصرية، وأنها ورغم عدم رغبتها في حكم اليمين إلا أنها تحسد الإسبان على ديمقراطيتهم، وأنها فرحة لأنها شاركت بالتصويت لأول مرة في حياتها وهي في عمر 37، بعد أن حازت على الجنسية الإسبانية العام الماضي".
أما مقابلتنا الأخيرة فكانت مع "س"، الذي رفض الكشف عن اسمه هنا، وهو أحد أصحاب الشركات العربية في العاصمة الإسبانية، قال إن نتيجة فوز اليمين كانت متوقعة في ظل تعاقب الحكومات الاشتراكية، التي رفعت الضرائب على الناس لتساعد الكسالى، على حد تعبيره، الذين يستغلون بشكل غير صحيح النظام الاجتماعي الأوروبي. وهذا ساعد اليمين على حصد أصوات أكثر، وعندما سألناه عن تأثير صعود اليمين على العرب، أجابنا أن العرب هنا لا يعطون صورة حسنة عنهم، هناك منهم من يريد العمل، لكن بعضهم يأتي لأوروبا حلماً بدخل دون عمل، وهذا يسيء للعرب جميعاً، واليمين هنا يعد بمستقبل اقتصادي أفضل لإسبانيا، لأن الاشتراكية أثرت سلباً على إسبانيا، وهذا ما لن يقوله العرب، فمعظم العرب يدعمون وجود حكومة اشتراكية لأن شعاراتها ألطف، ولأنهم عاطفيون. ويتابع: "أما أنا فلا مانع لدي من حكومة يمينية تجبر الناس على العمل ودفع الضرائب والمساهمة في الدخل القومي، إلى جانب ضرورة اندماج المهاجرين الذين يصرون على العيش في نظام غيتو، وفصل أنفسهم عن هذه المجتمعات المستقبلة لهم بل وانتقادها وكأنهم أفضل".
وسواء أعجبتنا نتيجة الانتخابات الإسبانية أم لا، فلا يسعنا نحن القادمون من شرقنا الأوسط، حيث لا مكان لأصواتنا أو رغباتنا أو أحلامنا إلا أن نطالع هذه التجربة الديمقراطية بانبهار وأن نتعلم منها أن الاختلاف لا يفسد للود قضية، وبإمكاننا التنافس برقي لمصلحة الوطن والمواطن، وأن التغيير مفيد وصحي وفي كثير من الأحيان لازم. وأن صعود اليمين في أوروبا ربما تجب مقابلته بسياسيات تحث على اندماج الجالية العربية بشكل أكبر ولعب دور إيجابي في الدول المستقبلة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 22 ساعةمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع