شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"طب الناس تاكل إيه؟"… مفترق الطريق بين عُمَّال القاهرة ومطاعم الشارع

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والفئات المهمشة

الخميس 15 فبراير 202404:22 م

بين ممرات ضيقة تعج بمحال متخصصة في بيع الأدوات الكهربائية بمنطقة عابدين، أحد أحياء وسط القاهرة، يحتل مطعم "أم حسن" موقعاً بارزاً، بفاترينة عرض تضع على أرففها أواني الطهي، تتسع مائدتها للكثير من الأصناف بين الأكلات الشعبية كالعدس ووجبات اللحوم والدواجن، تعتمد في رزقها بشكل كلي على العاملين بالمحال المحيطة في شارع عبد العزيز القريب، الذين قل تدريجياً اعتمادهم على أكل الشارع.

ورثت أم حسن، وهي أرملة أربعينية، حرفتها عن أبيها، واعتادت التنقل بين أسواق منطقة الموسكي التجارية الشاسعة القريبة من عابدين في محيط القاهرة القديمة، واستقرت في مكانها الحالي قبل عام ونيف، وبات مطعمها الذي استقرت فيه بعدما حلمت به طويلاً هو مصدر الدخل الرئيس لأسرتها المكونة من 4 أبناء، أكبرهم لم ينل حظه من التعليم وانخرط في حرفة الميكانيكا، بينما يكافح الآخرون لاستكمال رحلة الدراسة.

تبدأ أم حسن يومها مع شروق الشمس لتحضير الوجبات بحلول الظهيرة، ولا ينتهي يومها قبل العاشرة مساء، التزاماً بالمواعيد المحددة لغلق المحال. بينما تنهمك في إعداد وجبة عدس لواحد من زبائنها، تقول لرصيف22 إن أسعار بيعها لبعض وجباتها لا تزال اقتصادية رغم ارتفاع مكونات الطعام في الفترة الأخيرة، خشية من فقد زبائنها الأساسيين من عمال السوق الذين لم تتحرك يومياتهم الهزيلة صعوداً مع صعود التضخم والأسعار.

بينما تنهمك في إعداد وجبة عدس لواحد من زبائنها، تقول لرصيف22 إن أسعار بيعها لبعض وجباتها لا تزال اقتصادية رغم ارتفاع مكونات الطعام في الفترة الأخيرة، خشية من فقد زبائنها الأساسيين من عمال السوق الذين لم تتحرك يومياتهم الهزيلة صعوداً مع صعود التضخم والأسعار

أم حسن تطهو في أحد المطاعم الشعبية

تقول أم حسن: "بعمل وجبة العدس بـ25 جنيه، وده أقل سعر ممكن في ظل ارتفاع سعر الكيلو إلى 65 جنيهاً، وأغلي وجبة عندي بـ100 جنيه مكونة من محشي وطاجن لحم، وسعر وجبة الفراخ 85 جنيهاً، الأسعار ترتفع بشكل رهيب وهذاً أثر طبعاً على حجم الطلب العامل اللي بياخد في ورديته 150 جنيه أو 200 جنيه مش هيعرف يأكل بـ100 جنيه كل يوم، كده مش هيشيل حاجة لعياله".

التقينا أم حسن في بداية فبراير/ شباط، مع حلول منتصف الشهر موعد نشر هذا التقرير، أصبح سعر كيلو العدس في مصر 80 جنيهاً في الأسواق الشعبية، بينما ارتفع سعر كيلو الأرز من 32 جنيهاً إلى 41 جنيهاً، وارتفعت كذلك أسعار كل الخضروات وارتفع سعر كيلو الدجاج المذبوح من 85 جنيهاً إلى 110 جنيهاً ونرجح أن أم حسن اضطرت أخيرً إلى رفع أسعار كافة وجباتها مغامرة بفقد زبائنها، وربما اضطرت مثل كثيرين للإغلاق.

عندما التقيناها، كانت أم حسن - ككل مواطن ومواطنة مصرية غيرها- تشكو الغلاء الذي طال الكثير من السلع بشكل لم يعد يتناسب مع موقعها كبائعة طعام ما أثر على هامش ربحها اليومي، فقبل عام من الآن لم يزد سعر وجبة الدجاج المكونة من "أرز وصنف خضار وسلطة وقطعة دجاج" عن 40 جنيهاً، مع بداية فبراير/ شباط، وصل السعر إلى ضعف هذا المبلغ، الآن ومع غلاء المكونات لا بد أنها اضطرت لرفع الأسعار ثانية وربما توقفت عن إعداد تلك الوجبة تماماً، وقتما قابلناها كان العدس هو الوجبة الأكثر طلباً لديها: "سعره على قد الشقيانين وبيسد الجوع".

محمد مجاهد، أحد العاملين بسوق الأدوات الكهربائية الذي تنشط فيه أم حسن، كان يعد نفسه حتى وقت قريب من الزبائن الدائمين للمطعم الصغير، يتناول وجبته المفضلة المكونة من الدجاج والأرز والخضراوات عند انتصاف ورديته، كي يقوى على مواصلة عمله المستمر حتى العاشرة وأحياناً حتى منتصف الليل، لكن مع تجاوز سعر الوجبة - وقتها- حد الـ50 جنيهاً، استبدلها بالعدس أو عبوة كشري.

محمد مجاهد، أحد العاملين بسوق الأدوات الكهربائية الذي تنشط فيه أم حسن، كان يعد نفسه حتى وقت قريب من الزبائن الدائمين للمطعم الصغير، يتناول وجبته المفضلة المكونة من الدجاج والأرز والخضراوات عند انتصاف ورديته، كي يقوى على مواصلة عمله المستمر حتى العاشرة وأحياناً حتى منتصف الليل، الآن باتت تلك الوجبة تقتصر على العدس

مجاهد أب لطفلين، أكبرهما في التعليم الأساسي، يوضح لرصيف22 اسباب تخليه عن تناول وجبته المفضلة: "ورديتي التي تتجاوز أحياناً الـ10 ساعات حسب حاجة العمل، أتقاضى نظيرها 200 جنيه، لو تناولت وجبة مع 3 أكواب من الشاي وحساب المواصلات يعني يومي على الأقل 100 جنيه بدون الدخان، معناه أروح لأهل بيتي بـ100 جنيه للأكل والشرب فقط".

يضطر مجاهد إلى تقليل فاتورة مصروفاته الشخصية لمواكبة الغلاء في أسعار الطعام والخدمات التي تشهد زيادات متواصلة منذ بداية العام، تطبيقاً للمثل الشائع "اللي يحتاجه البيت يحرم على الجامع"، وبيته في عوز دائم يجبره على مقاومة أمعائه الخاوية لساعات، أو ترويضها بـ"أرخص لقمة" يمكنه أن يجدها.

لا عجب في ذلك، فمصر تتربع على رأس قائمة أكثر 10 دول تضرراً من تضخم أسعار الغذاء على مستوى العالم، بنسبة بلغت 36%، وفقًاً لتقرير صادر عن البنك الدولي، في ظل تقارير تشير إلى ارتفاع مستويات التضخم إلى أكثر من 5% في 52.6% من البلدان منخفضة الدخل، و86% من الشريحة الدنياً من البلدان متوسطة الدخل، و64% في الشريحة العليا من البلدان متوسطة الدخل وتُصنف مصر - إلى الآن- ضمن الفئة الأخيرة.

أم حسن تطهو في أحد المطاعم الشعبية


رغم التراجع الطفيف في معدلات التضخم في مصر من 35.2٪ إلى 34.6% خلال عام 2023، إلا أن أسعار الطعام والمشروبات لا تزال مرتفعة نتيجة ارتفاع أسعار مجموعة الحبوب والخبز بنسبة (40.6%)، وأسعار مجموعة اللحوم والدواجن (48.2%)، ومجموعة الأسماك والمأكولات البحرية (58.5%)، مجموعة الألبان والجبن والبيض (44.6%)، مجموعة الزيوت والدهون (23.9%)، وفقاً لتقرير الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء.

يلعب التضخم دوراً رئيسياً في الإنفاق على الغذاء، بشكل عام، ونمطه بشكل خاص، إذ يدفع ارتفاع أسعار المواد الغذائية الكثير من الناس للتوقف عن تناول واحدة أو أكثر من الوجبات الثلاثة الأساسية، كما يدفع الأقل دخلاً للجوع بسبب نقص المال أو غيره من الموارد، ويقول البنك الدولي إن انكماش قيمة العملات في معظم الاقتصادات النامية يؤدي إلى ارتفاع أسعار الغذاء والوقود على نحو يفاقم من أزمات الغذاء والطاقة التي يشهدها بالفعل كثير من هذه البلدان.

يلعب التضخم دوراً رئيسياً في الإنفاق على الغذاء، بشكل عام، ونمطه بشكل خاص، إذ يدفع ارتفاع أسعار المواد الغذائية الكثير من الناس للتوقف عن تناول واحدة أو أكثر من الوجبات الثلاثة الأساسية، كما يدفع الأقل دخلاً للجوع بسبب نقص المال أو غيره من الموارد

المسامط الشعبية في مواجهة التضخم

ومع موجة الغلاء التي طالت أسعار الغذاء في مصر، لا تزال المسامط الشعبية التي تشتهر بها منطقتي عابدين والسيدة زينب تسعى للحفاظ على زبائنها من الطبقة العاملة، بإتاحة وجبات رخيصة خالية من اللحوم لا يزيد سعرها عن 20 جنيهاً، فمسمط أولاد حسنين كريكه القابع بشارع محمد فريد منذ العام 1932، تشمل لائحته أطباق الفتة والشوربة والسلطة، إلى جانب اللحوم التي يزيد سعرها عن 50 جنيهاً.

"أسعارناً زادت لأن سعر المكونات من لحوم وخضراوات وأرز زادت، كيلو اللحمة يتخطى الـ350 جنيه (سعره الآن 480 جنيهاً)، لكن لم نغلق بابناً ونقدم وجبات صغيرة اللي معاه 20 جنيه يقدر يأكل برضه" يقول جمال علي، مالك محل أولاد حسنين. كانت هذه التأكيدات المطمئنة لأصحاب الدخول الزهيدة بتاريخ الثاني من فبراير/ شباط الجاري.

أحد المطاعم الشعبية مسمط شعبي


في هذه الأثناء، كان الأربعيني أحمد متولي، أحد الباعة المتجولين بمنطقة وسط البلد، يخلع معطفه الداكن ويستأذن النادل في أن يحضر له طلبه اليومي، كان عبارة عن طبق من الفتة وصحن شوربة فارغة من الكوارع مضاف إليهما السلطة الخضراء. هذا ما اعتاد عليه مؤخراً كي يستطيع استكمال جولاته التي لا تتوقف على المقاهي لبيع ساعات اليد والنظارات الشمسية المُقلَّدة.

يقول متولي لرصيف22: "بصرف بره البيت حوالي 70 جنيه شاملة فطار على عربة فول ووجبة غداء من مسمط أو سندوتشين كبدة إلى جانب كوبين من الشاي فضلاً عن 15 جنيهاً أخرى للمواصلات إلى حيث أسكن في روض الفرج، بينما لا أحقق مبيعات أكثر من 250 أو 300 جنيه يومياً".

يحسب متولي حسبته بشكل مستمر حتى لا تخل بميزانية بيته، فعائده اليومي يجب أن لا يقل عن 300 جنيه لسد احتياجات أسرته الصغيرة، من زوجة وولدين، تتكالب عليهم الظروف وتضعهم نار الأسعار في عين العاصفة.

أحد المطاعم الشعبية مسمط شعبي

بالعودة إلى جمال علي، صاحب المسمط، تجد أن نموذج متولي هو الأكثر شيوعاً بين زبائنه في هذه الأيام، في حين ترتفع الميزانية اليومية للإنفاق إلى هامش الـ60 جنيهاً بالنسبة لشريحة الموظفين وأصحاب المحال والأسر العابرة التي تقضي احتياجاتها من منطقة وسط البلد، شاكياً من تأثير تراجع دخول المصريين على رزقه.

تدفع هذه الأزمة البعض إلى تخفيض حجم العمالة اليومية، مثلما اضطر علاء سعيد، صاحب محل أسماك وكبدة بمنطقة متاخمة لسوق الموسكي، إلى الاستغناء عن عاملين من أصل 4 في الأشهر الأخيرة، لتخفيف القدرات التشغيلية بعد ارتفاع أسعار مكونات الطعام من لحوم وأسماك بنسبة كبيرة: "العامل بيكلفني 200 جنيه إلى جانب مواصلاته ووجبة يومية خلال ورديته، لو بشغل 4 عمال يعني حوالي ألف جنيه، اضطررت إلى الاستغناء عن اثنين منهم وأعمل مع الإثنين الباقين في البيع والتحضير"، يقول علاء الذي ورث محله عن أبيه وجده.

دفع هذه الأزمة البعض إلى تخفيض حجم العمالة اليومية، مثلما اضطر علاء سعيد، صاحب محل أسماك وكبدة بمنطقة متاخمة لسوق الموسكي، إلى الاستغناء عن عاملين من أصل 4 في الأشهر الأخيرة، لتخفيف القدرات التشغيلية بعد ارتفاع أسعار مكونات الطعام من لحوم وأسماك بنسبة كبيرة

يوضح أن الخامات مثل الدقيق والبلاستيك زادت الضعف بجانب اللحوم والأسماك، ما أدى إلى زيادة السعر على الزبائن وتخفيف العمالة، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على هامش الربح، فأقل وجبة سعرها 40 جنيهاً عبارة عن طلب كبدة (تكفي لأكل شطيرتين مع كثير من الزهد والاقتصاد)، مشيراً إلى أن المستهلك لاً يكترث كثيراً لهذه التفاصيل ويشكو دائماً غلاء الوجبات وبالتالي يخفض نفقاته اليومية، متابعاً: "الغلاء على الكل والخسارة تطول الجميع".

أحد المطاعم الشعبية مسمط شعبي

مطاعم عتيقة بأسعار حديثة

جولتنا بين الأسواق شملت محالاً عتيقة يرجع إنشائها إلى الحقبة الملكية في مصر، انتهت بإعلان سقوط الملكية في 1952، مثل مطعم "زهرة البستان"، يقبع في منطقة متاخمة للهيئات الحكومية كوزارة الأوقاف ومحال النظارات، والذي يشتهر بمجاورته لمقهى المثقفين الشهير في وسط القاهرة وتقديم وجبات من الطعام البيتي المصري ما يجعله قبلة للعمال والمغتربين. بات "زهرة البستان" شأنه شأن كثيرين، يشكو من تراجع أعداد زبائنه.

سيد، مدير المطعم وأحد ورثته، رجل على أعتاب الستين، يشرف على تقديم الوجبات في الفترة المسائية، يقول إن محل أجداده قائم منذ الملكية والاحتلال الإنجليزي لمصر، واكتسب شهرته من إعداد "الأكل البيتي" كوجبات الدواجن واللحوم.

قبل 10 سنوات كان سعر الوجبة المكونة من الأرز أو الخبز وخضروات مطهية وقطعة من الدجاج أو قطعتين صغيرتين من اللحم لا يتجاوز سعرها 10 إلى 12 جنيهاً في زهرة البستان وينخفض السعر إذا طلب الزبون "الأكل اورديحي" أي بلا لحوم أو دجاج، في نهاية يناير/ كانون الثاني المنقضي، وصل سعر الوجبة نفسها إلى 85 جنيهاً، وبات معظم الزبائن يطلبون "الاورديحي"

قبل 10 سنوات كان سعر الوجبة المكونة من الأرز أو الخبز وخضروات مطهية وقطعة من الدجاج أو قطعتين صغيرتين من اللحم لا يتجاوز سعرها 10 إلى 12 جنيهاً في زهرة البستان وينخفض السعر إذا طلب الزبون "الأكل اورديحي" أي بلا لحوم أو دجاج، في نهاية يناير/ كانون الثاني المنقضي، وصل سعر الوجبة نفسها إلى 85 جنيهاً، ويراها سيد أقل سعر ممكن لتغطية التكلفة وتحقيق ربح يومي بعد حساب التكاليف التشغيلية، حيث يعمل بالمطعم أكثر من 4 عمال.

أحد المطاعم الشعبية زهرة البستان

زبائن "زهرة البستان" من سكان وسط البلد وعمالها وحملة الجنسيات الأجنبية من السودانيين واليمنيين، وكذلك الأجانب المقيمين بالعاصمة منذ سنوات من محبي الطعام الشعبي المصري. وبينما لا يزال المطعم يستقبل السكان وقليل من الموظفين، يشير المدير إلى أن الظروف الاقتصادية تحرمه من شريحة العمال التي عزفت تماماً عن تناول الطعام بالمطاعم، وإن جاءوا فإنهم يفضلون ألا يتناولوا وجبات كاملة، ويطلبون طعاماً خالياً من اللحوم والدواجن، مكتفين غالباً بالأرز أو الخبز والملوخية فقط.

إلى عربة الفول

من يسقطون من حسابات المطاعم، على اختلاف أنواعها، تتلقفهم عربات الفول، الملاذ الأخير للكثير من أصحاب الدخول المنخفضة والعمال الذين يرزحون تحت خط الفقر، حتى مع ارتفاع أسعار وجبة الإفطار المفضلة لدى السواد الأعظم من المصريين.

لم تكن أسعار البقوليات بمنأى عن موجة ارتفاع الأسعار، تأثراً بزيادة كلفة الاستيراد، حيث ارتفع سعر كيلو الفول البلدي إلى 60 جنيهاً، والمستورد إلى 48 جنيهًا، وهو ما انعكس على أسعار السندوتشات وأطباق الفول بالمحال والعربات المنتشرة على نطاق واسع في شوارع وميادين القاهرة الكبرى.

رغم ذلك، باتت عربات الفول تستقبل زبائن جدد في فترات الظهيرة، زبائن من طبقة اعتادت طلب الطعام من مطاعم متوسطة خلال ساعات العمل تعتمد على تقديم ساندويتشات من الكبد والدجاج وغيرها، إلا أن غلاء أسعار الدواجن واللحوم والأسماك جعلهم يلجأون إلى الفول والطعمية، أما من يرتبط عملهم بالشارع على مدار اليوم، فباتوا يجدون أنفسهم مضطرين لتناول الفول مرتين يومياً.

باتت عربات الفول تستقبل زبائن جدد في فترات الظهيرة، زبائن من طبقة اعتادت طلب الطعام من مطاعم متوسطة خلال ساعات العمل تعتمد على تقديم ساندويتشات من الكبد والدجاج وغيرها، إلا أن غلاء أسعار الدواجن واللحوم والأسماك جعلهم يلجأون إلى الفول والطعمية، أما من يرتبط عملهم بالشارع على مدار اليوم، فباتوا يجدون أنفسهم مضطرين لتناول الفول مرتين يومياً

سعيد أبو غالي، سائق عربة أجرة "تاكسي" يجبره عمله المتواصل لأكثر من 12 ساعة، على تناول وجبتين على الأقل خارج منزله، يبدأ يومه بالإفطار على عربة فول بالقرب من بيته بمنطقة مصر القديمة، الوجبة الثانية كانت حتى وقت قريب تتنقل بين الكشري والكبدة، باعتبارهما وجبات اقتصادية لا تكبده أكثر من مقابل توصيلة، لكن مؤخراً انمحت الخيارات جميعها لصالح الفول.

يقول أبو غالي: "لم أكن أتناول الفول بعد الظهر فهو وجبة إفطار فقط بالنسبة لي، لكن مع غلاء أسعار لاً أجد بداً من تناول وجبة أخرى قد تكون متنوعة شاملة البيض والبطاطس، حتى وإن كانت غالية نسبية عن زمان، مرة كشري مرة سندوتشين كبدة مرة فول وبيض وبطاطس".

عمد أصحاب عربات الفول إلى إطالة ساعات عملهم، بعد أن لاحظوا تزايد الإقبال عقب الظهيرة، بعكس الشائع المتعارف عليه بأن دورة عمل بائع الفول تنتهي عند الواحدة ظهراً، بحسب محمد أبو أنس، صاحب عربة فول بسوق باب اللوق.

الفول لا يزال - إلى الآن- رفيقاً وفياً للمصريين حتى مع غلاء أسعاره، بحسب تعبير أبو أنس، الذي يبين أن سعر طلب الفول الآن 20 جنيهاً ومع إضافة البيض تقدم الوجبة بـ30 جنيهاً، هو مبلغ يعده كبيراً مقارنة بأسعار عام مضى، لم يكن يزيد سعر الفول والبيض يزيد عن 15 جنيهاً.

"الأزمة الاقتصادية خلت الناس تفطر وتتغدى فول عادي دلوقتي، لأنه أكلة مشبعة تصوم عليها ساعات لغاية لما ترجع بيتك وتأكل مع عيالك".

------------------------------------

تصوير محمود الخوَّاص

أحد المطاعم الشعبية عربة فول


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard
Popup Image