في حدود الساعة السادسة صباحاً من كل يوم يبدأ أحمد منصور، (54 عاماً)، وهو صاحب واحدة من أشهر عربات الفول في منطقة بولاق الدكرور بمحافظة الجيزة المصرية عمله فيجهز الفول في الوعاء الضخم المصنوع من الألومنيوم والذي يطلق عليه (القدرة) ويبدأ في غسل البصل الأخضر، ويسلق البيض ويرسل شاباً يعمل معه لشراء الخبز من أحد الأفران القريبة من المكان الذي تقف فيه عربته الحمراء المصنوعة من الخشب.
يطلق منصور على عربته اسم "على بركة الله" ويقول إنه ورثها عن والده الذي علمه مهنة “بيع الفول" لكن بحزن يضيف البائع الذي يطلق عليه زبائنه "أبو محمد": "لم تعد أسعار الفول مناسبة للفقراء في المنطقة، أعلم ذلك لكنه خارج عن إرادتي، غلاء الأسعار اضطرني لرفع أسعار الفول سواء إذا كان على شكل ساندوتشات أو في أطباق لمن يرغب في الأكل أمام العربة".
قبل ثورة يناير 2011 كان يمكن لمواطن مصري أن يدفع جنيهين فقط لمنصور ويستمتع بطبق من الفول وعدة أرغفة ساخنة وطبق صغير من السلاطة الخضراء ويأكل ما يرغبه من البصل الأخضر، لكن اليوم تغيرت الأوضاع تماماً، أصبح الفرد الواحد مطالب بدفع 12 جنيهاً ليحصل على طبق صغير من الفول وطبق سلاطة خضراء وثلاثة أرغفة فقط، وإذا أراد خبزاً أكثر أو مزيداً من البصل الأخضر فسيدفع ثلاثة جنيهات أخرى.
لاحظ منصور أن الفقراء لم يعودوا من زبائن عربته، رغم أنهم كانوا أبرز حرفائه قبل سنوات، وحل بدلاً منهم موظفون يرتدون ملابس تعكس قدرتهم المادية ويقول: "مصر تغيرت فعلاً، لم يعد الفول طعام الفقراء مثلما كان في الماضي، أصبح طعام من يمتلك أموالاً فقط”.
اشتد الضغط الاقتصادي على الكثير من المصريين منذ أن نفذت السلطات إصلاحات وفرضت إجراءات تقشف كان من بينها خفض قيمة العملة المحلية أواخر عام 2016، وهو ما أدى إلى صعوبات اقتصادية عديدة منها ارتفاع أسعار الغذاء.
لا تدفع عربات الفول في مصر حتى الآن ضرائب للحكومة المصرية، وغالباً ما يكون وقوفها في الشوارع من دون تصريح رسمي من الحكومة، لكن يبدو أن الدولة قررت أن تنظم عمل عربات الفول وتسعى جدياً لتنفيذ هذه الخطوة قريباً.
"الحكومة تسعى هذه الفترة إلى الحصول على أموال من كل المصريين، إذا قرروا فعلاً تنظيم عمل عربات الفول كما سمعنا، فأنا واثق أن هدفهم فقط هو الحصول على ضرائب من الباعة، وهذا سيجعلنا نرّفع سعر الفول، وبالتالي ستصبح عربات الفول للأغنياء فقط بعد أن كانت لمتوسطي الدخل"، يقول منصور لرصيف22 ثم يعود لغسل البصل الأخضر.
"الحكومة تسعى إلى الحصول على أموال من كل المصريين، إذا قرروا فعلاً تنظيم عمل عربات الفول كما سمعنا، فأنا واثق أن هدفهم هو الحصول على ضرائب من الباعة وهذا سيجعلنا نرفع سعر الفول، وبالتالي ستصبح عربات الفول للأغنياء فقط”. هل انتهت أسطورة عربة الفول في مصر؟
كل صاحب عربة فول سيدفع للحكومة المصرية 5 آلاف جنيه إذا كانت العربة ثابتة، و3 آلاف إذا كانت العربة متحركة، على أن يتم دفع هذه المبلغ كل ثلاثة سنوات. هذه الإتاوة سيدفع ثمنها الحريف...أسعار الفول في مصر إلى أين؟
استهلاك الفول فى مصر هو الأعلى في العالم، إذ يبلغ نحو 2.5 مليون كيلوغرام يومياً. ويعد طبق الفول أكلة رئيسية للمصريين في وجبة الفطور، وكذلك في شهر رمضان على السحور. ما مآل صحن الفول في مصر أمام ارتفاع الأسعار وخطة الدولة لتقنين عربات الفول؟
أسعار الفول في ارتفاع؟
في ميدان الدقي القريب من وسط القاهرة يقف يومياً خالد عبد الباسط، صاحب عربة فول "كل واشكر"، ويقول لرصيف22 إن هناك مندوباً من وزارة التنمية المحلية جاء من فترة وطلب منه أن يذهب للوزارة للحصول على ترخيص حكومي يسمح له بوضع عربته في الميدان.
يقول عبد الباسط إن الحكومة ترغب في الحصول على أموال من كل المواطنين، ولا تقدم لهم في المقابل أي خدمات، قائلاً إنه إذا بدأ في دفع مصاريف ترخيص للحكومة فسيضطر لزيارة أسعار الفول وهو ما سيجعل عدد زبائنه يقل.
من جانبه يقول المتحدث باسم وزارة التنمية المحلية، خالد قاسم لرصيف22 إن الهدف من تقنين أوضاع عربات الفول ليس الحصول على ضرائب من أصحابها كما يتخوف الكثيرون، بل إن الخطة أن تخضع جميع عربات الطعام الموجودة بالشوارع ومن بينها عربات الفول لقرار الوزارة بشأن وحدات الطعام المتنقلة.
يضيف قاسم أن هدف الحكومة المصرية من قرار التقنين هو ضمان السلامة الغذائية من خلال منح شهادة معتمدة من الهيئة القومية لسلامة الغذاء، علاوة على التزام المرخص بمراعاة الشروط والمواصفات الفنية فى وحدات الطعام المتنقلة، واتباع أحكام القوانين واللوائح السارية خاصة في ما يتعلق منها بالصحة العامة وسلامة المنتجات.
يكمل قاسم أن هناك أهدافاً أخرى من تقنين الأوضاع، منها الحفاظ على النظافة العامة، والتخلص الآمن من النفايات والمخلفات، وعدم إعاقة الحركة المرورية في الشوارع، وعدم سرقة التيار الكهربائي، وأن يكون هناك مصدر رسمي للحصول على الكهرباء.
ويؤكد قاسم أن كل صاحب عربة فول سيدفع للحكومة المصرية 5 آلاف جنيه إذا كانت العربة ثابتة، و3 آلاف إذا كانت العربة متحركة، على أن يتم دفع هذه المبلغ كل ثلاثة سنوات.
لكن عبد الباسط يرفض ما يقوله المتحدث باسم وزارة التنمية المحلية، "تجربتنا مع حكومة بلدنا علمتنا أن هدفهم الوحيد هو الحصول على أموال من جيوب البسطاء".
وفي يناير الماضي كشف عبور فرج، نائب رئيس شعبة الحاصلات الزراعية فى غرفة القاهرة التجارية، إن سعر طن الفول ارتفع حوالى 500 جنيه، مشيراً إلى أن طن الفول المحلي بلغ في الفترة الأخيرة نحو 29 ألف جنيه ليصل للمستهلك بحوالي 32 جنيهاً للكيلو الواحد.
وبرر نائب رئيس شعبة الحاصلات الزراعية، سبب ارتفاع الأسعار بالزيادة الملحوظة فى الأسعار العالمية نتيجة تأثر المحصول فى الدول المصدرة لمصر ومنها أستراليا وليتوانيا وكندا.
يقول فرج إن استهلاك الفول فى مصر هو الأكبر بين دول العالم، إذ يبلغ نحو 2.5 مليون كيلوغرام يومياً. وهو يعد أكلة رئيسية للمصريين في وجبة الفطور، وكذلك في شهر رمضان على السحور، لكن لا أحد يعرف ما نصيب البسطاء من صحن الفول مستقبلاً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...