تشهد الأسواق المصرية خلال الأشهر الأخيرة تناقصاً في العديد من السلع والمستلزمات الطبية والغذائية، يتراجع المتوفر منها في الأسواق، وترتفع أسعاره بشكل اتفق المسؤولون الحكوميون والناس على السواء على نعته بـ"الارتفاع الجنوني". ولكن من بين كل تلك السلع والمستلزمات الناقصة، كانت هناك ثلاث سلع انتفضت من أجلها الحكومة، وسارعت إلى طمأنة المصريين بتوفر مخزون منها يكفيهم أشهرَ طويلةً مقبلة. هذا السلع الثلاث هي الدقيق والأرز والشاي.
فكيف أصبح الشاي "سلعة استراتيجية" تتساوى مع الدقيق في هبة الحكومة المصرية لتوفيرها حرصاً على الأمن القومي؟
رسمياً، لا تضم قائمة السلع الاستراتيجية المصرية الشاي أو القهوة، وإنما تحوي القمح، والسكر، وزيت الطعام، وانضم إليها مؤخراً الأرز. ولكن على الرغم من أنه لا يذكر رسمياً ضمن السلع الاستراتيجية، أدركت الحكومات المتعاقبة منذ عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي أدرجت حكوماتُه الشايَ ضمن السلع التموينية، وصولاً إلى عهد الرئيس الحالي، أن الشاي والتبغ، لا يقلان أهميةً عن القمح لدى كثير من المصريين، باعتبارها "مزاجاً حلالاً" لا غنى عنه للفلاحين والعمال.
كيف أصبح الشاي "سلعة استراتيجية" تتساوى مع الدقيق في هبة الحكومة المصرية لتوفيرها حرصاً على الأمن القومي؟
لكن تاريخ علاقة المصريين بالشاي يعود إلى نقطة زمنية أبعد، اختلف المؤرخون وباحثو التاريخ في تحديدها، فمنهم من أرجعها إلى دخول الحملة الفرنسية إلى مصر (1789-1801)، ومنهم من ربط بينها وبين "الزعيم" أحمد عرابي، الذي عرف الشاي أثناء نفيه في جزيرة سيلان، ومجموعة ثالثة ترى أن تحويل الشاي إلى "مشروب إدماني" بين جموع المصريين إنما يعود إلى مؤامرة إنكليزية.
شاي المصريين درجة ثالثة
في كتابها المعنون بـ"من سيرة المماليك"، تحدثت جيهان المأمون عن بداية معرفة المصريين بالشاي، قائلة: "ظلت القهوة هي مشروب الضيافة الرئيسي عند المصريين على مرّ العصور، حتى اكتشاف مشروب الشاي الذي دخل مصر عام 1882، في القرن التاسع عشر الميلادي، وأصبح هو المشروب الشائع لديهم".
حسب المؤلفة، عرفت مصر مشروب الشاي في زمن الثورة العرابية، وهي نفسها الفترة التي وقع فيها الاحتلال الإنكليزي لمصر الذي دام 72 عاماً.
تقدِّر المأمون أن معرفة المصريين بالشاي بدأت بعد أن دعا اللورد الإنكليزي لنبرن، الزعيمَ أحمد عرابي إلى جزيرة سيلان (سريلانكا حالياً)، التي كانت تنتج أفخر أنواع الشاي، وبدوره أرسل الأخير كمياتٍ كبيرة منه كهدايا إلى أصدقائه في مصر، متابعة: "كانت هذه هي بداية انتشاره بين المصريين".
لكن مجلة "المصور"، في أحد أعدادها الصادر عام 2003، ذكرت رواية أخرى؛ إذ كتبت تحت عنوان "شاي المصريين درجة ثالثة"، قائلة: "رغم أن الشاي اكتُشف في الصين منذ خمسة آلاف سنة؛ إلا أنه دخل مصر على يد الحملة الفرنسية عام 1798، ثم بدأ ينتشر بين المصريين مع دخول الإنجليز مصر بعدها بقرابة مائة عام (1882)".
تاريخ علاقة المصريين بالشاي يعود إلى نقطة زمنية اختلف المؤرخون في تحديدها، فمنهم من أرجعها إلى دخول الحملة الفرنسية إلى مصر، ومن ربط بينها وبين نفي عُرابي إلى جزيرة سيلان، ومجموعة ثالثة ترى أن "إدمان" المصريين للشاي يعود إلى "مؤامرة إنكليزية"
وإذا كان أحمد عرابي السبب في انتشار الشاي بمصر أم الفرنسيين، فعلى أية حال أصبح هذا المشروب الرسمي لدى المواطنين، حتى أدمنه الفلاحون البسطاء، ما تسبب في مشكلات عدة لهم، وحاربهم المستعمر الإنكليزي بعدها؛ بحجة أنه يضعف قواهم عن العمل.
ويدعم هذا الطرح ما ذكره توماس راسل، الضابط الإنكليزي، حكمدار القاهرة في الفترة من عام 1918 حتى 1946، في كتابه المعنون بـ"مذكرات توماس راسل: حكمدار القاهرة (1902- 1946)"؛ إذ يقول: "نجحت الحكومة بوسائلها المختلفة في وضع صعوبات كثيرة في طريق التجارة المحرمة، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار لما فوق قدرة كثير من الفلاحين، ومع عدم قدرتهم على شراء الحشيش والهيروين. [لذا] فقد لجأ البعض إلى عادة جديدة هي شرب الشاي المغلي"، مضيفاً: "وأستطيع أن أقول: إن الجميع يعلم أن ما يسميه الفلاحون الشاي الأسود يأخذ كثيراً من أموالهم وصحتهم".
والدراويش في حي الحسين بالقاهرة يهددون من يغضبون عليه بالأرق، ثم يحتالون فيسقونه كأساً من الشاي الأسود، فيقضي الليل وهو مؤرق الجفون، فيتخيل ذلك (كرامة)، وما علم لجهله أن نومه طار بفضل الوهم، والسم المدوف في ذلك المنقوع"
ويرى الدكتور زكي مبارك، أن الصوفية كان لهم دور في انتشار الشاي بين المصريين، مؤكداً في مؤلفه المعنون بـ"التصوف الإسلامي في الأدب والأخلاق"، أنهم حببوا إلى الفلاحين شربَ الشاي، حتى صار آفة تطاردها الحكومة، لتمنع أذاها عن الناس.
وينقل مبارك ثناءَ رجلٍ من كبار الصوفية على الشاي، وهو السيد عبد العظيم القاياتي، إذ يقول:
وعسجد الشايِ يجلي في أكْؤسٍ من لُجينِ
هذا يروقُ لِقلبي وذا يروقُ لِعيني
ويشير المؤلف إلى وظيفة أخرى للشاي، استعملها دراويش الصوفية ضد من لا يروق لهم، قائلاً: "والدراويش في حي الحسين بالقاهرة يهددون من يغضبون عليه بالأرق، ثم يحتالون فيسقونه كأساً من الشاي الأسود، فيقضي الليل وهو مؤرق الجفون، فيتخيل ذلك (كرامة)، وما علم لجهله أن نومه طار بفضل الوهم، والسم المدوف في ذلك المنقوع".
خطر أسود يهدد الفلاحين
وتجدر الإشارة هنا إلى حديث جلال بك فهيم، أثناء شغله منصب وكيل وزارة الزراعة، عن الشاي الأسود، أثناء حوار له مع الصحافي كريم ثابت (المستشار الصحافي للملك فاروق بعد ذلك)، الذي كان يعمل آنذاك في صحيفة "المقطم"، القريبة من سلطة الاحتلال البريطاني، وهو ما يعد توثيقاً رسمياً لموعد دخول هذا المشروب إلى مصر.
أكد "فهيم" خلال حواره مع الصحافي كريم ثابت، الذي نشر تحت عنوان: "خطر أسود يهدد الفلاحين... أثر الشاي الأسود في صحة الفلاحين وقواهم"، في تشرين الأول/أكتوبر،عام 1932، أن الشاي دخل إلى البلاد عام 1911، لكن المواطن المصري البسيط لم يكن يعرفه، وإنما كان خاصاً بطبقة الأعيان والأمراء، يتعاطونه في قصورهم، وظلّ الأمر كذلك حتى نشبت الحرب العالمية.
في هذه الأثناء، أرسلت بريطانيا مجموعة من فلاحي مصر ليكونوا عمالاً في أوروبا، وبعد عودتهم انقلبت حياتهم رأساً على عقب، إذ عرفوا الشاي وأدمنوه، وأصبحوا يأخذونه معهم إلى الحقول ليرافقهم أثناء قضاء أعمالهم.
وعسجد الشايِ يجلي في أكْؤسٍ من لُجينِ
هذا يروقُ لِقلبي وذا يروقُ لِعيني
وتعجب وكيل وزارة الزراعة أثناء حواره من الحال التي وصل إليها الفلاحون بسبب الشاي، قائلاً: "لو اقتصر الأمر على ذلك (أي أخذهم الشاي إلى الحقول) لهان، لكنهم يشربون منه أردأه (أسوأ الأنواع)، ويغلونه إلي أن يصبح لونه أسود تقريباً، وهم يشربونه بهذه الكيفية عدة مرات، وقد يستغنون عن الطعام، لكنهم لايستغنون عن الشاي، وقد لا تجد عند الفلاح غلة لمأكلة مثل القمح والشعير، لكن لا بد أن تجد عنده الشاي والسكر".
ويبدو أن الفلاحين آنذاك وصل الحال بهم إلى ما يشبه إدمانَ المواد المخدرة، خاصة أن الدكتور محمد حسين هيكل، اتفق مع الطرح السابق، وكتب في إحدى مقالاته قائلاً: "لطالما تكررت الشكوى في السنوات الأخيرة من أن الفلاحين في مصر أصبحوا أشدَّ إقبالاً على تناول الشاي الأسود المضرّ بالصحة، منهم على اقتناء المأكل والملبس اللازم لهم ولأولادهم. ولم يكن شيء من ذلك قبل الحرب العالمية الأولى... لم يكن الفلاح المصري يعرف الشاي الأسود".
كان حديث جلال بك فهيم وهيكل عن بدايات دخول الشاي إلى مصر، لكنهما رحلا عن الحياة، ولم يعلما أن ما تعجبا منه آنذاك، أصبح حال الغالبية العظمى من المصريين حتى أيامنا هذه، وبات هذا المشروب جزءاً أساسياً من يوم المواطن البسيط.
زيادة في استهلاك المصريين للشاي بنسبة 591%
وما يؤكد إدمان المصريين للشاي، نتائج الإحصائيات التي تقدَّم بها وكيلُ وزارة الزراعة، عن استهلاك المواطنين له؛ إذ أنه في عام 1911، أي العام الأول الذي انتشر فيه، كان المقدار 895 ألف كيلو و715 غراماً، وبعدها بـ9 سنوات، وصل إلى مليون و623 ألفاً، و29 كيلو غرام سنوياً.
وعندما جاء عام 1932، وصل استهلاك المصريين من الشاي إلى نحو 6 ملايين و991 ألف و154 كيلو غرام، ما جعل جلال بك فهيم في حديثه الذي نُشر في الثلاثينيات، يؤكد أن متوسط زيادة الاستهلاك لهذا المشروب في السنوات الأخيرة يصل إلى نحو 591%.
وبناء على هذه الإحصائيات، كان لا بدّ أن يفكر المسؤولون في مصر في حيلة يمنعون بها الفلاحين عن تعاطي هذا المشروب، الذي بات يشكل خطراً على صحتهم، فطالب وكيل وزارة الزراعة، الحكومةَ المصرية بمنع استيراد الأنواع الرديئة من الشاي، وأن يتوقف الاستيراد على الأنواع الجيدة فقط، لكن مع وضع ضريبة عالية عليها، حتى يتعذر على الفلاحين شراؤُها وشربها.
وكان من ضمن المحاولات أيضاً، أن أعدت مديرية الطب البيطري بوزارة الزراعة المصرية، مذكرةً تفصيلية عن مخاطر الشاي الأسود وتأثيره علي الفلاحين، حذرتهم خلالها من شرب أردأ الأنواع، وأشارت إلى المخاطر الصحية جراء ذلك.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، وإنما أصبحت الحكومة ترى أن ما يفعله الفلاحون يُعدّ من الجرائم، خاصة أنه أثر على مستوى الإنتاج، وفقاً للبيانات والإحصائيات المتوفرة لديها.
وفي هذا السياق، تقول أمنية الشاكري، في مؤلفها المعنون "المعمل الاجتماعي الكبير": "في الثلاثينيات والأربعينيات، تحدد بداية خطاب جعل إنتاج المعرفة الإحصائية والحقيقية عن جريمة الفلاحين محورية، فعلى سبيل المثال بدأ مكتب مخابرات المخدرات المركزي جمع البيانات عن تعاطي مواد الإدمان كالحشيش والأفيون والشاي الأسود، حيث ربط تعاطيها بالإجرام وغيره من العلل الاجتماعية".
وتؤكد المؤلفة أن الشاي الأسود "كان الأكثر انتشاراً وتدميراً. وهو قوي ولا يخضع للقانون، وغالباً ما كان مغشوشاً ويستهلكه الأطفال والكبار على السواء بكميات كبيرة".
بات الأمر مقلقاً، بسبب الشاي المغلي، وكذلك غشّه التجاري، وبناءً عليه كلفت الحكومة وزارة الصحة عام 1938، بعمل دراسة علمية عن الشاي كما يشتريه الفلاحون ويعدونه ويستهلكونه، وانتهت إلى أنه "على الرغم من أن كمية الكافيين والتايين متناسبة مع كمية الشاي المستخدمة، ولا تعتمد على طول فترة الغليان، فإن كمية الكافيين المطلقة التي يستخدمها الفلاح المصري بشكل يومي كانت كافية لأن تصبح ضارة لصحته، بناء على بيئته الطبيعية وتأثيراتها (وجود الأمراض الوبائية وعدم كفاية التغذية والعمل الزائد على الحد)"، وفقاً لما تنقله الشاكري.
مخدر؟ منبه؟... خطر على كل حال
بناء عليه أصبح النظر إلى الشاي من جانب المصلحين الاجتماعيين لا يتعدى كونه مادةً مخدرة، لأن آثاره تحاكي آثار أيّ مادة مخدرة أخرى، أي التنبيه العصبي والجسماني (ليس مختلفاً عن أثر الكوكايين، ويؤدي في حالات التعاطي المبالغ فيه، والمستمر إلى ارتعاش اليدين والأرق والفشل القلبي)، والتبعية النفسية، والبدنية، ونقص الإنتاجية، بل و"الميل إلى النشاط الإجرامي"، وتشير أمنية الشاكري إلى أنه "طبقاً لأحد التقديرات، فقد انخفضت كفاءة العامل بنسبة 25%، بناء على الوقت الضائع، وحقيقة أن شارب الشاي ليس قادراً على العمل كغير شاربه".
ويصور عزت السعدني، ما وصل إليه الأمر، في مؤلفه "الكتابة بقلم روج"، فيقول: "هجر المصريون المشروباتِ الأخرى، إلى شاي المستعمر، حتى أصبح بالنسبة لأهل القرى من الفلاحين الغلابة، شرابَهم المفضل ليل نهار وظهراً وعشية، وبعد كلِّ صباح يصيح أحدهم قائلاً: (يلا بقى نحبس الأكلة دي بواحد شاي معتبر)".
ولعل أبلغ وصف لحال الفلاح المصري بعد معرفته بهذا المشروب، ما ذكره الكاتب أنيس منصور في مؤلفه "الدين والديناميت"، أنه (أي الفلاح) "يعمل خمس ساعات يومياً، يضيع نصفها في شرب الشاي".
وزير داخلية المعدة
وعلى الرغم من جميع المحاولات التي ذكرت آنفاً لمنع الفلاحين من الإكثار من تناول الشاي، إلا أن الصحف المصرية بدأت تنشر بعدها إعلاناتٍ عن بعض أنواع هذا المشروب، لعل أبرزها "الشيخ الشريب"، و"ليبتون"، وأصبح الأمر يتحول إلى طقوس رسمية لدى الكثير من المصريين، منها تناوله "ساعة العصاري" بشكل يومي.
وهنا يقول عزت السعدني: "ولعل أجمل وأكثر قعدات الشاي ألفةً وتقارباً، هي حفلة الشاي التي يقيمها الفلاحون على مصطبة أمام البيت، وفي صحن الدوار، أو في قلب الغيط، أو تحت ساقية عجوز لا تزال تنعى وتئن، والبقرة المعصوبة العينين تدور بها".
ويصف الروائي عمر طاهر، شاي الصعايدة (قاطني صعيد مصر)، في مؤلفه "شركة النشا والجلوكوز"، بشكل ساخر، فيقول: "حيث يمتزج الشاي مع السكر في إناء مغلي لأطول فترة ممكنة فوق النار، حتى يعطيك طعم طلقات الجرينوف".
ويرى طاهر أن المصريين "نصَّبوا الشاي وزيراً لداخلية المعدة"، لقدرته على "الحبس" بعد الطعام، وأصبح لكلّ طائفة من الصنايعية "شايَها"، كحالة من الراحة المقترنة بالتأمل الذهني في الشغلانة.
ويشير المؤلف في كتابه الآخر المعنون بـ"صنايعية مصر: مشاهد من حياة بعض بناة مصر في العصر الحديث"، إلى تطور مراحل الشاي لدى المواطن المصري؛ إذ أصبح أساسياً أثناء المذاكرة، وعنواناً للعزومات (تعاشب شاي)، وعلاجاً من الصداع والبرد وتعكر الدم.
وسجل المصريون باسمهم اختراعَ استخدام الملعقة المعدنية كأداة عزف، تعلن أن الشاي على بُعد خطوات، ويقدسون هذا المشروب لدرجة أن الحكومة أقرته كمادة تموينية أساسية تستحق الدعم، "لنصبح أول دولة في العالم تقنن وتدعم مزاج مواطنيها"، وفقاً لعمر طاهر.
الشيخ الشريب
ومع مرور الوقت، انتصر الفلاح المصري في معركة الشاي، وكأنها حرب يقودها للحفاظ على مزاجه من التعكر، وأصبح لهذا المشروب مستوردين من القاهرة، لعل أبرزهم علوي الجزار، ابن الحوامدية (مدينة مصرية تتبع محافظة الجيزة)، خريج كلية الزراعة.
كان الجزار يستورد الشاي الخام من سيلان، ويصدره مُصنَّعاً إلى معظم الدول العربية تحت مسمى "الشيخ الشريب"، وكان تقريباً الشاي الرسمي المعتمد عند المصريين بالرغم من وجود منافسين مثل شاي "زوزو"، إنتاج مصنع الحوامدية، و"كروان" إنتاج مصنع بورسعيد، لكنه تفوق بخلاف الجودة، بسبب العقلية الدعائية للجزار، وفقاً لما أكده مؤلف كتاب "صنايعية مصر".
ويشدد عمر طاهر على أن علوي الجزار رَسم في وجدان المصريين بصورة "الشيخ الشريب"، ملامحَ لشخصٍ ارتاحوا له ولابتسامته سريعاً، "شخص من بينهم وليس نجماً سينمائياً؛ به أبوة ويشعرك بقرابة ما أو بأنك حتماً التقيت به".
عقلية الجزار الفذة –بحسب طاهر- لم تكن لتتوقف عند هذا الحد، و"إنما كانت إعلانات الصحف والمجلات تخاطب صاحبَ القرار في موضوع الشاي في كل بيت، وهي المرأة، وجاءت صيغة إعلانات "الشيخ الشريب" واحدة دائماً مفادها: "يقول علماء النفس بعد دراسة إن المرأة تفوق الرجل في القدرة على تمييز طعم المرّ والحامض والمالح والحلو، وإنها أدق من الرجل في تذوق الطعم، ولهذا اختارت السيدة المصرية شاي (الشيخ الشريب) مشروبها المفضل".
ويلفت طاهر إلى أن "معظم مطابخ ومحلات بقالة ومقاهي مصر كان بها نتيجة حائط أو بوستر عليه صورة شيخ يرتدي الزي التقليدي، ويصب الشاي بابتسامة صارت أيقونة في مخيلة المصريين. كان البعض يعتبرون هذه الصورة محض خيال فني، لكنها شخصية حقيقية، وهو ليس شيخاً لكنها صورة (عم عرفة)، الذي كان يعمل سائقاً عند علوي الجزار، وكان الأخير يحبه ويتفاءل به، فقرر أن يجعل صورته رمزاً للشاي الذي اجتاح مصر بقوة حتى نهاية الثمانينيات".
ولم يغب عن بال مؤلف كتاب "شركة النشا والجلوكوز"، أن يلفت إلى استخدامات أخرى للشاي، لعل أبرزها أنه تحول إلى دلالة شعبية على الرشوة، كما أن بعض البيوت أصبحت تعتبر شراء طقم الشاي بالنسبة لها خطوة جادة على طريق إتمام الزواج.
رحل المستعمر وظل الشاي
وهكذا أصبح الشاي جزءاً أساسياً من حياة معظم المصريين، ولم تفلح المحاولات كافة في ثني المواطن البسيط عن تناوله، ورحل المستعمر البريطاني منذ عشرات السنوات، وظل الشاي مشروباً رسمياً في مصر.
ووفقا لتصريحات مسؤولين مصريين، فإن استهلاك مصر سنوياً من الشاي، يصل إلى 85 ألف طن، ما يقدر بـ6 مليارات دولار، وتُعدّ القاهرة الثالثةَ ضمن أكثر المدن العربية استهلاكاً للشاي والقهوة، إذ وصل إجمالي ما يتناوله الفرد الواحد إلى 0.9 كيلو غرام، عام 2020، بحسب اللجنة الدولية للشاي في أحدث إحصائياتها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون