وافقت الولايات المتحدة، يوم الثلاثاء الفائت، على تحرير 2.7 مليارات يورو من الأموال الإيرانية المجمّدة جراء العقوبات الأمريكية في البنوك العراقية، والقادمة من واردات الغاز والكهرباء الإيرانية.
المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، ماثيو ميلر، أكّد عملية النقل، بالقول: "لقد وافقنا على صفقة، تتفق مع المعاملات السابقة التي تمت الموافقة عليها، للسماح لإيران بالوصول إلى الأموال المودَعة في حسابات في العراق للمعاملات الإنسانية وغيرها من المعاملات غير الخاضعة للعقوبات".
وهو تأكيد لما تم نفيه سابقاً عن مباحثات أمريكية إيرانية غير مباشرة، بهدف التوصل إلى اتفاق مؤقت. فبحسب موقع أكسيوس، عقد مسؤولون أمريكيون وإيرانيون محادثات غير مباشرة في أيار/ مايو الماضي، في العاصمة العُمانية مسقط، بهدف التهدئة في برنامج إيران النووي وسلوكها المزعزع في المنطقة وتورطها في الحرب الأوكرانية، يمكن البناء عليه لاحقاً كأساس لمحادثات مستقبلية حول اتفاق نووي جديد بين الطرفين.
وافقت الولايات المتحدة، على تحرير 2.7 مليارات يورو من الأموال الإيرانية المجمّدة في البنوك العراقية
نفي المؤكد
وكان الناطق باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، قد نفى في لقائه الصحافي يوم الإثنين الفائت، أي تفاوض للتوصل إلى اتفاق مؤقت، عادّاً أن "الأخبار التي أثيرت حول الاتفاق المرحلي هي في الغالب تكهنات إعلامية أو ربما أخبار تفيد بأن بعض الأطراف ذات دوافع سياسية أو تسعى إلى تعطيل عملية التفاوض الحالية"، مشيراً إلى أن محادثات مسقط ليست سرّيةً، وأن الحديث مع واشنطن قائم "من خلال وسطاء" و"تبادل الرسائل مستمر".
بدوره، كتب مدير برنامج إيران في مجموعة الأزمات الدولية، علي واعظ، على حسابه في تويتر، أن نشر أنباء غير صحيحة أو غير دقيقة بعض الشيء عن "الاتفاق مع إيران"، أدى إلى إحداث ارتباك في الرأي العام. لكن ما هي الحقيقة؟ بشكل عام، هناك تطورات جارية في ثلاثة ملفات؛ ملف المحادثات النووية والأمنية، ملف السجناء مزدوجي الجنسية، وملف الحماية، مستبعداً اتفاقاً مؤقتاً يتطلب رفع العقوبات، نظراً إلى المناخ السياسي والتشريعي الأمريكي المعارض بقوة لهذا الاتفاق. وعدّ واعظ مباحثات مسقط إجراءً "ردعياً" ركّز على الخطوط الحمراء للجانبين وخفض التصعيد في قضايا التعاون النووي والإقليمي والعسكري مع روسيا، واصفاً هذا الإجراء بالإيجابي، كونه يمنع نشوب صراع عسكري غير مرغوب فيه.
وكانت مصادر مطلعة قد ذكرت لميدل إيست أي، أن تقدّماً كبيراً أحرزه الجانبان في مفاوضات الوصول إلى اتفاق مؤقت لنقله إلى رؤسائهما، تلتزم إيران بموجبه بتوقيف تخصيب اليورانيوم تحت نسبة 60 في المئة، ومواصلة تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمراقبة برنامجها النووي والتحقق منه. وفي المقابل، تسمح واشنطن لطهران بتصدير قرابة مليون برميل من النفط يومياً وتحرير جزء من أموالها المجمدة في الخارج لشراء السلع الغذائية والطبية.
ويُذكر أن الجانب الإيراني رفض خلال السنوات السابقة أي مقترح للتوصل إلى اتفاق مؤقت، منذ أيام حكومة الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، مصرّاً على العودة إلى اتفاق 2015 بحرفيته. لكن يبدو أن الظروف الإيرانية الحالية قد أثّرت على هذا القرار.
البنية التحتية النووية خط أحمر
من جهة أخرى، وفي اجتماعه مع بعض مديري منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، لمّح المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، علي خامنئي، إلى موافقته على "اتفاق حول بعض المجالات"، مشدداً على "عدم المساس بالبنية التحتية للصناعة النووية"، وعلى "التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في إطار لوائح "الضمانات""، مع "عدم انتهاك قانون العمل الإستراتيجي للبرلمان".
وقانون "الإجراء الإستراتيجي لإلغاء العقوبات والدفاع عن مصالح الأمة الإيرانية"، أقرّه البرلمان الإيراني في كانون الأول/ ديسمبر 2020، ويسمح بتخصيب اليورانيوم بمستويات أعلى مما نص عليه الاتفاق النووي (2015)، كأحد أشكال الابتزاز النووي لإجبار الولايات المتحدة على رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران بعد انسحاب الولايات المتحدة من جانب واحد من الاتفاق عام 2018.
الهدف من الاتفاق المؤقت المراد الوصول إليه هو تحويله إلى اتفاق دائم كما حدث في عام 2015، لكن الفرق هنا أن التيار "المتطرف"، الحاكم في إيران حالياً، لا يقبل باتفاق الـ2015، فما الذي قد يصل إليه الطرفان؟
وكان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، قد انسحب من الاتفاق النووي في حزيران/ يونيو 2018، ومع دخول بايدن إلى الأبيض فُتح أفق العودة إلى الاتفاق. وفي نيسان/ أبريل 2021، بدأت مفاوضات غير مباشرة بين الجانبين، لإعادة إحياء الاتفاق، دون توصل الطرفين بعد إلى الاتفاق على العودة، ومنذ أيلول/ سبتمبر 2022، دخلت المفاوضات مرحلة التجميد، بعد رفض طهران المقترح الأوروبي الأخير لعودة الاتفاق، إلى جانب مطالبتها بإغلاق تحقيقات الوكالة الدولية للطاقة الذرية في جزيئات اليورانيوم الموجودة في 3 منشآت نووية مختلفة في إيران، وخلال هذه المدة تراكم مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة تخصيب 60% إلى 87.5 كجم. ويرفض المسؤولون الإيرانيون أي اتفاق جزئي يقوم على مبدأ "الأقل مقابل الأقل"، نتيجة تجاهله مسألة رفع العقوبات المفروضة على إيران.
في حديثها إلى رصيف22، تستبعد الصحافية والباحثة في الشأن الإيراني، غزل أريحي، التوصل إلى هذا الاتفاق الجزئي، خاصةً في ظل الحكومة "الأصولية" الحاكمة في طهران، والتي لن تقبل باتفاق مؤقت. وتضيف أن الرأي في هذا الموضوع لا يعوّل عليه، نظراً إلى استعباد طرفَي المعادلة الأساسيين، إيران وأمريكا لهذا الاحتمال.
وعليه، يطرح الباحث في مركز الحوار للدراسات ومقرّه واشنطن، كميل البو شوكة، ثلاث أسئلة حول الاتفاق النووي بين إيران وأمريكا: هل هو اتفاق دائم أم مؤقت؟ وإذا كان مؤقتاً لماذا في هذا الوقت؟ وما موقف إسرائيل من هذا الاتفاق "الجزئي"؟
ويضيف في حديثه إلى رصيف22، أن الهدف من الاتفاق المؤقت المراد الوصول إليه هو تحويله إلى اتفاق دائم كما حدث في عام 2015، لكن الفرق هنا أن التيار "المتطرف"، الحاكم في إيران حالياً، لا يقبل باتفاق الـ2015، لأن الإيرانيين يعتقدون أنه يسمح لأي رئيس أمريكي قادم بمغادرته، وتالياً عودة الأمور إلى نقطة البداية، كما حدث عام 2018 عند انسحاب ترامب من الاتفاق. لذا، يريد المسؤولون الإيرانيون الحاليون وعوداً أمريكية-أوروبية بأن أي رئيس أمريكي جديد لن يستطيع مغادر الاتفاق، وفي حال مغادرته يجب دفع تعويضات مالية للجانب الإيراني، وهذا الأمر غير ممكن بحكم الدستور والقوانين الأمريكية، إلا من خلال موافقة الكونغرس على الاتفاق، وهو أمر غير متوفر حالياً. لذا، طرحت الإدارة الأمريكية الناظرة إلى الانتخابات القادمة، التي توجب عليها التركيز على الوضع الداخلي، اتفاقاً مؤقتاً لا يسمح لطهران بتجاوز نسبة تخصيب اليورانيوم 60% (وهي نسبة عالية)، وفي المقابل تفرج واشنطن عن قرابة 20 مليار دولار من الأموال الإيرانية لديها أو في العراق والهند وكوريا الجنوبية، وهو ما غيّر رأي طهران في الاتفاق المؤقت، وجعلها ترى العرض فرصةً لا تُفوَّت للحصول على الأموال مقابل تجميد التخصيب بنسبة 60%.
بحسب الباحث، ثلاثة أمور لدى إيران تتخوف منها إسرائيل، البرنامج النووي والبرنامج الصاروخي والميليشيات الإيرانية على حدودها، حسب البو شوكه. لذا، تعارض إسرائيل أي اتفاق نووي دائم لا يضع حداً لهذه المخاوف الإسرائيلية، وهو ما لم يُراعَ في اتفاق الـ2015، لكن الحديث الحالي عن اتفاق مؤقت، يراه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، فرصةً مناسبةً للتركيز على وضعه الداخلي، إذ يستطيع خلال مدة السنة ونصف السنة المتبقية لولاية الرئيس الأمريكي الحالي، أن يطبّق بعض القوانين التي أجّلها إلى المستقبل، مثل عملية الإصلاح القضائي وسواها من الأمور الداخلية في إسرائيل. وعليه، تعارض تل أبيب اتفاقاً دائماً لا يراعي مخاوفها، لكنها توافق على الاتفاق المؤقت المطروح حالياً.
زار مسؤول أمريكي سلطنة عمان لمعرفة مدى انفتاح إيران على اتخاذ خطوات من شأنها تقييد برنامجها النووي
ويُذكر أن الجانب الإيراني رفض خلال السنوات السابقة أي مقترح للتوصل إلى اتفاق مؤقت، منذ أيام حكومة الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، مصرّاً على العودة إلى اتفاق 2015 بحرفيته. لكن يبدو أن الظروف الإيرانية الحالية قد أثّرت على هذا القرار.
عودة القنوات الخلفية
وكان كبير مستشاري الرئيس الأمريكي جو بايدن لشؤون الشرق الأوسط، بريت ماكغورك، قد أجرى خلال الشهر الفائت زيارة إلى عُمان، وصفها بعض المحللين، بالاستكشافية، لمعرفة مدى انفتاح إيران على اتخاذ خطوات من شأنها تقييد برنامجها النووي وتهدئة الوضع الإقليمي، وما تريده في المقابل، من خلال القناة العُمانية، حسب أكسيوس، منوهاً بمناقشة واشنطن لاقتراح اتفاق مؤقت مع شركائها الأوروبيين والإسرائيليين يقوم على تخفيف بعض العقوبات مقابل تجميد طهران لأجزاء من برنامجها النووي.
مؤشرات عدة تعطي الانطباع بأن التوصل إلى اتفاق نووي مؤقت بين الولايات المتحدة وإيران مسألة وقت فقط، برغم نفي الطرفين لما يتم تسريبه عن تواصل عبر الوسطاء للتوصل إلى اتفاق مؤقت (جزئي)، في الملف النووي الإيراني، حسب الباحثة في الشؤون الأمريكية، روان رجولة، وآخر هذه المؤشرات، سماح الولايات المتحدة الأميركية بالإفراج عن 2.7 مليارات دولار من الأصول الإيرانية في العراق. واستشهدت رجولة في حديثها إلى رصيف22، بما أوردته صحيفة وول ستريت جورنال، عن ثلاث زيارات قام بها مسؤولون في البيت الأبيض إلى سلطنة عُمان على "الأقل"، بهدف إجراء المزيد من الاتصالات غير المباشرة مع إيران، وعلى الأغلب كان موضوع التواصل المفاوضات للتوصل إلى اتفاق مؤقت معها حول البرنامج النووي.
وكانت صحيفة اقتصادية كورية، قد نشرت بالتزامن مع زيارة ماكغورك إلى مسقط، نقاشاً أمريكياً كورياً لتحرير مبلغ 7 مليارات دولار إيرانية محتجزة لدى سيول.
أسوأ السيناريوهات
إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 بالطرق الدبلوماسية منهج إدارة بايدن الأول (الخطة أ)، غير أن تسارع الأنشطة النووية الإيرانية مع التطورات الجيو-سياسية منذ أيلول/ سبتمبر 2022، جعلت الخطة (أ) مستحيلةً، وفق مركز الدراسات الإيرانية IRAM. ومع تبنّي إدارة بايدن لسياسة خفض التصعيد، ممتنعةً عن تفعيل خيار الضغط الاقتصادي والسياسي والعسكري على طهران (الخطة ب)، تم تأسيس الوضع الراهن خلال الأزمة النووية. ووفقاً لهذه السياسة، تكرر واشنطن تصريحاتها بعدم السماح لإيران بامتلاك السلاح النووي، أو بلوغ نسبة التخصيب 90%، وهو ما يؤدي إلى إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة عليها، بالإضافة إلى تدريبات عسكرية مكثفة مع إسرائيل، وتهديدات إسرائيلية باستخدام القوة العسكرية ضد إيران.
في المقابل، تقف إيران عند حدود تخصيب اليورانيوم بنسبة 60%، خشية المسّ بالخطوط الحمراء الأمريكية، لكنها طوّرت برنامجها النووي خلال الفترة الماضية تطويراً جعلها قريبةً من وضعية دولة العتبة النووية.
بقاء الجمهورية الإسلامية ودورها في ظل المتغيرات في المنطقة، يفرض على واشنطن إعادة الانخراط دبلوماسياً في الملف النووي، وهو ما يحصل، فهل نرى انقلاباً في سياسة واشنطن؟
وعليه، تحتاج واشنطن إلى تسوية دبلوماسية للحد من أنشطة إيران النووية، تُجنّبها التصعيد وتتجنّب معها أسوأ السيناريوهات؛ امتلاك إيران أسلحةً نوويةً، وتكون ركيزةً لاحقاً للتوصل إلى اتفاق نووي جديد.
ويُشير الأستاذ المشارك في كلية الدراسات العليا للشؤون العامة والدولية بجامعة أوتاوا، توماس جونو، إلى أن "بقاء الجمهورية الإسلامية، وهو السيناريو الأكثر ترجيحاً على المديين القصير والمتوسط، يفرض على واشنطن إعادة الانخراط دبلوماسياً في الملف النووي، والقيام بذلك من شأنه أن يعرّض الولايات المتحدة للانتقاد، كونها تلقي بحبل نجاة لنظام متذبذب، لكن عدم القيام بذلك من شأنه أن يجازف بإحراز إيران تقدماً إضافياً في برنامجها النووي.
كلا الاحتمالين غير جذابَين إلى حد كبير، حسب منتدى الخليج الدولي.
الاتفاق المؤقت قادم، حسب البوشوكة، لكن الاتفاق الدائم مرهون ببقاء الديموقراطيين في السلطة في الانتخابات القادمة. وينوه بموافقة إيران على الاتفاق، مع تشديد شروطها على أمريكا حينها وحالياً، للإفراج عن أكبر قدر من الأموال المجّمدة وتخفيف الضغوط عليها. فيما يبقى الأمل ضعيفاً في التوصل إلى اتفاق دائم، في حال وصول الجمهوريين إلى البيت الأبيض، وهو ما أعلنه ترامب ورون ديسانتيس، مرشحا الحزب الجمهوري الأوفر حظاً للانتخابات الرئاسية القادمة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...