للمرة الخامسة في غضون عامين، تناقلت وسائل إعلام عربية أخباراً عن اعتزام الرئيس التركي رجب طيب إردوغان زيارة مصر يوم الاربعاء، 14 فبراير/ شباط الجاري، وذلك من دون تأكيد أو نفي رسمي من مؤسستي الرئاسة في مصر وتركيا.
تأتي أنباء زيارة أردوغان المرتقبة وسط حالة من القلق والتخبط يعيشها المصريون المقيمون في تركيا الذين يحمل التقارب بين الدولتين تهديداً لحرياتهم وحيواتهم في حالة إقدام الدولة التركية على تنفيذ شروط مصرية للتقارب، من بينها إغلاق القنوات المعارضة وترحيل الإعلاميين والعاملين فيها لمواجهة القضايا المتهمين فيها بمصر، وكذا ترحيل العديد من المواطنين المصريين الذين نقلوا حياتهم إلى تركيا بعد إطاحة نظام جماعة الإخوان المسلمين في 2013.
قبل نحو عشر سنوات، لجأ عشرات المصريين إلى تركيا، وسرعان ما أخذت أعداد الواصلين إليها من مصر في التعاظم مع ضيق المساحات السياسية في البلاد، إلا أن التقارب المصري التركي الذي أعقب المصالحة المصرية القطرية في 2022، حمل طلائع التهديد لحياة المصريين الذين ظنوا أن الحال استقر بهم في تركيا، ونمت تلك التهديدات مع ارتفاع موجة المد القومي التركي ورفض الأجانب واللاجئين التي ظهرت بقوة خلال الانتخابات التركية الأخيرة كما رصد رصيف22 في تقارير سابقة.
الآن، لم تعد التهديدات المحيقة بالمصريين مجرد مخاوف، فقد باتت أوضاعهم أكثر صعوبة مع انتهاج السلطات التركية سياسات جديدة لوقف تجديد الإقامات وزيادة العراقيل أمام محاولات المصريين وغيرهم من اللاجئين للحصول على الجنسية التركية، استجابة لتيار القومية التركية المنادي بطرد اللاجئين، خاصة العرب منهم من الأراضي التركية، بعد اتهامهم بالتسبب في ركود الاقتصاد وتردي الأوضاع وغلاء الأسعار وتراجع مستوى المعيشة، في حين يتفق مع الدعوات الشبيهة في مصر حالياً تجاه النازحين واللاجئين السودانيين والسوريين.
هذا كله دفع المصريين المقيمين في تركيا إلى بدء رحلة للبحث عن وطن أو مستقر مؤقت بديل، مع ازدياد المخاوف من ترحيلهم أو طردهم المفاجئ من دون إعداد بديل، فإلى أين يتوجه المصريون المطرودون من جنة تركيا؟
أسباب عديدة باتت تدفع المصريين المقيمين في تركيا إلى بدء رحلة للبحث عن وطن أو مُستَقَرّ مؤقت بديل، مع ازدياد المخاوف من ترحيلهم أو طردهم المفاجئ، فإلى أين يتوجه المصريون المطرودون من جنة تركيا؟
كوريا مثلاً؟
عمر عبد الله واحد ممن تركوا مصر إلى تركيا عقب التغيير السياسي الذي وصل بالرئيس المصري الحالي إلى السلطة، وعلى الرغم من أنه لم ينتم بشكل تنظيمي إلى جماعة الإخوان المسلمين فإنه خشى أن تزج به آراؤه السابقة ومشاركته في الأحداث السياسية التي شهدتها مصر عقب ثورة 25 يناير إلى سجنه أو اتهامه في إحدى القضايا التي تصل عقوبتها إلى الإعدام، ما دفعه إلى شد الرحال إلى تركيا قبل عقد من الزمن.
يعرف عبد الله أن عودته إلى مصر محفوفة بمخاطر عدة، إن لم تمس أمنه الشخصي فسوف تمس رزقه مع ضيق ظروف المعيشة جراء الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر، ما دفعه للتفكير في الهجرة إلى كوريا الجنوبية، يقول عمر عبدالله: "بلد معرفش عنها أي حاجة، لكن مفيش حلول كتير قدامنا، الجيران في تركيا لهم سنة مبقوش يردوا السلام".
"الجيران في تركيا لهم سنة مبقوش يردوا السلام
يضيف عبد الله أنه بعد وصوله إلى تركيا لم يكن يتخيل أن يغادرها، لكنه وجد نفسه مضطراً لذلك "كل شيء تغير في البلد التي استقبلتنا وآوتنا لسنوات، فالحميمية والترحاب اللذان كنا نحظى بهما تحولا لنظرات ضيق ترقى في بعض الأحيان إلى الكراهية، وهو ما نلاحظه خاصة في المواصلات العامة. يمكنني أن أتحمل تلك النظرات وأتعامل معها لو كنت وحدي، لكن مع وجود أسرتي وأبنائي يزداد خوفي عليهم خشية التعرض لهم من قبل بعض العنصريين من الشعب التركي الذين يلوموننا على كل شيء سيّئ في بلدهم ونحن من كل ذلك أبرياء".
نتيجة حتمية للاتفاق السياسي
يفسر أستاذ علم الاجتماع التركي رجب شان تورك أسباب ذلك التحول من الأتراك تجاه اللاجئين والمهاجرين المصريين، موضحاً أن هناك عدة أسباب سياسية واجتماعية و"شعبوية"، يتصل بعضها بالتقارب المصري التركي المتزايد. يقول شان تورك: "عندما تتغير سياسات نظام الحكم في أي بلد تجاه قضية معينة فإنها تلقي بظلالها على كل شيء خاصة الإعلام الذي ينقسم انتمائه بشكل واضح في تركيا، فوسائل الإعلام والصحف المحسوبة على المعارضة لا تتوانى في استخدام ملف اللاجئين بهدف الهجوم على حكومة إردوغان خاصة بعدما شهدته الانتخابات الماضية من تأثر كبير بهذا الملف وكاد أن ينهي حقبة حكم العدالة والتنمية لتركيا".
اللافت أن مع كل ما يتردد عن أثر التقارب السياسي بين البلدين على علاقة تركيا بالمصريين المقيمين فيها، لا يزال قادة جماعة الإخوان المسلمين والإعلاميين المحسوبين عليها وإعلاميين ومعارضين مشاهير آخرين غير محسوبين على الجماعة، لا يواجهون أية تضييقات أو تهديدات بالترحيل من الجانب التركي، كما تم تقنين أوضاع بعضهم بالحصول على الجنسية التركية كما رصد رصيف22 في تقرير سابق.
الآن، لم تعد التهديدات المحيقة بالمصريين مجرد مخاوف، فقد باتت أوضاعهم أكثر صعوبة مع انتهاج السلطات التركية سياسات جديدة لوقف تجديد الإقامات وزيادة العراقيل أمام محاولات المصريين وغيرهم من اللاجئين للحصول على الجنسية التركية، استجابة لتيار القومية التركية المنادي بطرد اللاجئين، خاصة العرب منهم
الصحافي التركي فاتح مارت، وهو متخصص في شؤون الأحزاب، قال لرصيف22: "بالتأكيد الوضع في تركيا تغير كليا عما كان قبل عشر سنوات، خاصة مع تصاعد الفئة المؤيدة للتيار اليميني القومي المنادي بطرد اللاجئين من تركيا بدعوى تردي الأوضاع في البلاد خاصة الإقتصادية"، لكنه في الوقت نفسه يجد أن الحكومة التركية "مسؤولة قليلاً" عما حدث "لأنها فتحت البلاد للجميع، من يستحق اللجوء إليها ومن لا يستحق"، فضلاً عن منحها الإقامات بمختلف أنواعها وحتى الجنسيات "لآلاف ممن لا يواجهون أي مشكلة في بلدانهم، بل أتوا إلى تركيا بهدف تحسين أوضاعهم المعيشية، وهم أنفسهم الذين ضاقت بهم تركيا اليوم، بسبب التوقف عن إصدار الإقامات والجنسيات ليجدوا أنفسهم أمام خيار واحد وهو مغادرة البلاد".
كفانا إهانة
حمزة القاضي، وهو شاب مصري يقيم في تركيا منذ سبع سنوات، لفت انتباهنا لشيء مهم، وهو أن حالات كثيرة من الذين رُفض تجديد تصاريح إقامتهم في تركيا يستوفون جميع الشروط اللازمة لحصولهم عليها. ويوضح: "وهذا ما حدث معي عندما ذهبت لتجديد إقامتي، وجدت تعنتاً غير عادي من الموظف في إدارة الهجرة، كان بيتلكك (يتصيد الأخطاء غير المهمة)". ويشرح: "في البداية قال لي إن الورق غير كامل وعندما راجعت معه الورق تبين أنه مخطئ لكنه لم يكتفِ بذلك، بل ظل يبحث عن أي ثغرة لرفض تسلم ورقي حتى وجد أن الباسبور قد شارف الانتهاء، فقلت له أعطني الإقامة بهذه المدة وهي عام واحد، وهي نفس المدة التي منحوني بها الإقامة الأخيرة، وبعد محاولات عدة قبل بهذا لكنه طلب مني بعض الأمور الأخرى التي لم نكن نحتاجها في تقديم الأوراق للحصول على الإقامة أو تجديدها، ومن خلال ذلك تم رفض جميع محاولاتي لتجديد الإقامة وانتهى بي الحال في مركز إيواء اللاجئين في مدينة توزلا، بعدما أوقفتني الشرطة بسبب إنتهاء مدة إقامتي".
ظل القاضي في مركز إيواء اللاجئين أكثر من أسبوعين مع أن لديه مسكناً وعملاً مستقراً، ثم أخرجته الشرطة مع مطالبته إما بتسوية أوضاعه القانونية بالحصول على الإقامة أو يتعرض للترحيل إلى خارج البلاد: "هنا فكرت جديًا في أمر كنت أرفضه منذ سنين وهو الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، فلو نجحت في الوصول إلى أوروبا فستتحسن أحوالي ولن أتعرض لكل هذه الإهانات التي تعرضت لها في تركيا".
ظل القاضي في مركز إيواء اللاجئين أكثر من أسبوعين مع أن لديه مسكناً وعملاً مستقراً، ثم أخرجته الشرطة مع مطالبته إما بتسوية أوضاعه القانونية بالحصول على الإقامة أو يتعرض للترحيل إلى خارج البلاد
يعمل عبد الله أحمد في واحدة من المنظمات التركية المعنية بمساعدة اللاجئين في توفيق، يؤكد لرصيف22 أن هناك تراجعاً في أعداد من تمنحهم الدولة التركية تصاريح الإقامة منذ عام الانتخابات "أعداد الحاصلين على تصاريح الإقامة بمختلف أنواعها السياحية - الإنسانية - الدائمة، قلت بشكل ملحوظ جداً، وكانت الإقامة السياحية حل بيلجأ إليه اللاجئين في بداية وصولهم لحسن توفيق الاوضاع، لكن منذ عام تقريباً أصبح شبه مستحيل إصدار أي إقامات أو تجديد الإقامات الممنوحة فعلاً، ومعظم الطلبات بتترفض". يوضح كذلك أن الرفض لم يعد مقتصراً على المقيمين في اسطنبول كما بدا الأمر؛ بل أصبحت جميع إدارات الهجرة في جميع الولايات التركية ترفض معظم طلبات تجديد أو استخراج الإقامة المقدمة إليها.
سعى رصيف22 للتواصل مع أي من المسؤولين في إدارة الهجرة التركية للتعليق على أسباب تعنت السلطات في إصدار تصاريح الإقامة للمصريين اللاجئين أو المقيمين لأغراض العمل في تركيا، لكن طلبنا قوبل برفض التعليق واكتفى مسؤول رفض ذكر اسمه أو المشاركة في التقرير بقوله: "كل هذا الحديث غير صحيح وغير دقيق"، إلا أن الإحصاءات الرسمية الخاصة بأعداد الأجانب الحاصلين على إقامات رسمية في تركيا تشهد بواقع مختلف.
بحسب إحصاءات الخارجية التركية، تستضيف تركيا حالياً نحو 4.9 ملايين أجنبي، منهم 3.27 ملايين سوري، خاضع لنظام "الحماية المؤقتة"، حسب أحدث إحصائية صادرة عن "رئاسة إدارة الهجرة التركية"، إذ تحتل ولاية إسطنبول المرتبة الأولى من حيث عدد اللاجئين بـ 529 ألفاً، تلتها ولاية غازي عنتاب بـ425 ألفاً، ثم شانلي أورفا بتعداد لاجئين بلغ 303 آلاف، اللافت أن الإحصائية أظهرت تراجعاً في أعداد تصاريح الإقامة الممنوحة للأجانب بدءًا من العام 2023 (عام الانتخابات الذي كانت قضية اللاجئين فيه محوراً رئيساً في الصراع الانتخابي) إذ انخفض عدد تصاريح الإقامة الممنوحة من نحو مليون و354 ألف تصريح في 2022، إلى نحو مليون و107 آلاف في 2023 مسجلة انخفاضاً زاد عن ربع مليون تصريح إقامة خلال عام واحد فقط.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...