ظن كثيرون أن اسمه لم يعد حاضراً في الأوساط الثقافية، وأن إثارته للجدل انتهت برحيله، لكن اسم المفكر والكاتب الدكتور مصطفى محمود عاد إلى الواجهة مع صدور طبعات جديدة لأعماله، بعد عقود من اقتصار إعادة طبعها على داري المعارف وأخبار اليوم الحكوميتين في مصر، حيث كان يُقبل عليها أجيال عاصرت بث برنامجه التلفزيوني الشهير "العلم والإيمان"الذي استمر بثه حتى منتصف التسعينيات تقريباً رغم تصوير معظم حلقاته خلال حقبتي السبعينيات والثمانينيات.
في الدورة الأحدث من معرض القاهرة للكتاب (55) التي اختتمت فعالياتها في السادس من فبراير/ شباط الجاري، ظهرت طبعة جديدة لأعماله عبر دار ديوان للنشر التي تتبنى مشروعاً لإعادة طبع كتب كبار الكتّاب المصريين بادئة بنجيب محفوظ، الذي أثارت اغلفتها لأعماله جدلاً في دورة عام 2022، وإلى جانب مصطفى محمود أعادت دار ديوان هذا العام طبع كتابات عميد الأدب العربي، الدكتور طه حسين.
تأتي إعادة طبع أعمال هؤلاء الكتّاب في وقت انتقلت فيه القوة الشرائية في سوق النشر إلى أجيال أصغر كثيراً، لا تحمل الذكريات نفسها ولا الود القديم نحو الدكتور مصطفى محمود وأعماله، فكيف استقبل الجيل المولود بعد عام 2000 كتابات مصطفى محمود؟ ولماذا اختارت دار ديوان إعادة طبع أعماله؟
تأتي إعادة طبع أعمال هؤلاء الكتّاب في وقت انتقلت فيه القوة الشرائية في سوق النشر إلى أجيال أصغر كثيراً، لا تحمل الذكريات نفسها ولا الود القديم نحو الدكتور مصطفى محمود وأعماله، فكيف استقبل الجيل المولود بعد عام 2000 كتابات مصطفى محمود؟ ولماذا اختارت دار ديوان إعادة طبع أعماله؟
الجيل زد يقابل مصطفى محمود
في سن السابعة قرأ أكرم محمد (16 سنة) كتابه الأول لمصطفى محمود "عصر القرود"، ثم تعرّف على عالمه جيداً بقراءة أشهر أعماله "رحلتي من الشك إلى الإيمان"، وهو كتاب رافق اجيالاً من المصريين في مقابلتهم الأولى مع الأسئلة الكبرى حول الدين والإيمان ووجود وطبيعة الإله، غير أن أكرم لم يعدّ مصطفى محمود كاتباً مُفضلاً له، بل تبنّى وجهة النظر التي تُجافي المفكر الراحل. يقول لرصيف22: "هو كاتب مُسيّس، له محاولات للقضاء على الناصرية بتحويل دفة الفكر الجماهيري لأسلمة كل شيء"، كما اختلف أكرم معه في كتابه "الماركسية والإسلام" الذي اعترض على تكفيره للفكر الشيوعي فيه.
"الجيل بتاعنا مش مهتم بالصِّبغة الدينية اللي اتكلم وكتب بيها مصطفى محمود، فيه دروشة كدا مبنحبهاش"
ولا يرى فادي سامي (19 عاماً) أن جيله سيُحب قراءة أعمال مصطفى محمود، قائلاً "الجيل بتاعنا مش مهتم بالصِّبغة الدينية اللي اتكلم وكتب بيها مصطفى محمود، فيه دروشة كدا مبنحبهاش". تلك النظرة كوّنها فادي من خلال قراءته بعض المقالات التي أعيد نشرها للكاتب الراحل عبر الإنترنت، وكذلك من مشاهدته لبعض حلقات من برنامجه الشهير "العلم والإيمان".
غير أن سامي - الطالب في كلية الإعلام- أحبّ روايته "العنكبوت"، بعد أن شاهد العمل الدرامي المأخوذ عنها، من بطولة عزت العلايلي ومديحة كامل، وتدور أحداثه في قالب من الخيال العلمي، فأعجب به كثيراً، حتى أنه قرر قراءة الرواية، "بس مقدرتش أكملها عشان هي نفس أحداث المسلسل بالظبط".
للـ "ميلينيالز" رأي آخر
أحمد ضيوف، العضو المؤسس بدار كتوبيا للنشر، من جيل يكبر الجيل الذي نعنى به في تقريرنا، وردوده على أسئلة رصيف22 ربما تكون دالة على الفجوة في التلقي بين الجيلين.
يبلغ ضيوف السادسة والثلاثين من العمر، أي أنه ينتمى إلى جيل مواليد منتصف الثمانينيات الذين تربوا على مشاهدة برنامج "العلم والإيمان" الذي قدمه مصطفى محمود وظلت حلقاته تُبث في التلفزيون المصري حتى منتصف التسعينيات تقريباً.
تعرف ضيوف على كتابات مصطفى محمود في عمر السادسة عشرة، إذ قرأ كتاب "55 مشكلة حب"، ويراه كتاباً "نجح في معالجة مشكلات رومانسية اجتماعية بشكل معتدل ومناسب لعادات وتقاليد المجتمع"، كما قرأ له في عمر الـ21 "حوار مع صديقي الملحد"، الذي يجده "مُوفقاً في توصيل المعلومة الدينية بشكل بسيط". ويرى ضيوف أن إعادة تقديم أعماله "مهمة جداً للشباب في الوقت الحالي لأن إحنا بنعاني في العصر الحالي من أزمة في الخطاب الديني، ورجال الدين بيوصلوا الدين بشكل مُنفّر" ويعلق: "كتب دكتور مصطفى محمود صالحة للقراءة ولو بعد 100 عام).
الكاتب الصحافي الدكتور محمد فتحي، الذي ينتمي لجيل الثمانينيات Millennials، يرى أن إعادة تقديم مصطفى محمود لأجيال شابة هي "إعادة إنصاف للمفكر الراحل". ويفسر ذلك بقوله إن "أغلب الانطباعات المتعلقة بالمفكر الراحل هي نتاج صراعات ومعارك جدلية خاضها في عصره، مثل معركة كتاب (الشفاعة) التي وقعت عام 2000، وفيها حاول المفكر المصري إثبات وجهة نظره بأن الشفاعة التي سيشفع بها النبي محمد لأمته لن تكون بالصورة التي يعتقدها المسلمون، ولاقى الكتاب انتقادات واسعة، حتى أنه صدر نحو 14 كتاباً للرد عليه".
يواصل فتحي: "دكتور مصطفى محمود جرّب العديد من الأجناس الأدبية؛ فكتب أدب الخيال العلمي مثل روايات العنكبوت، المستحيل، ورجل تحت الصفر، إضافة إلى ما كتبه في المسرح وأدب الرحلات والقصة القصيرة"، ومن هنا يعتقد أنه "من حق الأجيال الشابة قراءته، بمعزل عن الصراعات التي أثيرت وقت حضوره"، ويرى أن كتابه الأهم الذي يعتبره من ألف باء قراءات للشباب المتشكك هو حوار مع صديقي الملحد: "الكتاب يرصد تجربة مهمة وجريئة قلّما يتصدى لها كاتب أو أديب عربي في زمن مصطفى محمود".
ولكن لماذا مصطفى محمود؟
ما دفع دار ديوان لإعادة تقديم مؤلفات مصطفى محمود، هو إتاحة أفكاره أمام الأجيال الجديدة، التي لم تُعاصر برنامجه الشهير "العلم والإيمان"، ولم تتابع معاركه الفكرية، كما يقول مدير النشر بدار ديوان، أحمد القرملاوي لرصيف22، متابعاً أن مصطفى محمود "واحد من الكتاب الذين نجحوا في اختبار الزمن، لسة الناس عايزاهم ومستواهم الأدبي والفكري يتجاوز اللحظة الزمنية اللي كانوا فيها"، ويرى أن "أعماله تهم الإنسانية كُلها، ودوماً يُسأل عنها في مكتبة ديوان".
"بيست سيلر" الثمانينيات
"خيبة كبيرة"، هكذا يصف الكاتب الصحافي سيد محمود إعادة نشر أعمال مصطفى محمود، إذ لا يعتقد أن صاحب رواية "العنكبوت" لا يزال ملء السمع والبصر كما كان في زمنه، ومن وجهة نظر سيد محمود الذي يعد من أبرز نقاد الأدب في مصر إلى جانب كونه من أبرز محرري الصحافة الثقافية، يجب أن يُعاد طبع أعمال الكتاب الذين لا تزال أعمالهم مهمة و"ذات حضور قوي بين الجمهور، وهو ما لا ينطبق على حالة مصطفى محمود. نجيب محفوظ مثلاً لسة موجود لأن الناس لسة بتتكلم عنه، لكن مصطفى محمود على العكس منه".
ويؤكد أن المفكر الراحل شهد ذُروة نجاحه في فترة الثمانينيات والتسعينيات، فيما خبا نجمه بعد ذلك: "كان مصطفى محمود وأنيس منصور البيست سيلر بتوع زمنهم فقط"، يشرح سيد محمود مُوضحاً أن المعارف المتعددة التي أتاحها الإنترنت الآن لن تجعل صاحب "القرآن: محاولة لتفسير عصري" جذاباً في اللحظة الراهنة: "هو كان مؤثرا، في زمانه لأنه مرتبط بسياق مجتمعي وسياسي غير موجود الآن"، ولا يعتقد محمود أن خطابه الديني سيُقبل في اللحظة الحالية.
"خيبة كبيرة"، هكذا يصف الكاتب الصحافي سيد محمود إعادة نشر أعمال مصطفى محمود، إذ لا يعتقد أن صاحب رواية "العنكبوت" لا يزال ملء السمع والبصر كما كان في زمنه
ويرى أن اختيار ديوان لإعادة طبع أعماله "اختيار غير مفهوم"، فكتبه لا تزال متوفرة لدى دار المعارف والأخبار وعند بائعي سور الأزبكية "كما يسهُل الحصول عليها في شبكة الإنترنت لأن كتبه تعرضت لهجمات تزوير".
يتفق معه الدكتور أنور مغيث، أستاذ الفلسفة والرئيس السابق للمركز القومي للترجمة، إذ ينفي وجود قيمة فكرية لمؤلفات مصطفى محمود، واصفاً فِكره بـ"دروشة وانحراف عن التفكير العقلاني العلمي، ومحاولة رخيصة لجمع الدين والعلم"، كما يُعطي مثالاً على كتابه "حوار مع صديقي الملحد"، المنشور لأول مرة عام 1970، بكونه عبارة عن حجج واهية ومتناقضة "أنا قرأته لأول مرة في الجامعة ولم أقتنع بكلامه".
ويرى أن قراءة كتبه الآن بالنسبة للشباب "مضيعة للوقت، صحيح أنه سيجد قراءً، لكن لن يكون من السهل خداعهم"، بحسب قوله.
عازف العود يعود
ويلفت محمد فتحي وسيد محمود النظر إلى مرحلة يريانها مهمة في حياة المفكر الراحل، وهي فترة كتابته لجريدة "ًصباح الخير" خلال فترتي الخمسينيات والستينيات، إذ يرى الصحافيان أن مقالاته الثرية في تلك الفترة كانت مبنية على تجاربه الشخصية وانطباعاته في الحياة، وجُمعت تلك المقالات في عدد من كتبه.
بابتسامة يُنهي أحمد القرملاوي - مسؤول النشر في ديوان- حديثه بأن محمود لا يجب أن يُصنّف في اتجاه بعينه، بل يستحق التأمل من جديد، ويوضح ذلك بالعودة إلى بدايات حياته، مُشيراً إلى أن مصطفى محمود بدأ كعازف عود "واستمر في عزف العود عشان يعيش ويدرس الطب، وبعدين دخل الصحافة كناقد فني، وكان صاحب عبد الوهاب وشادية".
ويتابع: "لذا فإن رحلة مصطفى محمود الفكرية مُتنوعة وثرية ولا تثْبت عند سطر واحد، مثلما رأتها الفنانة البصرية نورا علي، وعبّرت عنها على أغلفة أعمال ديوان بتصميم اسمه من خلال مُنحنيات صاعدة وهابطة، كسُلّم موسيقي"، ويُشير مدير نشر ديوان إلى أن المفكر المصري حصل على جائزة الدولة التشجيعية عن رواية "رجل تحت الصفر" عام 1970، كما حاز عليها مجدداً عن كتاب "مغامرة في الصحراء" عام 1975، "يعني محصلش عليها في الفكر الديني والإسلامي، لكن مرة في رواية الخيال العلمي، ومرة تانية أدب الرحلات".
ويلفت القرملاوي إلى أن أول ما فعلته دار ديوان حين تعاقدت على إعادة أعماله، إصلاح العود الخاص بالدكتور مصطفى محمود، ويعود عمر العود إلى أكثر من ثمانين عاماً "وهو ده المنطق اللي عايزين نقدم بيه المفكر المصري، إن احنا نرجّعه للحياة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون