مثير للجدل وشديد التأثير بسبب شعبيته الواسعة، هكذا كان مصطفى كمال محمود حسين آل محفوظ، المولود في شبين الكوم بمحافظة المنوفية في 27 ديسمبر 1921.
عشرات الأسئلة التي خلّفها وراءه، الطبيب الذي حصد شعبية هائلة في المجتمعات العربية بسبب برنامجه التلفزيوني الشهير "العلم والإيمان"، الذي كان يُذاع عبر التلفزيون المصري، متنقلاً في رحلة واسعة "بين الشك واليقين"، كما يصف.
تعود أصول مصطفى محمود إلى "الأشراف"، كما تروج الصحافة المصرية، ويقال أيضاً أن نسبه ينتهي إلى علي زين العابدين. بدأ حياته يتيماً، بعد وفاة والده مبكراً عام 1939، بعد أن عاش لسنوات قعيداً بسبب الشلل.
في كلية الطب بدأت مسيرة محمود التعليمية، ليحصل على درجة البكالوريوس عام 1953، ويصبح طبيباً متخصصاً في الأمراض الصدرية، لكن لم يستغرق عمله في الطب أكثر من 7 سنوات، قبل أن يقرر تحويل مساره بشكل مفاجئ، والتفرغ للكتابة والبحث منذ بدايات ستينيات القرن الماضي، جاء ذلك في الوقت الذي كانت فيه التلفزيونات العربية تستعد للخروج إلى النور.
رجل التحولات
قدم مصطفى محمود للمكتبة العربية طوال مسيرته، التي استمرت عدة عقود، ما يقرب من 90 كتاباً، تنوعت تصنيفاتها بين العلم والدين والفلسفة وعلم الاجتماع ودراسات العلوم السياسية، بالإضافة إلى المسرحيات، قصص أدب الرحلات والحكايات السردية. حققت أغلب تلك الكتب أعلى المبيعات على المستوى المحلي والإقليمي، بسبب تميز أسلوبه بالجاذبية والمزج ما بين العمق والبساطة.
"أرى أن هذا الرجل لا علاقة له بالعلم، لا من قريب ولا من بعيد. كان بمستوى طالب الصف الثاني الإعدادي، وكانت لدية موهبة تمكنه من الوصول للناس، وطبعاً كان هناك مشروع يجب تمريره"
التغيرات المفاجئة شكلت مسار مصطفى محمود، من التحول إلى الكتابة إلى التنقلات بين مختلف الأفكار والتوجهات الإيديولوجية، وقد فتحت تلك التحولات باب النقد في وجه مصطفى محمود، في ظل تشكيك البعض في صحة المعلومات العلمية التي كان يضمنها في برنامجه التلفزيوني الشهير.
الكاتب والمترجم المصري د. أشرف الصباغ، قال لرصيف22، إن الدكتور مصطفى محمود هو "نتاج الخلطة الجهنمية المرعبة التي جمعت بين "الاشتراكية والإسلام" و"العلم والإيمان"، هذه الخلطة لا يمكن أن تمر أو تؤثر بدون مشروع كامل يقوم بالتخديم عليها".
وأضاف الصباغ: "أنا أتحدث هنا من منطلق حصولي على الدكتوراه في الفيزياء النظرية والرياضيات، واهتمامي بالعلوم منذ الدراسة الثانوية بالإضافة لعملي بها لسنوات طويلة، ومن خلال ذلك أرى أن هذا الرجل لم يكن عالماً أو له علاقة بالعلم، لا من قريب ولا من بعيد. كان بمستوى طالب الصف الثاني الإعدادي، وكانت لدية موهبة تمكنه من الوصول للناس، وطبعاً كان هناك مشروع يجب تمريره، وهو الأمر الذي ساعد على تطوير هذه الموهبة لدى الدكتور مصطفى محمود، وفي الحقيقة كان المجتمع نفسه مستعداً لذلك، لأنه يعيش على الغيبيات والتلفيق والخلط".
"تضليل العوام والبسطاء"
قدم د. مصطفى محمود أكثر من 400 حلقة من برنامجه التلفزيوني الشهير "العلم والإيمان"، وقد حصد البرنامج شعبية كبيرة في الأوساط الشعبية المصرية، كما قام بتأسيس مسجده الشهير في شارع جامعة الدول العربية بالقاهرة عام 1979، وهو المسجد الذي تتبع له ثلاثة مراكز طبية تهتم بعلاج ذوي الدخل المحدود، بالإضافة لقوافل الرحمة التي تتكون من 16 طبيباً، ويضم المركز أربعة مراصد فلكية ومتحفاً للجيولوجيا.
"هذا الرجل لم يكن يتكلم في العلم إطلاقاً".
رغم شعبية البرنامج، يختلف أشرف الصباغ مع قوة تأثيره المزعومة، يقول الصباغ: "لا أستطيع القول بأن برنامج "العلم والإيمان" الذي كان يقدمه أثّر بشكل جذري على المجتمع، ولكن هذا البرنامج كان ضمن منظومة كاملة كانت ترعاها الدولة، هو الأمر الأخطر الذي ساهم في عملية تغييب إضافية وتضليل، في ظل مرحلة كانت تنمو فيها التيارات الظلامية باطراد وبرعاية الدولة نفسها، سواء كان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر. هذا الرجل لم يكن يتكلم في العلم إطلاقاً، لأنه كان يقتات على التلفيق والازدواجية والتضليل وخلط الأمور، ويحاول منطقة "أي كلام" بكلمات مزخرفة تخدع الأميين والجهلة والكسالى، ثم ينهي كل شيء بـ "سبحان الله" ليمنحه الشرعية وجواز المرور إلى عقول البسطاء. كانت كتبه تحتوي على كم هائل من القمامة الفكرية والدينية والعلوم الكاذبة، التي تم تغليفها جيداً بسور وآيات من القرآن وبعض الأحاديث والمقولات الدينية، وذلك تحت دعوى "تبسيط العلوم للعامة والبسطاء"، ولكن الحقيقة كانت "تجهيل وتضليل العوام والبسطاء"، ودفعهم إلى طريق أدى في نهاية المطاف إلى جزء كبير مما نحن فيه الآن".
كسر المعتقدات
هناك من يختلف مع رأي الصباغ ويرى لصاحب "العلم والإيمان" أيادي بيضاء. في استطلاع رأي لجماعة "فرقد" الأدبية عبر الويب، يقول الكاتب الصحفي الجزائري جمال الدين الصغير: "مصطفى محمود من الشخصيات المهمة في حياتي، تأثرت دائماً بجانبه الأدبي أكثر من كونه فيلسوفاً. كتبه كلها كانت عبارة عن إشكاليات يطرحها العديد من الباحثين، والأجمل من هذا أنه استطاع أن يكتب بحرية كبيرة، لدرجه كسره لعدة مقدسات وهمية، أوهمنا بها المجتمع ولم نجد أثرها في الشريعة الدينية".
"يحاول منطقة "أي كلام" بكلمات مزخرفة تخدع الأميين والجهلة والكسالى، ثم ينهي كل شيء بـ "سبحان الله" ليمنحه الشرعية وجواز المرور إلى عقول البسطاء"
"صحيح أختلف مع الدكتور مصطفى في عدة أمور، لكني أحترمه في عدة أمور أخرى، فأنا اليوم كاتب صحفي وروائي بفضله، لأنه جعلني أنحني احتراماً لتمرده، فجميع كتبه أحدثت ضجة إعلامية كبيرة. تعلمت منه أن أسمع قبل أن أحكم، وأن أقرأ ثم أكتب، وأن أشرح ثم أضع النهاية، لهذا تخليت عن التقليد، وأحاول صناعة أسلوبي الخاص في الكتابة. "رحلتي من الشك إلى الإيمان"، إلى "حوار مع صديقي الملحد"، إلى "شيطان يحكم"، إلى كتاب "رأيت الله"، وغيرها من الكتب التي أعتبرها كنزاً من الكنوز. لو استطعنا أن نجد أجوبة حقيقة لأسئلة كتبه، لصنعنا جيلاً حقيقياً متماسكاً لن يستطيع أحد أن يهزه بسؤال واحد".
"نجم الحقبة الساداتية"
في زمن الصدامات التي واكبت مقال "لماذا أنا ملحد؟" لإسماعيل أدهم، وخروج كتاب عميد الأدب العربي، طه حسين، عن الشعر الجاهلي إلى النور، بالإضافة للمعارك حامية الوطيس التي خاضها صاحب نوبل، نجيب محفوظ، بسبب روايته "أولاد حارتنا"، كان مصطفى محمود يخطو خطواته الأولى بعيداً عن الأضواء.
"لا تزال كتبه تباع".
يقول الكاتب الصحفي والروائي المصري علي عطا لرصيف22: "كان مصطفى محمود نجم نجوم الحقبة الساداتية، ومعه على قدم المساواة، متولي الشعراوي والشيخ كشك. والغريب أن جمهور هؤلاء الثلاثة الذي يبدو مختلفاً، كان متشابهاً. ومن خلال متابعتي لسوق الكتاب، مازال لمصطفى محمود شعبية جارفة، لا تزال كتبه تباع، ولازالت حلقات "العلم والإيمان" تحظى بأرقام مشاهدة عالية جداً على يوتيوب".
وعن تأثيرات مصطفى محمود الاجتماعية، يقول عطا: "بالطبع له أثر ممتد في تقديم اجتهادات تؤكد أن ما من علم إلا وستجده في القرآن، وهذا بالطبع تعسف في الرؤية يناسب الكسالى، ممن يعطلون عمل عقولهم عمداً، بالإضافة لاجتهاده الأكثر إثارة للجدل في أوساط "المؤمنين" الخاص بإنكاره عذاب القبر. أما أخطر ما كان يعكسه مصطفى محمود فقد كان الإيمان المطلق، والذي ترسخ عبر رحلة شك طويلة، وهذا في حد ذاته ما يضرب العلم في مقتل، بما أن العلم لا يعرف اليقين ويتجدد دائماً عبر الشك".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...