شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
أجساد تقاوم البرد وإجراءات حكومية

أجساد تقاوم البرد وإجراءات حكومية "بطيئة"... محنة منكوبي زلزال الحوز لم تنتهِ بعد

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والمشرّدون

الثلاثاء 13 فبراير 202409:00 ص

بدأت القصة عندما تحركت الأرض من تحت الأقدام ليلة الثامن من أيلول/ سبتمبر 2023. ظنّ كثيرون في البداية أنها مجرد هزة أرضية عابرة، لكن قوة الهزة التي وصلت إلى 7 درجات على مقياس ريختر، قلبت حسابات سكان خمسة أقاليم مغربية، لا سيّما مع ارتفاع حصيلة الضحايا إلى قرابة ثلاثة آلاف قتيل، وأكثر من ستة آلاف جريح.

أزيد من خمسة أشهر مرت على كارثة "زلزال الحوز"، ولم ينعكس طول المدة بالإيجاب على سكان المناطق المنكوبة. فما تزال أجسادهم تقاوم برودة العراء في خيام الإقامة المؤقتة بينما الإجراءات الرسمية "بطيئة" وتؤخّر أملهم في منازل خاصة تأويهم.

ماذا فعلت الحكومة؟

ما إن ظهرت شمس اليوم التالي للزلزال، حتّى بدأت الحكومة المغربية باستنفار مصالحها وهياكلها لإنقاذ الأحياء واجتثاث الضحايا أسفل الأنقاض. بتدخل من أعلى سلطة في البلاد، أُعلن عن حزمة من التدابير المستعجلة في إطار إعادة الإعمار، بداية بمنح يتامى الزلزال صفة "مكفولي الأمة" - ما تترتب عليه فوائد مالية وصحية وتعليمية عديدة، إلى جانب إقرار منح إعادة بناء تتراوح بين 8 و14 ألف دولار، حسب حجم تضرر المنازل. 

لم تكن هذه التدابير المعلن عنها إلا لترفع من منسوب الطمأنينة لدى سكان المناطق المنكوبة حيث عبّرت عن حضور الدولة إلى جانب المواطنين في الفاجعة. لكن وبمرور الأيام وتوالي الأسابيع، بدأ البطء يسم تدخّل الدولة. وزادت معاناة المتضررين بسبب ظروف المعيشة وصعوبة الطقس إذ لا يمكن مواجهتهما من داخل الخيام البلاستيكية. 

ورغم سخط المنكوبين في الوقت الراهن، فإنّ بيانات الحكومة تُظهر العكس. تقول البيانات إن عدد الأسر المستفيدة من الدعم الشهري (250 دولاراً) بلغ 57 ألفاً و596 أسرة في حين استفادت أكثر من 44 ألف أسرة من الدفعة الأولى من دعم السكن (2000 دولار). أما اللجنة البين وزارية المكلفة ببرنامج إعادة البناء وتأهيل المناطق المتضررة، فتشير إلى إصدار تراخيص إعادة البناء لمصلحة 30 ألف أسرة تمكّنت من الاستفادة من المواكبة الدقيقة ومن تصاميم تراعي خصوصيات كل منطقة على حدة.

"العيش في الخيام يفتقر إلى الشروط الضرورية" و"الأطفال أنهكهم البرد"... متضررو زلزال الحوز يشكون "بطء" الإجراءات الحكومية و"التعنت" في "إقصاء" البعض منهم من التعويضات، والحكومة ترد بأنها "تعالج الأمور بما يلزم" 

مراراً وتكراراً، ترفض الحكومة اتهامها بـ"التخلي" عن منكوبي الزلزال بالأقاليم الخمسة، وتشير عبر المتحدث الرسمي باسمها وأعضائها في مختلف اللقاءات والندوات وجلسات البرلمان كذلك، إلى أنها "تعالج الأمور بما يلزم وتعمل على صرف التعويضات الشهرية لفائدة المتضررين، مع تقدمها تدريجياً في ملف إعادة الإعمار والبناء". أما رئيس الحكومة، فيسعى لإبراز مواكبته للموضوع عبر ترؤسه بين الفينة والأخرى اجتماعات الهيئات المعنية.

برودة الشتاء تعمق المعاناة

مع بلوغ فصل الشتاء ذروته، يواجه المنكوبون الطقس الشديد البرودة في مناطق جبلية يتعدى ارتفاع بعضها الألف أو الأربعة آلاف متر عن سطح البحر. العيش في الخيام البلاستيكية لشهور متواصلة يضاعف معاناة المنكوبين سيّما مع محدودية مساحتها (بين 15 و25 متراً) وكثرة أفراد الأسرة الواحدة أحياناً، واشتمالها على أطفال وكبار في السن أيضاً، في ظل صعوبة التعامل مع مسألة الصرف الصحي وطهي الطعام وتخزينه والتنقل والعمل وتقلبات الجو وغيرها.  

علي أوبلا، من سكان دوار "تابيا" التابع لمنطقة "الزاوية النحيلية" في إقليم شيشاوة، يعيش رفقة زوجته وطفليه في الخيمة منذ يوم الزلزال، ويصف ذلك بأنه "وضع صعب للغاية". يشرح لرصيف22: "العيش في الخيام عيش يفتقر إلى الشروط الضرورية، وهو كذلك نمط عيش بعيد عن الإمدادات الكافية من الماء والكهرباء والغذاء. لأكثر من خمسة أشهر، نعيش بلا ثلاجة، ونجلب ما يكفينا من طعام حتى لا يفسد بعد أن فسدت كميات كبيرة من الأغذية التي تسلّمناها من المتبرعين  الذين زارونا في الأيام الأولى للكارثة".

وعن مسائل الصرف الصحي والاستحمام، يقول علي إن "السكان هنا نصبوا مراحيض عشوائية علّها تخفف وطأة العزلة، وعادة ما نلجأ نحن الرجال إلى الخلاء لقضاء أغراضنا البيولوجية. أما الحديث عن الاستحمام وغسل الثياب، فنقوم بهما بشق الأنفس".

يردف علي بأن "الأطفال أنهكهم البرد الذي يميز هذه الفترة، حيث أن هذه الخيام المتواضعة التي نحتمي داخلها لم تعد قادرة على مواجهة درجات الحرارة التي تكون منخفضة جداً" لذا "آمل أن تسرع الدولة بإعادتنا إلى الحياة، فنحن في هذه الحالة مجرد أجساد واقفة لا غير".  

كذلك يقول محمد بلحسن، المتحدث باسم ضحايا الزلزال بمنطقة أمزميز (على بعد 55 كيلومتراً عن مدينة مراكش السياحية)، إن الوضع ما يزال على حاله مع مرور خمسة أشهر، إذ يترقّب السكان مصيرهم في ظل "بطء تدخل الدولة لحل هذه المعضلة. فالمدة الماضية مرت دون أن يتم توفير المأوى للناس، سواء ممن تعرضت منازلهم للهدم كلياً أو جزئياً".

يعيش محمد مع أسرته المكونة من خمسة أفراد في الخيمة بعد أن غادر منزله الذي تعرض لضرر بليغ بفعل الزلزال. يقول لرصيف22 إنه كجميع السكان بأمزميز "سئم من استمرار هذا الوضع". ويشرح: "ما يزال عدد من الناس ينتظرون الاستفادة سواء من الدعم الشهري أو دعم إعادة البناء. وتتشدد السلطات في مسألة إعادة البناء إذ يتطلب الأمر من الأسرة المنكوبة الحصول على رخص رسمية يتم منحها بعد إجراء دراسة على جغرافية السكن المفترض". 

وبعد الحصول على الدفعة الأولى من دعم إعادة البناء، يقدم رب الأسرة طلباً إلى السلطات المحلية  تمهيداً لقيام لجنة مراقبة بالوقوف على مختلف خصائص موقع إعادة البناء. لاحقاً، تقوم اللجنة -المكونة من مهندس معماري وطبوغرافي وممثل مكتب دراسات ومختبر تقني- بإعداد ملف تقني يتضمن مختلف المعلومات عن الرقعة الجغرافية المعنية. وبعد انتهاء الدراسة الأولية وإذا كانت جميع المؤشرات إيجابية، يُطلب من السلطات المحلية منح رب الأسرة الرخصة. ويُكلّف مهندس معماري بتتبع سير أعمال إعادة البناء للتأكد من مطابقتها للتصاميم المرخصة ولتصاميم الخرسانة، واحترام مواد البناء المصرّح بها، ومع انتهاء هذه العملية يُسلّم رب الأسرة رخصة سكن.

يبدو الأمر سلسلاً وتراتبياً وسريعاً لكنه في الواقع لا يبدو كذلك.

يلحظ محمد واكريم، من سكان دوار أمسلان، في منطقة "ويركان" بإقليم الحوز، حالة من التمييز في الاستجابة لأضرار الزلزال بالمناطق القروية والجبلية مقارنة بالمناطق الحضرية. يقول لرصيف22: "ما يزال الوضع كما هو. الأنقاض في مكانها تنتظر أن يرفعها السكان لتشييد منازلهم. هنالك فرق ملاحظ في تقدم الإجراءات بين المناطق التي تقع قرب المدن وبين تلك التي تحتضنها الجبال والتضاريس الوعرة. نحن هنا نرتفع عن سطح البحر بنحو 4400 متراً، ونبعد عن المركز بنحو 20 كيلومتراً، والمنطقة أغلبها طرق غير معبّدة، فلا تقدّم يحدث".

لكنه يشير إلى "تحسن" في تقديم الدعم الشهري للأسر لأن "غالبية الأسر حصلت على الدفعات الأولى. أما دعم إعادة البناء، فوتيرة الصرف بطيئة وأسر تّعد على رؤوس الأصابع هي التي تسلمت فقط الدفعة الأولى التي وصلت قيمتها إلى 2000 دولار".

يبرر واكريم ذلك نسبياً بأن "السلطات تتعامل بحساسية وصرامة كبيرة مع هذا الملف" من حيث الإجراءات والتراخيص الضرورية، ويقول: "لا يبدو أن هنالك رؤية موحدة لدى السلطات في مسألة إعادة البناء. فهي مثلاً لا تسمح بتغيير موقع المنزل إلى موقع آخر ضمن نفس القرية، في حين أن والي الجهة يوافق ما دام الأمر متعلقاً بمستفيد واحد".

غير مقيم بصفة دائمة... إذن لن تستفيد

على بعد عشرات الكيلومترات من مدينة مراكش، يقع دوار تنصغارت، إحدى المناطق المتضررة. غالبية منازل هذا الدوار تضررت بالزلزال، في وقت ناهزت أعداد الوفيات والجرحى العشرات. منتصر أحولي، شاب ثلاثيني من المنطقة يقول إنه وآخرين يتعرضون لـ"الإقصاء من الاستفادة من دعم إعادة البناء الذي أقرته السلطات" بذريعة أنه "غير مقيم بصفة غير دائمة" هناك.  

ويوضح لرصيف22: "فقدت منزلاً من طابقين ونصف بشكل كامل يوم الزلزال. وخلافاً لكل التوجيهات الرسمية التي استبشرنا بها خيراً، وجدت نفسي وأسرتي خارج سجلات المستفيدين"، مردفاً "صحيح أني أشتغل بمدينة الرباط غير أنني كافحت لسنوات من أجل أن أنشئ منزلاً هنا بالبلدة. كان بودي أن أستقر بالمدينة، غير أن الارتباط بالأرض يفرض نفسه على اعتبار أني المعيل الوحيد لأسرتي الصغيرة". 

ويتابع منتصر أن أعمال البناء في منزله بالدوار كانت ما تزال جارية حين وقعت الهزة الأرضية، مبرزاً أنه وأسرته حالياً يسكنون "خيمة تنعدم فيها أبسط شروط العيش الكريم". لا يحصل منتصر كذلك على مبلغ الإعانة الشهرية (250 دولاراً) ويقول إن بعض الجيران الذين يستفيدون من المنحة أعربوا له عن استعدادهم منحه قسطاً منها لإعانته على خسارته المتعددة الجوانب.

ويتساءل الشاب القروي: "لا أدري بأي معيار يتم إقصاء أسر كاملة من الاستفادة في وقت استفادت فيه أخرى في نفس المستوى من الضرر. لقد أبانت السلطات عن فشل ذريع في التعامل مع معاناة المتضررين. بمجرد أن انطفأت الكاميرات، تحول الجميع إلى ببغاوات يرددون نفس الجمل"، ويشدد على أن "أسراً بكاملها أُقصيت من الاستفادة من الدعم الحكومي المبرمج لمجرد أن عناوين هويات أفرادها الوطنية تحمل عناوين مقار عملهم بالمدن، على الرغم من كونهم فقدوا منازلهم بالبلدة".

عقب الإقصاء على معطى "عدم الإقامة الدائمة"، سلك منتصر ومن تعرضوا للموقف نفسه، طرقاً قانونية لمساواتهم ببقية المتضررين. فراسلوا قائد قيادة أسني وعامل إقليم الحوز، إلى جانب وسيط المملكة. ثم راسلوا رئاسة الحكومة والديوان الملكي جراء عدم الاستجابة. "الخطوة المقبلة، ما لم تتم إعادة النظر في قرار إقصائي، ستكون التوجه إلى القضاء عبر المحكمة الإدارية"، يتوعّد منتصر. 

أحد متضرري زلزال الحوز لرصيف22: "ما يزال الوضع كما هو. الأنقاض في مكانها تنتظر أن يرفعها السكان لتشييد منازلهم. هنالك فرق لافت في تقدم الإجراءات بين المناطق التي تقع قرب المدن وبين تلك التي تحتضنها الجبال والتضاريس الوعرة. نحن هنا نرتفع عن سطح البحر بنحو 4400 متر، ونبعد عن المركز بنحو 20 كيلومتراً، والمنطقة أغلبها طرق غير معبّدة، ولا تقدّم يحدث"

في مواجهة السلطة    

لم تخلُ عملية إحصاء المستفيدين من مختلف أنواع الدعم الحكومي المخصص لتدبير فترة ما بعد الزلزال من نزاعات بين السلطة والمواطنين المتضررين. فظهرت حالات اتُهِمَ فيها أعوان السلطة بـ"اللجوء إلى تصفية حساباتهم مع المواطنين". مثال على ذلك أيضاً من دوار تنصغارت حيث وقّع نحو 75 شخصاً من سكانه على عريضة أُرسلت إلى السلطات الإقليمية والوزارية ضد عون سلطة اتهمه الموقعون بـ"التلاعب في مسار دعم ضحايا الزلزال" لإنهاء خصومات أو التنكيل بمواطنين دون غيرهم.

حسب نص العريضة، التمس المتضررون من السلطات المعنية توقيف عون السلطة المشتكى عليه، والتحقيق معه، وإنابة آخر للمنصب، بدعوى أن المشكو في حقه "كان وراء عدم استفادتهم من الدعم الشهري المقدرة قيمته بـ250 دولاراً بأن وظّف أهواءه وأجندته الشخصية في تسجيل الأشخاص ممن تشملهم المساعدات الحكومية".

لم يحصل الشاكون على رد على طلباتهم، ما فهموا منه رفض الاتهامات المنسوبة لعون السلطة.

من أجل المنكوبين

بينما لم يعد الاهتمام بأحوال المناطق المتضررة يغري الكثيرين، ما يزال عدد من الفاعلين المدنيين والمنظمات المدنية يسعى إلى دعم المتضررين ودفع الحكومة نحو الالتزام بتعهداتها. عبد الحميد بجيح، الناشط المدني والمتحدث الإعلامي باسم "تنسيقية الحوز" التابعة لـ"الائتلاف المدني من أجل الجبل" يقول لرصيف22: "ما أعلنت الدولة عن القيام به يجب تثمينه، غير أن هذه الإجراءات تتسم بنوع من البطء، فالأمور ما تزال تعتمد على وسائل تقليدية تصطدم ببيروقراطية الإدارة". يقصد عبد الحميد بذلك عدم إنشاء منصة رقمية لاستقبال شكاوى المنكوبين الذين يواجهون عراقيل في التعامل مع روتين الإجراءات والإدارات الحكومية.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

لعلّ تعريفنا شعوباً ناطقةً بالعربية لم يعد يستقيم من دون الانتباه إلى أننا صرنا شعوباً متفلّتةً من الجغرافيا. الحروب الدائرة في منطقتنا والنزاعات الأهلية والقمع، حوّلتنا إلى مشردين، بين لاجئين ونازحين، وأي تفكير في مستقبلنا لم يعد ممكناً من دون متابعة تفاصيل حياة الجميع، أينما كانوا، وهو ما نحرص عليه في رصيف22. اكتبوا قصصكم. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard